«يَدْخُلُ الجنةَ أقوامٌ أفئدتُهُم مثلُ أفئدةِ الطيرِ».
رواه مسلم برقم: (2840) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أَفْئِدَتُهُمْ»:
أي: قلوبهم. شرح المصابيح، لابن الملك (6/ 102).
وقال الفيروزآبادي -رحمه الله-:
الفؤاد: للقلب مذكرٌ، أو هو ما يتعلق بالمرِيْءِ من كَبِدٍ ورِئَة وقلب، وجمعه: أفئدة. القاموس المحيط (ص:305).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
والفؤاد: القلب، وقيل: وسَطُهُ، وقيل: الفؤاد: غشاء القلب، والقلب حَبَّتُه، وسُوَيْدَاؤه. النهاية (3/ 405).
شرح الحديث
قوله: «يدخل الجنة أقوام»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«يدخل الجنة» ظاهِرُه: مع الفائزين كما يدل عليه سياقه في مقام المدح لهم، وإلا فجميع أهل الإيمان يدخلون الجنة بوَعْدِ الله الذي لا يُخلَف. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/273).
وقال محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «يدخل الجنَّة» أولًا، وإلا فيدخل الجنَّة كل مؤمن. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (25/ 509).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«أقوام» جمعٌ، واحِدُه قَوْمٌ. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/273).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فمعنى «يدخل الجنة» إلخ أي: الذين هم لله خائفون، وله مُجِلُّون، ولِهَيْبَتِهِ خاضعون، ومن عذابه مشفقون. فيض القدير (6/460).
قوله: «أفئدتهم مثل أفئدة الطير»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«أفئدتهم» جمع فؤاد، وهو القلب. التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 198).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
قوله: «أفئدتهم مثل أفئدة الطير» يريد في الرِّقَّة واللِّين. مطالع الأنوار على صحاح الآثار (5/ 185).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وقيل: قلوبهم رقيقة، أي: فهي أسرع فهمًا وقبولًا للخير وامتثالًا له. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/273).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«مثل أفئدة الطير» يحتمل: أن يقال: إنما شبَّهَهَا بها لضعفها ورقَّتها، كما قال في أهل اليمن: «هم أَرَقُّ قلوبًا، وأضعف أفئدة».
ويحتمل: أنه أراد بها أنها مثلها في الخوف والهيبة.
والطير -على الجملة- أكثر الحيوانات خوفًا وحذرًا، حتى قيل: أَحْذَرُ مِن غرابٍ، وقد غلب الخوف على كثير من السلف حتى انصدعت قلوبهم فماتوا. المفهم (7/171).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«أفئدة الطير» جمع طائر، ويقع على الواحد، وجمعه طيور وأطيار. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/273).
وقال أبو عبد الله القرطبي -رحمه الله-:
ويحتمل وجهًا ثالثًا: أنها مثلها أي: مثل أفئدة الطير خالية من كل ذَنْبٍ، سليمة من كل عيب، لا خبرة لهم بأمور الدنيا. التذكرة (425).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وقيل: المراد يتوكلون، كما ورد: «لو أنكم تتوكلون على الله حق تَوَكُّله لرزَقكم كما يرزق الطير، تغدو خِمَاصًا وتَرُوح بِطَانًا». الكاشف عن حقائق السنن (11/ 3559).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
