«وفِطْرُكُمْ يومَ تُفْطِرُونَ، وأَضْحَاكُمْ يومَ تُضَحُّونَ، وكلُّ عرفَة موقِفٌ، وكلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وكلُّ فِجَاجِ مكة مَنْحَرٌ، وكلُّ جَمْعٍ موقِفٌ».
رواه أبو داود برقم: (2324)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم: (6285)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4225)، صحيح سنن أبي داود برقم: (2013).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«عرفة»:
عرفة: اسم لموضع الوقوف، وهي أرض واسعة. المطلع على أبواب المقنع، للبعلي (ص: 30).
وقال ابن فارس -رحمه الله-:
إنما سُمِّي عرفات لأن جبريل -صلى الله عليه- لما أرى إبراهيم خليل الله المناسك، وبلغ الشعب الأوسط، الذي هو موقف الإمام، قال له: عرفت؟ فقال: نعم، فسمي عرفات.
وقال آخرون: إنما سُمِّي عرفات لأن آدم وحواء لما أُهْبِطَا تعارفَا بعرفات، فسُمِّي بذلك.
وقال آخرون: إنما سُمي عرفات من قولك: عَرَّفت المكان، إذا طَيَّبته، فسمي عرفات؛ لأنه أشرف تلك المواقف وأطيبها، قال الله تعالى في ذكر الجنة: {عَرَّفَهَا لَهُمْ} محمد: 6، قال قوم: طيبها. حلية الفقهاء (ص: 119).
«مَوْقِف»:
المَوْقِف: موقف الإِنسان وغيره حيث يقف، ومنـ(ـه) مواقف الحج. شمس العلوم، للحميري (11/ 7247).
«مِنَىً»:
بالكسر والتنوين، في درج الوادي الذي ينزله الحاجّ ويرمي فيه الجمار من الحرم، سمّي بذلك لما يُمنى به من الدماء أي: يُراق. معجم البلدان، لياقوت الحموي (5/ 198).
وقال البكري -رحمه الله-:
مِنى: جبل بمكّة معروف، قد تقدّم ذكره وتحديده في رسم جَمْع (أي: مزدلفة)، قال أبو علي الفارسي: لامه ياء، من منيت الشيء: إذا قدَّرته. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (4/ 1262).
«مَنْحَر»:
المَنْحَر: الموضع الذي يُنْحر فيه الهدي. شمس العلوم، للحميري (10/ 6515).
«فِجَاج»:
الفجِّ: الطريق الواضح الواسع، والجمع فجاج. المصباح المنير، للفيومي (2/ 462).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
الفجاج: جمع فج، وهو الطريق الواسع. النهاية (3/ 412).
«جَمْع»:
اسم المزدلفة؛ سُميت بذلك لاجتماع الناس بها. شمس العلوم، للحميري(2/1155).
وقال البعلي -رحمه الله-:
مزدلفة: موضع معروفٌ بين عَرفة ومِنى حدَّه ما بين المَأْزِمَين، ووادي مُحَسِّرٍ، وهي مفتَعِلة من زَلفِ القوم اجتمعوا؛ لما يجتمع فيها من الناس.المطلع على ألفاظ المقنع(ص: ٤٦).
شرح الحديث
قوله: «وفطركم يوم تفطرون»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«الفطر يوم تفطرون» فيه، أي: يوم تصلون فيه عيد الفطر. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (10/ 70).
وقال الرافعي -رحمه الله-:
واحتج الشافعي به على أنه إذا شهد الشهود بعدما استكملنا صوم الثلاثين وأمسينا أن اليوم الثلاثين كان يوم الفطر: إما لرؤيتهم الهلال ليلة الثلاثين، أو لرؤيتهم هلال رمضان قبل رؤيتنا لا تقبل شهادتهم، ويصلى من الغد صلاة العيد؛ لظاهر قوله: «فطركم يوم تفطرون» والغد هو الذي يفطر فيه الناس، ويقرب من هذا ما حكى أبو عيسى الترمذي عن بعض أهل العلم في تفسير الحديث، وقال: معناه: أنَّ الصوم والفطر مع الجماعة ومعظم الناس، ويروى في الحديث أيضًا: «وعرفة يوم تعرّفون» واحتج به على أنَّ الحجيج إذا غلطوا في الوقوف لم يلزمهم القضاء. شرح مسند الشافعي (2/ 12).
وقال السندي -رحمه الله-:
قلتُ: ويلزم على رواية الترمذي (والفِطْرُ يومَ تُفْطِرُونَ): أنَّهم إذا أخطؤوا في رؤية هلال رمضان أن لا يجب عليهم قضاء، وهذا مشكل -والله أعلم-.كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 510).
قوله: «وأضحاكم يوم تضحون»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«يوم تضحون» بضم التاء، وتشديد الحاء المهملة. شرح سنن أبي داود (10/ 275).
