الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«الصِّيامُ والقرآنُ يَشْفَعَانِ للعبدِ يومَ القيامةِ، يقولُ الصِّيامُ: أَيْ ربِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعامَ والشَّهواتِ بالنَّهارِ، فَشَفِّعْنِي فيه، ويقولُ القرآنُ: مَنَعْتُهُ النَّومَ باللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فيه، قال: فَيُشَفَّعَانِ».


رواه أحمد برقم: (6626) واللفظ له، والحاكم برقم: (2036)، والطبراني في الكبير برقم: (88)، والبيهقي في الشعب برقم: (1839)، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع (3882)، صحيح الترغيب، والترهيب برقم: (984).  


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«يَشْفَعان»:
بفتح الياء، وسكون المعجمة، وفتح الفاء. مرعاة المفاتيح (6/ 416).
قال الفيومي -رحمه الله-:
شفعت الشيء شفعًا من باب نفع: ضممته إلى الفرد، وشفعت الركعة جعلتها ثنتين، ومن هنا اشتقت الشفعة. المصباح المنير (1/317).

«يُشَفَّعان»:
بضم الياء، وشد الفاء، أي: يُشفِّعهما اللهُ تعالى فيه، ويدخله الجنة. فيض القدير، للمناوي (4/ 331).


شرح الحديث


قوله: «الصيام والقرآن»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«الصيام» أي: صيام رمضان، «والقرآن» أي: قراءة القرآن. مرقاة المفاتيح (4/ 1366).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «الصيام والقرآن» الظاهر: أنَّ المراد به: قيام رمضان به في التراويح وصلاة الليل، ويحتمل أنْ يكون مطلقًا. لمعات التنقيح (4/ 404).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
والقرآن هنا: عبارة عن التهجد والقيام بالليل، كما عبَّر به عن الصلاة في قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} الإسراء: 78، وإليه الإشارة بقوله: «ويقول القرآن: منعته النوم بالليل». الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1577).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
وما قرَّرته من حمْل القرآن على ظاهره أولى من قول الشارح (الطيبي): «والقرآن هنا عبارة عن التهجد والقيام بالليل، كما عبَّر به عن الصلاة في قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} الإسراء: 78، وإليه الإشارة بقوله: «ويقول القرآن: منعته النوم بالليل» انتهى.
ووجه الأولوية: أنَّ هذا فيه إخراج اللفظ عن ظاهره من غير داعٍ له؛ لظهور المعنى مع بقائه على ظاهره، كما قررته، وحمل القرآن على الصلاة في الآية ليس متَّفقًا عليه، على أنَّ له داعيًا دل عليه السياق، كما يعلم بتأملها، وهنا لا داعي، بل الداعي لبقائه على ظاهره، وهو أن العبد إذا جعل القرآن شغله، فأفنى فيه ليله، حصلت له هذه الشفاعة، وإن لم يتهجَّد، كما دل عليه هذا الحديث، وقوله: «وإليه الإشارة...» إلخ، يرد ما قررته: إنَّ هذا إما مشير بل ظاهر في بقاء اللفظ على ظاهره، كما هو واضح مما قررته، فتأمله. فتح الإله في شرح المشكاة (6/447).

