«إنَّ أعظمَ الأيام عند اللَّه -تبارك وتعالى- يومُ النَّحْرِ، ثم يومُ الْقَرِّ» قال عيسى: قال ثوْرٌ: وهو اليومُ الثاني، وقال: «وقُرِّبَ لرسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- بَدَنَاتٌ خمْسٌ أو ستٌّ فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إليه بأَيَّتِهِنَّ يبدأُ، فلمَّا وجَبَتْ جُنُوبُهَا، قال: فتكلَّمَ بكلِمةٍ خَفِيَّةٍ لم أفهمْهَا، فقلتُ: ما قال؟ قال: مَن شاءَ اقْتَطَعَ».
رواه أحمد برقم: (19075)، وأبو داود برقم: (1765) واللفظ له، والنسائي في الكبرى برقم: (4083)، من حديث عبد الله بن قُرْطٍ -رضي الله عنه-.
مشكاة المصابيح برقم: (2643)، صحيح سنن أبي داود برقم: (1549).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«يوم النحر»:
سُمي به؛ لأنهم كانوا ينحرون البُدْن. الأزمنة والأمكنة، للمرزوقي (ص: 167).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
«يوم النحر» أي: يوم تنحر فيه الأضاحي في سائر الأقطار، والهدايا بمنى. التوضيح (26/ 613).
«يوم القَرِّ»:
هو اليوم الذي يلي يوم النحر، وإنَّما سُمِّيَ يوم القَرِّ؛ لأن الناس يُقِرُّون فيه بمنى؛ وذلك لأنهم قد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر، فاستراحوا، وقَرُّوا. معالم السنن للخطابي(2/ 157).
«فَطَفِقْنَ»:
أي: بادرن. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (8/ 279).
«يَزْدَلِفْنَ»:
أي: يقتربن، وأصل الدال تاء، ثم أُبدلت من التاء دال، ومنه: المزدلفة؛ لاقترابها إلى عرفات، ومنه قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} الشعراء: 90. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (8/ 279).
«وجَبَتْ جُنُوبُهَا»:
أي: سقطت إلى الأرض بجنوبها، والوجوب: السقوط، يقال: دفعته فوجب، أي: سقط، ووجوب الشمس سقوطها في المغرب.شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (8/ 280).
«اقْتَطَعَ»:
أي: من شاء أن يقتطع من لحم البُدن فليقتطع. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (8/ 280).
شرح الحديث
قوله: «إنَّ أعظمَ الأيام عند الله يوم النَّحْرِ، ثم يوم القَرِّ»:
قال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «إنَّ أعظم الأيام» أي: من أعظم الأيام، وإلا فقد ورد في الحديث: «أن أفضل الأيام يوم عرفة»؛ فأفضل الأيام عشرة ذي الحِجة ويوم النّحر منها. لمعات التنقيح (5/ 392).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «إنَّ أعظم الأيام» أي: أيام الحج؛ لكثرة ما فيها من مناسكه، أو مُطلق الأيام. فتح الودود(2/ 304).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«إنَّ أعظم الأيام» أي: منزلة «عند الله». بذل المجهود(7/ 80).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«يوم النحر» يوم عيد الأضحى، و«يوم القَرِّ» يوم الذي بعده، سُمِّيَ يوم القَرِّ؛ لأن الحجاج قد فرغوا من التردد من أفعال الحج في ذلك اليوم. المفاتيح(3/ 322).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
«يوم القَرِّ» أول أيام التشريق، سُمِّيَ بذلك لأن الحجاج يُقِرُّوْنَ فيه بمنى، ولا ينفرون عنه، بخلاف اليومين الآخرين، ولعل المقتضي لفضلهما فضل ما يخصُّهُما من وظائف العبادات. تحفة الأبرار (2/ 167).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«إن أفضل الأيام عند الله: يوم النحر، ثم يوم القَرِّ» يوم القَرِّ اليوم بعد يوم النحر؛ لأن الناس يَقَرُّوْنَ يومئذٍ في منازلهم بمنى.
