«تُعْرَضُ الأعمالُ يومَ الاثنينِ والخميسِ، فأُحِبُّ أنْ يُعْرَضَ عَمَلي وأنا صائمٌ».
رواه الترمذي برقم: (747)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (2959)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1041).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«تُعْرَضُ»:
أي: تعرضها الملائكة الحفَظَة، أو غيرهم. دليل الفالحين، لابن علان (7/ 61).
شرح الحديث
قوله: «تُعْرَضُ الأعمالُ يومَ الاثنينِ والخميسِ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «تُعرض الأعمال» أي: تعرض الأعمال على ربِّ العالمين «يوم الاثنين والخميس» جاءت لفظة: «رب العالمين» في حديث آخر. المفاتيح (3/ 44).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«تُعرض» مبني للمجهول، أي: يعرضها الحفَظَة على الرب تعالى، أو على المقرَّبين من الملائكة، «أعمال الناس» أي: المكلفين منهم؛ بدليل المغفرة وعدمها، فإن مَن لا تكليف عليه لا ذنب عليه، ولا عفو، ولا عقوبة. التنوير (5/ 54).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«تعرض الأعمال» أي: تعرضها الملائكة الحفَظَة، أو غيرهم، «يوم الاثنين والخميس» يحتمل عرض مجموع عمل الأسبوع في الآخر منهما، بعد عرض عمل ما قبل الاثنين مع عمله فيه، ويحتمل أنَّ المعروض في الثاني ما عمل بعد الأول، وما قبل ذلك ففي الأول فقط منهما. دليل الفالحين (7/ 61).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «تُعرض الأعمال» ومعنى: العرض إنما هو على انتظام في أمورهم، وإلا فهو سبحانه يعلم كل شيء قبل وجوده كما يعلمه بعد وجوده، فلا يحتاج في علمه به إلى عرض، وإنما أحب أن يرى الملائكة أعمال الصلحاء، فيعلموا الداعي (السبب) في رَوْحِهِم وريحانهم، وأنْ يبصروا أعمال الأشقياء، فيعلموا مُوجِب حسرتهم وخسرانهم إلى غير ذلك من الفوائد. الكوكب الدري (2/ 57).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ومعنى العرض هنا: الظهور؛ وذلك أنَّ الملائكة تقرأ الصُّحف في هذين اليومين. مرقاة الصعود (2/ 614).
وقال الحليمي -رحمه الله-:
ويحتمل عرض الأعمال أن الملائكة الموكلين بأعمال بني آدم يتناوبون، فيقيم معهم فريق من الاثنين إلى الخميس، ثم يعرجون، وفريق من الخميس إلى الاثنين، ثم يعرجون، فكما عرج أحد الفريقين قرأ ما كتب في الموقف الذي له من السماوات، فيكون ذلك عرضًا في الصورة، ويحتسبه الله تعالى عبادة للملائكة، فأما هو في نفسه -عز وجل- فغني عن عرضهم ونسخهم، فهو أعلم بما كسبه العباد من العباد. المنهاج (2/ 390).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وقد خص اللَّه هذين اليومين (الاثنين والخميس) بفتح أبواب الجنة فيهما، وعرض الأعمال على اللَّه؛ لحقيقة يعلمها سبحانه ومَن اختاره. شرح سنن أبي داود (18/ 672).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
المقصود بعرض الأعمال كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: تُعرَض على الله -سبحانه وتعالى-، فيغفر الذنبَ، ويزيد في الثواب، ويرضى عن العبد الذي عَمِل بطاعته، وما أشبهَ ذلك. الشرح الصوتي لزاد المستقنع (1/ 3526).
