الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«لا تُشدُّ الرِّحالُ إلَّا ‌إلى ‌ثلاثةِ ‌مساجدَ: المسجدِ الحرامِ، ومسجدِ الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم-، ومسجدِ الأقصى».


رواه البخاري برقم: (1189) واللفظ له، ومسلم برقم: (1397)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الرِّحَالُ»:
الرَحْلُ: ‌مَسكنُ ‌الرجُل ‌وما ‌يَستصحبه من الأثاث. والرَحْلُ أيضًا: ‌رَحْلُ ‌البعير، وهو أَصغر من القَتَب. مختار الصحاح(ص: ١٢٠).  


شرح الحديث


قوله: «لا تُشدُّ الرِّحال»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «لا تشدُّ» بضمِّ أوَّلِه، بلفظ النَّفي، والمراد النَّهي عن السَّفر إلى غيرها. فتح الباري (3/ 64).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«لا تُشدُّ الرِّحال» بصيغة المجهول، نفي بمعنى النَّهي، وهو أبلغ من النَّهي. التنوير (11/ 112).
وقال المغربي -رحمه الله-:
والمراد به النَّهي مجازًا للمبالغة في النَّهي، كأنه قال: لا يستقيم أنْ يقصد بالزِّيارة إلَّا هذه البقاع لاختصاصها بِمَا اختصَّت به. البدر التمام (5/ 165).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: لِمَ عدل عن النَّهي إليه (يعني: إلى النَّفي)؟
قلتُ: لإظهار الرَّغبة في وقوعه، أو لحمل السَّامع على التَّرك أبلغ محمل بألطف وجه. الكواكب الدراري (7/ 12).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الخبر يأتي بمعنى الطَّلب سواء كان أمرًا أو نهيًا؛ لأنه أبلغ، إذ كان هذا الأمر أمرًا مفروغًا منه لا يحتاج إلى نهي؛ ولهذا قال العلماء: إنَّ إتيان الخبر في موضع الطَّلب يدلُّ على توكيد هذا الطَّلب. فتح ذي الجلال والإكرام (6/ 140).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«الرِّحَالُ» بالمهملة، جمع رحل، وهو للبعير كالسَّرج للفرس، وكنَّى بشدِّ الرِّحال عن السَّفر؛ لأنه لازمه، وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر، وإلَّا فلا فرق بين ركوب الرَّواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعنى المذكور، ويدلُّ عليه قوله في بعض طرقه: «إنما يسافر» أخرجه مسلم. فتح الباري (3/ 64).
وقال العراقي -رحمه الله-:
نبَّه بشدِّ الرَّحل الذي لا يستعمل غالبًا إلا في الأسفار على ما هو أخفُّ منه، وقصدها لمن هو قريب منها، بحيث لا يحتاج في إتيانها إلى شدِّ رحل، ودلَّ ذلك على أن إتيانها قربة مع القرب والبعد، وعلى كُلِّ حال، ويدلُّ على أنه أريد بشدِّ الرَّحل السَّفر قوله في رواية الأغر: «إنما يسافر». طرح التثريب (6/ 42).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «لا تشدُّ الرِّحال» لفظه خبر، ومعناه الإيجاب، فيما ينذره الإنسان من الصَّلاة في البقاع التي يتبرَّك بها من المساجد ومواطن القُرَب، يريد أنه لا يلزمه الوفاء بشيء من ذلك حتى يُشدَّ الرَّحل له، وتقطعَ المسافة إليه غير هذه المساجد الثَّلاثة التي هي مساجد الأنبياء -صلوات الله عليهم-. أعلام الحديث (1/ 647).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «لا تشدُّ الرِّحال» كناية عن النَّهي عن المُسَافَرَة إلى غيرها من المساجد، وهو أبلغ مما لو قيل: لا تسافر؛ لأنه صوَّر حالة المُسَافَرَة وتهيئة أسبابها وعِدَّتها من المراكب والأدوات والتَّزوُّد وفعل الشَّدِّ. ثم أخرج النَّهي مخرج الإخبار، أي: لا ينبغي ولا يستقيم أنْ يقصد بالزِّيارة وبالرِّحلة إلا هذه البقاع الشَّريفة؛ لاختصاصها بالمزايا والفضائل؛ لأن إحداها: بيت الله، وحجُّ الناس وقبلتهم، رفع قواعدها الخليل -عليه السلام-، والثَّانية: قبلة الأمم السَّالفة، عمَّرها سليمان -عليه السلام-، والثَّالثة: أُسِّست على التَّقوى، وأَشَادَهَا خير البريَّة (النبي -صلى الله عليه وسلم-). الكاشف عن حقائق السنن (3/ 928-929).