وقال محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«يوم تضحون» فيه، أي: يوم تصلون فيه عيد الأضحى. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (10/ 70).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
وفسَّر بعضُ أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنَّما معنى هذا: أنَّ الصوم والفطر مع الجماعة، وعِظَم الناس. سنن الترمذي (3/ 71).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
معنى الحديث: أنَّ الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قومًا اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعًا وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماضٍ، فلا شيء عليهم من وزر أو عتب.
وكذلك هذا في الحج إذا أخطؤوا يوم عرفة، فإنه ليس عليهم إعادته، ويجزئهم أضحاهم كذلك؛ وإنما هذا تخفيف من الله سبحانه ورفق بعباده، ولو كلفوا إذا أخطؤوا العدد أن يعيدوا أن لا يأمنوا أن يخطؤوا ثانيًا، وأن لا يسلموا من الخطأ ثالثًا ورابعًا، فإن ما كان سبيله الاجتهاد كان الخطأ غير مأمون فيه. معالم السنن(2/ 95-96).
وقال السندي -رحمه الله-:
والظاهر: أن معناه (يعني: الحديث): أن هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل، وليس لهم التفرد فيها، بل الأمر فيها إلى الإمام والجماعة، ويجب على الآحاد اتباعهم للإمام والجماعة، وعلى هذا: فإذا رأى أحد الهلال وردَّ الإمام شهادته، ينبغي أن لا يثبت في حقه شيء من هذه الأمور، ويجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه(1/ 509).
وقال الألباني -رحمه الله- معلقًا على كلام السندي:
قلتُ: وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث، ويؤيده احتجاج عائشة به على مسروق حين امتنع من صيام يوم عرفة خشية أن يكون يوم النحر، فبينت له أنه لا عبرة برأيه، وأن عليه اتباع الجماعة، فقالت: «النحر يوم ينحر الناس، والفطر يوم يفطر الناس».
قلتُ: وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس، وتوحيد صفوفهم، وإبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية، فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد -ولو كان صوابًا في وجهة نظره- في عبادة جماعية كالصوم والتعييد وصلاة الجماعة، ألا ترى أن الصحابة -رضي الله عنهم- كان يصلي بعضهم وراء بعض، وفيهم من يرى أن مس المرأة والعضو (يعني: الذَّكر) وخروج الدم من نواقض الوضوء، ومنهم من لا يرى ذلك، ومنهم من يتم في السفر، ومنهم من يقصر، فلم يكن اختلافهم هذا وغيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد، والاعتداد بها؛ وذلك لعلمهم بأن التفرق في الدِّين شر من الاختلاف في بعض الآراء، ولقد بلغ الأمر ببعضهم في عدم الاعتداد بالرأي المخالف لرأي الإمام الأعظم في المجتمع الأكبر كمنى، إلى حد ترك العمل برأيه إطلاقًا في ذلك المجتمع؛ فرارًا مما قد ينتج من الشر بسبب العمل برأيه، فروى أبو داود أن عثمان -رضي الله عنه- صلى بمنىً أربعًا، فقال عبد الله بن مسعود منكرًا عليه: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صدرًا من إمارته ثم أتمها، ثم تفرقت بكم الطرق، فلَوَدِدْتُ أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين، ثم إن ابن مسعود صلى أربعًا، فقيل له: عِبْتَ على عثمان ثم صليتَ أربعًا؟! قال: الخلاف شر، وسنده صحيح، وروى أحمد(5/ 15) نحو هذا عن أبي ذر -رضي الله عنهم أجمعين-.
فليتأمل في هذا الحديث وفي الأثر المذكور أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في صلواتهم، ولا يقتدون ببعض أئمة المساجد، وخاصة في صلاة الوتر في رمضان، بحجة كونهم على خلاف مذهبهم، وبعض أولئك الذين يدعون العلم بالفلك، ممن يصوم ويفطر وحدهُ متقدمًا أو متأخرًا عن جماعة المسلمين، مُعْتَدًّا برأيه وعلمه، غير مُبَالٍ بالخروج عنهم، فليتأمل هؤلاء جميعًا فيما ذكرناه من العلم؛ لعلهم يجدون شفاء لما في نفوسهم من جهل وغرور، فيكونوا صفًّا واحدًا مع إخوانهم المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة. سلسلة الأحاديث الصحيحة(1/443-445).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
مُؤَدَّاهُ (يعني: حديث الباب) قريب مما مر في بيان قوله: «صوموا لرؤيتكم، وأفطروا لرؤيتكم» من أن الفطر والأضحى على حسب ما تحققتم وصرتم منه على يقين، سواء كان برؤية الهلال أو بإخبار العدول الأخيار، وليس لكم عند الله مؤاخذة إذا استيقن أن إفطاركم أو أضحيتكم وقعت على ما ليس بصواب، وهذا إذا أَنْفَذ بكم وسعكم في تحقيقه وتفتيشه فعملتم على مقتضى ما تبين لكم، ثم ظهر أن الحق خلافه، فليس عليكم جناح ولا مأثم ولا كفارة فيه ولا مَغْرَم.
