الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«كانَ أحبَّ الشهورِ إلى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلمَ- أنْ يصومَهُ شعبانُ، ثمَّ يَصِلُهُ برمضانَ».


رواه أحمد برقم: (25548)، أبو داود برقم: (2431) واللفظ له، والنسائي برقم: (2350)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (4628)، صحيح أبي داود برقم: (2101).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«رمضان»:
الرَّمَضُ هو بفتح الميم: المصدر، يقال: رَمَضَ يَرْمُضُ رَمَضًا، ومنه سمي: «رمضان» لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام شدة الحر ورَمَضه، وقيل فيه غير ذلك. النهاية، لابن الأثير (2/ 264).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وقيل: لأنه يرمض الذنوب، أي: يحرقها ويذيبها؛ لما يقع فيه من العبادة. فيض القدير(3/ 2).


شرح الحديث


قوله: «كانَ أحبَّ الشهورِ إلى رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- أن يصومَهُ شعبانُ»:
قال محمود السبكي -رحمه الله-:
«كان أحبَّ الشهور... إلخ» بنصب «أحبَّ» خبر كان، «وشعبان» بالرفع اسمها، و«أنْ يصوم» بدل من ‌شعبان، أي: كان صومُ ‌شعبان أحبَّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من صوم غيره من بقية الشهور التي كان يتطوع فيها بالصيام...المنهل العذب المورود (10/ 188).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وفي صومه -صلى الله عليه وسلم- شعبان أكثر من غيره ثلاثة معانٍ:
أحدها: أنَّه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما شُغِلَ عن الصيام أشهرًا، فجمع ذلك في شعبان؛ ليدركه قبل صيام الفرض.
الثاني: أنَّه فعل ذلك تعظيمًا لرمضان، وهذا الصوم يشبه سنة فرض الصلاة قبلها تعظيمًا لحقها.
الثالث: أنَّه شهر تُرفع فيه الأعمال، فأحب -صلى الله عليه وسلم- أنْ يُرفَع عمله وهو صائم. تهذيب سنن أبي داود (1/ 494).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقيل: الحكمة في ذلك: أنَّه يعقبه رمضان وصومه مفترض، وكان يكثر من الصوم في شعبان قدر ما يصوم في شهرين غيره؛ لما يفوته من التطوع بذلك في أيام رمضان، والأولى في ذلك: ما جاء في حديث أصح أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة عن أسامة بن زيد قال: «قلتُ: يا رسول الله، لم أَرَكَ تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم»، ونحوه من حديث عائشة عند أبي يعلى لكن قال فيه: «إن الله يكتب كل نفس ميتة تلك السنة؛ فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم». فتح الباري (4/ 215).
وقال النووي -رحمه الله-:
فإنْ قيل: في الحديث الآخر: «أنَّ أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم»؛ فكيف أكثر منه في شعبان دون المحرم؟!
فالجواب: لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكُّن من صومه، أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه، كسفر ومرض وغيرهما. شرح مسلم (8/ 37).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
بل قال في آخر حياته: «لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع» وهذا مما يَرُدُّ قول النووي -رحمه الله-: أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- علم بفضل المحرم قبل وفاته، فلم يَصُمْهُ. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 267).