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «لا تشدُّ الرِّحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد» يعني: لا يسافر لمسجد لفعل قُربة فيه إلَّا إلى هذه المساجد لأفضليتها وشرفيتها على غيرها من المساجد، ولا خلاف في أن هذه المساجد الثَّلاثة أفضل من سائر المساجد كُلِّها. المفهم (3/ 451-52).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
مقتضى شدِّ الرِّحال إنما يكون فيما بَعُدَ لا فيما قَرُبَ؛ ولهذا فرَّق شيوخنا بين نذر ما قرب من ذلك وما بَعُد، فيما عدا هذه الثَّلاثة مساجد؛ لفضلها الزَّائد، ولكونها مساجد الأنبياء. إكمال المعلم (4/ 516).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
اختُلف في النَّهي فقيل: للتَّنزيه، وقيل: للتَّحريم، وهو الأصل، فيحرم السَّفر إلى غيرها، كقبور الصَّالحين والمواضع الفاضلة. التنوير شرح الجامع الصغير(11/ 112).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «لا تشدُّ الرِّحال» هذا في النَّذر ينذر الإنسان أنْ يصلِّي في بعض المساجد، فإن شاء وفَّى به، وإن شاء صلَّى في غيره، إلَّا أن يكون نذر الصَّلاة في واحد من هذه المساجد، فإن الوفاء يلزمه بما نذره فيها، وإنما خصَّ هذه المساجد بذلك لأنها مساجد الأنبياء -صلوات الله عليهم أجمعين-، وقد أمرنا بالاقتداء بهم. معالم السنن (2/ 222).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
هذا التَّخصيص لا دليل عليه؛ بل الظَّاهر إجراء عموم النَّصِّ على ظاهره، فيعمُّ النَّذر وغيره، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (24/ 722).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
أمَّا مَن نذر الصلاة في بيت المقدس، أو في غيرها: مكة، أو مسجد المدينة، فإنْ كان نذر صلاة تطوع هنالك، لم يلزمه شيء من ذلك. فإنْ نذر أن يصلي صلاة فرض في أحد هذه المساجد، لزمه؛ لأن كونه في هذه المساجد طاعة لله -عزَّ وجلَّ- يلزمه الوفاء بها. المحلى بالآثار (6/266).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
لو نذر السَّفر إلى قبر الخليل -عليه السَّلام-، أو قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو إلى الطُّور الذي كلَّم الله عليه موسى -عليه السلام- أو إلى جبل حِرَاء الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعبَّد فيه، وجاءه الوحي فيه، أو الغَّار المذكور في القرآن، وغير ذلك من المقابر والمقامات والمشاهد المضافة إلى بعض الأنبياء والمشايخ، أو إلى بعض المغارات أو الجبال: لم يجب الوفاء بهذا النَّذر باتِّفاق الأئمَّة الأربعة، فإنَّ السَّفر إلى هذه المواضع منهيٌّ عنه؛ لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تُشدُّ الرِّحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد». مجموع الفتاوى (27/ 8).
وقال النووي -رحمه الله-:
أمَّا باقي المساجد سوى الثلاثة فلا يجب قصدها بالنَّذر، ولا ينعقد نذر قصدها، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافَّة إلا محمد بن مسلمة المالكي، فقال: إذا نذر قصد مسجد قباء لزمه قصده؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأتيه كُلَّ سبت راكبًا وماشيًا.
