«كُنَّا عندَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فجاءَ شابٌّ فقال: يا رسول اللهِ، أُقَبِّلُ وأنا صائمٌ؟ قال: لا، فجاءَ شيخٌ فقال: أُقَبِّلُ وأنا صائمٌ؟ قال: نعمْ، قال: فنظر بعضُنَا إلى بعضٍ، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: قد عَلِمْتُ لم نَظَرَ بعضُكُمْ إلى بعضٍ، إنَّ الشَّيخَ يَمْلِكُ نفسَهُ».
رواه أحمد برقم: (6739) واللفظ له، والطبراني في الكبير برقم: (137)، من حديث عبد الله عمرو -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (1646)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1606).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«شَيْخٌ»:
الشيخ: فوق الكَهل، وجمعه: شيوخ. المصباح المنير، للفيومي (1/ 329).
شرح الحديث
قوله: «كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء شاب، فقال: يا رسول الله، أُقَبِّل وأنا صائم؟»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أُقَبِّل» من التقبيل، أي: أُقَبِّلُ زوجتي، أو مَن لي قبلته عن شهوة، وإلا فلا منع عن قُبلة الصغار. حاشيته على مسند أحمد (2/279).
قوله: «قال: لا، فجاء شيخ فقال: أُقبِّل وأنا صائم؟ قال: نعم، قال: فنظر بعضنا إلى بعض»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فَنَظَرَ» تعجُّبًا مما في الظاهر من التناقض. حاشيته على مسند أحمد (2/279).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
أي: نظر تعجب واستغراب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- منع رجلًا من القبلة، وأذن لرجل آخر فيها في وقت واحد، ففهم النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم ذلك، فأخبرهم بالحكمة في ذلك، وهي أن الشيخ يملك نفسه فلا يسترسل معها، وأما الشاب فربما غلبته شهوته فأوقعته في الجماع؛ لهذا أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- للشيخ، ومنع الشاب. الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد (10/ 51).
قوله: «فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قد علمتُ لمَ نظر بعضكم إلى بعض، إنَّ الشيخ يملك نفسه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إن الشيخ» أي: مَن وصل إلى حدِّ الشيخوخة، «يملك نفسه» أي: يقدر على كف شهوته، وقمع لذته، فيصير حاكمًا عليها، ومن قدر على منع نفسه مما لا ينبغي، فلا حرج عليه في التقبيل وهو صائم. فيض القدير (2/ 349).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يملك نفسه» أي: من التَّعدي إلى ما حرَّمه الله، والحديث في قُبْلَة الصائم، وأنه يباح للشيخ دون الشاب سدًّا للذريعة إلى ما لا يحل، وفي حديث أبي هريرة: أنَّ رجلًا سأله -صلى الله عليه وسلم- عن المباشرة للصائم، فرخص له، فأتاه آخر فنهاه عنها، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 484).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «يملك نفسه» دون الشاب، فاختلف لذلك حكمهما، وحينئذٍ فالواجب على المفتي النظر في حال الشخص في الجواز وعدمه -والله تعالى أعلم-. حاشيته على مسند أحمد (2/279).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
اختلفوا في القبلة للصائم، فرخص فيها كثير من أهل العلم، وروينا الرخصة فيها عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وابن عباس وعائشة، وبه قال عطاء والشعبي والحسن وأحمد وإسحاق.
وكان سعد بن أبي وقاص لا يرى بالمباشرة للصائم بأسًا، وكان ابن عمر ينهى عن ذلك، وروينا عن ابن مسعود أنه قال: يقضي يومًا مكانه.
وكره مالك القبلة للشيخ والشاب في رمضان.
وأباحت فرقة ذلك للشيخ، وحظرت ذلك على الشاب، روي هذا القول عن ابن عباس.
وكان الشافعي يقول: يكره ذلك لمن حركته الشهوة، ولا ينقض صومه.
وقال الثوري: التنزه عنه أحب إليَّ.
وقال أحمد بن حنبل: إذا كان لا يخاف أن يأتي منه شيء.
وقال أبو ثور: إذا كان يخاف عليه أن يتعلق إلى غيره لم يتعرض. الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 136-137).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وروى ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب قال: لا بأس بالقُبْلَة للصائم، وعن أبي سعيد الخدري: لا بأس بها ما لم يَعْدُ ذلك، وعن سعيد بن جبير: لا بأس بها، وإنها لبَرِيْد (يعني: رسول) سوء، وعن مسروق: ما أبالي قبلتها أو قبلت يدي، واختاره ابن عبد البر ورجَّحه. طرح التثريب (4/135).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
من الفقه: أنَّ القبلة للصائم جائزة في رمضان وغيره، شابًا كان أو شيخًا على عموم الحديث وظاهره؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقل للمرأة: هل زوجك شيخ أو شاب؟ ولو ورد الشرع بالفرق بينهما لما سكت عنه -عليه السلام- لأنه الْمُنبئ عن الله -عز وجل- مراده من عباده، وأظن أن الذي فرق بين الشيخ في القُبْلة للصائم والشاب ذهب إلى قول عائشة: «وأيكم أملك لإربه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» في حديثها عنه أنه كان يقبلها وهو صائم -صلى الله عليه وسلم-، يعني: أملك لنفسه وشهوته.
