«وفدُ اللهِ ثلاثةٌ: الغازيُّ، والحاجُّ، والمعتمرُ».
رواه النسائي برقم: (2625)، وابن خزيمة برقم: (2511)، والبيهقي في الكبرى برقم: (10387) واللفظ لهم، ورواه ابن حبان برقم: (3692)، بتأخير الغازي، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وبنحوه رواه ابن ماجه برقم: (2892)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أيضًا.
صحيح الجامع برقم: (7112)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1109).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«وفد الله»:
هُم القوم يجتمعون ويَرِدون البلاد، واحدهم: وافد، وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسْتِرْفَاد (أي: طلب العطاء) وانتجاع (أي: طلب الخير) وغير ذلك، تقول: وَفَدَ يَفِدُ فهو وافد، وأوفدته فوفد، وأوفد على الشيء فهو مُوْفَد، إذا أشرف. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير(5/209).
شرح الحديث
قوله: «وفد الله ثلاثةٌ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وفد الله» الإضافة للتشريف، والمراد: وفد حَرَمِهِ، أي: كجماعة قادمون عليه، ونازلون لديه، ومقربون إليه. مرقاة المفاتيح(5/ 1754).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وفد الله» أي: قادمون عليه امتثالًا لأمره. فيض القدير (4/ 409).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وفد الله ثلاثة» أي: ثلاثة أشخاص، أو أجناس. مرقاة المفاتيح (5/ 1755).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «وفدُ الله -عز وجل- ثلاثة» أي: السائرون إلى الله تعالى، القادمون عليه من جملة المسافرين ثلاثة أصناف، شبَّه هؤلاء الثلاثة بالوفد الذين يفدون إلى الملوك والأمراء، فيتحفون بالجوائز العظيمة، ويكرمون بالعطايا الجسيمة -ولله المثل الأعلى-. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (26/ 158).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «ثلاثة» وفي حكمهم جماعةٌ وفدوا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لتعلم الأحكام، ولما كانوا في الظاهر وافدين من قومٍ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أضيفوا إليه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكنهم وافدون على اللَّه حقيقة {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} الفتح: 10. لمعات التنقيح (5/ 293).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
شبَّه كلًّا من الحاج والغازي بالجماعة الوافدين على الأمراء؛ لأن كل واحد وافد إليه تعالى قاصدًا عطاءه. التنوير شرح الجامع الصغير(5/ 396).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والجامع بين الحاج والغازي أنَّ كلًّا منهما فارق في الغالب وطنه، وخرج منه؛ إجابة لمولاه، وبذلًا لنفسه فيما يرضاه. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 397).
قوله: «الغازي والحاجُّ والمعتمر».
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«الغازي» بدل من «ثلاثة»، ويجوز قطعه بتقدير مبتدأ، أو فعل، وكذا قوله: «والحاج، والمعتمر». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (23/ 312).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«الغازي» اسم فاعل حقيقة فيما تلبس بالمشتق منه اتفاقًا، فالمراد: المباشر للغزو الملتبس، «و» كذلك «الحاج والمعتمر». التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 445).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«الغازي» أي: المجاهد مع الكفار لإعلاء الدِّين. مرقاة المفاتيح (5/ 1755).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«الحاج» أي: الفريق الحاج، والمراد به: الجنس. مرقاة المفاتيح (5/ 1754).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
ربما أُطلق الحاج على الجماعة مجازًا واتساعًا...، والحاج والحاجة: أحد الحجاج. النهاية (1/ 341).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
وفد الغازي إلى معركة الكفار إجابة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «وإذا استنفرتم فانفروا»، ووفد الحاج والمعتمر إجابة لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} البقرة: 196. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (17/ 49).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال ابن حجر (يعني: الهيتمي): وجه إفراد الحاج وجمع ما بعده: الإشارة إلى تميز الحج بأن المتلبس به وإن كان وحده يصلح لأن يكون قائمًا مقام الوفد الكثيرين؛ بخلاف العمرة، فإنها لتراخي مرتبتها عن الحج لا يكون المتلبس بها وحده قائمًا مقام أولئك. ا. هـ.
وهو وجه وجيه كما لا يخفى، وفيه إشارة إلى مذهبنا: أن العمرة سنة، وإلا على مقتضى مذهب الشافعية، فلا يظهر وجه التفاوت في الفريضة؛ لعدم الفرق عندهم بين الأدلة القطعية والظنية، ولاستدلالهم بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} البقرة: 196، وهما مستويان في اقتضاء الآمرية، ثم قوله: إن هذا أولى من قول الشارح: إن هذا من إطلاق المفرد على الجمع باعتبار المعنى للجنس مجاز معروف، وقد تبعه في قوله: «الحاج» مفرد الحجاج، وأريد به الجنس، بدليل ما عطف عليه، وكأنه ما تنبه إلى ما أشار إليه. مرقاة المفاتيح (5/ 1754).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله- متعقبًا:
قلتُ: قوله: «الحاج» كذا في جميع نسخ المشكاة بلفظ المفرد، وهكذا وقع عند البيهقي في السنن (ج5: ص262)، والذي في سنن ابن ماجه: «الحجاج» أي: بلفظ الجمع، وكذا ذكره المنذري في الترغيب، وهكذا وقع في حديث جابر عند البزاز، وحديث أنس عند البيهقي في الشعب، وحديث ابن عمر عند تمام الرازي. مرعاة المفاتيح (8/ 419).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«والحاج والمعتمر» المتميزون عن سائر المسلمين بتحمل المشاق البدنية والمالية، ومفارقة الأهلين. مرقاة المفاتيح (5/ 1755).
وقال السندي -رحمه الله-:
تخصيص هؤلاء من بين العابدين لاختصاص السَّفر بهم عادة، والحديث إما بعد انقطاع الهجرة أو قبلها، لكن ترك ذكرها لعدم دوامها، والسفر للعلم لا يطول غالبًا فلم يذكروا السفر إلى المساجد الثلاثة المذكورة في حديث: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» ليس بمثابة السفر إلى الحج ونحوه فترك.
ويحتمل: أن لا يراد بالعدد الحصر -والله تعالى أعلم-. حاشية السندي على سنن النسائي (5/ 113).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
وهذا في حج مبرور، وعُمرة كذلك، كما لا يخفى. مرعاة المفاتيح (8/ 418).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وفيه: فضل هؤلاء الثلاثة، وتشبيههم بالوفد الذين يقدمون على الملوك والأمراء، فيتحفونهم بالجوائز العظيمة، والعطيات الجسيمة، فالله -سبحانه وتعالى- أولى وأكرم، فيكرم هؤلاء الثلاثة بكرامة ليس بعدها كرامة، بجنات عدن، فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فهم الفائزون الفوز الأبدي، كما قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} الآية آل عمران: 185، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} الأنبياء: 101-103، -والله تعالى أعلم بالصواب-. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (23/ 312-313).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ومقصود الحديث: أنهم مبرورون عند الله؛ مكرمون؛ لأنه كالوفد لدى الملك. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 445).