كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- «يُعجبُه التَّيمُّنُ، في تَنعُّلِهِ، وتَرجُّلِهِ، وطُهورِهِ، وفي شأنِهِ كلِّه».
رواه البخاري برقم: (168) واللفظ له، ومسلم برقم: (268)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
وفي لفظٍ في البخاري برقم: (5926): «أنَّهُ كان يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ ما استطاع في تَرَجُّلِهِ ووُضُوئِهِ».
وزاد أبو داود برقم: (4140): «وسِواكِه».
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«التَّيمُّن»:
الابتِداءُ في الأفعالِ باليدِ اليُمنى، والرِّجل اليُمنى، والجانِب الأيمَن. النهاية، لابن الأثير (5/ 302).
وقال الحميدي -رحمه الله-:
التَّيمُّن: الأخذُ باليَمينِ، والابتداءُ باليَمينِ، واستعمالُ جِهة ِاليَمين؛ تفاؤلًا بحُسن اللَّفظ في الأُمور كلِّها. تفسير غريب ما في الصحيحين (ص:545).
«تَنعُّله»:
أي: لُبْس نعله. فتح الباري، لابن حجر (1/ 269).
وقال ابن سيده -رحمه الله-:
تَنَعَّل: لَبِس النَّعلَ، وأنْعلُتُه: ألبَسْتُه النَّعل. المخصص، لابن سيده (1/ 409).
«تَرجُّلِه»:
أي: ترجيل شَعره وهو تسريحه ودهنه. فتح الباري، لابن حجر(1/ 269).
وقال ابن الأثير-رحمه الله-:
التَّرجُّل والتَّرجيل: تَسريحُ الشَّعر وتَنظيفُهُ وتَحسِينُهُ. النهاية، لابن الأثير (2/ 203).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
تَرجَّلَ الرَّجلُ: إذا رجَّل شَعرَه...، وتَرجيلُه: تسْريحُه وتَغذِيتُه بالأدهَان وتقويتُه. الفائق (2/ 43).
شرح الحديث
قولها: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم-»:
قال ابن فرحون -رحمه الله-:
«كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» وما يتعلَّق بها في محلّ معمول القَول، والقولُ في محل خبر (أنّ) المقدّر القائم مقام المفعول الذي لم يُسَمّ فاعله. العدة في إعراب العمدة (1/ 122).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قد تكرَّر في الأصول أنَّ (كان) تفيد الاستمرار، وعُموم الأزمان. نيل الأوطار (2/ 268).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ذَكَر أهل العلم أنَّ (كان) تُفيد الاستمرار، لا دائمًا، بل غالبًا إذا كان خبرُها فعلًا مضارعًا. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 252).
وقال النووي -رحمه الله-:
المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أنَّ لفظة (كان) لا يلزم منها الدوام، ولا التكرار، وإنَّما هي فعل ماضٍ، يدل على وقوعه مرة، فإنْ دلّ دليل على التكرار عُمِلَ به، وإلا فلا تقتضيه بوضعها. شرح صحيح مسلم(6/ 21).
قولها: «يُعجبُه التَّيمُّن»:
قال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
قولها: «يُعجبُه» أي: يسُرُّه ويُرضِيه، وفي لفظ: «يُحبُّ التَّيمُّنَ»...
وقولها: «التَّيمُّن» مصدر تَيمَّن تيمُّنًا، مثل تعلَّم تَعلُّمًا. منحة العلام (1/ 200 - 201).
