«عليكمْ بألبانِ البقرِ وسُمْنَانِهَا، وإيَّاكُمْ ولحومَها، فإنَّ ألبانَها وسُمْنانَهَا دواءٌ وشفاءٌ، ولحومَها داءٌ».
رواه الحاكم برقم: (8232) واللفظ له، وأبو نعيم في الطب برقم: (858) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4060)، والسلسلة الصحيحة برقم: (1943).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«وسُمْنَانِهَا»:
السُّمنانُ: جمع سَمْنٍ. معجم ديوان الأدب (2/ 19).
وقال الجوهري -رحمه الله-:
السَمْنُ للبقر، وقد يكون للمِعزى، ويجمع على سُمْنان. الصحاح، للجوهري (5/ 2138).
وقال ابن سيدة -رحمه الله-:
والسَّمْنُ: سِلاءُ الزُّبْدِ، والجمع: أسْمُن وسُمون وسُمْنَان، وسَمَنَ الطَّعامَ يَسْمُنُهُ سَمْنًا: عَمِلَه بالسَّمن، وسَمَن الخُبْزَ وسمَّنَهُ وأسْنَمَهُ: لَتَّهُ بالسَّمْنِ، وأسْمَنَ القومُ: كَثُرَ عندهم السَّمْن، وقومٌ سامِنون: ذَوُو سَمْنٍ، وسَمَنَ القومَ يَسْمُنُهم سَمْنًا: أطعَمَهم السَّمنَ، وسمَّنَهم: زَوَّدهم السَّمن. المحكم والمحيط الأعظم (8/ 532).
شرح الحديث
قوله: «عليكم بأَلبانِ البقرِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«عليكم» أي: الزموا شربهَا. التيسير (1/ 260).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«عليكم بألبان البَقَر» جمع اللبن، باعتبار أنواعها، أو مقابلة الجمع بالجمع، والبقر: اسم جنس، فيُذكَّر ويُؤنَّث. شرح مسند أبي حنيفة (1/ 431).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
لبن البقر: يغذو البدن ويخصبه، ويطلق البطن باعتدال، وهو من أعدل الألبان وأفضلها بين لبن الضَّأن، ولبن المعز في الرِّقَّة والغلظ والدَّسم. زاد المعاد (4/ 574).
وقال عبد الملك بن حبيب القرطبي -رحمه الله-:
كان الحارثُ بِن كَلَدَة ينعت ألبان البقر للأوجاع، ويقول: لا تشربه إلا مخيضًا. العلاج بالأعشاب (ص: 47).
وقال أمين عبد الله الشقاوي -حفظه الله-:
اللبن هنا هو: الحليب الذي يستخرج بالحلب من ضروع الأبقار، قال تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} النحل: 66، ومن هذا الحليب يستخرج اللبن المخيض والزبد والسمن وغيرها، وقد بيَّن -صلى الله عليه وسلم- سبب الانتفاع بهذه الأنواع، وهو أنَّ هذه الأبقار تأكل المراعي الطيبة من جميع الأشجار والأعشاب، وعليه: فلا تتحقق هذه المنافع في حال كونها لا ترعى هذه الأشجار. عناية الإسلام بصحة الإنسان (ص: 148).
قوله: «وسُمْنَانها»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«وأسمانها» جمع: سمن. التنوير (7/ 311).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
السَّمن حارٌّ رطبٌ في الأولى، فيه جلاء يسير، ولطافة، وتفشية الأورام الحادثة في الأبدان النَّاعمة، وهو أقوى من الزُّبد في الإنضاج والتَّليين، وذكر جالينوس أنَّه أبرأ به الأورام الحادثة في الأذن، وفي الأرنبة، وإذا دُلِّك به موضعُ الأسنان نبتت سريعًا، وإذا خُلِط مع عسلٍ ولوز مر جلَّا ما في الصدر والرئة والكَيمُوسات الغليظة اللَّزجة؛ إلا أنَّه ضارٌّ بالمعدة، سيَّما متى كان مزاج صاحبها بلغميًّا.
وأمَّا سمن البقر والمعز، فإنَّه إذا شُرب مع العسل نفَع من شرب السَّمِّ القاتل، ومن لدغ الحيَّات والعقارب. زاد المعاد (4/ 479).