أو يكون ذلك أمرًا لموافقة الجماعة في الصوم والإفطار، وعدم المخالفة معهم، وعلى هذا: فيستثنى منه ما إذا رأى أحد هلال رمضان ولم يأخذ الإمام بقوله فإنه يصوم ولا يوافق الجماعة، وكلام المؤلف في بيان معنى الحديث آئِل (يعني: راجع) إلى ذلك، وتقريرنا لا يخالفه.
وأما إذا اقتصر عليه فقط ففيه تلويح ما إلى الذي ذهب إليه من أن لكل أهل بلد رؤيتهم، وهذا ما قصده المؤلف (الترمذي)، وأنت تعلم أن المتبادر من قول المؤلف (الترمذي) هذا، ومن الرواية هو: الذي اخترناه من أن الفطر والصوم لكل المسلمين واحد، وعُلم بهذا الحديث أن الرجل إذا رأى الهلال وحده ولم يعتدَّ الإمام بقوله ولم يأخذ به ليس له أن يفطر أو يضحي وحده؛ لأن الفطر يوم تفطرون ... إلخ، وكذلك إذا أخبر برؤية هلال رمضان ثم صام ولم يصم سائر أهل البلد هذا اليوم لعدم اعتدادهم بخبره ليس عليه بنقص هذا الصوم كفارة. الكوكب الدري على جامع الترمذي (2/40-41).
وقال السهارنفوري -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: وهذا الحكم فيما عند الله -سبحانه وتعالى-، وأما الحكم في الدنيا بالحكم بالإعادة، فهو مبسوط في كتب الفقه، وليس هذا موضع تفصيله. بذل المجهود (8/ 451).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
والمقصود (يعني: من الحديث) دفع العنت عن المسلمين، وأن المسلمين لو اجتهدو فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعًا وعشرين فلا شيء عليهم من وزر أو عيب، وكذلك في الحج إذا أخطؤوا يوم عرفة فليس عليهم إعادة، وحجهم ماضٍ مقبول -إن شاء الله تعالى-. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (2/ 213).
قوله: «وكل عرفة موقف»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«كل عرفة» اسم للبقعة المعروفة. التنوير شرح الجامع الصغير (8/189).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«كل عرفة» أي: أجزائها ومواضعها ووجوه جبالها «موقف» أي: موضع وقوف للحج. عون المعبود (5/288).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«موقف» يجزئ من وقف فيه (يعني: عرفة). التنوير شرح الجامع الصغير (8/189).
وقال فخر الحسن الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «وكل عرفة موقف» يعني: أن عرفة كلها موقف يجوز الوقوف فيها، فلا تتكلفوا الوقوف في موضع وقوفي، بل يجوز الوقوف في جزء من أجزاء عرفات، والعرفة اسم للمكان المخصوص، وقد يجيء بمعنى الزمان، وأما عرفات بلفظ الجمع، فيجيء بمعنى المكان فقط، ولعل جمعه باعتبار نواحيه وأطرافه. شرح سنن ابن ماجه (ص:219).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «وكل عرفة موقف» أي: كل موضع بها يكفي الوقوف به للحاج ولو لحظة؛ من زوال شمس يوم تاسع ذي الحجة إلى فجر يوم النحر، ولا يختص ذلك بالمكان الذي وقف فيه النبي -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- وهو قرب الصخرات الكبار عند جبل الرحمة، ويستثنى من ذلك بطن عُرَنَة -بضم ففتح، وادٍ غرب عرفة-؛ لحديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- قال: «عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عُرَنة، والمزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن مُحَسِّر» رواه مالك والطبراني والحاكم. المنهل العذب المورود (10/ 41).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما عرفات فحدها: ما جاوز وادي عُرَنَة إلى الجبال القابلة مما يلي بساتين ابن عامر، هكذا نص عليه الشافعي، وجميع أصحابه، ونقل الأزرقي عن ابن عباس أنه قال: حد عرفات من الجبل المشرف على بطن عُرَنَة إلى جبال عرفات إلى وَصِيق -بفتح الواو وكسر الصاد المهملة وآخره قاف- إلى ملتقى وصِيق وادي عرنة، وقيل: في حدها غير هذا مما هو مقارب له. شرح مسلم (8/ 196).
