«لا يُشِيرُ أحدُكُم على أخيهِ بالسلاحِ، فإنَّه لا يدرِي، لعلَّ الشيطانَ يَنْزِعُ في يدِهِ، فيقع في حُفْرَةٍ مِن النَّارِ».
رواه البخاري برقم: (7072) واللفظ له، ومسلم برقم: (2617)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«يَنْزِعُ»:
نَزَغ فلان بينهم نَزْغًا، أي: حمل بعضهم على بعض بفساد ذات بينهم. العين، للخليل (4/ 384).
وقال الفتني -رحمه الله-:
أي: يرمي في يده، ويحقق ضربته ورميته. مجمع بحار الأنوار (4/ 684-685).
شرح الحديث
قوله: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح»:
قال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «لا يشير» بلفظ النفي والنهي. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (24/ 154).
وقال النووي -رحمه الله-:
هكذا هو في جميع النسخ «لا يشير» بالياء بعد الشين، وهو صحيح، وهو نهي بلفظ الخبر، كقوله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ} البقرة: 233، وقد قدمنا مرات أن هذا أبلغ من لفظ النهي. شرح مسلم (16/ 170).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح» كذا فيه بإثبات الياء، وهو نفي بمعنى النهي، ووقع لبعضهم: «لا يشر» بغير ياء، وهو بلفظ النهي، وكلاهما جائز. فتح الباري (13/ 24).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح»، وأمره للذي مرَّ بالسهام في المسجد أن يمسك نصالها، هو من باب الأدب، وقطع الذرائع ألَّا يشير أحد بالسلاح خوف ما يؤول منها ويخشى من نزع الشيطان. شرح صحيح البخاري (10/ 17).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «بالسلاح» بكسر أوله، وهو ما أُعِدَّ للحرب من آلة الحديد. مرقاة المفاتيح (6/ 2299).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«على أخيه» أي: أخيه المسلم، ويلحق به الذِّمي. مبارق الأزهار (1/562).
وقال العراقي -رحمه الله-:
فيه النهيُ عن الإشارة إلى المسلم بالسلاح، وهو نهي تحريم، فإن في الرواية السابقة: «من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه»، ولَعْن الملائكة لا يكون إلا بحق، ولا يستحق اللعن إلا فاعل المحرَّم، ولا فرق في ذلك بين أن يكون على سبيل الجدّ أو الهزل، وقد دلّ على ذلك قوله: «وإن كان أخاه لأبيه وأمه»؛ فإن الإنسان لا يشير إلى شقيقه بالسلاح على سبيل الجِدّ، وإنما يقع منه معه هزلًا، وبتقدير أن يكون ذلك على سبيل الجدّ، فتحريم ذلك أغلظ من تحريم غيره، فلا يصح جعله غايةً، فدلَّ على أن المراد: الهزل، فإن تحريمه على طريق الجدّ واضح؛ لأنه يريد قَتْل مسلم أو جَرْحه، وكلاهما كبيرة، وأما الهزل؛ فلأنه ترويع مسلم، وأذى له، وذلك مُحَرَّم أيضًا، وقد جاء في الحديث: «لا يحل لمسلم أن يُرَوِّع مسلمًا».
والمراد بالأخوّة: أخوّة الإسلام، ويلتحق به الذِّمِّيّ أيضًا؛ لتحريم أذاه، وخَرَج الحديث مخرج الغالب، ودخل في السلاح ما عَظُم منه، وصَغُر، وهل تدخل العصا في ذلك؟ فيه احتمال؛ لأن الترويع حاصل، وكذلك احتمال سقوطها من يده عليه، وقد يقال: لا يراد بذلك إلا ما له نصل، بدليل قوله في الرواية الأخرى: «بحديدة». طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 184).
وقال الحميدي -رحمه الله-:
نهى عن الإشارة بالحديد إلى أخيه خوفًا من أن يتفق الفساد في ذلك فيصيبه بما يؤذيه فيأثم بتلك الإشارة التي آلت إلى الأذى. تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم (ص:346).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
وهو نهي بلفظ الخبر، وهو أبلغ من النهي الصريح؛ لأنه يفيد أنَّ المنهي عنه قد اجتُنِب، وأصبح يُخبر عنه بالنفي. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 109).
