الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إذا مَاتَ الإِنسانُ انقَطَعَ عنهُ عملُهُ إلَّا مِن ثلاثةٍ: إلَّا مِن صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنْتَفَعُ به، أو ‌وَلَدٍ ‌صَالِحٍ ‌يَدْعُو ‌لَهُ».


رواه مسلم برقم: (1631)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«جاريةٍ»:
‌دَارَّة ‌متَّصِلة، كالوقوف المرصدة لأبواب البِرِّ. النهاية، ابن الأثير (1/ 264).
أي: يجري نفعها وأجرها، ويدوم. مشارق الأنوار، القاضي عياض(1/ 145).


شرح الحديث


قوله: «إذا ماتَ الإِنسانُ انقَطَعَ عنهُ عملُهُ إلَّا مِن ثلاثةٍ»:
قال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «انقطع عنه عمله إلَّا من ثلاثة» هذه العبارة لا تخلو عن شيء، فإن قوله: «عمله» فاعل انقطع، فالظَّاهر في الاستثناء أن يقال: إلَّا ثلاثة، أي: ثلاثة أعمال، أو يقال: انقطع من عمله إلَّا من ثلاثة أعمال، فقيل: «من» زائدة، وقيل: بل الضمير في «عنه» زائدة، ومعناه: إذا مات الإنسان انقطع عن أعماله إلَّا من ثلاثة، وقيل: كلتاهما أصليَّتان، ومعناه: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله، وانقطع هو عن عمله إلَّا من ثلاثة أعمال، بقي أن الظَّاهر أن يقال: إلَّا عن ثلاثة، وجوابه أن «من» و«عن» قد يتناوبان، ويذكر كُلٌّ منهما مقام الآخر. لمعات التنقيح (1/ 528- 529).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
يلحق ‌الميِّت من فعل غيره وعمله ثلاث: حَجٌّ يؤدَّى عنه، ومال يُتصدَّق به عنه أو يقضى، ودعاء، فأمَّا ما سوى ذلك من صلاة، أو صيام فهو لفاعله دون الميِّت، وإنما قلنا بهذا دون ما سواه استدلالًا بالسُّنَّة في الحجِّ خاصَّة والعمرة مثله قياسًا، وذلك الواجب دون التَّطوُّع، ولا يَحِجُّ أحد عن أحد تطوُّعًا؛ لأنه عمل على البدن. فأمَّا المال، فإن الرجل يجب عليه فيما له الحقُّ من الزَّكاة وغيرها، فيجزيه أن يؤدِّيَ عنه بأمره. الأم (4/ 126).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
المراد من الانقطاع: هو الانقطاع صورةً وحكمًا، أي: لا يتأتَّى منه العمل صورةً، ولا يتجدَّد له ثواب ما عمل قبل الموت، ولا يضمُّ إلى أعماله المفعولة قبل الموت، إلَّا في المستثنيات، والمراد بالعمل الخير، وما يكون له الأجر ويثاب به، ولا يختصُّ بذلك على ما سنذكره . الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (75).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«إذا مات الإنسان انقطع عمله» لزوال التَّكليف بالموت ولخروجه من عالمه إلى البرزخ، وليس محلَّ عمل، والمراد لازم العمل، أي: أن الإنسان يتم تحصيله للثَّواب بنفسه بموته، «إلَّا من ثلاث» لا تنافي بينه وبين حديث ابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: «إنما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علمًا نشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورَّثه، ومسجدًا بناه، وبيتًا لابن السبيل بناه، ونهرًا أجراه، وصدقة أخرجها من ماله في صِحَّته وحياته تلحقه من بعد موته»، إمَّا لأن مفهوم العدد غير حُجَّة، وإمَّا لأنه اطَّلع أوَّلاً على ما في حديث مسلم، ثُمَّ أطلعه الله على الزَّائد فأخبر به. دليل الفالحين (6/ 428).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
«الإنسان» في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان» يُفيد العموم؛ لأنه للجنس، وقد خُصَّ ذلك بالأنبياء والشُّهداء وأشباههما صورةً، أي: يتأتَّى منهم العمل صورةً بعد الموت، الصُّورة: لأن الأنبياء أحياء بعد الموت، الصُّورة حقيقة يصلُّون ويحجُّون على ما صحَّ في الصِّحاح، والشُّهداء أحياء عند ربِّهم يرزقون حقيقة على الأصحِّ أو الصَّحيح... الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (75).
