«ليس على المُسلم في عبدهِ ولا فرسِه صدقة».
رواه البخاري برقم: (1463)، ومسلم برقم: (982) واللفظ له، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وزاد مسلم: «إلَّا صدقةَ الفِطرِ».
ولفظ البخاري: «ليسَ على المسلمِ صدقةٌ في عبدِهِ ولا فرسِهِ».
ورواه أبو داود برقم: (1594) بلفظ: «ليس في الخيل والرَّقيق زكاةٌ، إلَّا زكاةُ الفطرِ في الرَّقيقِ».
صحيح الجامع برقم: (5412)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2189).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«عبدهِ»:
(العبد) المملوك، وهو ضد الحُر، ويُجمع على: عَبِيْد وأَعْبُد وعِبَاد، وأصله: من الذُّل والخضوع. الشافي في شرح مسند الشافعي، لابن الأثير (3/ 96).
شرح الحديث
قوله: «ليس على المسلم في عبدهِ ولا فرسهِ صدقة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
وخُصَّ المسلمُ، وإن كان الأَصحُّ تكليف الكافر بالفروع؛ لأنه ما دام كافرًا لا يُخاطبُ بالإخراجِ في الدُّنيا. فيض القدير(5/٣٦٩).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«في عبدِهِ» أي: رقيقه، ذكرًا كان أو أنثى. البحر المحيط الثجاج (19/ 63).
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«صدقة» أي: زكاة. الكوكب الوهاج(11/ 308).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «صدقة» أي: زكاة، والدليل أنها زكاة أنه قال: «ليس على المسلم» و«على» تفيد الوجوب، فنفى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الوجوب، ولا واجبة إلا الزكاة. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 38).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
والصدقة ها هنا الزكاة، والمراد: العبد والفرس اللذان للخدمة، دون ما يُتخذ من ذلك للتجارة. كشف المشكل (3/ 450).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
أجمع العلماء على ألَّا زكاةَ على أحدٍ في رَقِيقِهِ إلَّا أنْ يكون اشتراه للتجارةِ، فإن اشتراهُ للقُنْيَةِ، فلا زكاة عليه.
وقال علماؤنا في هذا الحديث: إنَّه يقتضي نَفْيَ كلِّ صدقةٍ في هذا الجنس، إلّا ما دلَّ الدّليل عليه، ولا خلاف أنَّه ليس في الرِّقاب من العبيد صَدَقَةٌ...، وهذا نَفْيٌ، والنَّفْيُ على الإطلاق يقتضي الاستغراق. المسالك في شرح موطأ مالك (4/ 112-113).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
واستدل بهذا الحديث من قال من أهل الظاهر: بعدم وجوب الزكاة فيهما (الخيل والرقيق) مطلقًا، ولو كانا للتجارة، وأجيبوا بأنَّ زكاة التجارة ثابتة بالإجماع، كما نقله ابن المنذر وغيره، فيخص به عموم هذا الحديث. مرعاة المفاتيح (6/ 91).
وقال العراقي -رحمه الله-:
لا نعلم أحدًا قال به سواه (داود الظاهري)، ولم يتابعه على ذلك ابن حزم، ولا أحد من أصحابه، ويبطله قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق»، والاستثناء في صحيح مسلم بلفظ: «ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر»، وذلك يقتضي أن زكاة الفطر ليست على العبد نفسه، وإنما هي على سيده. طرح التثريب (4/ 55).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
وقد استدل به (هذا الحديث) الظاهرية على عدم وجوب زكاة التجارة، وقيل: إنَّه قول العدة في قديم للشافعي -رحمه الله- من حيث إنَّ الحديث يقتضي عدم وجوب الزكاة في الخيل والعبيد مطلقًا... العدة في شرح العمدة (2/ 809-810).