وقال الليث بن سعد: يلزمه قصد ذلك المسجد أي مسجد كان، وعلى مذهب الجماهير لا ينعقد نذره، ولا يلزمه شيء. وقال أحمد: يلزمه كفَّارة يمين. المنهاج (9/ 106).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
عندي أنَّ ما كان من غير شدِّ رحل يلزم الوفاء به؛ لقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} الحج: 29، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أوفِ بنذرك» فالوفاء بالنَّذر واجب بالنَّصِّ، إلا أنْ يكون في أحد المساجد الثَّلاثة، فيكفيه أنْ يصلِّي ما نذره في غيرها؛ لكونها أفضل، وقد تقدَّم أنَّه -صلى الله عليه وسلم- أمر مَن نذر أنْ يصلِّي في بيت المقدس بالصَّلاة في مسجده -صلى الله عليه وسلم-؛ لكونه أفضل، والله تعالى أعلم بالصَّواب. البحر المحيط الثجاج (24/ 724).

قوله: «إلا ‌إلى ‌ثلاثةِ ‌مساجدَ»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
التَّقدير: لا تُشدُّ الرِّحال إلى موضع، ولازمه منع السَّفر إلى كُلِّ موضع غيرها؛ لأن المستثنى منه في المفرَّغ مُقدَّر بأعمِّ العام، لكن يمكن أنْ يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص وهو المسجد. فتح الباري (3/ 64).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
قال بعض المحقِّقين: قوله: «إلَّا إلى ثلاثة مساجد» المستثنى منه محذوف، فإمَّا أنْ يُقدَّر عامًّا، فيصير: لا تُشدُّ الرِّحال إلى مكان في أيِّ أمر كان إلَّا إلى الثلاثة، أو أخصَّ من ذلك لا سبيل إلى الأَوَّل لإفضائه إلى سدِّ باب السَّفر للتِّجارة وصلة الرَّحم وطلب العلم وغيرها فتعيَّن الثَّاني، والأَوْلَى أن يُقدَّر ما هو أكثر مناسبة، وهو: لا تُشدُّ الرِّحال إلى مسجد للصَّلاة فيه إلَّا إلى الثلاثة، فيبطل بذلك قول مَنْ منع شدِّ الرِّحال إلى زيارة القبر الشَّريف وغيره من قبور الصَّالحين، والله أعلم. فتح الباري (3/ 66).
وقال الألباني -رحمه الله- مُتعقِّبًا ابن حجر:
قلتُ: وهذا الاحتمال ضعيف، والصَّواب التَّقدير الأَوَّل؛ لِمَا تقدَّم في حديث أبي بصرة وابن عمر من إنكار السَّفر إلى الطُّور. أحكام الجنائز (1/ 227).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «إلَّا إلى ثلاثة مساجد» أين المستثنى منه؟ المستثنى منه محذوف، وإنما حذف للعموم؛ ليشمل شدَّ الرِّحل إلى المساجد الأخرى، يعني: لا تُشدُّ الرِّحال إلى أيِّ مسجد إلَّا المساجد الثلاثة، وإلى الأماكن الأخرى التي يعتقد مَنْ يُشدُّ الرِّحال إليها أنَّ لها مزيَّة، كالذين يشدُّون الرِّحال إلى القبور؛ لأن القبور أماكن، وهل يعمُّ شدُّ الرَّحل إلى البلاد الأخرى لطلب العلم؟ لا، لا يشمل؛ لأن الشَّاد لطلب العلم ليس شادًّا للمكان ولكن للعلم، وقد ثبت عن الصَّحابة ومَنْ بعدهم أنهم يشدُّون الرِّحال لطلب العلم. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 311).

قوله: «المسجدِ الحرامِ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
سُمِّيَ بذلك لتحريم ما حوله، فلا يصاد صيده، ولا يقطع شجره. شرح سنن أبي داود (9/ 221).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«المسجد الحرام» هو مسجد مَكَّةَ، وسُمِّيَ حرامًا لحرمته وتحريمه. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 312).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«المسجدِ الحرامِ»... وذلك لأن صلاة فيه بمائة أَلْفِ صلاة في ما سواه. التنوير (11/ 112).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«المسجدِ الحرامِ»... المراد به هنا: نفس المسجد لا الكعبة، ولا مكَّةَ، ولا الحرم كُلَّه، وإنْ كان يُطلَق على الجميع. منحة الباري (3/ 258).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
اعلم أنَّ المسجد الحرام يُطلَق ويُرَاد به إمَّا الكعبة، قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} البقرة: 144، وإمَّا مكَّة، قال تعالى: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} الإسراء: 1، وإمَّا الحرم كلُّه، قال تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} التوبة: 28، وإمَّا نفس المسجد، وهو المراد في الحديث. الكواكب الدراري (7/ 13).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «المسجد الحرام» أي: المحرَّم. فتح الباري (3/ 64).