فإن قيل: قد ورد من الأحاديث الصحاح في فضل يوم عرفة ما قد دل على أنه أفضل الأيام، وفي كتاب الله: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} التوبة: 3، وهو يوم عرفة، فكيف التوفيق بين ذلك وبين هذا الحديث؟
قلنا: أما قوله تعالى: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} التوبة: 3، فقد اختلف في تأويله، فقيل: يوم عرفة، وقيل: يوم النحر، والأغلب والأقوى أنه يوم عرفة؛ لأن تعلق الحج به أقوى من تعلقه بيوم النحر، ألا ترى أن يوم عرفة لو فات فات إلى غير بدل، وإلى هذا المعنى التفت النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «الحج عرفة».
وأما الأحاديث فهي صحيحة، ولكن ليس في شيء منها أن يوم عرفة أفضل الأيام، والحديثان وإن لم يكن بينهما تضاد -أعني: حديث فضل يوم عرفة، وحديث فضل يوم النحر-، ولكننا أحببنا أن نقف على حقيقة المعنى في هذا الحديث، وعلى معرفة ما أشكل منه فوجدنا في الحديث الصحيح ما قد دل على أن الأيام العشر أفضل الأيام؛ لأنها أحب الأيام إلى الله تعالى؛ وإذ قد وجدنا الفضل بعد يوم النحر ليوم القَرِّ، ووجدنا العشر من ذي الحجة أفضل الأيام وأحبها إلى الله تعالى، ويوم القَرِّ ليس من جملتها علمنا أنَّ يوم عرفة غير داخل في جملة الأيام التي أفضلها يوم النحر، والتخصيص جائز في مثل ذلك؛ ذهابًا إلى حضور معنى الخصوصية فيه، ويكون معنى قوله: «أفضل الأيام يوم النحر» أي: من أفضل الأيام، كما يقال: فلان أعقل الناس وأعلمهم، أي: من أعقل الناس وأعلمهم، وعلى مثل هذا يؤل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ما شيء في الميزان أثقل من خلق حسن»، ومعلوم أنَّ الإيمان أثقل منه، وكذلك الصلاة فرائض الإسلام.
ويحتمل أنَّ يُراد بتلك الأيام: يوم النحر، وأيام التشريق. الميسر (2/ 618، 619).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر» وهو يوم الحج الأكبر على الصحيح عند الشافعية ومالك وأحمد؛ لما في البخاري: أنه -صلى الله عليه وسلم- وقف يوم النحر بين الجمرات، وقال: «هذا يوم الحج الأكبر»، وقيل له: "الأكبر" للاحتراز من الحج الأصغر وهو العمرة، وفي هذا الحديث مع حديث البخاري: دلالة على أنه أفضل أيام السَّنة.
لكن الأصح فيمن قال: امرأتي طالق في أفضل أيام السَّنة، أنها تطلق يوم عرفة؛ لما روى ابن حبان في صحيحه عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فلم ير يومًا أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة»، وقيل: تطلق يوم الجمعة لرواية مسلم وغيره: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة»، ويجمع بينهما أن أفضل الأسبوع يوم الجمعة وأفضل السَّنة يوم عرفة.
