«مَن قَرأَ بمِائةِ آيةٍ في ليلةٍ، كُتبَ له قُنوتُ ليلةٍ».
رواه أحمد برقم: (16958) واللفظ له، والنسائي في الكبرى برقم: (10485)، والدارمي برقم: (3492)، وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم: (673)، من حديث تميم الداري -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6468)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (644).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«قُنوتُ»:
القُنوتُ: يَرِد بمعانٍ مُتعدِّدةٍ؛ كالطاعةِ والخُشوع والصلاةِ، والدعاء والعبادة والقيام وطول القيام والسكوت، فيُصرف في كُل واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه. النهاية، لابن الأثير (4/ 111).
وقال الفراهيدي -رحمه الله-:
قَنَتَ: وقنتُوا لله، أي: أطاعوه، ومنه: القنوتُ، أي: الطاعة، وقانتون، أي: مُطيعُون. العين(5/ 129).
شرح الحديث
قوله: «مَن قرأَ بمِائةِ آيةٍ في ليلةٍ»:
قال العزيزي -رحمه الله-:
قوله: «مَن قرأ بمِائة آيةٍ في ليلةٍ» يُحتمل إن الباء زائدةٌ، أو المراد: في الصلاة. السراج المنير (4/ 317).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«مَن قرأ بمِائةِ آيةٍ في ليلة» مُفرَّقة أو مُتوالِيَة. التنوير (10/ 347).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«مَن قرأ بمائة آية» ... قال السهيلي: ويقبُح إخراج الباء هنا؛ لتعلقها بما في ضمن الكلام من معنى التقرُّب والتهجد، وكدخولها هنا خروجها من قوله: أمرتك الخير؛ لأنك إذا أمرته بخير فقد كلفته إياه، وألزمته، ففي ضمن الكلام ما يقتضي حذفها، بخلاف: نهيتُ عن الشر، فإنه ليس في اللفظ والمعنى إلا ما يطلب حرف الجر.
وقال الأندلسي في شرح المفصل (المحصل شرح المفصل): قرأتُ السُّورة، وقرأتُ بالسورة من باب حذف الجار، وإيصال الفعل، ومثله: وسميته محمدًا وبمحمد، وقيل: الباء زائدة، والفعل من قسم المتعدي.
وقال ابن أبي الربيع: الأصل في قراءة بالسورة: أنْ يعدَّى بنفسه، فزيد حرف الجر؛ لأن "قرأتُ" في معنى: تلوتُ، وتلوتُ لا يتعدَّى بنفسه. فيض القدير (6/ 196).
وقال أبو حيان الأندلسي -رحمه الله-:
وخرج الأستاذ أبو علي (الشلوبيين) قرأتُ بالسورة على أنَّ الباء للإلصاق، أي: ألزقتُ قراءتي بالسورة. التذييل والتكميل (11/ 205).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
قولهم: قرأتُ الكتاب واللوح ونحوهما مما يتعدَّى بنفسه، وأما قرأتُ بأم القرآن، وقرأتُ بسورة كذا، كقوله: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» رواه البخاري ومسلم، ففيه نكتة بديعة، قلَّ مَن يتفطَّن لها، وهي أنَّ الفعل إذا عُدِّي بنفسه فقلتُ: قرأتُ سورة كذا، اقتضى اقتصارك عليها؛ لتخصيصها بالذكر، وأما إذا عُدِّي بالباء، فمعناه: لا صلاة لمن لم يأتِ بهذه السورة في قراءته، أو في صلاته، أي: في جملة ما يقرأ به، وهي لا يُعطى الاقتصار عليها، بل يشعر بقراءة غيرها معها، وتأمل قوله في الحديث: «كان يقرأ في الفجر بالستين إلى المائة» كيف تجد المعنى أنه يقرأ فيما يقرأ به بعد الفاتحة بهذا العدد، وكذلك قوله: «قرأ بالأعراف» إنَّما هي بعد الفاتحة، وكذلك قرأ بسورة (ق) ونحو هذا، وتأمل كيف لم يأتِ بالباقي في قوله: «قرأ سورة النجم، فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، فقال: «قرأ سورة النجم» ولم يقل: بها؛ لأنه لم يكن في صلاة، فقرأها وحدها، وكذلك قوله: «قرأ على الجن سورة الرحمن» حسن لغيره، ولم يقل: بسورة الرحمن، وكذلك «قرأ على أُبي سورة لم يكن» رواه البخاري ومسلم والترمذي، ولم يقل: بسورة، ولم تأتِ الباء إلا في قراءة في الصلاة، كما ذكرت لك، وإن شئت قلتَ: هو مُضمَّن معنى: صلى بسورة كذا، وقام بسورة كذا، وعلى هذا فيصح هذا الإطلاق، وإنْ أتى بها وحدها، وهذا أحسن من الأول، وعلى هذا: فلا يُقال: قرأ بسورة كذا إذا قرأها خارج الصلاة، وألفاظ الحديث تتنزل على هذا، فتدبرها. بدائع الفوائد (2/508-509).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
«مَن قرأ بمِائة آيةٍ في ليلة» معناه: مَن قرأ مائةَ آية. الفتح الرباني (18/ 11).
قوله: «كُتِب له قنوتُ ليلةٍ».
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «كُتب له قنوتُ ليلة» أي: قيامُها. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1679).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«كُتِبَ له قنوت ليلة» لعود بركة قراءة ذلك القدْر على بقية تلك الليلة حتى صيرتها كأنها مُحياة كلها بالعبادة. فتح الإله (7/189).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
«كُتب له قُنوتُ ليلةٍ» القنوت المراد به: القيام في الصّلاة. فتح القريب المجيب (4/ 298).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كُتب له قنوتُ ليلةٍ» أي: طاعتُها أو قيامُها. مرقاة المفاتيح (4/ 1495).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كُتب له قنوتُ ليلةٍ» أي: عبادتها. فيض القدير (6/ 196).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«قنوتُ ليلة» القنوت يجيء بمعانٍ، منها: الطاعة والقيام. لمعات التنقيح (4/ 581).
وقال الخادمي -رحمه الله-:
اعلم أنَّ قراءة القرآن في الليل أفضل مما في النهار، وقراءته في الصلاة أفضل من قراءته في الليل...، ثم الظاهر من قيام الليل قيامه بالصلاة، والصلاة لا تكون إلا بقراءة. بريقة محمودية (1/ 291).
وقال النووي -رحمه الله-:
والنصف الأخير منه أفضل مِنْ الأوّل، والقراءةُ بين المغرب والعشاء محبوبة. الأذكار (ص: 103).