«كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لا يَدَعُ صومَ أيامِ البيضِ في سفرٍ ولا حَضَرٍ».
رواه النسائي برقم: (2345) والطبراني في الكبير برقم: (12320) والضياء في المختارة برقم: (100) واللفظ لهما، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (4848)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (580).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يدع صوم أيام البيض»:
قال الفيومي -رحمه الله-:
التقدير: أيام الليالي البيض، وهي ليلة ثلاث عشرة، وليلة أربع عشرة، وليلة خمس عشرة، وسُمِّيت هذه الليالي بالبيض لاستنارة جميعها بالقمر. المصباح المنير (1/ 69).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«الأيام البيض» هذا على حذف المضاف، يريد أيام الليالي البيض، وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر...، وأكثر ما تجيء الرواية الأيام البيض، والصواب أن يقال: أيام البيض بالإضافة؛ لأن البيض من صفة الليالي. النهاية (1/ 173).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قيل: المراد بالبيض الليالي، وهي التي يكون فيها القمر من أول الليل إلى آخره، حتى قال الجَوَالِيْقِي: من قال: الأيام البيض فجعل البيض صفة الأيام فقد أخطأ.
وفيه نظر؛ لأن اليوم الكامل هو النهار بليلته، وليس في الشهر يوم أبيض كله إلا هذه الأيام؛ لأن ليلها أبيض، ونهارها أبيض، فصح قول: الأيام البيض على الوصف. فتح الباري (4/ 226).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
وسميت لياليها بيضًا؛ لأن القمر يطلع فيها من أولها إلى آخرها. النهاية (1/ 173).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
لأنها المقمرات من أوائلها إلى أواخرها، فناسب صيامهما شكرًا لله تعالى. مرقاة المفاتيح (4/ 1428).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وإيام البيض: ثالث عشر، ورابع عشر، وخامس عشر، ومن عبَّر بالأيام البيض، فقد لحنوه؛ لأن الأيام كلها بيض، وأنها هي أيام البيض، أي: الليالي البيض؛ لأن بياض القمر ونوره يعمها، فناسب صيامها شكر لله تعالى على ذلك، والأحوط صوم الثاني عشر معها لاحتمال نقص الشهر لا لرعاية الخلاف في أنه أول الثلاثة؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة، والقاعدة عندنا أنَّ الخلاف إذا خالف سُنة صحيحة لا يُراعى...فتح الإله في شرح المشكاة (7/29).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قال ابن حجر (الهيتمي): ومن عبَّر عنها بالأيام البيض فقد لحنوه؛ لأن الأيام كلها بيض. اهـ.
ويمكن أن يكون التقدير: الأيام البيض لياليها، أو المراد أيام صيامهن مكفرات للذنوب مبيضات للقلوب، أو إشارة إلى ما روي: أن آدم -عليه السلام- اسود أعضاؤه العظام بعد إخراجه من دار السلام، فأمر بصيام هذه الأيام، وبصوم كل يوم يبيض ثلث جسده -عليه السلام-.
بل أقول: يتعين هذه التأويلات؛ لأن الأيام البيض وقع فيها أكثر الروايات. مرقاة المفاتيح (4/ 1428).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقال شيخنا (العراقي) في شرح الترمذي: حاصل الخلاف في تعيين البيض تسعة أقوال:
أحدها: لا تتعين بل يكره تعيينها، وهذا عن مالك.
الثاني: أول ثلاثة من الشهر قاله الحسن البصري.
الثالث: أولها الثاني عشر.
الرابع: أولها الثالث عشر.
الخامس: أولها أول سبت من أول الشهر، ثم من أول الثلاثاء من الشهر الذي يليه، وهكذا وهو عن عائشة.
السادس: أول خميس ثم اثنين ثم خميس.
السابع: أول اثنين ثم خميس ثم اثنين.
الثامن: أول يوم والعاشر والعشرون، عن أبي الدرداء.
التاسع: أول كل عشر عن ابن شعبان المالكي.