وقال الأردبيلي -رحمه الله- أيضًا:
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان» خُصِّص بالكافر من جهة الحسنات فقط، وهو أن الكافر لو وقف في الكفر شيئًا...، أو بنى مسجدًا أو مدرسة أو رباطًا أو قنطرة، ولو تعلَّم علمًا منتفعًا به، وعلَّمه الناس، أو وُلد له ولدٌ صالح، فهل ينتفع به بعد الموت؟ فيه خلاف، قال بعض العلماء: نعم، وهو التَّخفيف في العذاب؛ لِمَا روى مسلم في الصَّحيح أن العباس -رضي الله عنه- قال: «هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحفظك ويغضب لك؟ قال: «نعم، قال: هو في ضَحْضَاح من نار، ولولا أنا لكان في الدَّرْك الأسفل من النار». وقال الأكثرون: المنع، وتباب الكافر في الدُّنيا، وهو مختصٌّ بأبي طالب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو الصَّحيح؛ لقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} الفرقان: 23...، هذا في الحسنات، وأمَّا السَّيِّئات فلو سَنَّ الكافر في الكُفر سُنَّة سيِّئة، أو بنى بناء حرامًا كالبَيعة (كنيسة النصارى)، أو بمال حرام، أو ابتدع، أو أضلَّ أحدًا، أو علَّم علمًا حرامًا... فله وزرها، ويلحقه إثمها، ويتجدَّد ويتضاعف تعذيبه، قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} النحل: 25. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (75).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
ومَنْ جمع هذه الثلاثة أشياء فقد جمع ما عسى أن يكون قد اجتمع له به خير الدُّنيا وخير الآخرة. شرح مشكل الآثار (5/ 295).
وقال الطحاوي -رحمه الله- أيضًا:
المستثنى فيه وهو أعمال تحدث بعده من صدقة بها عنه بعد وفاته هو سببها في حياته، وعلم يعمل به بعد وفاته هو سببه في حياته وولد صالح يدعو له بعد وفاته هو سببه في حياته، وكُلُّ هذه الأشياء يلحقه بها ثواب. شرح مشكل الآثار (6/ 89).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«إلَّا من ثلاثة» لبقاء نفعها بعد موته، ومِنْ ثَمَّ لم ينحصر الأمر في هذه الثَّلاثة، بل وردت زيادة أخرى في معناها...، وبهذا يندفع ما ورد على هذا الحصر من خبر: «من سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة فله أَجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومَن دعا إلى هُدى فله مثل أجر مَنِ اتَّبعه»، ووجه ردِّه ما عُلم مما تقرَّر أنَّ الحصر إضافي، على أن هذينِ لا يبعد دخولهم في العلم المنتفع به من بعده. فتح الإله في شرح المشكاة (2/56-57).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
فإنْ قلتَ: قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سنَّ سُنَّة حسنة فلهُ أجرها وأجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة، ومَنْ سنَّ سُنَّة سيِّئة فله وزرها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة»، وقوله -عليه السلام-: «كُلُّ ميِّت يُختم على عمله إلَّا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة» يكاد يُخِلُّ بهذا الحصر، سيّما الحديث الأخير، فإنه ينافي قطريه.
قلتُ: أمَّا قوله: «من سَنَّ سُنَّة حسنة» فغير خارج عن هذه الأقسام، فإنَّ وضع السُّنن وتأسيسها من باب التَّعليم، وأمَّا قوله: «مَنْ سنَّ سُنَّة سيِّئة» فالمراد به المعاصي، والمراد بالعمل ها هنا: الطَّاعة؛ لغلبته فيه، فلا تعارض. وأمَّا قوله: «كُلُّ ميِّت يُختم على عمله» فمعناه: أن الرَّجل إذا مات لا يزاد في ثواب ما عمل، ولا ينقص منه شيء، وإلا الغازي، فإن ثواب مرابطته ينمو ويضاعف، وليس فيه ما يدلُّ على أن عمله يزاد بضمِّ غيره، أو لا يزاد. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 149).