قوله: «فإنه لا يدري، لعل الشيطان يَنْزِعُ في يده»:
قال النووي -رحمه الله-:
«يَنْزِعُ» ضبطناه بالعين المهملة، وكذا نقله القاضي عن جميع روايات مسلم، وكذا هو في نُسخ بلادنا، ومعناه: يرمي في يده، ويُحَقِّق ضربته، ورَمْيَته، ورُوي في غير مسلم بِالْغين المعجمة، وهو بمعنى: الإغراء، أي: يَحْمِل على تحقيق الضرب به، ويزيّن ذلك. شرح النووي على مسلم (16/ 170-171).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«ينزع في يده» أي: من يده، وبين الحروف مقارضة، أو معناه: ينزع القوس مثلًا، وفي بعضها «ينزَغ» بالزاي المفتوحة وبالمعجمة، يطعن أو يُغري. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (24/ 154).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قوله: «ينزع في يده» بكسر الزاي، وبالعين المهملة، ومعناه: يرمي في يده، ويحقّق ضربته، كأنه يرفع يده، ويحقق إشارته، والنزع: العمل باليد، كالاستقاء بالدلو، ونحوه، وأصله الجذب، والقلع.
قال في المشارق: وأصل فَعَلَ إذا كان عينه أو لامه حرف حلق أن يكون مستقبَله كذلك مفتوحًا، ولم يأتِ في المستقبَل مكسورًا إلا ينزع، ويهنئ.
قلتُ: ومثله يَرْجِع، وما ذكرناه من ضَبْط هذه اللفظة هو الذي حكاه القاضي عياض عن جميع روايات مسلم، ونقله النوويّ عن نُسخ بلادنا، وهو المشهور في رواية البخاريّ، ورُوي فيه أيضًا: «ينزغ» بفتح الزاي، وبِالغين المعجمة، وهو كذلك في رواية أبي ذرّ الهرويّ، ومعناه: يَحْمِله على تحقيق ضَرْبه، ويزيّن ذلك له، ونَزْغُ الشيطان: إغراؤه، وإغواؤه. طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 184).
وقال العراقي -رحمه الله- أيضًا:
يحتمل أن يكون الحديث على ظاهره في أن الشيطان يتعاطى بيده جرح المسلم، أو يغري المشير حتى يفعل ذلك على خلاف الروايتين، ويحتمل أنه مجاز على طريق نسبة الأشياء القبيحة المستنكرة إلى الشيطان، والمراد: سبق السلاح بنفسه من غير قصد. طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 185).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أنه لا يجوز أن يشير الإنسان إلى أخيه بالسلاح مهولًا عليه لا جدًّا ولا هزلًا؛ فإن الشيطان ينزع يده كما ينزع في قلبه، فيقع السلاح من أخيه بحيث لا يؤثر وقوعه، فيقع في حفرة من النار؛ فإن الذي يقع في الحفر يقع عن غير قصد، فيكون إصابة هذا عن غير إرادة من جنس وقوعه في الحفرة. الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 227).
وقال المُظْهِري -رحمه الله-:
يعني: لا ينبغي لأحدكم أن يشير إلى أخيه بالسلاح، لعلَّ الشيطان يجرُّ يدَ المشير إلى المشار إليه، فتقع يده مع السلاح عليه، فيقع المشير في النار، والضمير في «يده» يعود إلى الـ: (أحد) الذي هو المشير. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 221).
قوله: «فيقع في حُفْرَةٍ من النار»:
قال العراقي -رحمه الله-:
«فيقع» رَوَيناه في صحيح البخاري بالنصب، والرفع؛ لكونه في جواب الترجي، وقد قُرئ بهما قوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} غافر: 36-37، قرأ حفص عن عاصم بالنصب، والباقون بالرفع. طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 185).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«فيقع في حفرة من النار» أي: في سبب من أسبابها. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (11/ 16).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله: «فيقع في حُفْرَةٍ من النار» معناه: إن أنفذ الله عليه الوعيد، وهذا مذهب أهل السنة. شرح صحيح البخاري (10/ 17).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«فيقع في حفرة من النار» هو كناية عن وقوعه في المعصية التي تُفضي به إلى دخول النار...