قوله: «ومسجدِ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم-»:
قال البرماوي -رحمه الله-:
«الرَّسول» أي: سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فاللَّام للعهد. اللامع الصبيح (5/ 78).

قوله: «ومسجدِ الأقصى»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفي الحديث الآخر: «مسجد إيلياء» وهو بيت المقدس، بكسر الهمزة واللَّام ممدودة، وحكي فيه القصر أيضًا، ولغة ثالثة: «إليا» بسكون اللَّام. إكمال المعلم (4/ 517).
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ومسجد الأقصى» أي: بيت المقدس. فتح الباري (3/ 64).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «والمسجدِ الأقصى» وُصِفَ به لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، وقيل: لأنه أقصى موضع من الأرض ارتفاعًا وقُربًا إلى السماء. الكواكب الدراري (7/ 13).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وهو من إضافة الموصوف إلى الصِّفة، وقد جوَّزه الكوفيُّون، واستشهدوا له بقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} القصص: 44، والبصريُّون يُؤوِّلونه بإضمار المكان، أي: الذي بجانب المكان الغربي، ومسجد المكان الأقصى، ونحو ذلك. فتح الباري (3/ 64).
وقال العراقي -رحمه الله-:
إنْ قلتَ: لِمَ سُمِّي المسجد الأقصى ولم يكن بعد المسجد الحرام غيره، ففي الصحيحين عن أبي ذرٍّ قلتُ: «يا رسول الله، أيُّ مسجد وُضِعَ أوَّلَ؟ قال: المسجد الحرام، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ثم المسجد الأقصى، قلتُ: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة»؟
قلتُ: علم الله تعالى أنَّ مسجد المدينة سيبنى فيكون قاصيًا، أي: بعيدًا من مسجد مكَّةَ، ويكون مسجد بيت القدس أقصى، فسُمِّيَ بذلك باعتبار ما يَؤُولُ حاله إليه، والله تعالى أعلم. طرح التثريب (6/ 46).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقيل: لبعده عن الأقذار والخبث. وقيل: هو أقصى بالنَّسبة إلى مسجد المدينة؛ لأنه بعيد من مكَّةَ وبيت المقدس أبعد منه. ولبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين: منها إيلياء بالمدِّ والقصر وبحذف الياء الأولى، وعن ابن عباس إدخال الألف واللام على هذا الثَّالث، وبيت المقدس بسكون القاف وبفتحها مع التَّشديد، والقُدس بغير ميم مع ضمِّ القاف وسكون الدَّال وبضمِّها أيضًا، وشلَّم بالمعجمة وتشديد اللَّام وبالمهملة، وشلام بمعجمة، وسلم بفتح المهملة، وكسر اللَّام الخفيفة، وأوري سلم بسكون الواو، وبكسر الرَّاء بعدها تحتانية ساكنة...، ومن أسمائه: كورة، وبيت أيل، وصهيون، ومصروث آخره مثلَّثة، وكورشيلا، وبابوس بموحدتين ومعجمة. فتح الباري (3/ 64-65).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
اختلف في شدِّ الرِّحال إلى غيرها كالذَّهاب إلى زيارة الصَّالحين أحياء وأمواتًا وإلى المواضع الفاضلة لقصد التَّبرُّك بها، والصَّلاة فيها، فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يحرم شدُّ الرِّحال إلى غيرها عملًا بظاهر هذا الحديث، وأشار القاضي حسين إلى اختياره، وبه قال عياض وطائفة، ويدلُّ عليه ما رواه أصحاب السُّنن من إنكار بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطُّور، وقال له: لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت. واستدلَّ بهذا الحديث، فدلَّ على أنَّه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة، والصَّحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم. فتح الباري (3/ 65).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله- مُتعقِّبًا:
وأمَّا قول مَنْ قال: إن ذلك لا يحرم، وأنَّ المراد بالحديث أنَّ الفضيلة التَّامَّة إنما هي في شدِّ الرِّحال لهذه المساجد الثلاثة، وأمَّا غيرها فهو جائز وإنْ كان دونها في الفضيلة، فهذا قول باطل، يدلُّ على بطلانه ما يلي:
1. أنَّ الحديث جاء بلفظ النَّفي، وبلفظ النَّهي، وجاء بصيغة الحصر، وجاء بلفظ: «لا ينبغي».