وقال العيني -رحمه الله-:
«يُعجبُه» مِن الإعجاب، يقال: أعجبني هذا الشيء لحُسنه، والعجيب: الأمر الذي يُتعجَّب منه... «التَّيمُّن» لفظ مشترك بين الابتداء باليَمين، وبين تعاطي الشيء باليَمين، وبين التَّبرُّك، وبين قصد اليمين، ولكن القرينة دلّت على أن المراد المعنى الأول. عمدة القاري(3/ 30).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«يُعجبُه التَّيمُّن» إذ هو لفظٌ مشتركٌ بين الابتداء باليَمين، وتعاطي الشيء باليَمين، والتبرك، وقصد اليَمين. فتح الباري (1/ 269).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«التَّيمُّن» تَفَعُّلٌ من اليَمين، وهو صادق بأمرين: الابتداء بالأيمن فيما له أيْمن وأيْسر، وفعلُ الشيء باليَمين، وهما مرادان من الحديث. شرح سنن أبي داود (16/ 435).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
«التَّيمُّن» أي الابتداء باليَمين، أي: فيما لم يُعهد فيه المقارنة؛ من باب التّشريف، بخلاف غسل الوجه، ومسح الرأس والأذنين؛ فإن المعهود في هذه الأشياء قِران اليسار باليَمين. مرعاة المفاتيح (2/ 104).
وقال ابن حجر-رحمه الله-:
وعَلِمَت عائشة -رضي الله عنها- حُبَّه -صلى الله عليه وسلم- لما ذَكرَت، إما بإخباره لها بذلك، وإما بالقرائن. فتح الباري (1/ 523).
قولها «في تَنعُّله»:
قال النووي -رحمه الله-:
وقع في بعض الأصول «في نَعْلِهِ» على إفراد النَّعل، وفي بعضها «نعلَيْهِ» بزيادة ياء التّثنية، وهما صحيحان أي: في لبس «نعليه»، أو في لبس «نعله» أي: جِنس النَّعل، ولم يُر في شيءٍ من نُسخ بلادنا غير هذين الوجهين، وذكر الحميدي والحافظ عبد الحق في كتابهما (الجمع بين الصحيحين) «في تَنعُّله» بتاء مثنّاة فوق، ثم نون وتشديد العين، وكذا هو في روايات البخاري وغيره وكلّه صحيح. شرح صحيح مسلم(3/ 161).
وقال العيني -رحمه الله-:
«في تَنعُّله» في محل النَّصب على الحال من الضّمير المنصوب الذي في «يُعجبُه»، والتقدير: «كان يُعجبُه التَّيمُّن» حال كونه لابسًا النَّعل، ويجوز أن يكون من التَّيمُّن، أي: يُعجبُه التَّيمُّن حال كون التَّيمُّن في تَنعُّله. عمدة القاري (3/ 30).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
معنى التَّيمُّن في النَّعل: البَداءة بالرِّجل اليُمنى، بخلاف النَّزع، فإنه يَنزع اليُسرى أولًا؛ لأن الانتعال للرِّجل أفضل من الحَفاء. الإعلام(1/ 391).
وقال ابن فرحون -رحمه الله-:
«تَنعُّله» يتعلَّق بـ«يُعجبُه»، ويُحتمل أنْ يتعلَّق بالتَّيمُّن، ويدخلُه التَّنازع، ويُحتمل أن يتعلّق بحال، أي: «يُعجبُه التَّيمُّن» كائنًا في تَنعُّله.
ويختلف المعنى باختلاف المُتعلَّق؛ فعلى الأوّل يكون الإعجاب مطلقًا في حال التَّنعُّل وغيره، وعلى الثاني يكون مقيدًا بحال التَّنعُّل، وإنما قلنا: يتعلَّق بالتَّيمُّن؛ لأنه مصدر وهو جيِّد، أي: يُعجبُه أن يتيمَّن في تَنعُّله. العدة في إعراب العمدة (1/ 122).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
والتَّنعُّل: لبس النَّعل وهي الحذاء، والأقرب أنَّ المراد به: الابتداء باليَمين من الرِّجْلين، وإذا نَزَع يبتدئ بنزع الشِّمال. شرح سنن أبي داود (16/ 436).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«تَنعُّله» أي: لبس نَعلِه، مثلُه لبس الخُفّ والثّوب والسّراويل ونحوها. مرقاة المفاتيح (1/ 408).
