«شهِدْتُ مع رسولِ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- العيد، فلمَّا قضَى الصلاةَ، قال: إنَّا نَخْطُبُ، فمَنْ أحبَّ أنْ يجلِسَ للخطبةِ فلْيَجْلِسْ، ومَنْ أحبَّ أن يذهبَ فلْيَذْهَبْ».
رواه أبو داود برقم: (1155) واللفظ له، والنسائي برقم: (1571)، وابن ماجه برقم: (1290)، من حديث عبد الله بن السائب -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (2289)، صحيح سنن أبي داود برقم: (1048).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «شهدتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العيد، فلما قضى الصلاة»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
«فلما قضى» أي: أتم «الصلاة». بذل المجهود (5/ 246).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فلما قضى الصلاة» خيَّرهم بين الجلوس لانتظار الخطبة، وبين الذهاب. شرح سنن أبي داود (5/ 711).
قوله: «قال: إنا نخطب، فمَن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قال» قبل أن يخطب. شرح سنن أبي داود (5/ 711).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«قال: إنا نخطب» أي: نريد الخطبة. بذل المجهود (5/ 246).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فمن أحب أن يجلس للخطبة» أي: لاستماعها. شرح سنن أبي داود (5/ 711).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فمن أحب...» إلخ، يدل على عدم وجوب حضور خطبة العيد، وسماعها. فتح الودود (1/ 660).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
أمر الخطبة في صلاة العيد أقل (أي: أقل شأنًا من خطبة الجمعة) وليست بشرط اتفاقًا، فموقعها بعد الصلاة؛ لئلا يُحبس من لا يريد سماع الخطبة؛ لأنه ما دام جاء التخيير، فلا داعي إلى أن يحبس الناس. شرح المحرر في الحديث (48/ 18).
قوله: «ومن أحب أن يذهب فليذهب»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ومن أحب أن يذهب» ويرجع إلى منزله «فليذهب» إلى أهله، فلا حرج ولا بأس في ترك استماع الخطبة بعدما أدى صلاة العيد. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (8/ 98).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ومَن أحب أن يذهب فليذهب»، ولفظ النسائي: «ومن أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يقيم للخطبة فليقم».
فيه: دليل على أن استماع خطبة العيد وحضورها ليس بواجب. شرح سنن أبي داود (5/ 711).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وكان عطاء يقول به، ويقول: إنْ شاء فليذهب، قال أحمد: لا نقول بقول عطاء، أرأيتَ لو ذهب الناس كلهم على مَن كان يخطب؟ ولم يرخص بالانصراف قبل فراغ الخطبة، ولعله أراد انصراف الناس كلهم، فيصير الإمام وحده، فتتعطل الخطبة -والله اعلم-. فتح الباري (9/ 49).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
الخطبة للعيد سنة بأركان الجمعة، وعند بعض الحنفية أن شروط العيد كالجمعة من المصر والقوم والسلطان والوقت، وعن عبد الله بن السائب: لما صلى -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إنَّا نخطب، فمن أحب أن يذهب فليذهب» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وهو دال على سنية الخطبة؛ إذ لو كانت واجبة لوجب الجلوس لاستماعها.
وإنكار أبي سعيد (الخدري على مروان تقديم خطبة العيد على الصلاة) كان على معنى الكراهة؛ ولذلك شهد مع مروان العيد، ولو كان ذلك مؤثرًا لما شهد الصلاة معه. التوضيح (8/ 86).
وقال النووي -رحمه الله-:
اتفق أصحابنا على أنَّه لو قدمها على الصلاة صحت، ولكنه يكون تاركًا للسنة مفوتًا للفضيلة بخلاف خطبة الجمعة، فإنه يشترط لصحة صلاة الجمعة تقدم خطبتها عليها؛ لأن خطبة الجمعة واجبة، وخطبة العيد مندوبة. شرح صحيح مسلم (6/ 178).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
الخطبتان (للعيد) سُنة، لا تبطل الصلاة بترك شيء من ذلك، ولو عمدًا بلا خلاف، وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم- بعدما قضى صلاة العيد: «إنَّا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة، فليجلس، ومن أحب أن يذهب، فليذهب» رواه أبو داود، وقال: مرسل، ورواه النسائي وابن ماجه -واللَّه أعلم-. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (3/ 186).
وقال العيني -رحمه الله-:
«فمن أحبّ أن يذهب فليذهب» ...، وهذا دليل على أن الخُطبة فيها سُنة، ولو كانت واجبة لوجب الجلوس لها، واستماعها. البناية شرح الهداية (3/ 118).
وقال العيني -رحمه الله- أيضًا:
من ذلك قالت العلماء: إنَّ الخطبة في صلاة العيد ليست بشرط، حتى لو تركها لا يضر بخلاف الجمعة. شرح أبي داود (4/ 504).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
ولا يقال: إن تخيير السامع للخطبة لا يدل على عدم وجوبها، بل غايته أن يدل على عدم وجوب سماعها؛ لأنه إذا لم يجب سماعها لا يجب فعلها؛ لأن الخطبة خطاب، فإذا لم يكن السماع واجبًا، لا يجب الخطاب. المنهل العذب المورود (6/ 336).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وفيه: أن الجلوس لسماع خطبة العيد غير واجب.