قوله: «وإيَّاكم ولحومَها»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وإياكم ولحومها» أي: احذروا أكلها، «فإنَّ لحومها داء» لغلبة البرد واليَبَس عليها. التيسير (2/ 143).
وقال الزركشي -رحمه الله-:
قلتُ: بل هو مُنْقَطع، وفي صحته نظر، فإن في الصحيح: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى عن نسائه بالبقر، وهو لا يتَقرَّب بالداء. التذكرة في الأحاديث المشتهرة (ص: 148).
وقال الزركشي -رحمه الله- أيضًا:
رأيتُ في شعب الإيمان للحليمي: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- إنَّما قال في البقر: «لحومها داء» لِيُبْسِ الحجاز ويُبُوسِة لحم البقر فيه، ورطوبة ألبانها وسمنانها، وهو تأويل حسن. التذكرة في الأحاديث المشتهرة (ص:149).
وقال السخاوي -رحمه الله-:
قد ضحَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نسائه بالبقر، وكأنَّه لبيان الجواز، أو لعدم تيسر غيره، وإلا فهو لا يتقرَّب إلى اللَّه تعالى بالداء. المقاصد الحسنة (ص:528).
قوله: «فإنَّ ألبانها وسُمنَانَها دواءٌ وشفاءٌ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
لأن السمن واللبن حادث عن أخلاط الشجر واللحم نابت من رعيها للقاذورات تارة، وللشجر أخرى. التيسير (2/ 143).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وقد أودع الله في الأشجار أدوية لعدة من العلل، وهي تأكل الأشجار، ثم يستحيل لبنًا، فهو عصارة الأشجار التي فيها النفع، فتوافق عللًا يبرئها. التنوير (3/ 336).
وقال المناوي -رحمه الله-:
ألبان البقر شفاء من الأمراض السوداوية والغم والوسواس، وغير ذلك «وسمنها دواء» فإنه ترياق السموم المشروبة، كما في الموجز وغيره، وإنما كان كذلك لأنها ترم من كل الشجر كما في الخبر، فتأكل الضار والنافع، فانصرف الضار إلى لحمها؛ لأنها تأكل بالنهمة والشره، والنافع إلى لبنها، ذكره الحكيم (الترمذي). التيسير (1/ 226).
وقال الحكيم الترمذي -رحمه الله-:
إنَّما صار لبنها دواءً؛ لأنها تأكل من كل شجر، وصار لحمها داء؛ لأنها تأكل بالنهمة؛ لأنها جعمة (شرهةٌ)؛ ولهذا ترعى من كل الشجر حلوه ومره لجعامتها؛ لأنها ذللت لله تعالى بأمر ربها كالنحل، فإنها لم يلق إليها ما ألقي إلى النحل إلهامًا من الله تعالى؛ ولهذا ترعى من المزابل، وترتع من القاذورات؛ لجعامتها، فصارت لحمها داء، واللبن الذي حدث عن أخلاط الشجر دواء؛ للنهمة عليها صارت لحمانها منزوعة البركة، وكل شيء لا يُبارك فيه، فهو داء في الدنيا والآخرة. نوادر الأصول (2/ 321).
قوله: «ولحومها داءٌ»:
قال الحليمي -رحمه الله-:
«ولحومها داء» ويُحتمل أنْ يكون قال ذلك لأن الأغلب عليها البرد واليبس، وكانت تلك البلاد قشفة يابسة، فلم يأمن إذا انضم إلى ذلك الهواء أكل لحم البقر أنْ يزيدهم يبسًا، فيتضرروا به، وإما ألبانها فرطبة، وسمنها بارد جيدًا، ففي كل واحد منهما الشفاء من ضرر الهواء -والله أعلم-. المنهاج (2/ 31).
وقال إسماعيل حقي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
فكأنَّه يرى اختصاص ذلك به، وهذا التأويل مستحسنٌ. روح البيان (6/ 77).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«ولحومها داء» قال المتبولي: إذا كانت مهزولة، أما السَّمينة فلا يضر أكلها. السراج المنير (3/ 332).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فيه: إثبات الأسباب والمسببات، وصحَّة علم الطِّبّ، وحلّ التَّطبب. التيسير (1/ 260).
وينظر فتوى الشيخ ابن عثيمين في حكم أكل لحوم البقر (هنا)