قولها: «وتَرجُّله»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وتَرجُّله» قيل: هو تسريحُ الشَّعر، يقال: شَعْرٌ مرجّلٌ، أي: مُسرَّحٌ، ورجَّل شَعره تَرجيلًا كعلَّمه تعليمًا، والتَّيمُّن فيه إما باليد اليُمنى، أو بالابتداء بالشِّقِّ الأيمن، واللّفظ صالحٌ لهما، فيعمّهما. شرح سنن أبي داود (16/ 435).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
والتَّرجُّل: تسريح الشعر، قال الهروي: شَعرٌ مرجَّلٌ، أي: مُسرَّحٌ، وقال كُراعٌ (أبو الحسن الهُنَائِي، الملقب بـكُرَاعِ النَّمْلِ أو بـكُرَاع): شَعرٌ رجْلٌ ورجِلٌ، وقد رجَّله صاحبه: إذا سَرَّحَه ودَهَنَه. إحكام الأحكام (1/ 91).
وقال العيني -رحمه الله-:
«وتَرجُّله» أي: في تمشيطه الشَّعر، وهو تسريحه، وهو أعم من أن يكون في الرأس، وفي اللحية. عمدة القاري (3/ 30).
وقال العيني -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
وقال بعضهم (ابن حجر): وهو تسريحه ودَهنه، قلتُ: اللّفظ لا يدلُّ على الدّهن، فهذا التفسير من عنده، ولم يفسره أهل اللغة كذلك. عمدة القاري (3/ 30).
وقال ابن حجر -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: بل فسّروه بذلك، ونقله عنهم صاحب المشارق ومَن تبعه، وقال: رجَّل شَعره إذا مَشطَه بدُهن أو ماءٍ أو شيءٍ يُليِّنُه ويرسل بأثره، ويمدُّ المنقبض...، ولا شك أنَّ الدّهن أمكن من غيره لذلك، ولا يُعدل إلى غيره غالبًا إلا عند فَقْده. انتقاض الاعتراض(1/ 195).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
بهذا يظهر لك خطأ العيني في تعقبه على صاحب الفتح، بأن قوله: "ودهنه" تفسير من عنده، ولم يفسره أهل اللغة؛ فإن كُراعًا من أهل اللُّغة المعروفين، وكذا فسَّره به غيره، فتبصَّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (7/ 9).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
في «تَرجُّله» أي: الابتداء بالشِّق الأيمن في تسريح رأسه ولحيته. إرشاد الساري (1/ 252).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
فعند التَّرجُّل كان يبدأ بيمين الرَّأس، ويبدأ بيمين اللحية، فهذا هو التَّرجُّل، والتَّرجُّل مشروعٌ وسائغٌ، ولكن لا يُفرط الإنسان فيه، ولا يُبالغ فيه، أو يكون مستمرًا عليه، بحيث تكون عنايته في شَعره، وفي تَنعُّمِه، وإنما يكون الإنسان معتدلًا وسطًا لا إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا جفاء، وإنما توسطٌ واعتدالٌ. شرح سنن أبي داود (467/ 3).
