الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«جاءت امرأة من جُهَيْنَة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: إن أُمِّي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حُجِّي عنها، أرأيت لو كان على أُمِّك دينٌّ أكنت قَاضِيَة؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء».


رواه البخاري برقم: (1852)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«ندَرتْ»:
يقال: نذرتُ أَنْذِرُ، وأَنْذُرُ نَذْرًا، إذا أوجبت على نفسك شيئًا تبرُّعًا من عبادة، أو صدقة، أو غير ذلك. النهاية، لابن الأثير (5/ 39).


شرح الحديث


قوله: «فقالت: إن أمي نذرت أن تحج»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«إنَّ أمي» لم تُسَمَّ. إرشاد الساري (3/ 320).
وقال الشيخ عبد الله العتيبي -حفظه الله-:
«نذرت» أي: ألزمَتْ نفسها عبادة الحج التي لم تجب عليها بأصل الشرع ولكنها لم تحج؛ لأنها ماتت. شرح كتاب الحج من بلوغ المرام (ص: 37).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
النّذر لغة: الإلزام، وفي الشرع: إلزام المكلف نفسه طاعة لله -عز وجل-. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 341).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستُدِلَّ به على صحة نذر الحج ممن لم يحج، فإذا حج أجزأه عن حجة الإسلام عند الجمهور، وعليه الحج عن النذر، وقيل: يجزئ عن النذر ثم يحج حجة الإسلام، وقيل: يجزئ عنهما. فتح الباري (4/ 65).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وقولها: «فلم تحج حتى ماتت» يحتمل أن المعنى: فماتت قبل أن يدركها الحج.
ويحتمل: أنها لم تحج، يعني: أدركها الحج ولكنها لم تحج حتى ماتت. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 341).

قولها: «أفأحج عنها؟»:
قال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«أفأحج عنها؟» الهمزة للاستفهام على سبيل الاستخبار، والفاء عاطفة على محذوف، تقديره: أتصح نيابة مولود عن والده، فأحج عنها؟ المنهل الحديث (2/ 210).

قوله: «قال: نعم، حجي عنها»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «حجي عنها» هذا أمر، لكنه أمر بعد السؤال عن الإباحة، والأمر بعد السؤال عن الإباحة للجواز، أما إذا جاء بعد الاستئذان فهو يكون للجواز، لو استأذن عليك رجل في البيت فقلت: ادخل؛ فليس هذا أمرًا بل هو إذن وإباحة، ولو سألك سائل يقول: هل أفعل كذا؟ وهو جائز، فقلت أنت: افعل، فهو للإباحة. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 341).

قوله: «أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضية؟»:
قال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«أرأيتِ» بتاء المخاطبة، ومعناه: أخبريني، بمجاز مرسل في همزة الاستفهام بإرادة مطلق الطلب من طلب الفهم، ومجاز في الرؤية بإرادة ما ترتب عليها، وهو الإخبار، فآل الأمر إلى طلب الإخبار المدلول عليه بلفظ: «أخبريني». المنهل الحديث (2/ 210).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «أرأيت» يقول العلماء: إن «أرأيت؟» بمعنى: أخبرني، الواقع أنه ليس معناها بالتحديد؛ لأن الرؤية لا تأتي بمعنى الإخبار؛ لأنه إذا جاء الاستفهام بعد أرأيت؟ فهو طلب الإخبار، يعني: هل رأيت هذا؟ إن كنت قد رأيت فأخبرني عنه، فيفسرونها -رحمهم الله- بما يلزم، أو بما يطلب من هذه الرؤية. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 342).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «لو كان على أمك دين» لمخلوق «كنت قاضية؟». إرشاد الساري (3/ 320).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«أكنت قاضية؟» على وزن فاعلة، محذوف المفعول، أي: قاضية ذلك الدين عنها، وفي رواية: «كنت قاضيته؟» بالضمير في آخره. المنهل الحديث (2/ 210).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«أكنت قاضيته؟» فستقول: نعم، فهذا استفهام للتقرير، يعني: يقرر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه المرأة بأمر تُقِرُّ به، ولا تُنكره، وهو أنه لو كان على أمها دين لقضته. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 342).