والدليل أن الشيخ والشاب عندها في ذلك سواء، وأن قولها إنما خرج على الإشفاق والاحتياط في ذلك ما ذكره مالك عن يحيى بن سعيد أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب كانت تقبل رأس عمر بن الخطاب وهو صائم، فلا ينهاها...، (و) عن أبي النضر عن عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين فدخل عليها زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو صائم فقالت عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك وتقبلها وتلاعبها؟! فقال: أقبلها وأنا صائم؟! فقالت: نعم. الاستذكار (3/524-525).
وقال محمد بن الحسن الشيباني -رحمه الله-:
لا بأس بالقبلة للصائم إذا ملك نفسه عن الجماع، فإن خاف أن لا يملك نفسه، فالكف أفضل، وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله- والعامة قبلنا. الموطأ (ص: 125).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال الشافعي والأصحاب: القُبْلَة في الصوم ليست مُحرّمة على من لم تحرك شهوته، لكن الأولى له تركها، ولا يقال: إنها مكروهة له، وإنما قالوا: إنها خلاف الأولى في حقه، مع ثبوت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعلها؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يؤمن في حقه مجاوزة حد القبلة، ويخاف على غيره مجاوزتها، كما قالت عائشة: «كان أملككم لإربه»، وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح عند أصحابنا، وقيل: مكروهة كراهة تنزيه. شرح مسلم (7/ 215).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
المقَبِّل إذا كان ذا شهوة مُفرطة، بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قَبَّل أنزل لم تحل له القبلة؛ لأنها مُفسدة لصومه فحرمت، كالأكل، وإن كان ذا شهوة، لكنه لا يغلب على ظنه ذلك، كره له التَّقْبِيل؛ لأنه يعرض صومه للفطر، ولا يأمن عليه الفساد. المغني (3/127).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وقد اختلفت الرواية عن أحمد: هل تُكره القُبْلَة للصائم إذا كان ممن لا تحرك شهوته؟ على روايتين:
إحداهما: لا تكره.
والثانية: تكره كقول مالك. كشف المشكل (4/ 317).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
وأما القبلة والمباشرة للرجل مع امرأته وأمَتِهِ المباحة له فهما سُنة حسنة، نستحبها للصائم، شابًّا كان أو كهلًا أو شيخًا، ولا نبالي أكان معها إنزال مقصود إليه أو لم يكن. المحلى (4/338).
وقال ابن قتيبة -رحمه الله-:
ونحن نقول: إن القُبْلَة للصائم تفسد الصوم؛ لأنها تبعث الشهوة وتستدعي المذي، وكذلك نقول في المباشرة، فأما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه معصوم، وتقبيله في الصوم أهله كتقبيل الوالد ولده، والأخ أخاه، ويدلك على ذلك قول عائشة -رضي الله عنها-: «وأيكم يملك إربه، كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يملك إربه؟». تأويل مختلف الحديث (ص: 354).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وقولهم (الفقهاء): يُكره للصائم تقبيل حليلته في الفم، أو غيره إنْ أمن الجماع والإنزال وإن التَذَّ، ومن قال: يحرم إنْ التَذَّ فقد غلط؛ لما صح عن عمر -رضي الله عنه- أنَّه هشَّ -أي: نشط وارتاح-، فقبَّل، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: صنعتُ أمرًا عظيمًا، فقال له: «أرأيتَ لو تمضمضتَ من الماء وأنت صائم؟ قال: قلتُ: لا بأس، قال: فمه؟!»، وإنْ خاف من القبلة جماعًا أو إنزالًا حرمت إنْ كان صائمًا فرضًا ولو شيخًا؛ لأن فيها حينئذٍ تعريضًا لإفساد العبادة...، وإنما كرهت مع أمن ما ذُكر، أي: كانت خلاف الأولى حسمًا للباب؛ لأنه قد يظنها غير مُحرِّكة، وهي مُحرِّكة؛ ولما مر أنَّه ليس له القضاء خروجًا من خلاف من أوجبه، والمرأة كالرجل فيما ذُكر، ومحرم على المفطرة لنحو حيض تمكينه إنْ لم يأمن ذلك، كما يحرم عليه إنْ أفطر لنحو سفر تمكينها إن لم تأمن ذلك. فتح الإله في شرح المشكاة (6/483).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
القُبْلَة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ألا يصحبها شهوة إطلاقًا، مثل تَقْبِيل الإنسان أولاده الصغار، أو تَقْبِيل القادم من السفر، أو ما أشبه ذلك، فهذه لا تؤثر ولا حكم لها باعتبار الصوم.