قولها: «وطُهورِه»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«طُهوره» بضم الطاء، أي: في تطهيره، وقال سيبويه: الطَّهور بالفتح: يقع على الماء والمصدر معًا؛ فعلى هذا يجوز فتح الطّاء أيضًا... ولم يقل: وتطهُّره، كما قال: «تَنعُّله» «وتَرجُّله»؛ لأنه أراد الطّهور الخاص المتعلق بالعبادة، ولو قال: وتطهره لدخل فيه إزالة النّجاسة، وسائر النّظافات، بخلاف الآخرَينِ، فإنهما خاصَّان بما وُضِعَا له من لِبسِ النَّعل، وترجيلِ الشَّعر، فناسب الطّهور الخاصّ بالعبادة. إرشاد الساري (8/ 212 - 213).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«طُهوره» بالضّم، ويُفتح، والمراد به: المصدر، ويستثنى منها الاستنجاء، وندبُ التَّيمُّن في الطّهور مُجمعٌ عليه، بأن يَغسل يده اليُمنى قبل اليُسرى، وكذا في الرِّجلين، وفي الغُسل على شقِّه الأيمن قبل الأيسر، وفي معناه السّواك والأكل والشُّرب والمصافحة والأخذ والعطاء ودخول المسجد، ومنه رعاية مَن على يمينه في المناولة، ونحوها. مرقاة المفاتيح (1/ 408).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«في طُهوره» بضمَّ الطّاء المهملة، وضوءًا كان أو غُسلًا أو مَسحًا، إلا ما يُفعل دفعةً، كمسح الأذنين، وغَسل الكفين. الكوكب الوهاج (5/ 338).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
ومعنى التَّيمُّن... في الطهور: البداءة باليد اليُمنى، والرِّجل اليُمنى في الوضوء، وبالشِّق الأيمن في الغُسل.
والبداءة باليُمنى عند الشافعي من المستحبات، وإن كان يقول بوجوب الترتيب؛ لأنهما كالعضو الواحد، حيث جُمعا في لفظ القرآن الكريم، حيث قال -عز وجل-: {أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} الأعراف: 124. إحكام الأحكام (1/ 91).
وقال ابن قدامة المقدسي -رحمه الله-:
وغَسْلُ المَيامِن قبل المياسر لا خلاف بين أهل العلم -فيما علمنا- في استحباب البَداءة باليُمنى، وممن رُوي ذلك عنه أهل المدينة، وأهل العراق، وأهل الشام، وأصحاب الرأي، وأجمعوا على أنه لا إعادة على من بدأ بيساره قبل يمينه. المغني (1/ 153 - 154).
وقال النووي -رحمه الله-:
أجمع العلماء على أنَّ تقديم اليَمين على اليسار من اليدين والرِّجلين في الوضوء سُنة، لو خالفها فاته الفضل، وصحّ وضوؤه، وقالت الشيعة: هو واجب، ولا اعتداد بخلاف الشيعة. شرح صحيح مسلم (3/ 160).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: هذا الذي ذكره هو مذهب الإمامية منهم، وأما كونه لا يُعتد بخلاف الشيعة فلا ينبُ في أن تكون علّته بِدعتَهم؛ لأن الأصحّ اعتبار خلاف المبتدع الذي لا يَكفُر ببدعته؛ لاندراجه في اسم الأمَّة، وتناول دليل العصمة لجُملتهم، وإنما ينبغي أن تكون علَّته فَقْدهم لما لا بُدَّ منه في الاجتهاد، وهو خبر الواحد المقطوع بقبوله، وبسبب ورود جزئيات لا تُحصى، واستمرار عمل الأمَّة عليه. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (4/ 345).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
ثم اعلم أنَّ مِن أعضاء الوضوء ما لا يُستحب فيه التَّيامن، وهو الأُذنان والكفّان والخدّان، بل يُطهَّران دفعةً واحدة، فإن تعذَّر ذلك كما في حق الأقطع ونحوه قُدِّم اليَمين. شرح صحيح مسلم(3/ 160 - 161).
قولها: «وفي شأنِهِ كُلِّه»:
قال العيني -رحمه الله-:
«في شأنه» الشأن هو الحال والخطب، وأصله الشأن، بالهمزة الساكنة في وسطه، ولكنها سُهِّلت بقلبها ألفًا؛ لكثرة استعماله. عمدة القاري (3/ 30).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«وفي شأنه كلِّه» من عطف العامِّ على الخاص، وفي أكثرها بدون الواو، والوجه حمله على حذف الواو بدليل الرواية الأخرى، وهو بدل الكلِّ عن البعض، كقولهم: نظرت إلى القمر فلكِه، وكقول زياد الأعجم في مرثية طلحة الخزاعي.