قال المصنف -رحمه الله تعالى- (يعني: ابن تيمية الجد): وفيه: بيان أن الخطبة سنة؛ إذ لو وجبت وجب الجلوس لها. انتهى.
وفيه: أن تخيير السامع لا يدل على عدم وجوب الخطبة، بل على عدم وجوب سماعها، إلا أن يقال: إنه يدل من باب الإشارة؛ لأنه إذا لم يجب سماعها لا يجب فعلها؛ وذلك لأن الخطبة خطاب، ولا خطاب إلا لمخاطب، فإذا لم يجب السماع على المخاطب لم يجب الخطاب، وقد اتفق الموجبون لصلاة العيد وغيرهم على عدم وجوب خطبته، ولا أعرف قائلًا بوجوبها. نيل الأوطار (3/ 363).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
وفي هذا: دلالة على عدم وجوب الخطبة للعيد؛ إذ لو وجبت لوجب الانتظار لسماعها، وعلى أنها غير واجبة جرت الأئمة. المنهل العذب المورود (6/ 336).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
بعض أهل العلم: استدل بهذا على أن الخطبة في العيدين ليست بواجبة، وإنما هي مستحبة، وبعضهم قال: إن الترخيص لمن أراد أن يذهب لا يعني أنها لا تكون واجبة، لكن كون الرسول -صلى الله عليه وسلم- رخص فيها، وأن الإنسان له أن يجلس وله أن ينصرف يفيد أن الأمر واسع، وأن من أراد أن يجلس من المأمومين فله أن يجلس، ومن أراد أن ينصرف فله أن ينصرف.
ويدل على أن الخطبة غير متأكدة أن المأمومين يخيرون بين أن يجلسوا وبين أن ينصرفوا، وهذا يدل على عدم لزومها، وليست كالجمعة؛ لأن الجمعة من شرطها وجود الخطبتين، لكن كون العيد يشبه الجمعة من جهة أن من حضر العيد له أن يتخلف عن الجمعة إذا وافق يوم عيد يفيد أهمية الخطبة، وأن وجودها أمر مطلوب، والقول بالوجوب له وجه من جهة أن حضور العيد يغني عن الجمعة. شرح سنن أبي داود للعباد (143/ 24).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
وفي العيد ينبغي ألا يقوموا (أي: ألا ينصرف الناس من الخطبة)، وحديث: «فمن أحب أن يستمع» فيه وهمٌ، ليس بثابت، جاء في أخبار مرسلة.
قلتُ (عبد الله بن مانع الروقي جامع التعليقات): وهو الصحيح، ومراد شيخنا حديث عبد الله بن السائب يرفعه «إنَّا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب» قال أبو داود: هذا مرسل عن عطاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قلتُ: وهو الصواب بلا شك. الحلل الإبريزية(3/ 421).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
عَقَلْنَا بما في هذا الحديث من إطلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن شاء من المصلين معه تلك الصلاة الانصراف قبل حضور خطبته بعدها: أنَّ الخطبة للعيد ليست كالخطبة للجمعة في الجلوس لها، والاستماع إليها، وترك اللغو فيها حتى تنقضي، وأنَّ ذلك مباح في خطبة العيد، ومحظور في خطبة الجمعة؛ وذلك عندنا -والله أعلم- لأن الخطبة للجمعة موعظة، وعلى الناس الاستماع إلى الموعظة، كما قال -عز وجل-: {اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالموْعِظَةِ الحَسَنَةِ} النحل: 125، وإذا كان مأمورًا بالموعظة لهم، كانوا مأمورين بالاستماع إليها، والإنصات لها حتى تقع منهم الموقع الذي أراده الله -عز وجل- بها منهم، وجعلت بذلك -والله أعلم- الصلاة التي بعدها وهي الجمعة مُضمَّنة بها، فلم تجزئ إلا بعد تقدمها إياها، وليست خطبة العيد كذلك؛ لأنها ليست موعظة يوعظون بها، فيجب عليهم الاستماع إليها، والانصات لها، ولكنها تعليم لهم ما يخطب به عليهم فيها، فمن ذلك: ما يعلمونه فيها في يوم الفطر من إخراج صدقة الفطر من الأجناس التي هي منها، ومن المقدار من كل جنس منها، ومن الوقت الذي يخرجونها فيه، ومن يعطونه إياها من الناس، ومن ذلك في يوم النحر: أمره إياهم بالنحر، وما ينحرونه فيه، والأجناس التي ينحرون منها، وما يستعملون فيه مما يضحون به الذبح والأوقات التي يفعلون ذلك فيها... شرح مشكل الآثار (9/ 360-361).