القسم الثاني: أن تحرك الشهوة، ولكنه يأمن من إفساد الصوم بالإنزال، أو بالإمذاء، إذا قلنا: بأن الإمذاء يفسد الصوم، فالمذهب (يعني: مذهب الحنابلة) أن القبلة تكره في حقه.
القسم الثالث: أن يخشى من فساد الصوم، إما بإنزال وإما بإمذاء، إن قلنا: بأنه يفطر بالإمذاء، وسبق أن الصحيح: أنه لا يفطر، فهذه تحرم إذا ظن الإنزال، بأن يكون شابًّا قويَّ الشهوة، شديد المحبة لأهله، فهذا لا شك أنه على خطر إذا قَبَّل زوجته في هذه الحال، فمثل هذا يقال في حقه: يحرم عليه أن يقبل؛ لأنه يعرض صومه للفساد.
أما القسم الأول فلا شك في جوازها؛ لأن الأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع، وأما القسم الثالث فلا شك في تحريمها.
وأما القسم الثاني وهو الذي إذا قَبَّل تحركت شهوته، لكن يأمن على نفسه، فالصحيح: أنَّ القبلة لا تكره له، وأنه لا بأس بها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- «كان يقبل وهو صائم»، «وسأله عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنهما- عن قبلة الصائم، وكانت عنده أم سلمة، فقال له: سَلْ هذه، فأخبرته أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم، فقال السائل: أنت رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: إني لأخشاكم لله، وأعلمكم به»، وهذا يدل على أنها جائزة، سواء حركت الشهوة أم لم تحرك. الشرح الممتع (6/ 427-429).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
ولا يصح عنه -صلى الله عليه وسلم- التفريق بين الشاب والشيخ، ولم يجئ من وجه يثبت، وأجود ما فيه حديث أبي داود عن نصر بن علي، عن أبي أحمد الزبيري: حدثنا إسرائيل، عن أبي العنبس، عن الأغر، عن أبي هريرة «أن رجلًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المباشرة للصائم، فرخص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب»، وإسرائيل وإن كان البخاري ومسلم قد احتجا به وبقية الستة، فعلة هذا الحديث أن بينه وبين الأغر فيه أبا العنبس العدوي الكوفي، واسمه الحارث بن عبيد، سكتوا عنه. زاد المعاد (2/ 55-56).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
قلتُ: أعدل الأقوال عندي: ما ذهب إليه سفيان الثوري والشافعي من أن الصائم إذا مَلك نفسه جاز له التقبيل، وإذا لم يأمن تركه، وبه يحصل الجمع والتوفيق بين الأحاديث المختلفة، وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله-. تحفة الأحوذي (3/ 351).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وإن قبَّل وأمنى فعليه القضاء، ولا كفارة عليه، وهو قول الثوري والحسن بن حي والشافعي، وكلهم يقول: من قَبَّل فأمنى، فليس عليه غير القضاء.
وقال ابن علية: لا تفسد القبلة الصوم إلا أن ينزل الماء الدَّافِق.
قال أبو عمر (يعني: نفسه): لا أعلم أحدًا رخص في القبلة للصائم إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها، وأن من يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه وجب عليه اجتنابها، ولو قبَّل فأمذى لم يكن عليه شيء عند الشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وابن علية.
وأما أحمد والشافعي فلا يريان الكفارة إلا على من جامع فأولج، أو أنزل ناسيًا عند أحمد، وعند الشافعي عامدًا...
وقال مالك: لا أحب للصائم أن يقبل، فإن قبل في رمضان فأنزل، فعليه القضاء والكفارة، وإن قَبَّل فأمذى فعليه القضاء، ولا كفارة عليه، والمتأخرون من أصحاب مالك البغداديون يقولون: إن القضاء ها هنا استحباب. الاستذكار (3/ 296).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
ولا يخلو الْمُقَبِّل من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن لا ينزل، فلا يفسد صومه بذلك، لا نعلم فيه خلافًا؛ لما روت عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «كان يقبل وهو صائم، وكان أملككم لإربه» رواه البخاري ومسلم...
الحال الثاني: أن يُمْنِي، فيفطر بغير خلاف نعلمه؛ لما ذكرناه من إيماء الخبرين؛ ولأنه إنزال بمباشرة، فأشبه الإنزال بالجماع دون الفرج.
