الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«سَبَقَ دِرْهَمٌ مائةَ ألفِ دِرْهَمٍ، قالوا: وكيف؟ قال: كان لرجلٍ دِرْهَمَانِ تصدَّقَ بأحدِهِما، وانْطَلَقَ رجلٌ إلى عُرْضِ مالهِ، فأخذَ منه مائةَ ألفِ دِرْهَمٍ فتصدَّقَ بها».


رواه أحمد برقم: (8929)، والنسائي برقم: (2527) واللفظ له، وابن خزيمة برقم: (2443)، وابن حبان برقم: (3347)، والحاكم برقم: (1519)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3606)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (883).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«عُرْضِ مالِهِ»:
بضم العين المهملة (وسكون الراء) وبالضاد المعجمة، أي: من جانبه. الترغيب والترهيب، للمنذري (2/ 23).


شرح الحديث


قوله: «سَبَقَ درهمٌ مائةَ ألفِ درهمٍ»:
قال العزيزي -رحمه الله-:
«سبق ‌درهمٌ» أي: فضل ثواب درهم تصدق به صاحبه «مائة ألف درهم» تصدق بها صاحبها. السراج المنير (3/ 213).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «سبَق درهم» أي: سبق في ثوابه، أو قبوله. التحبير (6/ 397).
وقال ابن باديس -رحمه الله-:
السبق: الوصول للغاية قبل غيره، وأصله في الأبدان، ويكون للعقول في الوصول للفهم، وللأعمال في الوصول للأجر والفضيلة، ومنه هذا. مجالس التذكير (ص:127).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«‌سبق ‌درهم مائة ألف درهم» أي: تقدمها في الأجر والثواب. ذخيرة العقبى (22/ 350).

قوله: «قالوا: وكيف؟»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
وكأنَّه استنكر السامعون ذلك؛ لأنَّ الذي يُعلم أنَّ الأكثر أفضل من الأقل، قيل: «وكيف» ذلك يا رسولَ اللهِ؟ التحبير (6/ 397).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«قالوا: وكيف؟» أي: قال الصحابة الحاضرون مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما حدَّث بهذا الحديث: وكيف يسبق درهم واحد مع قِلَّتِهِ مائة ألف درهم مع كثرتها؟! ذخيرة العقبى (22/ 350).