«ثم يوم القَرِّ» بفتح القاف وتشديد الراء، وهو اليوم الثاني الذي يلي يوم النحر؛ سُمِّيَ بذلك لأن الناس يَقِرُّون فيه بمنى، وقد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر، فاستراحوا وقَرُّوْا، أي: استَقَرُّوا بمنى، ورواه ابن حبان ولفظه: «أفضل الأيام عند الله يوم النحر ويوم القَرِّ»، ويُسمّى يوم النحر يوم الرؤوس؛ لأن الناس يأكلون فيه رؤوس الهدي والأضاحي، ويسمى اليوم الثاني يوم النفر الأول، ويسمى يوم الأكارع، ويسمى اليوم الثالث يوم الخلاء بالمد؛ لأن منى تخلو فيه. شرح سنن أبي داود (8/ 278، 279).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«عند الله» أي: في حكمه...، «يوم النحر» أي: أول أيام النحر؛ لأنه العيد الأكبر، ويعمل فيه أكبر أعمال الحج، حتى قال تعالى فيه: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} التوبة: 3 ، «ثم يوم القَرّ» بفتح القاف وتشديد الراء، أي: يوم القرار، بخلاف ما قبله، وما بعده من حيث الانتشار، قال بعض الشراح: وهو اليوم الأول من أيام التشريق؛ سمي بذلك لأن الناس يَقِرُّون يومئذٍ في منازلهم بمنى، ولا ينفرون عنه، بخلاف اليومين الأخيرين، ولعل المقتضي لفضلهما فضل ما يخصهما من وظائف العبادات، وقد ورد في الحديث الصحيح: أن عرفة أفضل الأيام، فالمراد ها هنا أي: من أفضل الأيام، كقولهم: فلان أعقل الناس، أي: من أعقلهم، والمراد بتلك الأيام: يوم النحر، وأيام التشريق. مرقاة المفاتيح (5/ 1826).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -رحمه الله-:
فهذا دليل على فضل يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر، وكذلك فضل اليوم الذي يليه، وهو يوم القَرِّ، وهو اليوم الثاني عشر. شرح سنن أبي داود (210/ 15).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة باتفاق العلماء، وأفضل أيام العام هو يوم النحر، وقد قال بعضهم: يوم عرفة، والأول هو الصحيح؛ لأن في السنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القَرّ»؛ لأنه يوم الحج الأكبر في مذهب مالك والشافعي وأحمد، كما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يوم النحر هو يوم الحج الأكبر»، وفيه من الأعمال ما لا يعمل في غيره، كالوقوف بمزدلفة ورمي جمرة العقبة وحْدَهَا والنحر والحلق وطواف الإفاضة، فإنَّ فعل هذه فيه أفضل بالسُّنة واتفاق العلماء -والله أعلم-. مجموع الفتاوى (25/ 288).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وصرح أصحابنا الشافعية بأنه (الجمعة) أفضل أيام الأسبوع، وأن يوم عرفة أفضل أيام السَّنة، واختلفوا في أفضل الأيام مطلقًا على وجهين: أصحهما أنه يوم عرفة. طرح التثريب (3/ 217).
وقال المناوي -رحمه الله-:
الجمهور على أنَّ يوم عرفة أفضل، ثم النّحر. فيض القدير (2/ 3).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
أما أفضل أيام العام فعرفة والنحر، وأفضلهما عند الشافعي عرفة؛ لأن صيامه يُكفِّر سنتين، وما مِن يوم يعتق الله فيه الرِّقاب أكثر منه فيه؛ ولأن الحق سبحانه يباهي ملائكته بأهل الموقف، وقيل: الأفضل يوم النحر؛ ففيه التضرع والتوبة، وفي النحر الوفادة والزيادة. فيض القدير (2/ 28).
قوله: «قال عيسى: قال ثور: وهو اليوم الثاني»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قال ثور» يعني: أحد رواة الحديث: «وهو» أي: يوم القَرِّ هو «اليوم الثاني» أي: من أيام النحر، أو من أيام العيد، فلا ينافي ما سبق من أنه أول أيام التشريق. مرقاة المفاتيح (5/ 1826).