وقال البغوي -رحمه الله-:
لا يلحق الميِّت ما يفعل عنه الحيُّ بعد موته بغير إذنه: إلَّا دُعاءٌ يدعو له، أو صدقة يتصدَّق عنه، أو حجٌّ يؤدِّي عنه، إذا كان فرضًا عليه، أو دين يقضي عنه...، فأمَّا ما سوى ذلك من القرب من الصَّلاة وقراءة القُرآن وغيرها: لا يلحق الميِّتُ. التهذيب في فقه الإمام الشافعي (5/ 112- 114).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وذلك لأن عمل الميِّت منقطع بموته، لكن هذه الأشياء لَمَّا كان هو سببها؛ من اكتسابه الولد، وبثِّه العلم عند من حمله فيه، أو إيداعه تأليفًا بقي بعده، وإيقافه هذه الصَّدقة بقيت له أجورها ما بقيت ووجدت...، وفي هذا دليل على أنه لا يجزئ عمل الأبدان من صلاة وصيام، ولا نيابة في غير المال الذي نصَّ عليه ونفى غيره. إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 373).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
هذه الثَّلاث الخصال إنَّما جرى عملها بعد الموت على مَنْ نسبت إليه؛ لأنه تسبَّب في ذلك، وحرص عليه، ونواه، ثم إن فوائدها متجدِّدة بعده دائمة؛ فصار كأنه باشرها بالفعل، وكذلك حُكْم كُلِّ ما سنَّه الإنسان من الخير، فتكرَّر بعده؛ بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»... وإنَّما خصَّ هذه الثَّلاثة بالذِّكر في هذا الحديث؛ لأنها أصول الخير، وأغلب ما يقصد أهل الفضل بقاءه بعدهم.المفهم (4/ 554 - 555).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
والميِّت بعد موته لا ينتفع بأعمال يعملها هو بعد الموت: لا مِنِ استماع ولا قراءة ولا غير ذلك باتِّفاق المسلمين، وإنما ينتفع بآثار ما عمله في حياته، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلَّا من ثلاث: ‌صدقة ‌جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، وينتفع أيضًا بما يهدى إليه من ثواب العبادات المالية: كالصَّدقة والهبة؛ باتِّفاق الفقهاء، وكذلك العبادات البدنية في أصحِّ قوليهم. مجموع الفتاوى (31/ 42).
وقال السندي -رحمه الله-:
«انقطع» أي: ثواب عمله من كُلِّ عمل إلَّا من ثلاثة أعمال، وقيل: بل الاستثناء متعلِّق بالمفهوم، أي: ينقطع ابن آدم من كُلِّ عمل إلَّا من ثلاثة أعمال، والحاصل أن الاستثناء في الظَّاهر مُشْكِل، وبأحد الوجهين المذكورين يندفع الإشكال، والله تعالى أعلم. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (3/ 252).

قوله: «إلَّا مِن صدقةٍ جاريةٍ»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
والمعنى: إذا مات الإنسان لا يُكتب له بعده أجر أعماله؛ لأنه جزاء العمل، وهو ينقطع بموته، إلَّا فعلًا دائم الخير، مستمِرَّ النَّفع، مثل وقف أرض، أو تصنيف كتاب، أو تعليم مسألة يعمل بها، أو ولد صالح، وكُلٌّ منها يلحق أجره إليه. الكاشف عن حقائق السنن (2/ 663).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «‌صدقة ‌جارية» أي: يجري نفعها وأجرها ويدوم. مشارق الأنوار (1/ 145).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«صدقة جارية» أي: يجري عليه أجره بعد موته، وهي: الوقف. شرح سنن أبي داود (12/ 397).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
الصَّدقة الجارية لا شكَّ في أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يعنِ بها إلَّا ما أجازه من الصَّدقات، لا كُلَّ ما يظنُّه المرء صدقة، كمن تصدَّق بمحرَّم، أو شرط في صدقته شرطًا ليس في كتاب الله -عزَّ وجلَّ-، فصحَّ أن الصَّدقة الجارية، الباقي أجرها بعد الموت: إمَّا صدقة مطلقة فيما تجوز الصَّدقة به مِمَّا صحَّ مِلك المتصدَّق به عليه، ولم يشترط فيها شرطًا مفسدًا، وإمَّا صدقة موقوفة فيما يجوز الوقف فيه، فصحَّ أنه ليس في هذا الخبر حُجَّة فيما يختلف فيه من الصَّدقات، أيجوز أم لا؟ كمن تصدَّق بصدقة لم يُجِزْها المتصدَّق عليه، وكمن تصدَّق في وصيَّته على وارث أو بأكثر من الثُّلث، ولا بمحرَّم: كمن تصدَّق بخمر، أو خنزير، وإنما فيه: أن الصَّدقة الجائزة المتقبَّلة يبقى أجرها بعد الموت فقط. المحلى بالآثار (8/ 151).
