«الصَّومُ يومَ تَصُومُونَ، والفِطْرُ يومَ تُفْطِرُونَ، والأضحى يومَ تُضَحُّونَ».
رواه الترمذي برقم: (697)، واللفظ له، وابن ماجه برقم: (1660)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3869)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (224).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «الصوم يوم تصومون»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
(وفي رواية)«صومكم» أي: المشروع لكم. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 14).
وقال المناوي -رحمه الله-:
(وفي رواية)«صومكم» أيها الأمة المحمدية. فيض القدير (4/ 212).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يوم تصومون» أي: تجتمعون على صومه، وقد أمرهم -صلى الله عليه وسلم- أن يصوموا لرؤيته، فإن غُمَّ أكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا، فمن تبع الحديث هذا هو المراد بمتابعته في الصوم هنا والفطر، فهو في قوة صومكم الذي شرع لكم يوم تصومونه عن رؤية أو إكمال عِدَّةٍ؛ لأنه الذي به أمرتم، وعبَّر بهذا إعلامًا بأن من شذَّ عن الجماعة شذَّ، واعتبر هذا. التنوير شرح الجامع الصغير(7/ 14).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أخذ منه الحنفية أن المنفرد برؤية الهلال إذا ردّهُ الحاكم لا يلزمه الصوم، فإن أفطر بجماع فلا كفارة عليه، وحمله الباقون على من لم يره؛ جمعًا بين الأخبار، وأشار بإضافته الصوم والأضحى إلى هذه الأمة إلى أنه من خصائصهم على الأُمم السالفة، وقد صرح بذلك جمع كما مر ويجيء. فيض القدير(4/ 212).
وقال الشرنبلالي الحنفي -رحمه الله-:
ومَن رأى هلال رمضان وحدهُ، أو هلال الفطر وحده، ورُدَّ قوله، أي: رده القاضي؛ لزمه الصيام؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} البقرة: 185، وقد رآه ظاهر؛ ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون»، والناس لم يفطروا، فوجب أن لا يفطر؛ لا فرق بين كون السماء بعلة فلم يقبل لنفسه، أو ردت بصحوها لانفراده، وفيه إشارة إلى لزوم صيامه، وإن لم يشهد عند القاضي، ولا فرق بين كونه من عرض الناس أو الإمام، فلا يأمر الناس بالصوم ولا بالفطر إذا رآه وحده. مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 241).
قوله: «والفطر يوم تفطرون»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«الفطر يوم تفطرون» فيه، أي: يوم تصلون فيه عيد الفطر. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (10/ 70).
وقال الرافعي -رحمه الله-:
واحتج الشافعي به (أي: هذا الحديث) على أنه إذا شهد الشهود بعدما استكملنا صوم الثلاثين وأمسينا أن اليوم الثلاثين كان يوم الفطر: إما لرؤيتهم الهلال ليلة الثلاثين، أو لرؤيتهم هلال رمضان قبل رؤيتنا لا تقبل شهادتهم، ويصلى من الغد صلاة العيد؛ لظاهر قوله: «فطركم يوم تفطرون»، والغد هو الذي يفطر فيه الناس، ويقرب من هذا ما حكى أبو عيسى الترمذي عن بعض أهل العلم في تفسير الحديث، وقال معناه: أنَّ الصوم والفطر مع الجماعة، ومعظم الناس، ويروى في الحديث أيضًا: «وعرفة يوم تعرِّفون»، واحتج به على أنَّ الحجيج إذا غلطوا في الوقوف لم يلزمهم القضاء. شرح مسند الشافعي (2/ 12).
قوله: «والأضحى يوم تضحون»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«و» عيد «الأضحى يوم تضحون» فيه، أي: يوم تصلون فيه عيد الأضحى. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (10/ 70).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
فسَّر بعضُ أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا: أنَّ الصوم والفطر مع الجماعة وعِظَم الناس (أي: كثرتهم). سنن الترمذي (3/71).