قوله: «إلا صدقة الفطر»:
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«إلا صدقة الفطر» برفعها بدلًا مما قبلها على الأفصح، ونصبها على الاستثناء جيد. فتح العلام (ص: 323).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إلا صدقة الفطر» فإنها تجب على مولاه. التنوير (9/ 259).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«إلا صدقة الفطر» فإن على المسلم أن يؤدي زكاة الفطر عن عبدهِ. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 39).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر» دليل على أن على السيد في عبده زكاة الفطر، وهو قول الجمهور في العبيد، كانوا لخدمة أو غِلَّة، أو تجارة، خلافًا لداود وأبي ثور في إيجابها على العبد نفسه، وخلافًا لأهل الكوفة في إسقاطها عن عبيد التجارة فقط. المفهم (3/ 15).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال ابن القصار: لم يختلف علماء الأمصار أنَّ على السيد أنْ يخرج زكاة الفطر عن عبيده المسلمين، وقال أهل الظاهر: إنَّ زكاة الفطر تلزم العبد في نفسه، وعلى السيد تمكينه من اكتساب ذلك وإخراجه عن نفسه...شرح صحيح البخاري(3/ 562).
وقال العيني -رحمه الله-:
وفيه دليل على وجوب الفطرة على المولى لعبده، ولكن إذا كان عبدًا لخدمة، فإذا كان للتجارة لا يجب شيء من الفِطرة، وإنما يجب فيه الزكاة.
وقال الشافعي: يجب عليه لعبده؛ سواء كان للخدمة أو للتجارة، والأصل فيه: أن وجوبها عنده على العبد ابتداءً، ولكن يتحملها المولى عنه، ووجوب الزكاة على المولى، فلا تنافي بين الواجبين، وعندنا وجوبها على المولى بسببه كالزكاة، فيؤدي إلى الثنى، وعند داود، وأبي ثور: تجب على العبد نفسه. شرح أبي داود (6/ 295-296).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «وفي العبد، إلا صدقة الفطر» حُجة أن على السيد في عبده صدقة الفطر، وهو قول جمهور العلماء في عبيد القُنْيَة، كانوا لخدمة أو لغِلَّة أو لتجارة، خلافًا لداود وأبي ثور في إيجابها على العبد نفسه، بظاهر قوله في الحديث الآخر: «على كل عبد أو حر»؛ خلافًا لأهل الكوفة (يعني: الأحناف) في إسقاطها على عبيد التجارة. إكمال المعلم (3/ 469).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله في العبد: «إلا صدقة الفطر» صريح في وجوب صدقة الفطر على السيد عن عبده، سواء كان للقُنْيَة أم للتجارة، وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور، وقال أهل الكوفة (يعني: الأحناف): لا يجب في عبيد التجارة، وحكي عن داود أنه قال: لا تجب على السيد، بل تجب على العبد، ويلزم السيد تمكينه من الكسب ليؤديها، وحكاه القاضي (عياض) عن أبي ثور أيضًا. شرح صحيح مسلم (7/ 55).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قول من قال: إنها تجب على سيده هو الحق؛ للحديث المذكور. البحر المحيط الثجاج (19/ 71).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
واختلفوا في المكاتب، فجمهورهم على أنَّ السيد لا يُؤدي، ومالك وأبو ثور وعطاء يرون ذلك عليه؛ لقوله -عليه السلام-: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم». إكمال المعلم (3/ 470).
وقال النووي -رحمه الله-:
ومذهب الشافعي وجمهور العلماء: أن المكاتب لا فطرة عليه، ولا على سيده، وعن عطاء ومالك وأبي ثور: وجوبها على السيد، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم»، وفيه وجه أيضًا لبعض أصحابنا: أنها تجب على المكاتب؛ لأنه كالحر في كثير من الأحكام. شرح مسلم (7/ 55-56).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
مسألة: لا خلاف في أن السيد تجب عليه الزكاة عن عبده المسلم، وأما الكافر فالجمهور على عدم وجوبها عليه عنه، وكذلك القريب الكافر ممن تلزم نفقته، أو الزوجة الكافرة. رياض الأفهام (3/ 312).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
وأما العبيد فإنْ كانوا لغير التجارة فعلى سيدهم فطرتهم، لا نعلم فيه خلافًا، وإن كانوا للتجارة فعليه أيضًا فطرتهم، وبهذا قال مالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق وابن المنذر.