وقال عز الدين ابن عبد السلام -رحمه الله-:
وكذلك الصَّدقة الجارية تحمل على الوقف وعلى الوصيَّة بمنافع داره وثمار بستانه على الدَّوام، فإن ذلك من كَسْبِه؛ لتسببه إليه، فكان له أجر التَّسبُّب. قواعد الأحكام (1/ 135).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
فإن قوله: «‌صدقة ‌جارية» يشعر بأن الوقف يلزم، ولا يجوز نقضه، ولو جاز النَّقض لكان الوقف صدقة منقطعة، وقد وصفه في الحديث بعدم الانقطاع. نيل الأوطار (6/ 29- 30).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«الصَّدقة الجارية» كُلُّ نفقة تكون بعد الموت في سبيل الله، أي: فيما يقرِّبه إلى الله، ولا يختصُّ ذلك بالفقراء والمساكين، بل لو وقف شيئًا على المارِّ في هذا الطَّريق وقف شيئًا للشُّرب يشرب منه الأغنياء والفقراء، بنى مسجدًا يصلِّي فيه الأغنياء والفقراء، فكُلُّ هذا داخل في الصَّدقة الجارية، ومعنى جارية أي: مستمِرَّة، بخلاف الصَّدقة المقطوعة فهي أن يتصدَّق الإنسان بدراهم على شخص وينتهي. فتح ذي الجلال والإكرام(4/ 278- 279).

قوله: «أو علمٍ يُنْتَفَعُ به»:
قال ابن أبي الخير العمراني -رحمه الله-:
ومعنى «العلم المنتفع به» إمَّا كتب علم وقفها، أو علَّم غيره. البيان في مذهب الإمام الشافعي (8/ 317).
وقال عز الدين ابن عبد السلام -رحمه الله-:
فإن العلم المنتفع به من كسبه، فجعل له ثواب التَّسبُّب إلى تعليم هذا العلم. قواعد الأحكام (1/ 135).
وقال المظهري -رحمه الله-:
والثَّاني: العلم الذي ينتفع به، يعني: يعلِّم أحدًا أو جماعة مسألة أو أكثر من أحكام الدِّين، فيعملون بتلك المسألة ويعلِّمونها غيرهم من المسلمين، فيحصل له بذلك ثواب، وكذلك إذا صنَّف كتابًا. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 303- 304).
وقال ابن جماعة -رحمه الله-:
إذا نظرت وجدت معاني الثلاثة موجودة في مُعلِّم العلم؛ أمَّا الصَّدقة فإقراؤه إيَّاه العلم وإفادته إيَّاه، ألَا ترى إلى قوله -صلى الله عليه وسلم- في المصلِّي وحده: «مَنْ يتصدَّق على هذا؟» أي: بالصَّلاة معه لتحصل له فضيلة الجماعة، ومُعلِّم العلم يحصل للطالب فضيلة العلم التي هي أفضل من صلاة في جماعة، وينال بها شرف الدُّنيا والآخرة.
وأمَّا العلم المنتفع به فظاهر؛ لأنه كان سببًا لإيصال ذلك العلم إلى كُلِّ مَنِ انتفع به.
وأمَّا الدُّعاء الصَّالح له فالمعتاد المستقرُّ على ألسنة أهل العلم والحديث قاطبة من الدُّعاء لمشايخهم وأئمَّتهم وبعض أهل العلم يَدْعُون لكُلِّ مَنْ يذكر عنه شيء من العلم، وربما يقرأ بعضهم الحديث بسنده فيدعو لجميع رجال السَّند، فسبحان مَنِ اختصَّ مَنْ شاء من عباده بما شاء من جزيل عطائه. تذكرة السامع (ص 63- 64).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
فالعالم إذا عَلَّم مَنْ يقوم به بعده؛ فقد خلَّف علمًا نافعًا وصدقة جارية؛ لأنّ تعليم العِلْم صدقة، كما سبق عن معاذ وغيره، والذين علَّمهم بمنزلة أولاد الصَّالحين يَدْعُون له، فيجتمع له بتخليف علمه هذه الخصال الثَّلاث. ورثة الأنبياء (ص:53).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
ومَنْ أحبَّ ألَّا ينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم بالتَّدوين والتَّعليم، ففي الحديث: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلَّا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ‌ولد ‌صالح ‌يدعو ‌له». التذكرة في الوعظ (ص: 55).