قوله: «اقضوا الله؛ فالله أحق بالوفاء»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «اقضوا الله» هذا أمر. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 342).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«اقضوا الله» أي: اقضوا حق الله، فالله أحق بوفاء حقه من غيره. الكواكب الدراري (9/ 53).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فاقضوا» أي: فاقضوا أيها المسلمون الحق الذي لله تعالى، ودخلت المرأة التي سألته الحج عن أمها في هذا الخطاب دخولًا بالقصد الأول، وقد عُلِمَ في الأصول أن النساء يدخلن في خطاب الرجال؛ لا سيما عند القرينة الْمُدْخِلَة. عمدة القاري (25/ 50).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«فالله أحق بالوفاء» يعني: إذا كان الأدمي يوفَّى حقه فالله أحق بالوفاء. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 342).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
واختلفوا في الصيام لاختلاف الآثار في ذلك -والله أعلم-، ففي هذا الحديث مع إيجاب الحج على من قدر عليه بماله وضعف عن إقامته ببدنه: جواز حج الرجل عن غيره، وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال الحسن بن صالح بن حي: لا يحج أحد عن أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الإسلام، وهو قول مالك والليث، وقال أبو حنيفة: الصحيح: أن يأمر من يحج عنه يكون ذلك في ثلثه، وإن تطوع رجل بالحج عنه بعد الموت أجزأه، ولا يجوز عنده أن يؤاجر أحد نفسه في الحج، وقول الثوري نحو قول أبي حنيفة، قال سفيان الثوري: إذا مات الرجل ولم يحج فليوص أن يُحَجَّ عنه، فإن هو لم يوص فحج عنه ولده فحسن، فإنما هو دين يقضيه، قال: وقد كان يستحب لذي القرابة أن يحج عن قرابته، فإن كان لا قرابة له فمواليه إن كان له موالي فإن ذلك يُستحب، فإن أحجوا عنه رجلًا تطوعًا فلا بأس، قال سفيان: وإذا أوصى الرجل أن يحج عنه فليحج عنه، ولا ينبغي لرجل أن يحج عن غيره إذا لم يحج عن نفسه، وقال ابن أبي ليلى والأوزاعي والشافعي: يحج عن الميت وإن لم يوص به ويجزئه، قال الشافعي: ويكون ذلك من رأس المال، وقال مالك: يجوز أن يحج عن الميت من لم يحج قطُّ، ولكن الاختيار أن يحج عن نفسه أولًا ثم يحج عن غيره، وهو قول أبي حنيفة والأوزاعي والثوري، وقال: لا يحج عن الميت إلا من حج عن نفسه، وكان يكره أن تحج المرأة عن الرجل، ولا يكره للرجل أن يحج عن المرأة؛ لأن المرأة تلبس والرجل لا يلبس، وقال الشافعي: لا يحج عن الميت إلا من حج عن نفسه، فإن حج عن الميت صرورة (أي: الذي لم يحج عن نفسه) كانت نيته للنفل لغوًا. الاستذكار (4/ 167-168).
وقال النووي -رحمه الله-:
مذهبنا المشهور: أنه إن مات وعليه حج الإسلام أو قضاء أو نذر وجب قضاؤها من تركته أوصى بها أم لم يوص، قال ابن المنذر: وبه قال عطاء وابن سيرين، وروي عن أبي هريرة، وابن عباس، وهو قول أبي حنيفة، وأبي ثور وابن المنذر، وقال النخعي وابن أبي ذئب: لا يحج أحد عن أحد، وقال مالك: إذا لم يوص به يُتَطَوَّعُ عنه بغير الحج، ويُهْدَى عنه، أو يُتَصَدَّقُ، أو يُعْتَقُ عنه. المجموع شرح المهذب (7/ 116).
وقال العيني -رحمه الله- متعقبًا:
قلتُ: مذهب أبي حنيفة ليس كذلك، بل مذهبه: أن من مات وعليه حجة الإسلام لم يلزم الورثة؛ سواء أوصى بأن يحج عنه أو لا، خلافًا للشافعي، فإن أوصى بأن يحج عنه مطلقًا يحج عنه من ثلث ماله، فإن بلغ (ثُلث ماله أن يحج له) من بلده يجب ذلك، وإن لم يبلغ أن يحج من بلده فالقياس أن تبطل الوصية.
وفي الاستحسان: يحج عنه من حيث بلغ، وإن لم يمكن أن يحج عنه بثلث ماله من مكان بطلت الوصية، ويورث عنه. عمدة القاري (10/ 213-214).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
المذهب الأول (يعني: من يقول بالوجوب) هو الأرحج لقوَّة دليله، كحديث الباب، وغيره. ذخيرة العقبى (23/ 329).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فيه: دليل على أن الحجة الواجبة من رأس المال كالدين الواجب، وإنما تقضى وإن لم يوص بها، وذهب بعضهم إلى أنها لا تقضى إلا أن يوصى بها، فإذا أوصى بها كان مقدمًا على الديون.