قوله: «كان لرجلٍ درهمان، تصدَّق بأحدهما، وانطلق رجلٌ إلى عُرْضِ ماله، فأخذ منه مائةَ ألفِ درهمٍ، فتصدَّق بها»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
لأنه نصف مال من أخرجه، والآخر أخرج شطرًا من ماله، فسماحة صاحب الدرهم أكبر، ويحتمل أنَّ ذلك لأنه وافق محتاجًا مستحقًّا دون صاحب المائة، أو أنه أحسن منه نية، وإن كان خلاف الظاهر. التحبير (6/ 397).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«قالوا: كيف يا رسول الله ‌سبق ‌درهم مائة ألف درهم؟ فقال: رجل له درهمان أخذ أحدهما فتصدق به، ورجل له مال كثير فأخذ من عُرْضِه» بضم المهملة، أي: جانبه «مائة ألف فتصدق بها»، فيه: أنَّ الصدقة بالقليل من القليل أكثر أجرًا من الكثيرة من الكثير. التنوير (6/ 374).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«قال» -صلى الله عليه وسلم- مبينًا وجه أسبقية الدرهم الواحد على هذه الدراهم الكثيرة: «كان لرجل درهمان، تصدق بأحدهما» أي: وأبقى الآخر لأهله؛ حتى لا يقع في إضاعة نفسه، وإضاعة من تجب عليه نفقته، أو لئلا يقع في ذل مسألة الناس، «وانطلق» أي: ذهب «رجل إلى عُرْضِ ماله» بضم العين المهملة، وسكون الراء، أي: جانبه.
وفيه: إشارة إلى كثرة ماله، بحيث إنّ الذي تصدَّق به من المبلغ المذكور لم يكن إلا جانبًا من جوانبه. ذخيرة العقبى (22/ 350).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
وذلك بأنْ يُخرجه الإنسان وهو من أحل ماله، وأجوده، فيصدر ذلك عن الرضا والفرح بالبذل، وقد يُخرج مائة ألف درهم مما يكره من ماله، فيدل ذلك على أنَّه ليس يُؤثِر الله -عز وجل- بشيء مما يحبه؛ وبذلك ذم الله تعالى قومًا جعلوا لله ما يكرهون، فقال تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى} النحل: 62. إحياء علوم الدين (1/ 219).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
وأما حديث أبي هريرة «‌سبق ‌درهم مائة ألف» فصحيح، وهو مبني على أنه كان له غنى، وفضل له درهمان فقط، فتصدق بأجودهما، وكانت نسبة الدرهم من ماله أكثر من نسبة المائة الألف من مال الآخر فقط، وليس فيه أنه لم يكن له غنى سواهما. المحلى (8/ 93).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
لا شك أنَّ الصدقة بالشيء مع شدة الحاجة إليه، والشهوة له، ‌أفضل ‌من ‌صدقة ‌الغني، وذلك بشرط أن لا يضر ذلك بِدِينه، من ضعْفه عن القيام في الصلاة، وكشف عورته، وغير ذلك. شرح سنن أبي داود (8/ 79).
وقال السندي -رحمه الله-:
وظاهر الأحاديث: أنَّ الأجر ‌على ‌قدر ‌حال ‌المعطي، لا على قدر المال المعطى، فصاحب الدرهمين حيث أعطى نصف ماله، في حال لا يعطى فيها إلا الأقوياء، يكون أجره على قدر همته، بخلاف الغني فإنه ما أعطى نصف ماله، ولا في حال لا يعطي فيها عادة، ويحتمل أن يقال: لعل الكلام فيما إذا صار إعطاء الفقير الدرهم سببًا لإعطاء ذلك الغني تلك الدراهم، وحينئذٍ يزيد أجر الفقير، فإن له مثل أجر الغني، وأجر زيادة درهم. حاشية السندي على سنن النسائي (5/ 59).
وقال ابن باديس -رحمه الله-:
الأجر على قدر المشقة، والثواب على قدر النصب (ليس هذا باطَّراد بل أحيانًا)، وما يجده ذو الدرهمين من إنفاق أحدهما، وهما كل ما يملك من المشقة والنصب، أعظم مما يجده ذو المائة ألف وهي بعض ماله الكثير، وذو الدرهمين كان عنده من الإيمان واليقين ما أنفق به شطر ماله، فهو أعظم إيمانًا ممن أنفق جزءًا من مائة منه، وما عند ذي الدرهمين من خُلْق الإيثار والتضحية والبذل في سبيل الله أعظم بكثير مما عند ذي المائة ألف، فهو أعظم منه أجرًا وفضلًا، فقد كان أعظم منه مشقة، وأقوى منه إيمانًا، وأبلغ منه تضحية، وبذل جهد في سبيل الله وإيثارًا، لا جرم كان أعظم منه فضلًا وأجرًا. مجالس التذكير (ص:128).
وقال النووي -رحمه الله-:
وقد اختلف العلماء في الصدقة بجميع ماله، فمذهبنا: أنه مستحب لمن لا دَيْن عليه، ولا له عيال لا يصبرون، بشرط أن يكون ممن يصبر على الإضاقة والفقر، فإن لم تجتمع هذه الشروط فهو مكروه. المنهاج (7/ 125).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
فمَن ‌صبر ‌فالإعطاء في حقه أفضل، ومن لا يصبر فالأفضل في حقه أن يمسك قوته، ثم يتصدَّق بما فضل. شرح المصابيح (2/ 489).
وقال السندي -رحمه الله-:
ظاهر الحديث: أنَّ صدقة الفقير أفضل بأضعاف من صدقة الغني، ويوافقه: «أفضل الصدقة جُهد المقِل» بضم الجيم -والله تعالى أعلم-. حاشيته على مسند أحمد (2/689).


ابلاغ عن خطا