الحال الثالث: أن يُمْذي فيفطر عند إمامنا (يعني: أحمد بن حنبل) ومالك، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يفطر، وروي ذلك عن الحسن والشعبي والأوزاعي؛ لأنه خارج لا يوجب الغسل أشبه البول.
ولنا: أنه خارج تخلله الشهوة، خرج بالمباشرة، فأفسد الصوم كالمني، وفارق البول بهذا. المغني (3/127).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وقد أجمع العلماء: على أن من كره القبلة لم يكرهها لنفسها، وإنما كرهها خشية ما تحمل إليه من الإنزال، وأقل ذلك المذي، لم يختلفوا في أن من قَبَّل وسلم من قليل ذلك وكثيره، فلا شيء عليه. الاستذكار (3/525).
وقال الصقلي المالكي -رحمه الله-:
قال ابن القاسم: شدَّد مالك في القبلة للصائم في الفرض والتطوع، قال أشهب: ولمس اليد أيسر منها، والقبلة أيسر من المباشرة، والمباشرة أيسر من العبث بالفرج على شيء من الجسد، وترك ذلك كله أحب إلينا.
قال ابن حبيب: والقبلة من الدواعي في من تخامره اللذة؛ ولأنه لا يملك نفسه بعدها فلا يقبل.
قال مالك: والقبلة والملاعبة والجسة والمباشرة والمجاذبة وإدامة النظر تنقص أجر الصائم، وإن لم تفطره، وكان مالك يشدد في القبلة في الفريضة، ويرخص فيها في التطوع، وتركه أحب إليه من غير تضييق، ويشدد فيها على الشاب في الفريضة، ما لا يشدده على الشيخ. الجامع لمسائل المدونة (3/ 1104-1105).
وقال سحنون -رحمه الله-:
قال مالك: وقد كان رجال من أهل الفضل ممن مضى، وأدركناهم، وأنهم ليتجنبون دخول منازلهم نهارًا في رمضان؛ خوفًا على أنفسهم، واحتياطًا من أنْ يأتي من ذلك بعض ما يكرهون. المدونة (1/ 270).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي بعد أن ذكر حديث عمر بن سلمة:
فهل بعد هذا النصّ خصام؟ فإنَّ عمر بن أبي سلمة راجع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأبدى له مانعًا، وهو أنَّ هذا خاصٌّ به -صلى الله عليه وسلم-، وأما غيره فليس مثله؛ لأنه ربما تغلبه شهوته، ومع ذلك فقد رد عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ هذا عامّ لأمته جميعًا شبابًا وشيوخًا، ومن تتحرّك شهوتهم، ومن لا تتحرّك، فهذا هو الحقّ الصريح، والمنهج الصحيح، فلا مجال للخصام بعد ظهور المرام. البحر المحيط الثجاج (20/ 632).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
قد تبيَّن من ذكر هذه المذاهب وأدلّتها، ومناقشتها أنَّ المذهب الراجح هو الأول، وهو أنَّ القبلة للصائم جائزة مطلقًا، فرضًا كان الصوم أو نفلًا، شابًّا كان المقبّل أو شيخًا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- في نصوصه الصحيحة الصريحة أباحها على الإطلاق، ولم يستفصل من ذلك شيئًا، ولم يقيّد بشيء من ذلك، ولا سيّما وقد غضب على من راجعه بأنه ليس مثل أمته، وأغلظ له القول، فقال: «أما إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له».
ومن المعلوم أنَّ الباعث على التقبيل غالبًا هو تحرّك الشهوة، وهو -صلى الله عليه وسلم- يعلم بذلك حين أباح التقبيل على الإطلاق، وقد تبيَّن ذلك في قول عمر -رضي الله عنه- حين سأله، فقال: هَشَشْتُ، فقبّلتُ، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: «أرأيتَ لو مضمضتَ من الماء، وأنت صائم؟ فقال: لا بأس به، قال: «فَمَهْ؟» فقد ذكر له -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الباعث له على التقبيل هو ارتياحه له، فلم يُنكر ذلك عليه، بل شبّهه بالمضمضة، فهل بعد هذا مجال للنقاش؟ كلّا، بل هذا هو الحقّ الصريح، والدليل المقنع الصحيح،
وكذلك القول ببطلان الصوم إذا أمنى أو أمذى مما لا دليل عليه، وقد فنّده ابن حزم -رحمه الله- في المحلّى، ورجَّح القول بعدم البطلان؛ لعدم الدليل، وهو الذي لا يظهر لي غيره، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد -والله تعالى أعلم بالصواب-. البحر المحيط الثجاج (20/ 633-634).
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)