وقال ابن الأثير -رحمه الله- بعد نقله لكلام الترمذي:
يكون تقدير اللفظ يوم الفطر: هو اليوم الذي يجمعون على الفطر فيه، سواء كان مصادفًا للصحة أو مخالفًا، ويوم الأضحى: هو اليوم الذي يجمعون على التعييد والتضحية فيه، ويكون مرفوعًا؛ لأنه خبر المبتدأ، وليس بظرف، وإن شئت نصبت "مصلى" الظرفية، وتكون في موضع رفع؛ لأنه خبر المبتدأ الذي هو الفطر، تقديره: الفطر في اليوم الذي يفطرون فيه؛ لأن ظروف الزمان تكون إخبارًا عن الأحداث دون الجثث، تقول: القتال اليوم، أي: هو كائن في اليوم، فموضع الجملة رفع؛ لأنها خبر المبتدأ. الشافي في شرح مسند الشافعي (2/ 306).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
معنى الحديث: أنَّ الخطأ موضوع عن الناس، فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أنَّ قومًا اجتهدوا، فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعًا وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماضٍ، فلا شيء عليهم من وزر أو عتب.
وكذلك هذا في الحج إذا أخطؤوا يوم عرفة، فإنه ليس عليهم إعادته، ويجزئهم أضحاهم كذلك، وإنما هذا تخفيف من الله سبحانه، ورفق بعباده، ولو كلفوا إذا أخطؤوا العدد أن يعيدوا أن لا يأمنوا أن يخطؤوا ثانيًا، وأن لا يسلموا من الخطأ ثالثًا ورابعًا، فإن ما كان سبيله الاجتهاد كان الخطأ غير مأمون فيه. معالم السنن (2/96).
وقال السندي -رحمه الله-:
قلتُ: ويلزم على رواية الترمذي: أنَّهم إذا أخطؤوا في رؤية هلال رمضان أن لا يجب عليهم قضاء، وهذا مشكل -والله أعلم-. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 510).
وقال المنذري -رحمه الله-:
وقال غيره (أي: غير الخطابي) فيه (أي: هذا الحديث) الإشارة إلى أنَّ يوم الشك لا يُصام احتياطًا، وإنَّما يُصام يوم يصوم الناس.
وقيل: فيه الرد على من يقول: إنَّ مَن عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل، جاز له أنْ يصوم به ويفطر، دون مَن لم يعلم.
وقيل: إنَّ الشاهد الواحد إذا رأى الهلال، ولم يحكم القاضي بشهادته به، لا يكون هذا صومًا له، كما لم يكن للناس. مختصر سنن أبي داود، مخطوط، لوح (119).
وقال الشوكاني -رحمه الله- متعقبًا:
وقد ذهب إلى الأخير (يعني: من كلام المنذري) محمد بن الحسن الشيباني، قال: إنه يتعين على المنفرد برؤية هلال الشهر حكم الناس في الصوم والحج، وإن خالف ما تيقنه، وروي مثل ذلك عن عطاء والحسن، والخلاف في ذلك للجمهور، فقالوا: يتعين عليه حكم نفسه فيما تيقنه، وفسروا الحديث بمثل ما ذكر الخطابي.
وقيل في معنى الحديث: إنه إخبار بأن الناس يتحزبون أحزابًا، ويخالفون الهدي النبوي، فطائفة تعمل بالحساب، وعليه أمة من الناس، وطائفة يقدمون الصوم والوقوف بعرفة، وجعلوا ذلك شعارًا، وهم الباطنية (وهي فرقة من فرق الشيعة الغلاة)، وبقي الهدي النبوي الفرقة التي لا تزال ظاهرة على الحق، فهي المرادة بلفظ الناس في الحديث، وهي السواد الأعظم، ولو كانت قليلة العدد. نيل الأوطار (3/ 370).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«فصومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون» يقتضي الرد على من يقول: إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز له أن يصوم به، ويفطر دون من لم يعلم، نسب إلى الشافعي، وهو بريء منه، وهذا الحديث يقتضي رده. عارضة الأحوذي (3/ 223).
