الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«ركعتا الفجرِ خيرٌ مِن الدُّنيا وما فيها».


رواه مسلم برقم: (725)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «ركعتا الفجر»:
قال ابن العطار -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ركعتا الفجر ‌خير ‌من ‌الدنيا وما فيها» المراد بهما: السُّنة، لا الفريضة. العدة (1/ 367).
وقال السندي -رحمه الله-:
«ركعتا الفجر» أي: سُنة الفجر، وهي المشهورة بهذا الاسم، ويحتمل الفرض. حاشية السندي على سنن النسائي (3/ 252).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
الاحتمال الثاني غير صحيح، بل الصواب الأول؛ لما في الرواية التالية من طريق سليمان التيميّ عن قتادة: أنَّه قال في شأن الركعتين عند طلوع الفجر: «لهما أحبُّ إليَّ من الدنيا، وما فيها جميعًا» فتنبّه -واللَّه تعالى أعلم-. البحر المحيط الثجاج (15/ 398).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
العلماء متفقون على تأكيد ‌ركعتي ‌الفجر، إلا أنهم اختلفوا في تسميتها، فذكر ابن أبي شيبة عن الحسن البصري: أنهما واجبتان، وذهبت طائفة من العلماء إلى أنهما سنة، هذا قول أشهب والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وأبى كثير منهم أن يسميها سُنة، قال مالك في المختصر: ليستا بسنة، وقد عمل بها المسلمون، فلا ينبغي تركها، وذكر ابن المواز عن ابن عبد الحَكم وأصبغ: أنهما ليستا بسنة، وهما من الرغائب، والحجة لمن أوجبهما: ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قضاهما بعد طلوع الشمس، يوم نام عن الصلاة لما قضى الفريضة، ولم يأت عنه أنه قضى شيئًا من السنن بعد خروج وقتها غيرهما، وحجة من جعلهما سنة مواظبة الرسول عليهما، وشدة تعاهده لهما، وأن النوافل تصير سننًا بذلك، وحجة من لم يسمهما سنة قول عائشة: «لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه عليهما»؛ فجعلتهما من جملة النوافل، وقد روى ابن القاسم عن مالك: أن ابن عمر كان لا يتركهما في السفر. شرح صحيح البخاري (3/ 158، 159).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
وجمهور العلماء على أنهما سنة، ليستا واجبتين، وحكى القاضي عياض -رحمه الله- عن الحسن البصري: وجوبهما، والصواب أنهما سنة غير واجبتين؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: «لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه عليهما» مع تصريحه -صلى الله عليه وسلم-: بعدم وجوب غير هذه الصلوات الخمس، وقول السائل له: هل عليَّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع...»، وقد اختلف أصحاب مالك في أن ركعتي الفجر هل هما سُنة أو فضيلة؟ مع فرقهم بين السُّنة والفضيلة، فقالوا: السُّنة ما واظب عليه في الجماعة مظهرًا له، وما لم يواظب عليه من هذه من النوافل فهو فضيلة، وما واظب عليه ولم يظهره، كركعتي الفجر، ففيه قولان: أحدهما: سُنة، والثاني: فضيلة. العدة (1/ 367-368).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ووقت ركعتي الفجر من حين طلوع الفجر الثاني إلى أن تقام صلاة الصبح، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الأمة. المحلى (2/ 146).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
ويدخل وقتها (ركعتا ‌الفجر) بطلوع الفجر الصادق، وهو المستطير دون المستطيل. إحياء علوم الدين (1/ 193).

قوله: «خيرٌ من الدنيا وما فيها»:
قال النووي -رحمه الله-:
«‌خيرٌ ‌من ‌الدنيا وما فيها» أي: من متاع الدنيا. المنهاج (6/ 5).