وقال المنذري -رحمه الله-:
وناسخ العلم النَّافع له أجره وأجر مَنْ قرأَه أو نسخه، أو عمل به من بعده ما بقي خطُّه والعمل به؛ لهذا الحديث وأمثاله، وناسخ غير النَّافع مما يوجب الإثم، عليه وزره ووزر مَنْ قرأَه أو نسخه، أو عمل به من بعده ما بقي خطُّه والعمل به؛ لِمَا تقدَّم من الأحاديث: «مَنْ سُنَّ سُنَّة حسنة أو سيِّئة»، والله أعلم. الترغيب والترهيب (1/ 62).

قوله: «أو ‌ولدٍ ‌صالِحٍ ‌يَدْعُو ‌لهُ»:
قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«أو ولد صالح» أي: مسلم...، وإنَّما حملتُ الصَّالح على المسلم لبيان حصول أصل الثَّواب بمجرد كون الولد مسلمًا، فإن انضمَّ للإسلام أعمال صالحة، كان ذلك زيادة في ثوابه وكماله...، يدلُّ عليه كلام أئمَّتنا في المقدَّم من الأقارب في إمامة الصَّلاة على الميِّت، أو لتحريض الولد على الدُّعاء، وأنه يتأكَّد عليه، أو لبيان أن شأن الولد الصَّالح أنه يديم الدُّعاء لوالده، ولا يغفل عنه. فتح الإله في شرح المشكاة (2/57).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قال العلماء: الصَّلاح والدُّعاء في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أو ولد صالح يدعو له» ليس بشرط للوصول والاتِّصال؛ لأن ثواب العمل الصَّالح يصل إلى الوالد كُلَّما عمل الولد صالحًا كان أو فاسقًا، دعا له أو لَمْ يَدَعُ؛ لأن الولد من كسبه، وعمله من نتائج عمله، فهو كشجرة غرسها فأثمرت، ولكن ذلك للتَّحريض على الصَّلاح، والدُّعاء للوالد، والوالدة في معناه، بل ثوابها أكثر؛ لأن حقَّها أكثر، ولو كان الولد سَوْءًا فلا إثم على الوالدين. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (75).
وقال عز الدين ابن عبد السلام -رحمه الله-:
وليس الدُّعاء مخصوصًا بالولد، بل الدُّعاء شفاعة جائزة من الأقارب والأجانب، وليست مستثناة من هذه؛ لأن ثواب الدُّعاء للدَّاعي والمدعو به حاصل للمدعو له، فإن طلب له المغفرة والرَّحمة كانت المغفرة والرَّحمة مخصوصين بالمدعو له، وثواب الدُّعاء للدَّاعي، كما لو شفع إنسان لفقير في كسوة أو في العفو عن زِلَّة، كانت للشَّافع ثواب الشَّفاعة في العفو والكسوة، وكانت مصلحة العفو والكسوة للفقير. قواعد الأحكام (1/ 135).
وقال المظهري -رحمه الله-:
والثَّالث: «ولد صالح يدعو له» بعد موته، واعلمْ: أنه مَنْ ترك ولدًا صالحًا يحصل له من ذلك الولد ثواب كُلِّ لحظة، سواء يدعو له الولد أو لا يدعو؛ لأن الولد كُلَّما عمل عملًا صالحًا أو تلفَّظ بتسبيح يحصل لأبيه ثواب؛ لأن الولد كشجرة مثمرة، فكما أن مَنْ غرس شجرة مثمرة يحصل له ثواب بأكل تلك الثمرة، سواء يدعو آكلها للغارس أو لا يدعو، فكذلك الأب كالغارس، والولد الصَّالح كالشَّجرة المثمرة، فهذا مثل قوله: «مَنْ سَنَّ سُنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة».
و«الولد الصَّالح» كسُّنَّة حسنة سنَّها أبوه؛ أي: وضعها، فإن كان الولد سيِّئًا لا يلحق من سيِّئاته إلى الأب إثم؛ لأن نِيَّة الأب في طلب الولد الخير لا الشَّرَّ؛ لأن نِيَّته في طلب الولد أن يحصل له ولد صالح يعبد الله، ويحصل منه الخير إلى الناس، وإنما يصل من شَرِّ الولد إلى الأب نصيب أن يعلم الأب الولد شرًّا كالسَّرقة وشرب الخمر وغيرهما من المعاصي.
