«كُلُوا واشْربُوا، ولا يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ المُصْعِدُ، فَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يَعْتَرِضَ لكم الأحمرُ».
رواه أحمد برقم: (16291)، وأبو داود برقم: (2348) واللفظ له، والترمذي برقم: (705)، من حديث طَلْق بن علي -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4506)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2031).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«يَهِيدنَّكم»:
«يَهِيدنَّكم» بفتح أوله، وكسر الهاء، وتشديد نون التوكيد، أي: لا يزعجنكم الفجر. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (10/335).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«لا يَهِيدنَّكم» أي: لا تنزعجوا للفجر المستطيل، فتمتنعوا به عن السحور، فإنه الصبح الكاذب، وأصل الهِيْد: الحركة، وقد هِدْتُ الشيء أَهِيْدُه هَيْدًا، إذا حركته وأزعجته. النهاية (5/ 286).
«الساطع»:
السَّطع: كل شيء انتشر أو ارتفع من برق أو غبار، أو نور أو ريح. لسان العرب، لابن منظور (8/ 154).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
الساطع المصعد: أي: المرتفع، ومنه: إذا انشق معروف من الفجر ساطعُ.
وكل منتشر منبسط كالبرق والريح الطيبة، فهو ساطع. مشارق الأنوار (2/ 215).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«الساطع المُصْعِد» يعني: الصبح الأول المستطيل، يقال: سطع الصبح يَسْطَع فهو سَاطِع، أول ما ينشق مُسْتَطِيلًا. النهاية (2/ 365).
«المُصْعِد»:
بضم الميم، وإسكان الصاد، وفي رواية: «المتصعد» بزيادة التاء المفتوحة، وتشديد الصاد (أي: المنحدِر أو الطالِع). شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (10/ 335).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
صعد: صَعِدَ المكان وفيه صُعُودًا، وأَصْعَد وصَعد: ارتقى مُشْرِفًا. لسان العرب (3/251).
وقال الجوهري -رحمه الله-:
أَصْعَدَ في الوادي وصَعَّدَ تَصْعيدًا، أي: انْحَدَرَ فيه. الصحاح (2/497).
شرح الحديث
قوله: «كلوا واشربوا، ولا يَهِيدنَّكم السّاطع المُصْعِد»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«كلوا واشربوا» أي: وجامعوا. شرح سنن أبي داود (10/336).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «يَهِيدنَّكم» بكسر الهاء، أي: يُزعجنَّكم، فتمتنعوا به عن السحور، فإنه الفجر الكاذب، يقال: هِدْتُه أَهِيده إذا أزعجته، وأصل الِهيْد بالكسر: الحركة. فتح الباري (4/ 136).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «لا يَهِيدنَّكم» معناه: لا يمنعنكم الأكل، وأصل الهِيْد: الزجر، يقال: هِدْتُ الرجل أَهِيْدُه هَيْدًا إذا زجرته، ويقال في زجر الدواب يريد: هِيْد هِيْد. معالم السنن (2/105).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
قوله: «ولا يَهِيدنَّكم» أي: لا تنزعجوا للفجر المستطيل، فتمتنعوا به عن السحور، فإنه الصُّبح الكاذب. سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/52).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
«الساطع» المرتفع، وسطوعه: ارتفاعه مُصْعِدًا قبل أنْ يعترض. معالم السنن (2/105).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «الساطع» يعني: الصبح الأول المستطيل، يقال: سطع الصبح يَسْطع، فهو ساطع، أول ما ينشق مُسْتَطِيلًا. نخب الأفكار (8/269).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«الساطع» في أفق السماء بارتفاعه. شرح سنن أبي داود (10/335).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
وتسميته بالساطع؛ لأنه أول شيء يطلع، فأول شيء يطلع هو الفجر الكاذب. شرح سنن أبي داود (271/15).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«المُصْعِد» بصيغة المفعول من الإصعاد، أي: المرتفِع. تحفة الأحوذي (3/ 318).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
«المُصْعِد» أي: لا يزعجنكم ولا يمنعنكم من السحور الفجر الكاذب الذي يسطع ضوؤه المستطيل من الأعلى إلى الأسفل. المنهل العذب المورود (10/69).
قوله: «فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأَحمر»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«حتى يعترض» أي: يرى الفجر معترضًا بالأفق. شرح سنن أبي داود (10/336).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
ومعنى «الأحمر» ها هنا: أن يستبطن البياض المعترض أوائل حُمرة؛ وذلك أن البياض إذا تتامَّ طلوعه ظهرت أوائل الحُمرة، والعرب تُشَبِّه الصبح بالبَلَقِ في الخيل؛ لما فيه من بياض وحُمرة. معالم السنن (2/105).
وقال السهارنفوري -رحمه الله- متعقبًا:
قلتُ: لا يصح كونه أحمر إلا قبل نزول قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} البقرة: 187 الآية؛ لأنه معنى الأحمر: هو النهار، إلا أن الشمس لم تطلع، وكلاهما يعارض الآية، وهذا كله على ظاهره، وإلا فإن الأحمر يطلق على الأبيض أيضًا، فإن أطلق عليه وافق الآية، فتنبَّه له إن كنت فَائِق السَّجِيَّة. بذل المجهود (8/ 486).