نضَّرَ الله أعظُمًا دفَنُوها *** بسَجِسْتانَ طَلْحةَ الطَّلَحَاتِ.
وقولها: «في شأنه كلِّه» عام خُصَّ منه البعض؛ لما روى أبو داود عن عائشة: «كانت يمينُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطهوره وطعامه، ويساره لخلائه، وما كان من أَذى». الكوثر الجاري (1/ 317 - 319).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
وقولها: «وفي شأنه كلِّه» عامّ يُخصّ؛ فإن دخول الخلاء والخروج من المسجد يُبدأ فيهما باليسار، وكذلك ما يشابههما. إحكام الأحكام (1/ 91).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«في شأنه كلِّه» متعلق بـ«يُعجبُه» أي: يُعجبُه التَّيمُّن في شأنه أي: الذي من باب التكريم. الفتوحات الربانية (1/ 318).
وقال ابن فرحون -رحمه الله-:
«وفي شأنه كلِّه» أي: ما له يمين ويسار، وليس كل ما كان من شأن الإنسان له يمينٌ؛ فهو عمومٌ يراد به الخُصوص، ويلزم مِن حَمْلِه على العموم مخالفة ما أُمر فيه -صلى الله عليه وسلم- بالتَّياسر، كبيتِ الخلاء والخروج من المسجد والاستنجاء، وغير ذلك، فالمراد: سائر الذي شُرع فيه التَّيمُّن، وفي الكلام الترقي من الأدنى إلى الأعلى، وقد جاء عكسه.
وقولها: «كلِّه» تأكيد لـ«شأنه»، و(كلّ) في التأكيد مقدَّمة على غيرها، فلا يقال: في شأنه أجمعه، حتى تتقدم (كُلّ). العدة في إعراب العمدة (1/ 122).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وتأكيد الشّأن بقوله «كلِّه» يدل على التَّعميم؛ لأن التّأكيد يرفع المجاز، فيمكن أن يقال: حقيقة الشأن ما كان فعلًا مقصودًا، وما يُستحب فيه التياسر ليس من الأفعال المقصودة، بل هي إما تروكٌ، وإما غيرُ مقصودة. فتح الباري(1/ 270).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«وفي شأنه كلِّه»... وذلك لشرف الأيمن، فخُصَّ بالفضائل؛ ولأن اليَمين يُرجى أن يؤخذ بها الكتاب يوم القيامة، فقدِّمت في أعمال البِر، بخلاف ما ليس من باب التَّكريم والتَّزيين... فإنما يُبدأ فيه بالأيْسر، ويُفعل باليد اليُسرى؛ لمناسبتها لذلك. فتح العلام (ص: 87).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«في شأنه» وأمره «كلِّه» عبادةً، كان أو غيرَها. الكوكب الوهاج (5/ 341).
وقال النووي -رحمه الله-:
هذه قاعدة مستمرة في الشَّرع، وهى أنَّ ما كان من باب التّكريم والتّشريف كلبس الثَّوب والسَّراويل والخُفِّ، ودخول المسجد، والسّواك والاكتحال وتقليم الأظفار، وقصّ الشَّارب، وترجيل الشَّعر وهو مشطه، ونتف الإبط، وحلق الرأس، والسَّلام من الصّلاة، وغسل أعضاء الطَّهارة، والخروج من الخلاء، والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود، وغير ذلك مما هو في معناه يُستحب التَّيامن فيه، وأمَّا ما كان بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد، والامتخاط والاستنجاء، وخلع الثّوب والسَّراويل والخفِّ، وما أشبه ذلك، فيُستحب التّياسر فيه، وذلك كلِّه بكرامة اليَمين وشرفها، والله أعلم. شرح صحيح مسلم(3/ 160).