وفي الحديث: النهي عما يفضي إلى المحذور، وإن لم يكن المحذور محقّقًا، سواءٌ كان ذلك في جدّ، أو هزل.
وقد وقع في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند ابن أبي شيبة وغيره مرفوعًا، من رواية ضمرة بن ربيعة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة: «الملائكةُ تلعن أحدكم إذا أشار إلى الآخر بحديدة، وإن كان أخاه لأبيه وأمه»، وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن أبي هريرة موقوفًا من رواية أيوب عن ابن سيرين عنه، وأخرج الترمذيّ أصله موقوفًا من رواية خالد الحذاء عن ابن سيرين بلفظ: «من أشار إلى أخيه بحديدة، لعنته الملائكة»، وقال: حسن صحيح غريب، وكذا صححه أبو حاتم من هذا الوجه، وقال في طريق ضمرة: منكر.
وأخرج الترمذي بسند صحيح، عن جابر: «نَهَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُتَعَاطَى السيفُ مسلولًا».
ولأحمد والبزار من وجه آخر عن جابر: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مَرّ بقوم في مجلس يَسُلُّون سيفًا، يتعاطونه بينهم، غير مغمود، فقال: ألم أَزجُر عن هذا؟ إذا سَلّ أحدكم السيف، فليغمده، ثم ليُعْطِه أخاه».
ولأحمد، والطبراني بسند جيّد، عن أبي بكرة نحوه، وزاد: «لعن الله مَن فعل هذا؛ إذا سَلَّ أحدكم سيفه، فأراد أن يناوله أخاه، فليغمده، ثم يناوله إياه». فتح الباري (13/ 25).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«فيقع في حُفرة من النار» يعني: إذا قتل أَخاه، ولو لم يقصد قتله، لكنه فعل ما نهي عنه من الإشارة، والشيطان أيضًا تدخَّل، إما باليد أو في قلبه، وألقى في روعه، أو شغله بما يذهله، فتصرف مثل هذا التصرف وقتل أخاه، وحينئذٍ يقع في حفرة من النار، وهو في الأصل لم يقصد القتل، فكيف لو قصد؟! شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري (3/ 4).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
فيه: نهيٌ عن الملاعبة بالسلاح؛ فإنها تُفضي إلى صيرورة الهزلِ جدًّا واللعبِ حربًا، فيقتل أحدُهما الآخرَ، فيدخل النار. شرح المصابيح (4/ 159).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقد نص في الرواية الأخرى على صحَّة مراعاة الذريعة؛ حيث قال: «فإنَّه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار». المفهم (6/ 601).
وقال العيني -رحمه الله-:
في الحديث: النهي عما يفضي إلى المحذور، وإن لم يكن المحذور محقَّقًا، سواء كان ذلك في جد أو هزل. عمدة القاري (24/ 187).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وكذلك أيضًا: ما يفعله بعض السفهاء، يأتي بالسيارة مسرعًا نحو شخص واقف أو جالس أو مضطجع يلعب عليه ثم يحركها بسرعة إذا قرب منه حتى لا يدهسه هذا أيضًا ينهى عنه، كالإشارة بالحديدة؛ لأنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فلا يتحكم في السيارة، وحينئذٍ يقع في حفرة من النار، ومن ذلك أن يشري الكلب به، يكون الإنسان عنده كلب ويأتي إنسان آخر إليه زائرًا أو نحو ذلك، فيشري الكلب به، يعني: يغريه به، فإنه ربما ينطلق الكلب ويأكل هذا الرجل، أو يجرحه ولا يتمكن من فضه بعد ذلك.
فالمهم أن جميع أسباب الهلاك ينهى الإنسان أن يفعلها، سواء أكان جادًّا أم هزلًا. شرح رياض الصالحين (6/ 556).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
فلا ينبغي اللعب بالسلاح ولو هازلًا، أما التدرب بالسلاح، والتعلم على حمله... إلخ، فهذا محمود، كما فعله الأحباش في المسجد، والمزح بالسيارات داخل في النهي؛ لأنها قد تزل، وقد لا يستطيع إمساكها. الحلل الإبريزية (4/ 389).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)