كأنه يريد بذلك قومًا غَلَبَ عليهم الخوف، كما قد روي عن جماعة من السلف وغيرهم ممن أماتهم الخوف، وصَدَعَ قلوبهم الوعظ، وفاضت أنفسهم عند سماع الوعد والوعيد، وتَذَهَّلَت عقولهم عند مشاهدة الهول والحادث الشديد. إكمال المعلم (8/ 373).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«مثل أفئدة الطير» يريد بذلك ما جُبِلُوا عليه من لِيْنِ الأفئدة وَرِقَّتِهَا. الميسر في شرح مصابيح السنة (4/1217).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أو في الهيبة والرهبة؛ لأن الطير أفْزَعُ شيء، وأشد الحيوان خوفًا، لا يطيق حَبْسًا، ولا يحتمل إشارة، هكذا أفئدة هؤلاء مما حَلَّ بها من هيبة الحق، وخوف جلال الله وسلطانه، لا يطيق حَبْسَ شيء يبدو من آثار القدرة، ألا ترى أنَّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى شيئًا من آثارها، كغمامٍ فَزِعَ، فإذا أمطرت سُرِّي عنه، وسَمِعَ إبراهيم بن أدهم قائلًا يقول: كل ذنب مغفور سوى الإعراض عنا، فسقط مغمي عليه، وسُمِّي علي بن الفضيل قتيل القرآن. فيض القدير (6/ 460).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
الذي أراه في هذا الحديث: أن هؤلاء القوم كانت قلوبهم على مثل قلوب الطير رِقَّة لِخَلْقِ الله، ورحمة لعباده، وشفقة على المسلمين، فترى الواحد منهم يرفق بالطفل أكثر من أمِّ ذلك الطفل بالطفل، ويُشفق على الغلام أكثر من إشفاق الغلام على نفسه، وهكذا على الكهل والشيخ، ثم شرف قلبه لرحمة الحيوان، وحتى يتحرج من قطع الشجر عبثًا، حتى إنه لا تؤاتيه نفسه ولا يصْلُبُ قلبه على فعل شيء من ذلك.
ويجوز أن يكون المراد به أنهم على مثل قلوب الطير من أنها لا تحتجز ولا تَدَّخِرُ؛ بل تغدو خِماصًا وتروح بِطانًا.
ويجوز أن تكون قلوبهم على قلوب الطير خوفًا من الله في كل شيء، حتى إنهم إن أطاعوا خافوا، وإن عصوا وعصى غيرهم خافوا؛ لشدة محاذرتهم على أحوالهم مع ربهم -سبحانه وتعالى-. الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 26-27).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وإنما شبَّهَها بقلوب الطير؛ لأنها خالية عن الغل والحسد، كقلوب الطير. المفاتيح في شرح المصابيح (6/11).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
هؤلاء قوم رقَّت قلوبهم فاشتد خوفهم من الآخرة وزاد على المقدار، فشبَّهَهم بالطير التي تفزع من كل شيء وتخافه. كشف المشكل (3/550).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قد تقرر في علم البيان أنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ إذا أُضْمِرَ عمَّ تناوله، فيكون أبلغ مما لو صُرِّح به، فينبغي أن يُحمل الحديث على المذكورات كلها، ومن ثم خصَّ الفؤاد بالذكر دون القلب. الكاشف عن حقائق السنن (11/ 3559).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
الفؤاد القلب لفظان بمعنى...، وقيل: الفؤاد عبارة عن باطن القلب، وقيل: الفؤاد عين القلب، وقيل: القلب أخص من الفؤاد، وقيل: الفؤاد غشاء القلب، والقلب حَبَّتُه. مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2/ 144).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
وَجْهُ ذكر الأفئدة دون القلوب: كونها أعلاها وأَتَم، وقال في (المشارق) أيضًا: إنه قيل: القلب أخص من الفؤاد، وقيل: الفؤاد غشاء القلب، والقلب حَبَّتُه، وعلى هذا فالظاهر أنه ذَكَرَ الفؤاد هنا لكونه أدنى وأنقص، يعني: أنهم بأدنى مرتبتهم يستأهلون دخول الجنة، فكيف بأعلاها؟ واللَّه أعلم. لمعات التنقيح (9/ 116).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه: مدح لأهل هذه الصفات. التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 198).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
هذا الحديث أصل عظيم في التوكل، وحقيقته: هو الاعتماد على الله -عزَّ وجلَّ- في استجلاب المصالح ودفع المضار. تطريز رياض الصالحين (73).