قوله: «يدعو له» إنما قال هذا لتحريض الولد على الدُّعاء لأبيه، لا لأنه لو لم يدع الولد لا يلحق والده منه ثواب، بل يحصل له، فكما أن الأب يحصل له ثواب من الولد فكذلك الأُمُّ يحصل لها ثواب من ولدها، بل ثوابها أكثر؛ لأن حقَّها على الولد أكثر. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 303- 304).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فولده من كسبه، ودعاؤه محسوب من عمله، بخلاف دعاء غير الولد فإنه ليس محسوبًا من عمله، والله ينفعه به. منهاج السنة النبوية (6/ 228).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- أيضًا:
ليس كُلُّ ما يفعله الولد يكون للوالد مثلُ أجره، وإنما ينتفع الوالد بدعاء الولد ونحوه مما يعود نفعه إلى الأب. قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (1/ 71).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
فالولد إنه إن عاش بعد أبويه نفعهما، وإن مات قبلهما نفعهما. تحفة المودود (ص: 17).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال الأصحاب (الشافعية): فيستحبُّ أنْ ينوي المتصدِّق الصَّدقة عن أبويه، فإنَّ الله تعالى يُنِيلُهُما الثَّواب، ولا ينقص من أجره شيئًا. روضة الطالبين (6/ 202).
وقال الأردبيلي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
ولقائل أنْ يقول: لا حاجة إلى النِّيَّة؛ لهذا الحديث، ولو تصدَّق عن غيرهما احتاج. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (75).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
وقد طلب الأنبياء الأولاد، وتسبَّب الصَّالحون إلى وجودهم، ورُبَّ جماع حدث منه ولد صالح كالشافعي وأحمد كانا خيراً من عبادة أَلْفِ سنة...، وكذلك الأجر والثَّواب في النَّفقة على الزَّوجة والأولاد، وقد يموت له ولد فيبقى له ذُخْرًا وأجرًا...، وإمَّا أن يخلفه بعده فيلحقه بركة دعائه... فمَنْ أعرض عن طلب الأولاد خالف السُّنَّة، وعُدِم هذا الفضل والثَّواب الجزيل. حقيقة السنة والبدعة (ص: 164- 165).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-:
الثَّالث: الولد الصالح -ولد صلب، أو ولد ابن، أو بنت، ذكر أو أنثى- ينتفع والده بصلاحه ودعائه، فهو في كُلِّ وقت يدعو لوالديه بالمغفرة والرَّحمة، ورفع الدَّرجات، وحصول المثوبات، وهذه المذكورة في هذا الحديث هي مضمون: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} يس: 12، فما قدَّموا: هو ما باشروه من الأعمال الحسنة أو السَّيِّئة، وآثارهم: ما ترتَّب على أعمالهم، مِمَّا عمله غيرهم، أو انتفع به غيرهم. بهجة قلوب الأبرار (ص 103- 104).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قال: «أو ولد صالح يدعو له» قوله: «ولد صالح» هل هو شرط أو هو لبيان الواقع؟ قال بعض العلماء: إنه شرط؛ لأن غير الصَّالح لا تستجاب له دعوة، فلا ينتفع به والده، وقيل: إنه لبيان الواقع؛ لأن الغالب أنه لا يدعو للأب إلَّا الصَّالح سواء استجيب أو ما استجيب، وغير الصَّالح رُبَّما يستجاب له، وهذا هو الأقرب أن هذا القيد لبيان الواقع؛ لأن غير الصَّالح ينسى والده، لكن الصَّالح هو الذي يذكر والده فيدعو له. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (4/ 279).
وقال ابن الصلاح -رحمه الله-:
مسألة في قوله تعالى: {وَأَنْ ‌لَيْسَ ‌لِلْإِنْسَانِ ‌إِلَّا ‌مَا ‌سَعَى} النجم: 39، وقد ثبت أن أعمال الأبدان لا تنتقل، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلَّا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ‌ولد ‌صالح ‌يدعو ‌له». وقد اختلف في القرآن: هل يصل إلى الميِّت أم لا؟ كيف يكون الدُّعاء يصل إليه والقرآن أفضل؟
أجاب -رضي الله عنه- (ابن الصلاح): هذا قد اختلف فيه، وأهل الخير وجدوا البركة في مواصلة الأموات بالقرآن، وليس الاختلاف في هذه المسألة كالاختلاف في الأصول، بل هي من مسائل الفروع، وليس نصُّ الآية المذكورة دالًّا على بطلان قول مَنْ قال: إنه يصل، فإن المراد أنه لا حقَّ له ولا جزاء إلَّا فيما سعى، فلا يدخل فيما يتبرُّع عليه الغير من قراءة أو دعاء، فإنه لا حقَّ له في ذلك ولا مجازاة، وإنما أعطاه إيَّاه الغير تبرُّعًا، وكذلك الحديث لا يدلُّ على بطلان قوله: فإنه في عمله، وهذا من عمل غيره. فتاوى ابن الصلاح (1/ 149).