وقال الدميري -رحمه الله-:
والمراد: عرضها على الله تعالى، وأما رفع الملائكة لها، فإنه في الليل مرة، وفي النهار مرة. النجم الوهاج (3/ 353).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وهذا لا ينافي قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يرفع عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل» للفرق بين العرض والرفع؛ لأن الأعمال تُجمع في الأسبوع، وتُعرض في هذين اليومين. شرح المصابيح (2/ 545).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فليستحِ عبدٌ أنْ يُعرض على مَن أنعم عليه من عمله ما نهاه عنه، ولا يعارضه خبر: «رفع عمل الليل قبل النهار، والنهار قبل الليل»؛ لأنها تُعرض كل يوم، ثم تُعرض أعمال الجمعة كل اثنين وخميس، ثم أعمال السَّنة في شعبان، فيعرض عرضًا بعد عرض، ولكل عرض حكمة استأثر بها الله، أو أطلع عليها مَن شاء، أو المراد: تعرض في اليوم تفصيلًا، ثم في الجمعة جملةً، أو عكسه. فيض القدير (2/ 426).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
ولا ينافي هذا رفعها في شعبان، كما في خبر مسند أحمد: أنَّه -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن إكثاره -أي: الصوم في شعبان- فقال: «إنَّه شهر تُرفع فيه الأعمال، وأحبُّ أنْ يُرفع عملي وأنا صائم»؛ لجواز رفع أعمال الأسبوع مفصلة، وأعمال العام جملة، وأخذ أئمتنا من هذه الأحاديث: أنَّه يتأكد صومها دائمًا. فتح الإله (7/28).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: وفيه إيماءٌ إلى أنَّ شعبان آخر السَّنة، وأنَّ أولها رمضان عند الله، باعتبار الآخرة، كما قدمناه في حديث: «تزخرف الجنة لرمضان من أول الحول»، والذي يلوح لي الآن أنَّ ليلة النصف هي التي تُعرض فيها أعمال السَّنة الماضية، كما أنَّها تُكتب فيها جميع ما يقع في السَّنة الآتية...، ومقتضى هذا أنْ يكون أول السَّنة العبادية أول النصف الأخير من شعبان، وهو مقدمة تزيين رمضان، كما هو في عرف أهل الزمان، حيث يسمون تلك الأيام أيام النزاهة، ويختارون التمشية والنزاهة. مرقاة المفاتيح (4/ 1422).
وقال النووي -رحمه الله-:
«يومَ الاثنينِ والخميسِ» ... قال أهل اللغة: سُمِّي يوم الاثنين؛ لأنه ثاني الأيام...، وأمَّا يوم الخميس فسُمِّي بذلك؛ لأنه خامس الأسبوع. المجموع (6/ 386).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
وهو مبنيٌّ على أنَّ أول الأسبوع الأحد، ونقله ابن عطية عن الأكثرين، لكن الذي عليه أئمتنا في باب النذر أنَّ أوله السبت، وقال السهيلي: إنَّه الصواب وقول العلماء كافة، انتهى. فتح الإله (7/28).
قوله: «فأُحِبُّ أن يُعْرَضَ عملي وأنا صائمٌ»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«فأحبُّ أنْ يُعرض عملي وأَنا صائم» جملة في محل الحال من المضاف إليه؛ لكون المضاف كبعض المضاف إليه، فهو كقوله تعالى: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} النحل: 123. دليل الفالحين (7/ 61-62).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فأحبُّ أنْ يُعرض عملي وأنا صائم» أي: طلبًا لزيادة رفعة الدرجة. مرقاة المفاتيح (4/ 1422).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
«وأنا صائم» لعله إنما اختار الصوم لفضله؛ ولأنه لا يدري في أية ساعة تُعرض، والصوم يستوعب النهار؛ ولأنه يجتمع مع الأعمال الأُخر بخلاف ما عداه من الأعمال. لمعات التنقيح (4/ 486).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
معنى عرض الأعمال -والله أعلم-: إظهارها، والإخبار عنها، وجزاؤها عند الله تعالى، فالأفضل أنْ يُعرض عمله في يوم هو صائم فيه؛ ليظهر تجمُّلُه في هذا اليوم، فكل مُناسبة لها زينتها، ومظهرها اللائق بها. توضيح الأحكام (3/ 532).