وقال آخرون: هي أسوة سائر الديون، والقول الأول أولى، وإليه ذهب الشافعي. أعلام الحديث (2/ 922).
وقال العيني -رحمه الله-:
واحتج المزني بهذين الحديثين (حديث ابن عباس هذا وحديث: «إنَّ امرأتي ولدت غلامًا أسود») على من أنكر القياس، قال: وأول من أنكر القياس إبراهيم النظام، وتبعه بعض المعتزلة وداود بن علي، وما اتفق عليه الجماعة هو الحجة، فقد قاس الصحابة ومن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار، وقيل: دعوى الأولية في إنكار القياس بإبراهيم مردود؛ لأنه ثبت عن ابن مسعود من الصحابة وعن عامر الشعبي التابعي من فقهاء الكوفة، وعن محمد بن سيرين من فقهاء البصرة، -والله أعلم-. عمدة القاري (25/ 50-51).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
فيه: مشروعية القياس، وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع، وأقرب إلى سرعة فهمه.
وفيه: تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه.
وفيه: أنه يستحب للمفتي التنبيه على وجه الدليل إذا ترتبت على ذلك مصلحة، وهو أطيب لنفس المستفتي، وأدعى لإذعانه.
وفيه: أن وفاء الدين المالي عن الميت كان معلومًا عندهم مقررًا؛ ولهذا حسن الإلحاق به.
وفيه: إجزاء الحج عن الميت، وفيه اختلاف: فروى سعيد بن منصور وغيره عن ابن عمر بإسناد صحيح: لا يحج أحد عن أحد، ونحوه عن مالك والليث، وعن مالك أيضًا: إن أوصى بذلك فليحج عنه وإلا فلا....
وفيه: أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله؛ كما أن عليه قضاء ديونه، فقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال، فكذلك ما شُبِّه به في القضاء، ويلتحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من كفارة أو نذر أو زكاة، أو غير ذلك. فتح الباري (4/ 66).
وقال العيني -رحمه الله-:
وفيه: ما احتج به الشافعية على أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله، كما أن عليه قضاء ديونه، وقالوا: ألا ترى أنه -صلى الله عليه وسلم- شبه الحج بالدين وهو مقضي وإن لم يوص؟ ولم يشترط في إجازته ذلك شيئًا، وكذلك تشبيهه له بالدين يدل على أن ذلك عليه من جميع ماله دون ثلث ماله، كسائر الديون.
قلنا: لا نسلم ذلك؛ لأن الميت ليس له حق إلا في ثلث ماله، ودين العباد أقوى لأجل أن له مطالبًا بخلاف دين الله تعالى، فلا يعتبر إلا من الثلث؛ لعدم المنازع فيه. عمدة القاري (10/214).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
في الحديث: دليل على أن السائل ورث منها مالًا، فسأل ما سأل، فقاس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حق الله تعالى على حق العباد، وأوجب الحج عليه، والجامع علة المالية. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1940).
وقال ابن حجر -رحمه الله- متعقبًا للطيبي:
قلتُ: ولم يتحتم في الجواب المذكور أن يكون خلَّف مالًا كما زعم؛ لأن قوله: «أكنت قاضيته؟» أعم من أن يكون المراد مما خلفه أو تبرُّعًا. فتح الباري (4/ 66).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
وهو تعقب جيد -والله تعالى أعلم بالصواب-. ذخيرة العقبى (23/ 328).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
في قوله: «فالله أحق بالوفاء» دليل على أنه مُقدم على دين الآدمي، وهو أحد أقوال الشافعي، وقيل: بالعكس، وقيل: هما سواء. فتح الباري (4/ 66).
وقال الصنعاني -رحمه الله- معلقًا على أيهما يقدم حق الله أم حق الآدمي:
قلتُ: قوله: «أحق» صريح في الأول، ولا يقاومه غيره. التحبير (3/ 477).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإنْ قلتَ: إذا اجتمع حق الله، وحق الناس يقدم حق الناس، فما معنى «هو أحق؟».
قلتُ: معناه: إذا كنتَ تراعي حق الناس، فأن تراعي حق الله كان أولى، ولا دخل فيه للتقديم والتأخير؛ إذ ليس معناه: الحق بالتقديم. الكواكب الدراري (23/ 134).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: قد قال الفقهاء: حق الله مبني على المساهلة بخلاف حقوق العباد؟
قلتُ: ذاك معنى آخر أشير إلى غناه، وهذا الذي في الحديث إلى كونه مالكًا حقيقيًّا. الكوثر الجاري (11/ 164).
وقال العيني -رحمه الله-:
قيل: قال الفقهاء: حق الآدمي مُقدم على حق الله تعالى.
وأجيب: بأن التقديم بسبب احتياجه لا ينافي الأحقية بالوفاء واللزوم. عمدة القاري (25/ 50).
وقال العيني -رحمه الله-:
فيه: جواز حج المرأة عن أمها لأجل الحجة التي عليها بطريق النذر، وكذا يجوز حج الرجل عن المرأة والعكس أيضًا، ولا خلاف فيه إلا للحسن بن صالح، فإنه قال: لا يجوز، وعبارة ابن التين الكراهة فقط، وهو غفلة، وخروج عن ظاهر السنة، كما قال ابن المنذر؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أمرها أن تحج عن أمها، وهو عمدة من أجاز الحج عن غيره، وقالت طائفة: لا يحج أحد عن أحد. عمدة القاري (10/ 213).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
من فوائد الحديث: قوله: «امرأة من جهينة» هذه مجهولة، ولكن جهالتها لا تضر...
ومن فوائد الحديث: أن صوت المرأة ليس بعورة، لأنها جاءت تسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة يسمعون.
ومن فوائد الحديث: حرص الصحابة على السؤال؛ لأن هذه المرأة جاءت تستفتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز أن يعاد السؤال مع الحرف المفيد للجواب؛ لقوله: «نعم، حجي عنها».
ومنها: حسن تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك لضرب المثل بحيث يبين المعقول بالمحسوس. فتح ذي الجلال والإكرام باختصار (3/ 342-344).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده:
منها: تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه.
ومنها: أنه يستحب للمفتي التنبيه على وجه الدليل إذا ترتب على ذلك مصلحة، وهو أطيب لنفس المستفتي، وأدعى لإذعانه.
ومنها: أن الحديث دليل لقول الجمهور بأن من ترك الصلاة عامدًا يجب عليه قضاؤها، ووجه ذلك: أن ذلك التارك عليه دين لله تعالى يطالبه به، ويعاقبه عليه، فإذا كان دينًا وجب الوفاء به، كسائر الديون التي تلزمه للآدمين، كما إذا أتلف مالًا، أو غصب، أو أودعه شخص، فأفرط فيه، ونحو ذلك، بل هذا ألزم بالوفاء؛ لصريح قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فالله أحق بالوفاء»، وفي رواية أخرى: «فدين الله أحق بالوفاء».
والحاصل: أن وجوب قضاء الصلاة على من تركها عامدًا هو الأرجح. ذخيرة العقبى باختصار (23/ 328-329).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
الحديث دليل على أن مَن نذر أن يحج ثم مات قبل أن يفي بنذره فإنه يشرع لوليه أن يقضيه عنه، فإن كان خلَّف مالًا وجب قضاؤه من ماله ولو لم يوصِ به؛ لأنه دين على غني قادر فوجب الوفاء به، وإن لم يخلِّف مالًا فالجمهور على أنه يستحب لِوَلِيِّهِ قضاؤه، وقالت الظاهرية بالوجوب؛ أخذًا بظاهر الأمر في قوله: «حجي عنها»، وقول الجمهور أرجح لأمرين:
الأول: أنه يلزم من عدم القضاء الإثم لترك الواجب، وهذا مخالف لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فاطر: 18.
الثاني: أن الأمر إذا كان جوابًا لسؤال لا يحمل على الوجوب؛ لأن ظاهر قولها: «أفأحج عنها؟» أي: أفيجزئ أن أحج عنها؟
لكن لو قيل بوجوب ذلك على الولد من باب بر الوالدين لكان وجيهًا، فيكون الإيجاب خاصًّا بالولد دون غيره من الأولياء؛ لأن بر الوالدين واجب مطلقًا؛ سواء كان ذلك في حياتهما أم بعد مماتهما. منحة العلام (ص: 134).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
ويؤخذ من الحديث:
1. الترغيب في الرحلة لطلب العلم.
2. صحة استفتاء المرأة من أهل العلم عند الحاجة.
3. بر الوالدين والاعتناء بأمرهما، والقيام بمصالحهما من قضاء دين وخدمة ونفقة، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا.
8. استُدِلَّ به على أن العمرة ليست بواجبة؛ لأن المرأة لم تذكرها، ولا حُجة فيه على ذلك؛ لأن مجرد ترك السؤال لا يدل على عدم الوجوب، ولأن الكلام عن النذر، ولاحتمال أن تكون أمها قد اعتمرت على أن السؤال عن الحج والعمرة وقع في حديث آخر. المنهل الحديث باختصار (2/ 211-213).


ابلاغ عن خطا