الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إذا أَحْدَثَ أحدُكُمْ في صَلاتِهِ فلْيَأْخُذْ بأَنْفِهِ، ثم لِينصرِفْ».


رواه أبو داود برقم: (1114) واللفظ له، وابن ماجه برقم: (1222)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم (286)، صحيح سنن أبي داود برقم: (1020).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«إذا أَحْدَثَ»:
أي: انْتقض طُهره. التيسير، للمناوي(1/ 61).


شرح الحديث


قوله: «إذا أَحْدَثَ أحدُكُمْ في صَلاتِهِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إذا أحدث أحدكم» أي: انتقض طهره بأي شيء كان، وأصل أحدث: من الحدث، وفي المحكم: الحدث: الإيذاء، وفي المغرب: أما قول الفقهاء: أحدث: إذا أتى منه ما ينقض الطهارة لا تعرفه العرب؛ ولذلك قال الأعرابي لأبي هريرة -رضي الله عنه-: ما الحدث؟ قال: فساء أو ضراط.
«في صلاته» وفي رواية: «في الصلاة». فيض القدير(1/ 249).

قوله: «فلْيَأْخُذْ بأَنْفِهِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌فلْيأخذ ‌بأنفه» أمر إباحة، أو ندب. مرقاة المفاتيح (2/ 795).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
الأمر في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فليأخذ» للندب، ويحتمل الإرشاد إلى الأدب. الأزهار، مخطوط لوح (157).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«‌فليأخذ» ندبًا «‌بأنفه» أي: يتناول ويقبض عليه بيده، موهمًا أنه رعف، والأَوْلى اليسرى. فيض القدير (1/ 249).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«‌فليأخذ ‌بأنفه» ليخيِّل الناس أنَّه مرعوف؛ سترًا على نفسه، ووقاية لهم من الغيبة والوقوع فيه، وليس هذا من باب الكذب، بل من باب المعاريض بالفعل، ولا من الرياء، بل من باب التجمُّل، وفيه رخصة. لمعات التنقيح (3/ 135).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «فليأخذ ‌بأنفه» قد بيَّن المصنف (ابن الديبع) وجه ذلك، وهذا من المعاريض الفعلية، وهو يدل على جوازها، وفيه: دليل على أنَّ الرُّعاف ناقض. التحبير (5/ 445).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«‌فليأخذ ‌بأنفه» أي: فليمسك بأنف نفسه إيهامًا أنه أصابه رعاف؛ لئلا يُسْتَهْجُن منه إذا كان الحدث غير ذلك، وفيه: إرشاد إلى المعاريض الفعلية، وأنه يحسن فعلها، كالمعاريض القولية، وإرشاد إلى أنَّه يحسن من الإنسان كتم ما يحدث معه مما يُسْتَهْجُنُ عند الناس، وإنْ كان مما لا اختيار له فيه. التنوير (1/ 507).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قلتُ: إنما أمره أنْ يأخذ ‌بأنفه؛ ليوهم القوم أنَّ به رُعافًا، وفي هذا باب من الأخذ بالأدب في ستر العورة، وإخفاء القبيح من الأمر، والتورية بما هو أحسن منه، وليس يدخل في هذا الباب الرياء والكذب، وإنما هو من باب التجمُّل واستعمال الحياء، وطلب السلامة من الناس. معالم السنن (1/ 248-249).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
قلتُ: إنما أمره أن يأخذ ‌بأنفه؛ ليخيل إلى غيره أنه مرعوف، وهي من المعاريض الفعلية، رخص له فيها وهدى إليها؛ لئلا يُسَوِّلَ له الشيطان أنْ يمضي في صلاته استحياء من الناس، وفيه أيضًا: تنبيه على إخفاء الحَدَث في تلك الحالة. الميسر (1/ 270).
وقال الخطيب الشربيني -رحمه الله-:
وينبغي أنْ يفعل كذلك إذا أَحَدَث وهو منتظر للصَّلاة، خُصُوصًا إذا قربت إقامتها، أو أُقِيمَت. الإقناع (1/ 150).
وقال ابن العماد -رحمه الله-:
ويُقاس بذلك: كل فعْل فعله المكلَّف لدفع مفسدة، أو جلب مصلحة، وأوهم الناسَ خلافه، فإنَّه لا يكون رياءً، بل من الدِّين. تسهيل المقاصد لزوار المساجد (ص: 157).