وقال المواق المالكي -رحمه الله-:
والضَّابط: أن الفعل إن استُعملت فيه الجارحتان قُدِّمت اليُمنى في فعل الراجح، والشِّمال في فعل المرجوح، وهذا إن تيسَّر، فإنْ شقَّ تُرك، كالرُّكوب فإن البداءة بوضع اليُسرى في الرِّكاب أيسر وأسهل. التاج والإكليل لمختصر خليل (1/ 403).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
ومفهوم الحديث: أنه يحب التَّياسر «في شأنه كلِّه» الذي هو من غير التكريم...، ومنه دخول الخلاء والسوق، ومحل المعصية، والخروج من المسجد والامتخاط والبصاق والاستنجاء، وخلع الثوب والنَّعل ونحوها.
وفي الحقيقة يرجع هذا كلِّه إلى تكريم اليَمين، ففي تقديم اليسار في الخروج من المسجد إبقاء لليمين في الموضع الأشرف تلك السويعة، وكذا في تقديم اليسار حين الدخول في الخلاء، وعلى هذا القياس. مرقاة المفاتيح (1/ 408).
وقال الحليمي -رحمه الله-:
ووجه الابتداء بالشِّمال عند الخَلع: أنَّ اللّبسَ كرامةٌ؛ لأنه للبَدن وقايةٌ، فلما كانت اليُمنى أكرم من اليُسرى بُدئ بها في اللّبْسِ، وأُخِّرت في الخَلْع؛ لتكون الكرامةُ لها أدومَ، وحظُها منها أكثرَ. المنهاج في شعب الإيمان (3/ 78).
قولها: «ما استطاع»:
قال النووي -رحمه الله-:
ووقع في روايات البخاري «يحب التَّيمُّن ما استطاع»...، وفي قوله: «ما استطاع» إشارة إلى شدَّة المحافظة على التَّيمُّن، والله أعلم. شرح صحيح مسلم(3/ 161).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ما استطاع» أي: ما دام مُستطيعًا للتيمُّن، بخلاف ما لو عجز عنه فيتعين غيره، فنبَّه على المحافظة على ذلك ما لم يمنع مانعٌ مَا ليس منه بُدٌّ. فيض القدير (5/ 207).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«ما استَطاع» «ما» إمّا موصول فهو بدل من «التَّيمُّن»، وإمّا بمعنى: ما دام، وبه احتراز عما لا يستطيع فيه التَّيمُّن شرعًا، كالخروج من المسجد، والدّخول في الخلاء، والتمخط، والاستنجاء. مرعاة المفاتيح (2/ 104).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ما استَطاع» «ما» مصدريَّة ظرفيَّة، أي: مُدة استطاعته على ذلك، تعني بذلك ملازمته في غالب أفعاله الاختيارية التي هي من باب التَّكريم والتَّشريف...، ما ليس من باب التّشريف يكون باليُسرى. ذخيرة العقبى (3/ 55).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ويحتملُ أن يقال في قولها: «ما استطاع» احترازٌ عمّا لا يُستطاع فيه التَّيمُّن شرعًا، كدخول الخلاء والخروج من المسجد، وكذا تعاطي الأشياء المستقذرة باليَمين، كالاستنجاء والتمخط. فتح الباري (1/ 523).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
قد يُتوهَّم أنَّ الطواف على اليسار مخالف لهذه القاعدة، وليس الأمر كذلك؛ لأن مَن استقبَلَكَ فيمينه قُبالة يسارك، ويساره قبالة يمينك، فاعتُبرت اليَمين ها هنا بالنّسبة إلى البَيت، لا بالنّسبة إلى الطّائف. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (4/ 352).