وقال محمود السبكي -رحمه الله- متعقبًا:
قوله: «حتى يعترض لكم الأحمر» أي: حتى يظهر الفجر الصادق، فإنه إذا تم طلوعه، وظهر ضوؤه، جاءت معه أوائل الحمرة، فلا يقال: إن الحديث معارض للآية. المنهل العذب المورود (10/69).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
واعلم أنه لا منافاة بين وصفه -صلى الله عليه وسلم- لضوء الفجر الصادق بـ«الأحمر»، ووصفه تعالى إياه بقوله: {الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} البقرة: 187؛ لأن المراد -والله أعلم- بياض مشوب بحمرة، أو تارة يكون أبيض، وتارة يكون أحمر، يختلف ذلك باختلاف الفصول والمطالع، وقد رأيتُ ذلك بنفسي مرارًا من دَارِيْ في جبل هملان جنوب شرق عَمَّان، ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين: أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة، أي: قبل الفجر الكاذب أيضًا، وكثيرًا ما سمعتُ إقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق، وهم يؤذنون قبلها بنحو نصف ساعة، وعلى ذلك فقد صلوا سنة الفجر قبل وقتها، وقد يستعجلون بأداء الفريضة أيضًا قبل وقتها في شهر رمضان، كما سمعته من إذاعة دمشق، وأنا أتسحر رمضان الماضي (1406)، وفي ذلك تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام، وتعريض لصلاة الفجر للبطلان، وما ذلك إلا بسبب اعتمادهم على التوقيت الفلكي، وإعراضهم عن التوقيت الشرعي، {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} البقرة: 187، «فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر»، وهذه ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين. سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/52).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «حتى يعترض» يعني: حتى يعترض لكم الأحمر في الأفق، والأحمر هو الفجر الصادق، وقيل له: أحمر؛ لأنه أول ما يخرج يكون فيه لون ليس بواضح من حيث البياض والخفاء، وقيل: إن الأحمر يراد به الأبيض، وقيل: إن الأحمر يطلق على الأبيض، يقال: (الأسود والأحمر) يعني: الأسود والأبيض. شرح سنن أبي داود (271/15).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«حتى يعترض لكم الأحمر» أي: الفجر الأحمر المعترض من المراد به الصبح الصادق. تحفة الأحوذي (3/ 318).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
قلتُ: وقد يُطلق الأحمر على الأبيض...، فمعنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «حتى يعترض لكم الأحمر» أي: الأبيض، وهو بياض النهار من سواد الليل، يعني: الصبح الصادق. عون المعبود (6/339).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
والعمل على هذا (يعني: الحديث) عند أهل العلم أنه: لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض، وبه يقول عامة أهل العلم. سنن الترمذي (3/ 76).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
كان مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي يقولون: يحرم الطعام والشراب عند اعتراض الفجر الآخر في الأفق، وروينا معنى هذا القول عن عمر بن الخطاب وابن عباس، وبه قال عطاء وعوامُّ أهل العلم علماء الأمصار، وكذلك نقول.
وفي الباب قول ثانٍ: وروينا عن علي أنه قال حين صلى الفجر: الآن حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وروي عن حذيفة: أنه لما طلع الفجر تسحَّر، ثم صلى، وروي معنى ذلك عن ابن مسعود.
وقال مسروق: لم يكونوا يعدون الفجر فجركم، إنَّما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق، وكان إسحاق يميل إلى هذا القول، ثم قال: من غير أنْ يظن على الذين تأولوا الرخصة في الوقت الذي بيَّنَّا، قال: ولا قضاء على من أكل في الوقت الذي بيَّنَّا من الرخصة، ولا كفارة. الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 117-118).
وقال النووي -رحمه الله-:
وحكى أصحابنا عن الأعمش وإسحاق بن راهويه: أنهما جوَّزا الأكل وغيره إلى طلوع الشمس، ولا أظنه يصح عنهما. المجموع (6/ 305).
وقال الحازمي -رحمه الله-:
وأما حديث حذيفة (وما ماثله من الأحاديث المصرحة بجواز الأكل والشرب بعد انتشار النهار) فقد قال بعضهم: كان ذلك في أول الأمر، ثم نُسخ. الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار (ص: 145).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
(الحديث) يقتضي بظاهره على حياله: أنْ يأكل المرء وإنْ رأى الأبيض المستطير المنتشر عرضًا حتى يراه أحمر...، وكذلك كان مذهب قيس بن طلق وابنه علي: أنه لا يُحرِّم الطعام إلا الأحمر، وفي كتاب النسائي عن حذيفة أنه قال: «تسحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، قيل: أي ساعة؟ قال: «هو النهار، إلا أنَّ الشمس لم تطلع»، وكأنَّه يشير إلى هذا، ولكن الحديثين: أنَّ معنى: الأحمر ها هنا الذي يحمرُّ بعد بياضه، وليس الذي يَسْوَدُّ بعد بياضه، وهو الأول. عارضة الأحوذي (3/181-182).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
وفي أحاديث الباب: دلالة على مشروعية السحور، وأن وقته ممتد إلى ظهور الفجر الصادق، وأن الفجر الكاذب لا يمنع من السحور. المنهل العذب المورود (10/69).
وللفائدة ينظر الروايات الأخرى (هنا) و (هنا) و (هنا)
وينظر فتوى الشيخ ابن عثيمين، هل يجب الإمساك مع الأذان ؟ (هنا)