قوله: «ثم لِينصرِفْ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ثم لينصرف» بكسر اللام، وسكونها. مرقاة المفاتيح (2/ 795).
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ثم لِينصرف» من الصلاة. شرح سنن أبي داود (5/ 626).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ثم لينصرف» فليتوضأ، ولْيُعِدِ الصلاة. فيض القدير (1/ 249).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ثم لينصرف» لأنها قد بطلت صلاته، فلا يجوز له الاستمرار فيها. التنوير (1/ 508).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وهذا الحديث قد تمسك بظاهره مَن ذهب من الأئمة إلى أنَّ خروج الدم بنحو فصد أو حجم أو رعاف من نواقض الوضوء، ومذهب الإمام الشافعي خلافه. فيض القدير (1/ 249).
وقال الإمام مالك -رحمه الله-:
ليس ‌على ‌مَن ‌رعف، أو أصابه أمر لا بد له من الخروج أن يستأذن الإمام يوم الجمعة، إذا أراد أنْ يخرج. موطأ مالك (1/ 106).
وقال ابن العربي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
والدليل على صحة ما ذهب إليه الجمهور: أنَّ الإمام إنَّما يُستأذن فيما فيه النظر إليه، والمنع منه؛ لأن ذلك فائدة الاستئذان، وما ليس له منعه، فلا يستأذن فيه؛ ولذلك لا يستأذنه الناس. المسالك (2/ 446).
وقال محمود السبكي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قيل: لأنَّ الإذن يشق على الناس، ولا سيما مع كثرتهم، وكبر المسجد، وما في دين الله من حرج، وقال جماعة من التابعين: لا يخرج المحدث في الجمعة حتى يستأذن الإمام، وإذنه أنْ يشير بيده، قال مجاهد: وعن عطاء قال: رأيتُهم يستأذنون الإمام وهو يخطب يشير الرجل بيده، ويشير الإمام، ولا يتكلم، ذكره البيهقي، واستدلوا بعموم قوله تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوْا حَتَّىْ يَسْتَأْذِنُوهُ} النور: 62، ووضع المحْدِث يده على أنفه حال خروجه مُنَزَّلٌ منزلة استئذانه، لكن لا دلالة في الآية على ذلك؛ لأنها محمولة على استئذان الجماعة الإمام في الحرب. المنهل العذب المورود (6/ 282).
وقال السندي -رحمه الله-:
ويدل الحديث على أنَّه لا حاجة للمحْدِث إلى استئذان الإمام، وهو المطلوب، ومطلوبه أنَّ قوله تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} النور: 62، لا يشمل مثله أو بغيره -والله تعالى أعلم-. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (1/ 643).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
فإن قلتَ: هذا مخالف لقوله تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} النور: 62، فإنَّ هذه الآية تدل على وجوب الاستئذان.
قلتُ: إنْ كان المراد بالأمر الجامع: الأمر الذي يعم ضرره ونفعه، وهو خطب جليل، لا بد لإمام من أرباب التجارب والآراء ليستعين بتجاربهم كمقاتلة عدو، أو تشاور في خَطْب مهم، فمفارقة أحدهم في هذه الحالة مما يشق على قلبه، فعلى هذا: لا يدخل الجمعة فيه، ولا يحتاج فيه إلى الجواب.
وأما إذا كان المراد الأمر العام الشامل للجمعة والأعياد وغيرها من طاعة الله، فالجواب عنه:
أولًا: أنَّ الحديث ورد في حالة الصلاة، وفي الصلاة الاستئذان غير ممكن، فإظهار العذر بأخذ الأنف قام مقام الاستئذان، كأنه استئذان حكمًا.
وثانيًا: نزلت الآية في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعريضًا للمنافقين؛ لأنهم كانوا يخرجون بغير الإذن في حالة الخطبة، فينظرون يمينًا وشمالًا، فإذا لم يَرَهُمْ أحد انْسَلُّوْا وخرجوا، ولم يصلوا، وإن أبصرهم أحد ثبتوا، وصلَّوْا خوفًا، فلما لم يبقَ منهم أحد، وبقي المخلصون، كأنه ارتفع حكمها عن الصلاة -والله تعالى أعلم-. بذل المجهود (5/ 158-159).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب: استئذان المحدث الإمام، يعني: أنَّ الإنسان إذا أحدث هل يستأذن الإمام في الانصراف أو لا يستأذنه؟