قوله: «وكل مِنى منحر»:
قال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «وكل مِنى منحر» أي: مكان صالح لنحر الهدايا والضحايا المطلوبة من الحاج. المنهل العذب المورود (10/41-42).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«وكل منى منحر» أي: موضع نحر وذبح للهدايا المتعلقة بالحج. عون المعبود (5/288).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «كلها منحر» دفع لما يُتَوَهَّمُ من حصول النحر بمنحره (يعني: رسول الله) والوقوف بموقفه -صلى الله عليه وسلم-. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (2/246).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
كل بقعة منها (مِنى) يصح النّحر فيها، وهو متفق عليه، لكن الأفضل النَّحر في المكان الذي نحر فيه صلى الله عليه وسلم كذا قال الشافعي ومنحر النبي -صلى الله عليه وسلم- هو عند الجَمرة الأولى التي تلي مسجد مِنًى، كذا قال ابن التِّين. نيل الأوطار(5/٧٢)
وقال الباجي -رحمه الله-:
«وكل مِنى منحر» يريد أنه وإن كان هذا مخصوصًا بالفضيلة لاختصاصه بنحره -صلى الله عليه وسلم-، أو لغير ذلك من المعاني التي الله أعلم بها، فإن جميع منى منحر أيضًا ليجزئ النحر به، وقوله -صلى الله عليه وسلم- هذا يقتضي اختصاص النّحر بموضع مخصوص بمنىً؛ مختص بالنحر على ثلاث صفات إن عدمت منها صفة لم يَجُزِ النحر بمنىً:
إحداها: أن يوقف بالهدي بعرفة.
والثانية: أن يكون النحر في أيام التشريق.
والثالثة: أن يكون النحر في حج.
فمتى اجتمعت هذه الصفات لم يَجُزِ النحر بغيرها، رواه ابن المواز عن مالك.
وقال القاضي أبو إسحاق (وهو محمد بن القاسم بن شعبان): لو نحر الهدي في أيام منى بمكة أجزأه، ولم يشترط وقوفه بعرفة. المنتقى شرح الموطأ (3/ 24).
قوله: «وكل فِجاج مكة مِنحر»:
قال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
الفجاج: هي المنافذ التي بين الجبال، وكلها طريق، والإنسان له أن يدخل إلى مكة من أي جهة، ولكن المعروف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه حيث قدِم من المدينة أتى من الثنية العُليا وخرج من الثنية السُّفلى. شرح سنن أبي داود (226/ 19).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
هكذا هُنا، وذَكر في الحج من رواية جابر: «وكل فِجاج مكة طريق»، وهو الموافق للفجاج، والمراد أنّ أراضي حَرم مكة كُلها مِنحر حيث نحر منها أجزأهُ في الحج والعُمرة، ولكن السُّنة في الحج أنْ ينحر بمنى؛ لأنها موضع تَحَلُّلِهِ، وفي العُمرة بمكة، وأفضلها عند المروة؛ لأنه موضع تحلله.شرح سنن أبي داود(10/٢٧٦).
قوله: «وكُل جمع موقف»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وكُلّ جمع» بفتح الجيم، وإسكان الميم، أي: المزدلفة، كما في حديث جابر (يعني: «وكل المزدلفة موقف»)، «موقف» للمبيت بالمزدلفة، وإن كان موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل. شرح سنن أبي داود (10/ 276).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «وكل جمْع موقف» فالرسول -صلى الله عليه وسلم- وقف في مزدلفة في مكان معين، وليس الأمر مقتصرًا على مكان وقوفه -صلى الله عليه وسلم-، بل كل جمعٍ موقف، وأي: مكان من جَمْعٍ -وهو مزدلفة- بات فيه الإنسان ووقف فيه فإن ذلك صحيح ولا ضَيْرَ عليه في ذلك ولا نقص. شرح سنن أبي داود (266/ 14).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وكل المزدلفة موقف...» الحديث سيق لتبشير العالم بأنه لا يختص الأجر بالمحلات التي كان -صلى الله عليه وسلم- فيها؛ ولئلا يُتَوَهَّمُ إنما كان يقف وينحر من المناسك التي أمرهم بأخذها عنه في قوله: «خذوا عني مناسككم». التنوير شرح الجامع الصغير (8/189).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
فيه: دليل على أنها (أي: مزدلفة) كُلها موقف، كما أن عرفات كُلها موقف. نيل الأوطار (5/ 72).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه: دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس، وأن المنفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره، ويلزمه حكمهم في الصلاة، والإفطار والأضحية. سبل السلام (1/425).
وقال النووي -رحمه الله-:
في هذه الألفاظ: بيان رفق النبي -صلى الله عليه وسلم- بأُمته وشفقته عليهم في تنبيههم على مصالح دينهم ودُنياهم، فإنه -صلى الله عليه وسلم- ذكر لهم الأَكمل والجائز، فالأكمل موضع نحره ووقوفه، والجائز كل جزء من أجزاء المنحر، وجزء من أجزاء عرفات، وخيرهن أجزاء المزدلفة. شرح صحيح مسلم(8/195).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)