وقال عطاء والنخعي والثوري وأصحاب الرأي لا تلزمه فطرتهم؛ لأنها زكاة، ولا تجب في مالٍ واحدٍ زكاتان، وقد وجبت فيهم زكاة التجارة، فيمتنع وجوب الزكاة الأخرى كالسائمة إذا كانت للتجارة. المغني (2/ 676).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
وأجمعوا على أن لا صدقة على الذِّمي في عبدهِ المسلم. الإجماع (ص: 57).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
العبد إما مسلم أو كافر، فالكافر لا تجب فطرته، والمسلم إما أن يكون كله رقيقًا أو بعضه، فإن كان كله رقيقًا فإما أن يكون لمالك واحد أو أزيد، فإن كان لمالك واحد فظاهر، وإن كان لأزيد فالمشهور: أن الفطرة على قدر الأجر لا على العدد، وإن كان بعضه رقيقًا فثلاثة أقوال: مشهورها: على السيد بقدر حصته، ولا شيء على العبد، وقيل: عليهما ما بقدر الحرية والرق، وقيل: على السيد الجميع. رياض الأفهام (3/ 312).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
فأجرى العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين سائر العروض كُلها على اختلاف أنواعها مجرى الفرس والعبد إذا اقتنى ذلك لغير التجارة، وهم فهموا المراد، وعلموه، فوجب التسليم لما أجمعوا عليه؛ لأن الله -عز وجل- قد توعد من اتبع غير سبيل المؤمنين أن يوليه ما تولى، ويصليه جهنم وساءت مصيرًا. التمهيد (17/ 135).
وقال النووي -رحمه الله-:
هذا الحديث أصل في أنَّ أموال القنية لا زكاة فيها، وأنه لا زكاة في الخيل والرقيق إذا لم تكن للتجارة، وبهذا قال العلماء كافة من السلف والخلف، إلا أنَّ أبا حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان ونفرًا أوجبوا في الخيل إذا كانت إناثًا أو ذكورًا وإناثًا في كل فرس دينارًا وإن شاء قوَّمها، وأخرج عن كل مائتي درهم خمسة دراهم، وليس لهم حجة في ذلك، وهذا الحديث صريح في الرد عليهم. شرح صحيح مسلم (7/ 55).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة؛ إلا صدقة الفطر في الرقيق»، والفرس والعبد اسم للجنس كله، ولو كان في شيء من ذلك صدقة لما أغفل -عليه السلام- بيان مقدارها ومقدار ما تؤخذ منه -وبالله تعالى التوفيق-. المحلى بالآثار (4/ 35).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
والحديث: يدل على وجوب زكاة الفطر عن العبيد، ولا يعرف فيه خلاف، إلا أن يكونوا للتجارة، وقد اختلف فيه، وهذه الزيادة، أعني قوله: «إلا صدقة الفطر في الرقيق» ليس متفقًا عليها، وإنما هي عند مسلم فيما أعلم. إحكام الأحكام (1/ 379).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
الحديث نصٌّ على أنَّه لا زكاة في العبيد...، وهو إجماع فيما كان للخدمة. سبل السلام (1/ 519).
وقال ابن حبان -رحمه الله-:
في هذا الخبر: دليل على أن العبد لا يملك؛ إذ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أوجب زكاة الفطر التي تجب على العبد على مالكه عنه دونه. صحيح ابن حبان (8/ 66).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
ما يفيده الحديث:
1. لا زكاة في العبد المتخذ للقنية.
2. لا زكاة في الفرس المتخذ للقنية.
3. تجب على السيد زكاة الفطر عن عبده. فقه الإسلام (3/ 104).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومن فوائد هذا الحديث: التيسير على العباد في أنه لا يلزمهم الزكاة فيما يختصُّون به لأنفسهم. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 39).