وقال السندي -رحمه الله-:
والظاهر: أن معناه (يعني: الحديث): أنَّ هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل، وليس لهم التفرد فيها، بل الأمر فيها إلى الإمام والجماعة، ويجب على الآحاد اتباعهم للإمام والجماعة، وعلى هذا: فإذا رأى أحد الهلال ورد الإمام شهادته، ينبغي أن لا يثبت في حقه شيء من هذه الأمور، ويجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 509).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
مؤدَّاه(يعني: حديث الباب) قريب مما مر في بيان قوله: «صوموا لرؤيتكم، وأفطروا لرؤيتكم» من أنّ الفطر والأضحى على حسب ما تحققتم وصرتم منه على يقين، سواء كان برؤية الهلال، أو بإخبار العدول الأخيار، وليس لكم عند الله مؤاخذة إذا استيقن أن إفطاركم أو أضحيتكم وقعت على ما ليس بصواب، وهذا إذا أَنْفَذ بكم وسعكم في تحقيقه وتفتيشه، فعملتم على مقتضى ما تبين لكم، ثم ظهر أن الحق خلافه، فليس عليكم جناح، ولا مأثم، ولا كفارة فيه، ولا مَغْرَم.
أو يكون ذلك أمرًا لموافقة الجماعة في الصوم والإفطار، وعدم المخالفة معهم، وعلى هذا: فيستثنى منه ما إذا رأى أحد هلال رمضان ولم يأخذ الإمام بقوله فإنه يصوم، ولا يوافق الجماعة، وكلام المؤلف (الترمذي) في بيان معنى الحديث آئِل (يعني: راجع) إلى ذلك، وتقريرنا لا يخالفه.
وأما إذا اقتصر عليه فقط ففيه تلويح ما إلى الذي ذهب إليه من أن لكل أهل بلد رؤيتهم، وهذا ما قصده المؤلف (الترمذي)، وأنت تعلم أن المتبادر من قول المؤلف (الترمذي) هذا، ومن الرواية هو الذي اخترناه من أن الفطر والصوم لكل المسلمين واحد، وعُلم بهذا الحديث أن الرجل إذا رأى الهلال وحده ولم يعتدَّ الإمام بقوله، ولم يأخذ به ليس له أن يفطر أو يضحي وحده؛ لأن الفطر يوم تفطرون... إلخ، وكذلك إذا أخبر برؤية هلال رمضان، ثم صام، ولم يصم سائر أهل البلد هذا اليوم لعدم اعتدادهم بخبره، ليس عليه بنقص هذا الصوم كفارة. الكوكب الدري على جامع الترمذي (2/40-41).
وقال السهارنفوري -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: وهذا الحكم فيما عند الله -سبحانه وتعالى-، وأما الحكم في الدنيا بالحكم بالإعادة، فهو مبسوط في كتب الفقه، وليس هذا موضع تفصيله. بذل المجهود (8/ 451).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
والمقصود (يعني: من الحديث) دفع العنت عن المسلمين، وأن المسلمين لو اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعًا وعشرين، فلا شيء عليهم من وزر أو عيب، وكذلك في الحج إذا أخطؤوا يوم عرفة، فليس عليهم إعادة، وحجهم ماضٍ مقبول -إن شاء الله تعالى-. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (2/ 213).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وفيه: دليل على أن المنفرد بالرؤية لا يلزمه حكمها لا في الصوم ولا في الفِطر، ولا في التعريف (الوقوف بعرفة). حاشيته على سنن أبي داود (6/ 317).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
(و) فيه (حديث عائشة وهو نحو هذا الحديث): دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس، وأن المنفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره، ويلزمه حُكمهم في الصلاة، والإفطار، والأضحية. سبل السلام (1/425).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)