وقال الفاكهاني -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: وفي هذا التفسير نظر؛ فإنَّه قد جاء في الحديث الآخر: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله» الحديث، و«خير» هنا أفعل التفضيل، وهي تقتضي المشاركة في الأصل والزيادة كما تقرَّر، ولا مشاركة بين فضيلة ركعتي الفجر ومتاع الدنيا المخبَر عنه؛ لأنه ملعون، ويبعد أنْ يُحمل كلام الشارع على ما شذَّ من قولهم: العسل أحلى من الخل، إلا أنْ يُقال: إنَّ المعنى: ما يحصل من نعيم ثواب ركعتي الفجر في الدار الآخرة خير من جميع ما يتنعم به في الدنيا، فترجع المفاضلة إلى ذات النعيم الحاصل في الدارين، لا إلى نفس ركعتي الفجر، ومتاع الدنيا -والله أعلم-. رياض الأفهام (1/ 658).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
(وقيل): إنَّما قال: ذلك؛ لأنَّه بُشِّر أنَّ حساب أمته يُقدَّر بهما؛ فلهذا كانتا عنده خير من الدنيا وما فيها؛ لما يتذكر بها من عِظم رحمة الله بأمته من ذلك الموقف العظيم. الإعلام (2/ 418).
وقال ابن الرفعة الشافعي -رحمه الله-:
قال بعض أهل المعاني: أراد النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنَّ الناس عند قيامهم من منامهم يبتدرون إلى معاشهم، وأسباب اكتسابهم، فأعلمهم أن هاتين الركعتين خير من الدنيا، وكل ما فيها، فضلًا عمّا عساه أن يحصل لكم منهما؛ فلا تتركوهما، وتشتغلوا به؛ ولأنها صلاة مشهودة ومحضورة في عدد لا يزيد ولا ينقص؛ فأشبهت الفرائض. كفاية النبيه(3/ 301).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
والمراد بـ«الدنيا» حياتها، «وما فيها» متاعها لا ذاتها، فكأنه قال: خير من متاع الدنيا، وشدة تعاهده -صلى الله عليه وسلم- على صلاتهما؛ لعظم فضلهما، وجزيل ثوابهما. العدة (1/ 367).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «وما فيها» أي: وما في الدنيا من المال، وليس معناه: وما يصدر عن عباد الله فيها من الأعمال الصالحة، وقراءة القرآن والذكر والصيام، وغير ذلك من الخيرات. المفاتيح (2/ 252).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: ‌«خير ‌من ‌الدنيا» إنْ حمل الدنيا على أعراضها وزهرتها، فالخير إما مُجرى على زعم مَن يرى فيه خيرًا، أو يكون من باب {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} مريم: 73، وإنْ حُمل على الإنفاق في سبيل الله، فتكون هاتان الركعتان أكثر ثوابًا منه. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1173).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«‌خير ‌من ‌الدنيا وما فيها» من الأموال، لا من الأعمال الصالحة الصادرة من عباده تعالى. شرح المصابيح (2/ 136- 137).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «‌خير ‌من ‌الدنيا» أراد به من شهوات الدنيا وزخارفها وملاذِّها، وقوله: «وما فيها» أي: خير مما في الدنيا، أراد به: كل نوع من الأعمال التي ليست بعبادة ولا فيها أجر، أو خير من الأعمال التي من جنسها مما يتقرب به إلى الله تعالى؛ ولهذا صارت ركعتا الفجر من أشرف التطوعات. نخب الأفكار (5/ 142).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«‌خير ‌من ‌الدنيا وما فيها» أي: إنفاقها في سبيل الله، كما جاء في فضيلة الذكر: «وخير لكم من إنفاق الذهب والورق»، أو قال: على زعم مَن يرى في متاع الدنيا خيرًا من أربابها. لمعات التنقيح (3/ 285، 286).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«‌خير ‌من ‌الدنيا وما فيها» أي: من الجمادات ونحوها، و"خير" أفعل تفضيل إنْ قُوبلت بما فيه خير كالذِّكر، وبمعنى أصل الفعل إنْ قُوبلت بما لا خير فيه من أعراض الدنيا وزهرتها. دليل الفالحين (6/ 580).