2. أنَّه يلزم على هذا القول جواز شدِّ الرِّحال للقبور، وهذا يفضي إلى الغلوِّ فيها وعبادتها، وعدم الاكتفاء بالزِّيارة الشَّرعيَّة؛ إذ أنَّ الرِّحال لا تُشدُّ للزِّيارة الشَّرعيَّة، وإنما يفعل ذلك ضعاف الإيمان للدُّعاء عندها، أو دعاء أهلها، أو التَّمسُّح بها، أمَّا الزِّيارة الشَّرعيَّة فلا تحتاج -بحمد الله- إلى شدِّ رحل.
3. أنَّ أبا هريرة -رضي الله عنه- لَمَّا خرج إلى الطُّور أنكر عليه بصرة بن أبي بصرة الغفاري -رضي الله عنه-، فإنه قال له: من أين أقبلتَ؟ فقلتُ: من الطُّور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجتَ، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا تُعملُ المطيُّ إلَّا إلى ثلاثة مساجد...» الحديث.
4. أنَّ الجاري على الأصول أنَّ ما جاء بلفظ الحصر لا يخرج منه شيء إلَّا بنصٍّ صحيح يجب الرُّجوع إليه من كتاب أو سُنَّة، والله تعالى أعلم. منحة العلام (ص: 117-118).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
ظاهر الحديث هو العموم، وأنَّ المراد لا يجوز السَّفر إلى موضع للتَّبرُّك به والصَّلاة فيه إلَّا إلى ثلاثة مساجد. تحفة الأحوذي (2/ 287).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
لا دليل يخصِّص الحديث بالمساجد، فالواجب البقاء على عمومه الذي ذهب إليه أبو محمد الجويني ومن ذُكِرَ معه، وهو الحقُّ...، والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه أبو محمد الجويني الشافعي وغيره من تحريم السَّفر إلى غير المساجد الثَّلاثة من المواضع الفاضلة، هو الذي يجب المصير إليه، فلا جرم إن اختاره كبار العلماء المحقِّقين المعروفين باستقلالهم في الفهم، وتعمُّقهم في الفقه عن الله ورسوله أمثال شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم -رحمهم الله تعالى-، فإنَّ لهم البحوث الكثيرة النَّافعة في هذه المسألة الهامَّة، ومن هؤلاء الأفاضل الشيخ ولي الله الدهلوي. أحكام الجنائز (1/ 228-231).
وقال ولي الله الدهلوي -رحمه الله-:
أقول: كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظَّمة بزعمهم يزورونها، ويتبرَّكُون بها، وفيه من التَّحريف والفساد ما لا يخفى، فسدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- الفساد لئلا يلتحق غير الشَّعائر بالشَّعائر، ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله، والحقُّ عندي أنَّ القبر، ومحل عبادة ولي من أولياء الله، والطُّور كُلُّ ذلك سواء في النَّهي، والله أعلم. حجة الله البالغة (1/ 325).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن -رحمه الله-:
هذه هي المسألة التي أفتى بها شيخ الإسلام -رحمه الله- أعني مَنْ سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصَّالحين- ونقل فيها اختلاف العلماء، فمِنْ مبيح لذلك كالغزالي وأبي محمد المقدسي، ومِن مانع لذلك كابن بطة وابن عقيل، وأبي محمد الجويني، والقاضي عياض، وهو قول الجمهور، نصَّ عليه مالك، ولم يخالفه أحد من الأئمَّة، وهو الصَّواب؛ لِمَا في الصَّحيحين عن أبي سعيد عن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: «لا تُشدُّ الرِّحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى»، فدخل في النَّهي شدُّها لزيارة القبور والمشاهد، فإمَّا أن يكون نهيًا، وإمَّا أنْ يكون نفيًا، وجاء في رواية بصيغة النَّهي، فتعيّن أن يكون للنَّهي؛ ولهذا فهم منه الصَّحابة -رضي الله عنهم- المنع -كما في الموطأ والمسند والسُّنن- عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري أنه قال لأبي هريرة -وقد أقبل من الطُّور-: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه لَمَا خرجت، سمعتُ رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يقول: «لا تُعمل المطيُّ إلَّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى». وروى الإمام أحمد وعمر بن شبّة في أخبار المدينة بإسناد جيد عن قزعة قال: «أتيتُ ابن عمر فقلتُ: إني أريد الطُّور، فقال: إنما تُشدُّ الرِّحال إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى، فدعْ عنك الطُّور ولا تأتِه». فابن عمر وبصرة بن أبي بصرة جعلا الطُّور مِمَّا نُهي عن شدِّ الرِّحال إليه؛ لأن اللفظ الذي ذكراه فيه النَّهي عن شدِّها إلى غير الثلاثة مِمَّا يقصد به القربة، فعُلِمَ أن المستثنى منه عامٌّ في المساجد وغيرها، وأنَّ النَّهي ليس خاصًّا بالمساجد؛ ولهذا نهيا عن شدِّها إلى الطُّور مستدلِّين بهذا الحديث، والطُّور إنما يسافر مَنْ يسافر إليه لفضيلة البقعة، فإن الله سمَّاه: الوادي المقدَّس، والبقعة المباركة، وكلَّم كليمه موسى -عليه السلام- هناك، وهذا هو الذي عليه الأئمَّة الأربعة وجمهور العلماء، ومَن أراد بسط القول في ذلك والجواب عمَّا يعارضه، فعليه بما كتبه شيخ الإسلام مجيبًا لابن الأخنائي فيما اعترض به على ما دلَّت عليه الأحاديث الصَّحيحة، وأخذ به العلماء وقياس الأَوْلَى؛ لأن المفسدة في ذلك ظاهرة.
وأمَّا النَّهي عن زيارة غير المساجد الثلاثة فغاية ما فيها: أنها لا مصلحة في ذلك تُوجِبَ شدَّ الرِّحال، ولا مزية تدعو إليه، وقد بسط القول في ذلك الحافظ محمد بن عبد الهادي في كتاب الصَّارم المنكي في ردِّه على السُّبكي، وذكر فيه علل الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي -صلي الله عليه وسلم-، وذكر هو وشيخ الإسلام -رحمهما الله تعالى- أنه لا يصِحُّ منها حديث عن النبي -صلي الله عليه وسلم- ولا عن أحد من أصحابه، مع أنها لا تدلُّ على محلِّ النِّزاع؛ إذ ليس فيها إلا مطلق الزِّيارة، وذلك لا ينكره أحد بدون شدِّ الرِّحال، فيحمل على الزِّيارة الشَّرعيَّة التي ليس فيها شرك ولا بدعة. فتح المجيد (ص: 261-262).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
وقد افتتن الحافظ ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لأجل هذا الحديث في الشَّام مرَّتين، فحبس مرَّةً مع تلميذه ابن القيم -رحمه الله تعالى-، وأخرى وحده حتى توفي فيه، وكان من مذهبه أنَّ السَّفر إلى المدينة لا يجوز بنِيَّة زيارة قبره -صلى الله عليه وسلم- لأجل هذا الحديث، نعم يستحبُّ له بنِيَّة زيارة المسجد النبوي، وهي من أعظم القربات، ثم إذا بلغ المدينة يستحبُّ له زيارة قبره -صلى الله عليه وسلم- أيضًا؛ لأنه يصير حينئذٍ من حوالي البلدة، وزيارة قبورها مستحبَّةٌ عنده. فيض الباري (2/ 588).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
فليس هو رأي ابن تيمية وحده كما يظنُّ بعض الجهلة، وإنْ كان له فضل الدَّعوة إليه، والانتصار له بالسُّنة وأقوال السَّلف بما لا يعرف له مثيل، فجزاه الله عنَّا خير الجزاء، فهل آن للغافلين أن يعودوا إلى رشدهم، ويتَّبِعوا السَّلف في عبادتهم، وأنْ ينتهوا عن اتِّهام الأبرياء بما ليس فيهم؟ سلسلة الصحيحة الأحاديث الصحيحة (2/ 698).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
اعلم أنَّ زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أشرف من أكثر الطَّاعات، وأفضل من كثير المندوبات، لكن ينبغي لمن يسافر أن ينوي زيارة المسجد النَّبوي، ثم يزور قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويصلِّي ويسلِّم عليه، اللهمَّ ارزقنا زيارة المسجد النَّبوي، وزيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، آمين. عون المعبود (6/ 25).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
أمَّا قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فالسَّفر إلى زيارته هو السَّفر إلى مسجده، والسَّفر إلى مسجده مُستحبٌّ بالإجماع، ليس من مسائل النزاع.