قلتُ: بقي قول آخر: وهو آخر ثلاثة من الشهر عن النخعي فتمت عشرة. فتح الباري (4/ 227).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وعندي أنَّه يعمل في كل شهر بقول، والباقي بقول الأكثر الأشهر، وهو أيام البيض، وإن قدر على الجمع بين الكل في كل شهر، فهو أكمل وأفضل. جمع الوسائل في شرح الشمائل (2/ 103).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال الروياني: صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب، فإن اتفقت أيام البيض كان أحب، وفي كلام غير واحد من العلماء أيضًا: إنَّ استحباب صيام البيض غير استحباب صيام ثلاثة أيام من كُل شهر. فتح الباري (4/ 227).
وقال الباجي -رحمه الله-:
أنْ يقصد بذلك أيام البيض، فقد كرهه مالك، وقال ما هذا ببلدنا، وكَرِه تعمد صومها، وقال الأيام كلها لله، والدليل على ذلك ما روي عن معاذة قالت لعائشة: «أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، قلتُ: من أي الشهر كان يصوم؟ قالت: ما كان يبالي مِن أي أيام الشهر كان يصوم» وقد روي في إباحة تعمدها بالصوم أحاديث لا تثبت، والله أعلم. المنتقى شرح الموطأ (2/ 77).
وقال العيني -رحمه الله- متعقبًا:
قال القاضي أبو الوليد الباجي في صيام البيض: قد روي في إباحة تعمدها بالصوم أحاديث لا تثبت.
قلتُ: بل في التعيين أحاديث صحيحة، منها: حديث جرير، فهو صحيح لا اختلاف فيه، وقد ذكرناه عن قريب، وقد صححه من المالكية أبو العباس القرطبي في المفهم، وفيه تعيين البيض. عمدة القاري (11/ 97).
قوله: «في سفر ولا حضر»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«في حضر ولا سفر» أي: ولا في سفر و«لا» مزيدة للتأكيد. مرقاة المفاتيح (4/ 1428).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«في سفر ولا حضر» أي: كان يلازم صومها فيهما. فيض القدير (5/ 184).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«في حضر ولا سفر» أي: أنه لازم عليها فيهما، فصومها سُنة مؤكدة، وحكمته: أنَّ في هذه الأيام تناهي القمر، وهو يؤثر زيادة الرطوبة، فأمر بالصوم فيها، ولازمه لحصول ذهاب أثر تلك الرطوبة المضرة.
وقيل: الحكمة في صومها: أنها لما عم النور لياليها ناسب أن تعم العبادة نهارها.
وقيل: الحكمة فيها: أن الكسوف يكون فيها غالبًا لا في غيرها، وقد أُمرنا بالتقرب إلى الله تعالى بأعمال البر عند الكسوف -والله أعلم-. دليل الفالحين (7/ 65-66).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«في حضرٍ ولا سفرٍ» الظاهر: أنَّ هذا محمول على الغالب، وفيه: استحباب ملازمة صيام أيام البيض. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (21/ 259).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«في سفر ولا حضر» ولا يعارضه «ليس من البر الصيام في السفر»؛ لأنه إخبار عن الذي يضرُّ به الصوم. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 497).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
قوله: «في حضر ولا سفر» فينبغي التأسي به -صلى الله عليه وسلم- في ذلك. فتح الإله في شرح المشكاة (7/39).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
هذا (الحديث) في أنَّه -صلى الله عليه وسلم- ما تركها (أي: صيام أيام البيض)، وفيه تأكيد في صومها. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 265).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
فيه: دليل على استحباب صوم أيام البيض، وهي الثلاثة المعينة في الحديث، وقد وقع الاتفاق بين العلماء على أنه يستحب أن تكون الثلاث المذكورة في وسط الشهر، كما حكاه النووي...
وفيه: دليل استحباب صيام أيام البيض في السفر، ويلحق بها صوم سائر التطوعات المرغب فيها. نيل الأوطار (4/300-304).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)