وقال السندي -رحمه الله-:
«خير ‌من ‌الدنيا» أي: خير من أنْ يعطي تمام الدنيا في سبيل الله تعالى، أو هو على اعتقادهم أن في الدنيا خيرًا، وإلا فذرة من الآخرة لا يساويها الدنيا. حاشية السندي على سنن النسائي (3/ 252).
وقال ولي الله الدهلوي -رحمه الله-:
إنَّما كانتا خيرًا منها؛ لأن الدنيا فانية، ونعيمها لا يخلو عن كدر النصب والتعب، وثوابها باقٍ غير كدر. حجة الله البالغة (2/ 24).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«خير ‌من ‌الدنيا وما فيها» أي: أجرهما ‌خير ‌من ‌الدنيا، وكأنه يريد بـ«الدنيا» الأرض «وما فيها» أثاثها ومتاعها.
وفيه: دليل على الترغيب في فعلهما، وأنهما ليستا بواجبتين؛ إذ لم يذكر العقاب في تركهما، بل الثواب في فعلهما. سبل السلام (1/ 335).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «خير ‌من ‌الدنيا وما فيها» لا يلزم بذلك فضلهما على غيرهما من الصلوات؛ إذ كل تسبيحة وتكبيرة وتهليلة ‌خير ‌من ‌الدنيا وما فيها، فكيف بركعة أو ركعتين، وإنما المراد بذلك: إثبات الفضل لها اعتبارًا لأنفسها، لا إضافة إلى غيرها من السنن، وأما كونها مؤكدة بالنسبة إلى السنن الأخر، فإنما هو بالروايات الأخر، مثل قوله -عليه السلام-: «لو طردتكم الخيل» إلى غير ذلك. الكوكب الدري (1/ 376).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
فلا خلاف بين العلماء أنَّ تسبيحة واحدة خير من الدنيا وما فيها، فكيف بركعتي الفجر؟! ومعنى التفضيل بين الدنيا والآخرة عندهم وإنْ كان لا نسبة بينهما، على معنى: أنهما داران ومنزلتان وحالتان إحداهما أفضل من الأخرى، وأبقى وأهنأ وأبلغ في اللذة مع عدم الآفات والهموم، وقيل: إنَّ ذلك خرج على مذهب مَن يرى أنَّه لا دار إلا الدنيا، ولا موجود سواها، فقيل لهم: لو علمتم تلك الدار لحكمتم بأنها أفضل. عارضة الأحوذي (1/181).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
فيه دليل على تأكد ركعتي الفجر، وعلو مرتبتهما في الفضيلة. إحكام الأحكام (1/ 202).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
في الحديث: دليل على تأكد ركعتي الفجر، وهو إجماع. الإعلام (2/ 414).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
أخذ أئمتنا (أي: من هذا الحديث) أنَّهما أفضل من بقية الرواتب المؤكدة، بل وأفضل من ركعتين في جوف الليل، وحملوا خبر مسلم: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»، وفي رواية: «الصلاة في جوف الليل» على النفل المطلق، ويليهما في الفضل بقية الرواتب السابقة، فهي في مرتبة واحدة، لكن قال الأكثرون: إنَّ أفضلها بعد سنة الصبح سنة المغرب البعدية؛ لما مر عن الحسن (البصري) من أنَّها واجبة، ولقول سعيد بن جبير: لو تركتُها لخشيتُ ألا يُغفر لي. فتح الإله (5/8).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