وكُلُّ مَن علم أنَّه إنَّما يَصِلُ إلى مسجده، وعلم أنَّه مسجده الذي كان يصلِّي فيه هو وأصحابه، وأنَّه أفضل المساجد بعد المسجد الحرام أو مطلقًا، وأنه -صلى الله عليه وسلم- جعل الصَّلاة فيه بألف صلاة، وأنه قال: «لا تُشدُّ الرِّحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد» ونحو ذلك، وهو مؤمن بالرَّسول -صلى الله عليه وسلم-، فلا بد أنْ يقصد -إذا سافر إلى هناك- السَّفر إلى مسجده لا يمكن مع علمه بذلك وإيمانه بالرَّسول -صلى الله عليه وسلم- أنْ لا يقصد السَّفر إلى مسجده، فلا يقصد السَّفر إلى القبر دون المسجد إلَّا جاهل أو كافر، لكن كثير من الناس قد عرفوا فضيلة مسجده والسَّفر إليه فهم يقصدون ذلك، ويقصدون السَّفر إلى القبر أيضًا، ثم منهم مَنْ يستوي عنده القصدان، ومنهم مَنْ يكون قصد المسجد أقوى عنده، ومنهم مَنْ يكون قصد القبر أقوى عنده، وهؤلاء يظنُّونَّ أنَّ قصد السَّفر إلى قبره من المحبَّة له والتَّعظيم، وأنَّ ذلك أعظم من قصد السَّفر إلى مسجده، وهم غالطون في ذلك، فإنَّ السَّفر إلى المسجد الحرام الذي بناه إبراهيم، والتَّأسي بإبراهيم فيما كان يفعله هناك من الحجِّ، أفضل من زيارة قبر إبراهيم بالكتاب والسُّنة والإجماع. الإخنائية (ص: 132).
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قال الكرماني: وقع في هذه المسألة في ‌عصرنا ‌في ‌البلاد ‌الشَّامية مُناظرات كثيرة وصُنف فيها رسائل من الطرفين.
قلتُ: يشير إلى ما ردَّ به الشيخ تقي الدين السبكي وغيره على الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وما انتصر به الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي وغيره لابن تيمية، وهي مشهورة في بلادنا.
والحاصل: إنهم الزموا ابن تيمية بتحريم شدِّ الرَّحل إلى زيارة قبر سيِّدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنكرنا صورة ذلك، وفي شرح ذلك من الطَّرفين طُولٌ، وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية، ومن جملة ما استدلَّ به على دفع ما ادَّعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ما نُقِلَ عن مالك أنه كرِه أنْ يقول: زرتُ قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد أجاب عنه المحقِّقون من أصحابه: بأنه كَرِهَ اللفظ أدبًا، لا أصل الزِّيارة، فإنها من أفضل الأعمال، وأجلِّ القربات الموصِّلة إلى ذي الجلال، وأن مشروعيتها محلُّ إجماع بلا نزاع، والله الهادي إلى الصَّواب. فتح الباري (3/ 66).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله- مُتعقِّبًا ابن حجر:
هذا اللازم (الذي ألزموا به ابن تيمية وهو تحريم شد الرحل إلى زيارة قبر النبي) لا بأس به، وقد التزمه الشيخ (ابن تيمية)، وليس في ذلك بشاعة بحمد الله عند من عَرف السُّنة، مواردها ومصادرها، والأحاديث المرويَّة في فضل زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- كُلُّها ضعيفة، بل موضوعة، كما حقَّق ذلك أبو العباس (ابن تيمية) في منسكه وغيره، ولو صحَّتْ لم يكن فيها حُجَّة على جواز شدِّ الرِّحال إلى زيارة قبره -عليه الصلاة والسلام- من دون قصد المسجد، بل تكون عامة مطلقة، وأحاديث النَّهي عن شدِّ الرِّحال إلى غير المساجد الثلاثة يخصُّها ويقيِّدها، والشيخ (ابن تيمية) لم ينكر زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- من دون شدِّ الرِّحال، وإنَّما أنكر شدَّ الرَّحل من أجلها مجردًا عن قصد المسجد، فتنبَّهْ وافهم، والله أعلم. تعليقه على فتح الباري (3/ 66).