وقال ابن الحاج -رحمه الله-:
فصَّلت (عائشة) ذلك كلّه على القاعدة الشرعية؛ لأن المكلَّف لا يخلو فعله من إحدى ثلاث: إمَّا واجبٌ أو مندوبٌ أو مباحٌ، فذكرت الطّهور لتُشير به إلى جنس الواجبات، والتَّرجُّل لجنس المندوبات، والتَّنعُّل لجنس المباحات، وإذا كان ذلك كذلك في اللِّبس، فينبغي أن يكون عَكْسُه في النَّزع. المدخل (2/ 198).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
ثُمَّ التَّيامن ليس في أحدٍ من أقوام الدنيا غير الإسلام، حتى إن كتابتَهم أيضًا من جانب الأيسر. فيض الباري (1/ 365).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
ومما يُطلب استعمال اليد اليُسرى فيه: حمل النَّعل، فما يقع من بعض أهل العلم وغيرهم مِن حملهم كُتبَهم بشمائلهم، ونعالِهم بأيمانهم مخالفٌ للسنة المُطهرة. المنهل العذب المورود (1/ 126).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وكثيرًا ما رأينا عوامَّ طلبة العلم يأخذون الكتاب باليسار والنّعال باليَمين؛ إما لجهلِهم أو غفلتِهم. مرقاة المفاتيح (1/ 381).
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
هل يدخل لبسُ السَّاعة في اليَمين في «يُعجبُه التَّيمُّن في كل شيء»؟
فأجاب: الذي يبدو أن الأمر في ذلك واسعٌ، وإذا لَبسَها الإنسان في اليَمين على اعتبار عموم هذا الحديث فله وجهٌ، ويُمكن أيضًا ألّا تكون من هذا القبيل؛ لأن المقصود... ما فيه بِدءٌ ونِهايةٌ، وأما لِبس السَّاعة فليس فيه بِدءٌ ونهايةٌ، وهي مثل الخاتم، فكما أن الإنسان يضع الخاتم في اليَمين أو في الشِّمال، فكذلك السّاعة يضعها في اليَمين أو في الشِّمال. شرح سنن أبي داود (464/ 24).
قولها: «وسِوَاكِه»:
قال الشيخ العباد -حفظه الله-:
يعني: يُحب التيمن أيضًا في سواكه، فيبدأ بالشق الأيمن من فمه.شرح سنن أبي داود(ص23)
وقال الخطيب الشربيني -رحمه الله-:
ويُسن أن يستاك باليمين من يُمنى فمه...؛ لشرف الأيمن؛ ولأنه -صلى الله عليه وسلم -كان يُحب التيمن ما استطاع في شأنه كُله، في طهوره وترجله وتنعله وسواكه. رواه أبو داود، وقيل: إنْ كان المقصود به العبادة فباليمين، أو إزالة الرائحة فباليسار، وقيل: باليسار مطلقًا؛ لأنه إزالة مستقذر فكان كالحجر في الاستنجاء. مغني المحتاج (1/٢٢١).
وقال البهوتي -رحمه الله-:
وقد يُحمل على أنه كان يبدأ بشقِّ فمِه الأيمن في السواك. كشاف القناع (1/١٥١).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
المستحب كون السواك باليمين؛ لما ذُكر، فتبصر، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (7/ 18).
وقال علماء الموسوعة الفقهية:
يُندب إِمساك السِّواك باليُمنى؛ لأنه المنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما اتفق عليه من حديث عائشة -رضوان الله عليها - قالت: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله»، وفي رواية «وسواكه». الموسوعة الفقهية الكويتية(4/١٤٣).
وسُئل الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
زيادة: «كان يعجبه التيامن»، وفيه: «وسواكه»؟
الجواب: يعني: يبدأ بشق فمِه الأيمن، ويستاك بيدهِ اليُسرى. مسائل الإمام ابن باز (ص: ١٣٤).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
اختَلف العلماء هل يُستاك باليد اليُمنى أو اليُسرى؟
فقال بعضهم: باليُمنى؛ لأن السِّواك سُنة، والسُّنة طاعةٌ وقُربةٌ لله تعالى، فلا يكون باليُسرى؛ لأن اليُسرى تُقدَّم للأذى، بناءً على قاعدة وهي: أن اليُسرى تُقدَّم للأذى، واليُمنى لما عَداه، وإذا كان عبادة فالأفضل أن يكون باليَمين.