واختلفوا فيمن لم يصلهما وأدرك الإمام في صلاة الصبح أو أقيمت عليه، فقالت طائفة: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، روي ذلك عن عمر وابن عمر وأبي هريرة، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وفيه قول ثانٍ: أنه يصليهما في المسجد والإمام يصلي، روي ذلك عن ابن مسعود، وبه قال الثوري والأوزاعي، إلا أنهما قالا: إن خشي أن تفوته الركعتان دخل مع الإمام، وإنْ طمع بإدراك الركعة الثانية صلاهما، ثم دخل مع الإمام، وقال أبو حنيفة مثله، إلا أنه قال: لا يركعهما في المسجد، وقال مالك: إن دخل المسجد فلا يركعهما، وليدخل معه في الصلاة، وإن كان خارج المسجد ولم يخف أن يفوته الإمام بركعة فليركعهما، وإن خاف أن تفوته الركعة الأولى فليدخل وليصل معه، ثم يصليهما إن أحب بعد طلوع الشمس. شرح صحيح البخاري (3/ 150).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة»، وفي رواية: «فلا صلاة إلا التي أقيمت»؛ فإذا أقيمت الصلاة فلا يشتغل بتحية المسجد ولا بسنة الفجر، وقد اتفق العلماء على أنه لا يشتغل عنها بتحية المسجد، ولكن تنازعوا في ‌سنة ‌الفجر، والصواب: أنه إذا سمع الإقامة فلا يصلي السُّنة لا في بيته، ولا في غير بيته، بل يقضيها إن شاء بعد الفرض، والسُّنة أن يصلي بعد طلوع الفجر ركعتين سنة والفريضة ركعتان، وليس بين طلوع الفجر والفريضة سنة إلا ركعتان، والفريضة تسمى ‌صلاة ‌الفجر وصلاة الغداة، وكذلك السُّنة تسمى ‌سنة ‌الفجر وسنة الصبح وركعتي الفجر، ونحو ذلك -والله أعلم-. مجموع الفتاوى (23/ 264).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
قد اختلف أصحاب الشافعي -رحمهم الله- في أفضل التطوع الذي لا تشرع له الجماعة على وجهين: أحدهما: سُنة الصبح، والثاني: الوتر، وتمسكوا في أفضلية ركعتي الفجر بهذين الحديثين، من المواظبة عليهما، وكون ما فيهما خير من الدنيا وما فيها.
فأما المواظبة عليهما فمشترك بينه وبين الوتر؛ فإنه كان واجبًا عليه -صلى الله عليه وسلم-، ومعلوم أنه كان على الواجب أشد محافظة من المندوب، وإذا كان فعل المندوب خيرًا من الدنيا، فما ظنك بالواجب؟!
وقد رجح بعض أصحاب الشافعي أفضلية الوتر؛ لكونه مختلفًا في وجوبه بين العلماء، وهذا لا يصح؛ فإنه مشترك بينه وبين ركعتي الفجر بما حكيناه من وجوبهما عن الحسن البصري، ومعلوم أنه من فضلاء التابعين وأئمتهم وجلتهم، فاستويا في ذلك. العدة (1/ 368).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
فيه دلالة على أنَّ الوتر غير واجب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قابل ركعتي الفجر بجميع الدنيا وما فيها، والوتر تقليل من الدنيا، وقال: «إنَّ الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم: الوتر»؛ فإذا لم تكن ركعتا الفجر واجبة، فالوتر أولى بأنْ لا يجب. الأزهار، مخطوط لوح (168).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وقد استُدِلّ به على أنَّ ركعتي الفجر أفضل من الوتر، وهو أحد قولي الشافعيُّ، ووجه الدلالة: أنَّه جَعَل ركعتي الفجر خيرًا من الدنيا، وما فيها، وجعل الوتر خيرًا من حُمْرِ النَّعَم، وحُمْرُ النعَم جزءٌ مما في الدنيا، وأصحّ القولين عن الشافعيّ: أنَّ الوتر أفضل، وقد استُدلّ لذلك بما في صحيح مسلم من حديث أبي هُريرة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: «أفضل الصلاة بعد الفريضة الصلاة في جوف الليل»، وبالاختلاف في وجوبه، كما تقدَّم -واللَّه تعالى أعلم بالصواب-. البحر المحيط الثجاج (15/ 398).
وقال الشيخ فيصل بن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث:
1. دليلٌ على تأكيد ركعتي الفجر.
2. وعِظَم ثوابهما. تطريز رياض الصالحين (ص: 636).


ابلاغ عن خطا