وقال عبد الكريم الخضير -حفظه الله- متعقِّبًا:
شيخ الإسلام لا يمنع من زيارة القبور، وإنما يمنع من شدِّ الرِّحال إلى القبور، فلا تُشدُّ الرِّحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد. شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (29/ 31).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قد خالف الناس هذا النَّهي، فما يزالون في شدٍّ للرِّحال إلى القبور والمشاهد واجتماعٍ لذلك على المحرَّمات لا تَحِلُّ، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون. التنوير (1/ 88).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
الحديث دليل على تحريم السفر لمسجد أو بقعة غير المساجد الثلاثة...ويدخل في ذلك شدُّ الرِّحال للمواضع الفاضلة أو لزيارة القبور، فهذا محرَّم، كما قال المحقِّقون من أهل العلم، ومنهم: أبو محمد الجويني، والقاضي عياض وابن تيمية وابن القيم وابن رجب والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأبناؤه وأحفاده وتلاميذهم، رحم الله الجميع. منحة العلام (ص: 117).
وقال المغربي -رحمه الله-:
الحديث فيه: دلالة على تفاضل الثَّلاثة مساجد، وأنَّ مسجد مكَّة أفضل من مسجد المدينة، وهذا يتأيَّد بحديث ابن الزبير، أخرجه أحمد وصحَّحه ابن حبان من طريق عطاء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أَلْفِ صلاة فيما سواه من المساجد إلَّا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة أَلْفِ صلاة في هذا»، وفي رواية ابن حبان: «أفضل من مائة صلاة في مسجد المدينة». البدر التمام (5/ 167).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
لماذا خُصَّت هذه المساجد بجواز شدِّ الرَّحل إليها؟ نقول: لفضلها من جهة؛ لأنها أفضل بقاع الأرض، ومن جهة أخرى: لكثرة الثَّواب فيها. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 312).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
من فوائد الحديث: أنه لا يشدُّ الرَّحل إلى المقابر لزيارتها؛ لأن هذا مكان يختص بالبقعة، ولا شيء من البقع يُخصَّص إلَّا هذه الثَّلاثة.
ومن فوائد الحديث: أن شدَّ الرَّحل يختصُّ بالمساجد المعيَّنة الثَّلاثة، وينبني على ذلك أننا لا نشدُّ الرَّحل إلى مسجد في مكَّة سوى مسجد الكعبة؛ لأن المسجد الحرام هو المسجد الذي فيه الكعبة، كما جاء ذلك صريحًا في صحيح مسلم أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أَلْفِ صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة»، وهذا هو الذي تشدُّ إليه الرِّحال.
ومن فوائد الحديث: بيان فساد ما ذهب إليه بعض العلماء من أنه لا فضل في المسجد النبوي إلَّا المسجد الذي كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمَّا الزيادات فهي خارجة عنه، فهذا ليس بصحيح، والصَّحيح أن ما زيد في المسجد فله حكمه، سواء كان في المسجد الأقصى أو النبوي أو الحرام...؛ ولهذا قال العلماء: ما يزيد في هذه المساجد فله حكمها ولو بلغ ما بلغ. فتح ذي الجلال والإكرام (6/140-141).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده:
منها: أنَّ مَن نذر إتيان هذه المساجد الثَّلاثة للصَّلاة فيها يلزمه الوفاء به؛ لأنه طاعة، والطَّاعة تلزم بالنَّذر...
ومنها: أنَّ مَن نذر إتيان غير هذه المساجد الثَّلاثة للصَّلاة لا يلزمه الوفاء به؛ لأنها لا فضل لبعضها على بعض، فتكفي صلاته في أيِّ مسجد كان. البحر المحيط الثجاج (24/ 720).


ابلاغ عن خطا