قوله: «قال: وقُرِّبَ لرسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- بَدَنَاتٌ خمْسٌ أو ستٌّ»:
قال البيضاوي -رحمه الله-:
«بدنات» بفتح الدَّال: جمع بَدنة. تحفة الأبرار(2/ 167).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قال» أي: عبد الله «وقُرِّب» بتشديد الراء مجهولًا «لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدنات خمس أو سِتٍّ» شك من الراوي، أو ترديد من عبد الله، يريد تقريب الأمر، أي: بدنات من بدن النبي -صلى الله عليه وسلم-. مرقاة المفاتيح (5/ 1826).
قوله: «فطفقن يزدلفن إليه، بأيتهن يبدأ»:
قال التوربشتي -رحمه الله-:
«يزدلفن إليه» أي: يقربن منه، ويتقدمن نحوه، يقال: تَزَلَّفَ وازدلف، أي: تقدَّم. الميسر (2/ 619).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«يزدلفن» أي: يقتربن، أي: يسعى كل واحد من تلك البدن إلى رسول الله -عليه السلام- لينحرها رسول الله -عليه السلام- قبل الباقيات، وهذا من مُعجزات النبي -عليه السلام- تقبل الحيوانات وصول يد رسول الله -عليه السلام- إليها شرفًا لها. المفاتيح (3/ 322).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«بأيتهن يبدأ» ذبحها، وفي هذا: معجزة ظاهرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسارعة الدواب التي لا تعقل إلى إراقة دمها، واقترابهن إليه تبركًا به -صلى الله عليه وسلم- وبيده الكريمة، والمؤمن أولى منهن وأحق أن يبذل مهجته في محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والذَّبِّ عن شريعته. شرح سنن أبي داود (8/ 279 ، 280).
وقال السندي -رحمه الله-:
ولا يخفى ما فيه من المعجزة والدلالة على محبة الحيوانات العُجْم الموت في سبيل الله. حاشيته على مسند أحمد (4/428).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قال العلماء: هذا إذا كان من معجزاته ومن التقرُّب إليه، (فقد) كانت الشجرة تتقرَّب إليه، وهي جماد، فكيف بالحيوان؟! الأزهار، مخطوط لوح (255).
قوله: «فلما وجَبت جُنوبُها»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «وجبت جنوبها» معناه: زهقت أنفسها، فسقطت على جنوبها، وأصل الوجوب: السقوط. معالم السنن (2/ 157).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«فلما وجبت جنوبها» المراد منه: زهوق النفس، وسكون النسايس (جمْع نسيسة وهي بقية النَّفْس) وتفسير اللفظ في وجوب الجنوب: وقوعها على الأرض، من وجب الحائط وجوبًا: إذا سقط، ووجبت الشمس وجوبًا إذا غربت، قلتُ: وقد استعمل الراوي في قوله هذا لفظ التنزيل، قال الله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} الحج: 36، وفي هذا الكلام من البلاغة ما لا يخفى على ذي الفهم مبلغه؛ وذلك أن الله تعالى ذكر البُدن، وعظم شأنها، ثم أشار بمقتضى اللفظ إلى أنها تنحر قيامًا، فإن وجوب الجنوب منها إنما يتصور إذا كانت قائمة، وتلك السُّنة فيها. الميسر (2/ 619).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
قوله: «فلمّا وجَبت جنوبها» معناه: سقطت جنوبها على الأرض، وهي كناية عن موتها، وزهوق روحها، فإنها إذا كانت تنحر قيامًا كان سقوطها على الأرض حين تزهق روحها، وتتقطع قواها. تحفة الأبرار (2/ 167).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فلما وجبت» أي: سقطت «جنوبها» جمع: جنب، والوجوب بمعنى: السقوط، أي: سقطن على الأرض لسراية النحر. لمعات التنقيح (5/ 393).