وقال ابن أبي الخير العمراني -رحمه الله-:
فأمَّا ما سِوى ذلك من القُرب، كالصَّلاة والقراءة والذِّكر فلا يلحق الميِّت ثوابها بفعل الغير لها عنه.
وحكي عن أحمد بن حنبل أنه قال: يلحق الميِّت ثواب ما يفعل عنه من الصَّلاة والقراءة والذِّكر، ودليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} النجم: 39، وهذا عموم إلَّا فيما خصَّه الدَّليل، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلَّا من ثلاث: ‌صدقة ‌جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له». وهذا ليس بواحد منها. البيان في مذهب الإمام الشافعي (8/ 317).
وقال عبد الحق الإشبيلي -رحمه الله-:
واعلم أن الميِّت كالحيِّ فيما يعطاه ويهدى إليه، بل الميِّت أكثر وأكثر؛ لأن الحيَّ قد يستقِلُّ بما يهدى إليه، ويستحقر ما يُتحف به، والميِّت لا يستحقر شيئًا من ذلك، ولو كان مقدار جناح بعوضة أو وزن مثقال ذرَّة؛ لأنه يعلم قيمته، وقد كان يقدر عليه فضيَّعه، ومِمَّا يدلُّك على صحة وصول ما يهدي الحيَّ إلى الميِّت قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلَّا من ثلاث: ‌صدقة ‌جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، فدعاء الولد يصل إلى والده وينتفع به، وكذلك أمره -عليه السَّلام- بالسَّلام على أهل القبور والدُّعاء لهم ما ذاك إلا لكون الدُّعاء لهم والسَّلام عليهم يصل إليهم ويأتيهم، والله أعلم. العاقبة في ذكر الموت (ص: 216).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفيه أن الدُّعاء يصل ثوابه إلى الميِّت وكذلك الصَّدقة، وهما مجمع عليهما، وكذلك قضاء الدَّين... وأمَّا الحج فيجزئ عن الميِّت عند الشافعي وموافقيه، وهذا داخل في قضاء الدَّين إن كان حجًّا واجبًا، وإن كان تطوُّعًا وصى به فهو من باب الوصايا، وأمَّا إذا مات وعليه صيام فالصَّحيح أن الولي يصوم عنه...، وأمَّا قراءة القرآن وجعل ثوابها للميِّت والصَّلاة عنه ونحوهما فمذهب الشافعي والجمهور أنها لا تلحق الميِّت. شرح مسلم (11/ 85).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وأفضل هذه الثَّلاثة: العلم، العلم الذي ينتفع به؛ لأن الصَّدقة الجارية تفنى، والولد الصالح يموت، والعلم يبقى، وإذا شئت أن تعتبر فاعتبر بالعلماء الذين ماتوا قبل مئات السِّنين تجد أن كتبهم بين أيدي الناس اليوم ينتفعون بها فكأنَّهم يُدرِّسونهم.فتاوى نور على الدرب (9/ 2).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وهذا من أعظم الأدِلَّة على شرف العلم وفضله وعظم ثمرته، فإن ثوابه يصل الى الرَّجل بعد موته ما دام ينتفع به، فكأنه حيٌّ لم ينقطع عمله مع ما له من حياة الذِّكر والثَّناء، فجريان أجره عليه إذا انقطع عن الناس ثواب أعمالهم حياة ثانية. مفتاح دار السعادة (1/ 175).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومن فوائد الحديث: إثبات مشروعية الوقف، وأن الوقف ليس من الأمور البدعيَّة، بل هو من الأمور المشروعة؛ لأنه داخل في قوله: «صدقة جارية».
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يشترط أن يكون العلم كثيرًا وافرًا؛ لأن كلمة علم نكرة، والنَّكرة تدلُّ على الإطلاق، فهو علم بلا قيد، أيُّ علم ينتفع به؛ فإنه ينفعك بعد موتك، حتى لو علَّمت الناس بسُنَّة من السُّنن الرَّواتب، أو بسُنَّة مما يفعل أو يقال في الصَّلاة، وانتفع الناس بها بعد موتك، كان لك أجرها جاريًا ...
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يعتني بتربية أولاده على الصَّلاح؛ لقوله: «أو ولد صالح» ..