والجواب: لا يستأذنه، وإنما يفعل ما أرشد إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، وهو أنْ يجعل يده على أنفه، ثم ينصرف، بدون استئذان، قال بعض أهل العلم: لا يستأذن، وقول الله -عز وجل-: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} النور: 62، المقصود به: الجهاد، وليس المقصود به في أي مكان من الأمكنة، فالجمعة من المواضع التي لا يحتاج فيها إلى استئذان، وقد ذَكر صاحب عون المعبود: أنَّ ابن أبي شيبة روى بإسناده عن محمد بن سيرين أنه قال: إنهم كانوا يستأذنون إذا حصل من أحد منهم حدث، فلما جاء زمن زياد، وكثر الناس قال: مَن حصل منه شيء فليضع يدهُ على أنفه، ولا يستأذن.
وأورد أبو داود -رحمه الله- حديث أبي هريرة، وفيه: أنه لا يحتاج مَن حضر الجمعة إلى استئذان، بل فيه إرشاد النبي -صلى الله عليه وسلم- الإنسان إذا أحدث في صلاته إلى أنْ يضع يده على أنفه، وينصرف، وكونه يضع يده على أنفه من أجل أن يوري بأنه رعف، وليس المقصود من ذلك: أنه حصل منه رعاف، فهذا فيه تورية وستر على الإنسان الذي حصل منه شيء لا يعجبه.
ومن باب التورية والفطنة: أنَّ جماعة كانوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فخرج من أحدهم ريح، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لا يستحي من الحق؛ ليقم المحْدِث وليتوضأ»؛ فكأنه ما قام أحدٌ، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: ألا نقوم كلنا فنتوضأ يا رسول الله؟ قال: «بلى»؛ فقاموا وتوضؤوا، وهذا فيه ستر للمحْدِث، وحصل المقصود من وضوئه، وغيره جددوا الوضوء، فهذا من الذكاء، ومن الدهاء، ومن الفطنة، ويحصل به الستر، فبعض الناس قد ينتقد ويهزأ ممن صدر منه ذلك، وقد جاء في الحديث: «علامَ يضحك أَحدكم مما يفعل». شرح سنن أبي داود (139/ 25).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وبه (أي: هذا الحديث) أخذ أئمتنا (الشافعية) وغيرهم، فقالوا: يُسَنُّ لمن سبقه الحَدَث، أو تذَكَّرَهُ وهو في الصلاة: أنْ يجعل يدهُ على أنفه إيهامًا للناس أنه رعف؛ سترًا على نفسه، ووقاية لهم من عيبته وتنقصه، وهدي إلى ذلك لهذين؛ ولئلا يمنعه الحياء وخوف الوقيعة في عرضه من قطع صلاته، فيستمرّ فيها مع الحَدَث، ومن هنا: يؤخذ أنَّه يُسَنُّ لكل مَن يفعل ما هو محق فيه في نفس الأمر، وظاهره مُعترَض: أنْ يستره على نفسه صونًا للناس عن الوقوع في عرضه بما هو بريء منه. فتح الإله (4/242).
وقال الحاكم -رحمه الله-:
سمعتُ علي بن عمر الدارقطني الحافظ يقول: سمعتُ أبا بكر الشافعي الصيرفي يقول: «كل مَن أفتى من أئمة المسلمين من الحيل، إنَّما أخذه من هذا الحديث». المستدرك (1/ 294).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
وحَصْرُهُ ممنوعٌ، بل حديث جبير المشهور، وهو: «نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن بيع صاعي تمر رديء بصاع جيد» الذي كانوا يفعلونه، ثم تعليمه الحيلة في ذلك: بأنْ يبيع الرديء بدراهم، ويشتري بها الجيد الشامل؛ ليبيعه من صاحب الجيد، وغيره أصرح في جواز الحيلة في الأموال، ونحوها، من هذا. فتح الإله (4/243).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
فيه: أمر بإخفاء الحَدَث، وكل مُستقبَح شرعًا وعُرْفًا...
وفيه: دفع لأمر الشيطان بإمضائه في الباطل؛ استحياءً من الناس.
وفيه: دليل على بطلان الصلاة بالحدث، وقال أبو حنيفة: لا تبطل. الأزهار، مخطوط لوح (157).


ابلاغ عن خطا