قوله: «يَشْفَعان للعبد يوم القيامة»:
قال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «يَشْفَعَان» الرواية المشهورة بالتخفيف، وقد يُثقَّل. لمعات التنقيح (4/ 405).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
قوله: «الصيام والقرآن يشفعان» يُجسَّمان يوم القيامة، وتجسيم المعنى جائز، بل واقع، ألا ترى أنَّ الموت يُؤتَى به في صورة كبش، ثم يذبح بين الجنة والنار؛ إشارة إلى خلود الفريقين، الخلود الأبدي الذي لا انتهاء له. فتح الإله في شرح المشكاة (6/447).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يشفعان للعبد يوم القيامة» شفاعة حقيقية، كما دلّ له قوله: «يقول الصيام: أي رب، إني منعته الطعام والشهوات». التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 95).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
الشفاعة والقول من الصيام والقرآن إما أن يُؤَول، أو يُجرى على ما عليه النص، هذا هو المنهج القويم، والصراط المستقيم، فإنَّ العقول البشرية تتلاشى، وتضمحل عن إدراك العوالم الإلهية، ولا سبيل لها إلا الإذْعَان له، والإيمان به، ومن تأوَّل ذهب إلى أنه استُعِيرت الشفاعة والقول للصيام والقرآن لإطفاء غضب الله، وإعطاء الكرامة، ورفع الدرجات، والزلفى عند الله، والقرآن هنا عبارة عن التهجد، والقيام بالليل، كما عبَّر به عن الصلاة في قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} الإسراء: 78، وإليه الإشارة بقوله: «ويقول القرآن: منعته النوم بالليل». الكاشف عن حقائق السنن (5/1576-1577).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله- متعقبًا:
قلتُ: من تأول الحديث وحمله على المجاز والاستعارة والتمثيل إنما ذهب إلى ذلك لما زعم إن الأعمال أعراض، والعرض لا يكون قائمًا بالذات؛ بل بالغير وهو أمر آنِيٌّ لا يبقى، بل يفنى، فلا يمكن أن يؤذن أو يكال، وهذا شيء قد أبطلته الفلسفه الحديثة اليوم، وحققت إن الأعمال والأصوات والأنوار تبقى، ويمكن أن تحفظ وتخزن وتوزن وتكال.
فالحق والصواب: أنْ يحمل الحديث على ظاهره، ويقال: إنَّ الصيام والقرآن يشفعان بالقول حقيقة. مرعاة المفاتيح (6/ 416).

قوله: «يقول الصيام: أي ربِّ، منعته الطعام والشَّهوات بالنهار، فشفعني فيه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«يقول الصيام» وهذا القول يحتمل أنَّه حقيقة، بأنْ يُجسَّد ثوابهما، ويخلق الله فيه النطق، والله على كل شيء قدير، ويحتمل أنَّه يوكِّل ملكًا يقول عنهما، ويحتمل أنَّه على ضرب من المجاز والتمثيل. فيض القدير شرح الجامع الصغير (4/ ٢٥١).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «يقول» بيان للشفاعة، قيل: يحتمل أنَّه على ضرب من المجاز والتمثيل، أو أنه يوُكَّل ملك يقول عنهما، ويحتمل الحقيقة، بناء على أنَّ المعاني لها صور في عالم المثال، وقيل: هو محمول على أنْ يُجسَّد ثوابهما، ويخلق فيه النطق، والله على كل شيء قدير، «فشفعني» بتشديد الفاء. حاشيته على مسند أحمد (2/245).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«أي ربِّ» أي: يا رب. مرعاة المفاتيح (6/ 416).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «أي: ربِّ» دون أن يقول: يا رب؛ إشارة إلى قربهما من حضرة الحق تعالى. لمعات التنقيح (4/ 405).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«والشهوات» من عطف الأعم. مرعاة المفاتيح (6/ 416).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «الطعام والشهوات» كذا بخط المصنف (السيوطي) وفي نسخ بدله: «الشَّراب» وهو تحريف، أي: تناولهما. فيض القدير (4/ 251).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«بالنهار» كُله. مرعاة المفاتيح (6/ 416).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«بالنهار، فشفعني فيه» أي: نهار رمضان؛ لأن الصوم إذا أطلق فالمراد به: الفرض. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 95).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«فشفِّعني» بالتشديد، أي: أقبل شفاعتي «فيه» أي: في حقِّه. مرعاة المفاتيح (6/ 416).

قوله: «ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، قال: فيُشَفَّعان»:
قال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«ويقول القرآن» لما كان القرآن كلامه تعالى غير مخلوق لم يقُل: أي ربِّ.مرعاة المفاتيح (6/ 416).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فيشفَّعان» بالتشديد مجهولًا، أي: يقبل شفاعتهما، وهذا دليل على عظمتهما، ولعل شفاعة رمضان في محو السيئات، وشفاعة القرآن في علو الدرجات. مرقاة المفاتيح (4/ 1366).
قال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«فيُشَفَّعان» بضم أوله وشدة الفاء المفتوحة مجهولًا، أي: يشفعهما الله أي: يقبل شفاعتهما، ويدخله الجنة. مرعاة المفاتيح (6/ 416).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فيُشَفَّعان» قرن بينهما هنا؛ لأن الصيام غالبًا يلازمه القيام. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 95).



ابلاغ عن خطا