وقال آخرون: باليَسار أفضل، وهو المشهور من المذهب (الحنبلي)؛ لأنه لإزالة الأذى، وإزالة الأذى تكون باليُسرى، كالاستنجاء والاستجمار.
وقال بعض المالكية: بالتّفصيل، وهو إن تسوَّك لتطهير الفم كما لو استيقظ من نومه، أو لإزالة أثر الأكل والشُّرب فيكون باليسار؛ لأنه لإزالة الأذى، وإن تسوَّك لتحصيل السُّنة فباليَمين؛ لأنه مجرد قُربة، كما لو توضّأ واستاك عند الوضوء، ثم حضر إلى الصلاة قريبًا، فإنه يستاك لتحصيل السُّنة، والأمر في هذا واسعٌ؛ لعدم ثبوت نصٍّ واضحٍ. الشرح الممتع (1/ 155 - 156).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
في الحديث: استحباب البَداءة بشِقِّ الرأس الأيمن في التَّرجُّل والغُسل والحلق، ولا يقال: هو من باب الإزالة، فيُبدأ فيه بالأيسر، بل هو من باب العبادة والتَّزيين، وقد ثبت الابتداء بالشِّقِّ الأيمن في الحلق. فتح الباري (1/ 270).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
يؤخذ من هذا الحديث: احترامُ اليَمين، وإكرامُها، فلا تُستعمل في إزالة شيءٍ من الأقذار، ولا في شيء من خسيسِ الأعمال، وقد نهى -صلى الله عليه وسلم- عن الاستنجاء ومسِّ الذَّكَر باليَمين. المفهم (1/ 511).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
الحديث دليلٌ على مشروعية البداءةِ بالجَانب الأيمنِ من الرأس عند ترجِيله، وكذا عند حلقه، فيُعطِي الحالق شِقَّه الأيمن أوّلًا، ثم شِقَّه الأيسر، وعلى هذا فالتَّيامن في الحلق منظورٌ فيه إلى المحلوق لا إلى الحالق، وهو الأظهر؛ لما ورد في حديث أنس -رضي الله عنه- في حجَّةِ النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: «ثمَّ قال للحلاق: خذ، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر». منحة العلام (1/ 202).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
ولو بدأ في الطهارة بمياسره قبل مَيامِنه كان تاركًا للاختيار، وكان وضوؤه صحيحًا من غير نزاع أعلمه بين الأئمة. مجموع الفتاوى (32/ 209).
وقال الشيخ البسام -رحمه الله-:
في الحديث: دليل على أن المسلم الموفَّق يجعل من عاداته عبادات؛ فإن الأمور العادية حينما يأتي بها متَّبعًا في ذلك هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقاصدًا بها القُربة والعبادة، فإن هذه العادات تصير عبادات وقُرُبات تزيد في حسنات العبد، وبالعكس؛ فإن عبادات الغافل تصير عادات؛ لأنه يؤدِّيها في حال غفلة، وعدم استحضار لنيَّة التَّقرب إلى الله تعالى، وعدم استحضار امتثال أمر الله تعالى في أدائها، وعدم استحضار اقتدائه حين أدائها بالنّبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما يستحضر أنه قام بهذه العبادة التي تعوَّد أن يقوم بها في مثل هذا الوقت، وغفل عن المعاني السّابقة، ففرقٌ بين العبادتين، كلٌّ منهما بنيَّة مخالفة لنية الأخرى، والله الموفق. توضيح الأحكام(1/ 231).
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)