ومن فوائد الحديث: أن الدُّعاء للميِّت أفضل من إهداء القُرب إليه، يعني: أن تدعو له أفضل من أن تصلِّي له ركعتين، أو أن تتصدَّق عنه بدرهمين، أو أن تضحِّي عنه، أو أن تَحُجَّ عنه، أو أن تعتمر عنه، فالدُّعاء أفضل، ووجه ذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال -وهو يتحدَّث عن العمل-: «أو ولد صالح يدعو له»، ولم يقل: أو ولد صالح يصلِّي له، أو يتصدَّق عنه، أو يصوم عنه، أو ما أشبه ذلك...
ومن فوائد الحديث: أن الأولاد غير الصَّالحين لا يؤمَّلُ فيهم الخير؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قيَّد ذلك بالولد الصَّالح؛ فالولد غير الصَّالح لا يؤمَّل فيه الخير، وهذا هو الغالب؛ أن الولد غير الصَّالح يكون نكدًا على أبيه وعلى أهله، ولكن مع ذلك ينبغي للإنسان إذا وهب الله له ولدًا غير صالح أن يحرص على إصلاحه، وأن يلِحَّ على الله بالدُّعاء في أن يصلحه، وألا ييأس من رَوْح الله، فكثيرًا ما يصلح الولد بعد أن كان فاسدًا... فتح ذي الجلال والإكرام(4/ 279 - 281).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فيه دليل على أن الصَّوم والصَّلاة وما دخل في معناهما من عمل الأبدان لا تجري فيها النِّيابة، وقد يَستدِلُّ به مَنْ يذهب إلى أن مَنْ حجَّ عن ميِّت فإن الحجَّ في الحقيقة يكون للحاجِّ دون المحجوج عنه، وإنما يلحقه الدُّعاء ويكون له الأجر في المال الذي أعطي إن كان حجَّ عنه بمال. معالم السنن (4/ 89).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفيه دليل على جواز ‌الوقف والحبس. ورَدٌّ على مَنْ منعه مِن الكوفيين؛ لأن ‌الصَّدقة ‌الجارية بعد الموت إنما تكون بالوقوف. وفي هذا دليل على أنه لا يجزئ عمل الأبدان من صلاة وصيام، ولا نيابة في غير المال الذي نُصَّ عليه ونفى غيره.إكمال المعلم (5/ ٣٧٣).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وفيه ما يدلُّ على الحضِّ على تخليد العلوم الدِّينيَّة بالتَّعليم والتَّصنيف. المفهم (4/ 555).
وقال النووي -رحمه الله-:
و(فيه) بيان فضيلة العلم والحثُّ على الاستكثار منه، والتَّرغيب في توريثه بالتَّعليم والتَّصنيف والإيضاح، وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع. شرح مسلم (11/ 85).
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وفيه ما يدلُّ... على الاجتهاد في حمل الأولاد على طريق الخير والصلاح، ووصيّتهم بالدُّعاء عند موته. المفهم (4/ 554- 555).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفيه فضيلة الزَّواج لرجاء ولد صالح...، وفيه أن الدُّعاء يصل ثوابه إلى الميِّت وكذلك الصدقة وهما مجمع عليهما وكذلك قضاء الدِّين. شرح مسلم (11/ 85).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه حُجة على من أنكر الوقف من الكوفيين؛ لأن الصدقة الجارية إنما تكون بعد الموت بالوقف.شرح سنن أبي داود(12/ 397).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قال العلماء: هذا الحديث يدلُّ على استحباب الوقف وصحته، ولزومه وإلَّا لَمَا وصفه بالجريان.
وعلى فضل العلم وشرفه في الدُّنيا، ونفعه في الآخرة.
وعلى أنَّ الدعاء يصل إلى الميِّت، وينفعه.
وعلى أنَّ الدُّعاء مع الصَّلاح أقرب إلى الإجابة... (و) لفظة «أو» في «علم ينتفع به» و«ولد صالح يدعو له» إشارة إلى أنَّ كُلَّ واحدة من المستثنيات عمل برأسه، يفيد الأجر، ويقتضي الاستمرار وحده، ولا يحتاج إلى غيره في البقاء، وعدم الانقطاع، وحيازة الأجر، ولو اجتمع منها اثنتان كان أكمل وأكثر، ولو اجتمع الكُلُّ كان أكمل وأكثر وأفضل وأرفع. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (75).
وقال النووي -رحمه الله-:
..وكذلك الصَّدقة الجارية وهي الوقف. شرح مسلم (11/ 85).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الوقف صدقة جارية، فيكون الواقف منتفعًا بوقفه بعد موته. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (4/ 279).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)  


ابلاغ عن خطا