قوله: «قال: فتكلَّمَ بكلِمةٍ خَفِيَّةٍ لم أفهمْهَا، فقلتُ: ما قال؟ قال: مَن شاءَ اقْتَطَعَ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«قال: فتكلَّم بكلمة» أي: قال الراوي: فتكلَّم رسول الله -عليه السلام- حين نحرها بكلمة ما فهمتها؛ لكوني بعيدًا «فسألتُ الذي يليه» أي: كان واقفًا عنده عن تلك الكلمة، فقال ذاك الرّجل: قال رسول الله -عليه السلام- حين نحرها: «من شاء فليقتطع» أي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ابعث هذا الهدي للمحتاجين، من شاء فليقتطع. المفاتيح (3/ 322 ، 323).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قال: فتكلَّم» أي: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، «بكلمة خفية» سمعتُ منها هينمتها (الكلام الذي لا يفهم)، فلذلك «لم أفهمها»، قال عبد الله بن قُرْط: «فقلتُ: ما قال؟» أي: سأل من يليه عما قال، «قال: من شاء اقتطع» أي: من شاء أن يقتطع منها فليقتطع. شرح سنن أبي داود (8/ 280).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«قال» أي: الراوي «فتكلَّم» أي: النبي -عليه الصلاة والسلام- حين نحر الإبل «بكلمة خفية لم أفهمها»؛ لبعد مكاني عن مكانه -صلى الله عليه وسلم-؛ «فسألتُ الذي يليه» -صلى الله عليه وسلم- تلك الكلمة، «فقال» ذلك الرجل: «قال» -صلى الله عليه وسلم- حين نحرها: «من شاء فليقطع» أي: فليأخذ منها قطعة، كأنه يشير إلى قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} الحج: 36. شرح المصابيح (3/ 311، 312).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«مَن شاء اقتطع» أي: ليقتطع من شاء من هذا الهدي شيئًا لنفسه. لمعات التنقيح (5/ 393).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
في قوله: «من شاء اقتطع» دليل على جواز هبة المشاع.
وفيه: دلالة على جواز أخذ النثار (ما يُنْثَر من الجَوز واللّوز والسُّكّر في العُرْسات) في عقد الإملاك (الأنكحة)، وأنه ليس من باب النُّهْبَى، وإنما هو من باب الإباحة، وقد كره ذلك بعض العلماء؛ خوفًا أن يدخل فيما نهى عنه من النُّهْبَى. معالم السنن (2/ 157).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
ولأنَّ مزاحمة سفلة الناس (حال الأخذ من النثار) فيه إخلال بالمروءة. شرح سنن أبي داود (8/ 280).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
فيه: دلالة على صحة هبة المشاع، وبه قال الشافعي والأكثرون، وقال أبو حنيفة: صحَّت من الشريك، ولا تصحُّ من غيره. الأزهار مخطوط لوح (255).
وقال الماوردي -رحمه الله-:
فأما إنْ نحره وغمس نعليه في دِمِه وضربها على صفحته، ولم ينادِ في الناس به، ولا أعلمهم بإباحته، فهل يجزئه، وتستبيح الناس بذلك أكله أم لا؟ على قولين:
أحدهما -وهو قوله في القديم-: إنَّ هذه علامة يستبيح الناس أكله بها كالنداء عليها.
القول الثاني -قاله في الجديد، وهو الصحيح-: ليست هذه علامة يُستباح بها الأكل إلا بالنداء عليها؛ لأن هذا العقد قد يحتمل أن يكون عن واجب في تطوع يستبيح الناس أكله، وقد يحتمل أن يكون عن واجب في ذمته لا يستبيح الناس أكله، فلم يتميَّز أحدهما عن الآخر إلا بالنداء. الحاوي الكبير (4/ 966 -967).
وقال العيني -رحمه الله-:
يُستفاد منه (أي: هذا الحديث) أحكام:
1. فضيلة يوم النحر، وأنَّه أعظم الأيام عند الله، ثم من بعده يوم القَرِّ وهو اليوم الثاني منه.
2. وفيه: دليل على جواز هبة المشاع...
3. وفيه: دليل على جواز أخذ النثار الذي فيه الإذن والإباحة -والله أعلم-. نخب الأفكار (10/ 489).