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
هل أعمال الأمة كلها تُعرض يوم الإثنين والخميس على الله، وكذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- يُعرض عمله على الله في هذين اليومين؟
فأجاب: الحديث ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنها تُعرض؛ ولذا قال: «أحبُّ أن يُعرض عملي وأنا صائم»، وهذا فيه أنَّ أعمال الأمة تُعرض وعمله -صلى الله عليه وسلم- كذلك يُعرض؛ لأن قوله: «عملي» يدل على أنَّ كل الأعمال تُعرض. شرح سنن أبي داود (11/ 19).
وقال النووي -رحمه الله-:
اتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب صوم الاثنين والخميس -والله أعلم-. المجموع (6/ 386).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وصوم الاثنين أوكد من صيام الخميس، وفي الحديث: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن صيام يوم الاثنين، فقال: «ذاك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه، وأنزل عليَّ فيه». مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (20/ 4).
وقال الشيخ عبد الله الجبرين -رحمه الله-:
فَذَكَرَ في صوم يوم الاثنين فضيلتان:
إحداهما: أنَّه اليوم الذي أُنزل فيه الوحي.
والثانية: أنَّه ولد فيه، وقد ورد فضيلة أخرى في حديث آخر، وهي أنَّه تُعرض فيه الأعمال. إبهاج المؤمنين (1/ 372).
وقال العيني -رحمه الله-:
ويُستفاد منه:
فضيلة صوم يوم الاثنين والخميس، وإباحة الصوم فيما بعد النصف من شعبان من غير كراهة؛ لأنَّ النصف لا يخلو من الاثنين والخميس، وعلى أنَّ الأعمال من الخير والشر تُعرض في هذين اليومين.
وفيه: دلالة على استحباب تكثير الخيرات، واجتناب المعاصي فيهما، وإن كان الاجتناب عنها واجبًا في كل الأيام، وكل الساعات. نخب الأفكار (8/ 453).
وقال الحليمي -رحمه الله-:
مما يدخل في هذا الباب (كراهة الصوم) اعتياد صوم بعينه، كالاثنين والخميس، وقد روي في هذا الباب عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّه سُئل عن صوم يوم الاثنين والخميس، فقال: كره أنْ يُوقِّت يومًا بصومه.
وقال حصين بن الحر: دخلتُ على عمران بن حصين يوم الاثنين وهو يأكل فقال: هَلُمَّ، فقلتُ: إنِّي صائم، فقال: لا تجعل عليك حتمة بصومه...، وعن مجاهد: أنَّه كان يصوم الاثنين والخميس ثم تركه، وهذا لأنَّ في تخصيص يوم أو شهر دائمًا بالصيام، ويومين في الإفطار فيه تشبيه له برمضان، ولا ينبغي أنْ يشبه ما لم يشبهه الله تعالى، وهذا وجه الكراهية فيه.
وأما ما تقدَّم من الأخبار في ذكر الاثنين والخميس، فهو على معنى: أنَّ من أراد صيام يوم أو يومين، فهذان أولى به مما سِواهما. المنهاج (2/ 399).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- متعقبًا:
قول الحليمي من أئمتنا: يُكره اعتياد صوم بعينه، كالاثنين والخميس، غريبٌ ضعيفٌ، ولا يُعَوَّلُ عليه، ومن زعم أنَّ ظاهر السُّنة يُؤيد ما قاله؛ لأنه لم ينقل عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يواظب عليهما فقد وَهِم؛ لأن (كان) في الحديث الأول («كان رسول الله يصوم الاثنين والخميس») تدل عُرْفًا على الدوام والاستمرار، ومما يصرح به ما في رواية: «إنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان يتحرَّى صومهما» نعم، كان تعرض له أعذار فيفطرهما؛ وذلك لا يمنع الديمومة العُرفية، وبفرض عدم مواظبته كيف يظن من له أدنى مسكة بأنَّ عدم المواظبة على الفعل بعد سبقه منه، وتعليله بما يقتضي تأكد طلبه، فضلًا عن أصل طلبه، يقتضي كراهة الفعل؟ فتح الإله (7/28).