قوله: «ثمَّ يَصِلُهُ برمضانَ»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
«ثم يصله برمضان» أي: يصوم في آخر شعبان، حتى يقرب أنْ يصله برمضان، وقيل: كان يصوم شعبان كله تارة، فيصله برمضان، ويصوم مُعظمه أخرى، فلا يصله برمضان؛ لئلا يُتَوَهَّم أنه واجب كُله، كرمضان. بذل المجهود (8/ 638).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «ثم يصله ‌برمضان» معناه: أنَّه يصوم رمضان بعده، لكن كما عرفنا أنَّ الاستكمال لم يكن ثابتًا عن رسول الله، وما جاء من كونه يصومه كله يكون محمولًا على الغالبية وعلى الأكثر. شرح سنن أبي داود (284/ 11).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
زعم بعض أصحابنا (المالكية) أنَّ في صوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شعبان تطوُّعًا دليلًا على أنَّ نهيه عن صوم يوم الشك إنما هو على الخوف أنْ يكون من رمضان، وأنَّ هذا هو المكروه. التمهيد (2/ 46).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصل صيام شعبان برمضان، لكن يفصل بينهما بيوم أو يومين يفطر؛ ليكون فاصلًا بينهما كما كان يصل رمضان بما بعده غير يوم العيد؛ لقربهما من رمضان، لكن الصيام في شعبان أفضل لكثرة الصيام فيه أكثر من شوال. شرح سنن أبي داود (10/ 303).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
هذا يدل (وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان) على أنَّه يصومه كُله أحيانًا، وربما أفطر بعضه. الحلل الإبريزية (2/ 154).
وقال الشيخ عبد الله العتيبي -حفظه الله-:
الصحيح: أنَّ شعبان يصام أكثره، ولا يصام كله، ومن الأدلة على ذلك: حديث عائشة: «ما رأيتُ رسول الله استكمل شهرًا إلا رمضان»؛ فهي نفت استكمال الشهر إلا رمضان، وأصرح منه أو مثله ما رواه مسلم من طريق عبد الله بن شقيق، قال: قلتُ لعائشة: هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرًا معلومًا سوى رمضان؟ قالت: «ما رأيته صام شهرًا كاملًا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان»؛ فهذا صريح أنه منذ قدم المدينة حتى توفاه الله لم يستكمل صيام شهر غير رمضان.
وطريق أبي سلمه عن عائشة اختلف في ألفاظها، والمحفوظ ما رواه ابن شقيق عنها في أنَّ الصيام كان أكثر شعبان، لا كله، يعني: يصوم عشرين أو خمسة وعشرين، فالمهم أنَّه لا يتم الشهر كاملًا صائمًا، فيفطر، ولو يومًا واحدًا. شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري (ص: 169).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
يُستحب أنْ يفطر قبل رمضان أيامًا، فإنْ وصل شعبان برمضان فجائز، فَعَلَ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرةً، وفَصَلَ مرارًا كثيرة، ولا يجوز أنْ يقصد استقبال رمضان بيومين أو ثلاثة، إلا أنْ يُوافِق وِرْدًا له. إحياء علوم الدين (1/ 237).
وقال الساعاتي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: أمَّا التحديد بالمرة والمرتين، فلم نقف عليه في شيء من الأحاديث، نعم، وقع منه -صلى الله عليه وسلم- الوصل والفصل. الفتح الرباني(10/ 202).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
فقه الحديث: دل الحديث على الترغيب في الإكثار من الصيام في ‌شعبان.
وعلى جواز وصل صيامه ‌برمضان إذا صامه كله أو معظمه. المنهل العذب المورود (10/ 188).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كان أحبَّ الشهور إليه أنْ يصومه ‌شعبان» أُخِذَ منه: أنه أفضل الصوم بعد رمضان؛ إلا أنه تقدم (أن) أفضل الصوم إلى الله بعد رمضان المحرم، وهو لا يحب إلا الأفضل، ولعل وجه الجمع: أنَّ الإكثار في صوم ‌شعبان أفضل؛ لحديث عائشة: أنه لم يكن يصوم في شهر أكثر من شهر ‌شعبان، ويطلق الصوم أفضل في شهر محرم. التنوير (8/ 299).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ولا تعارض بين هذا وبين ما تقدم من الأحاديث في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، وكذا ما جاء من النهي عن صوم نصف شعبان الثاني، فإن الجمع بينهما ظاهر بأنْ يُحمل النهي على مَن لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده. فتح الباري (4/ 215).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
ولا ينافي قوله -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم-: «لا تقدموا صوم رمضان بيوم أو يومين»؛ فإنَّ النهي فيه محمول على مَن لم يصم ‌شعبان كله، أو معظمه، بل يصوم اليوم أو اليومين قبل رمضان احتياطًا له، ويحتمل أنَّ المعنى: أنَّه يصوم في آخر ‌شعبان حتى يقرب أنْ يصله ‌برمضان. المنهل العذب المورود (10/ 188).
قال محمود السبكي -رحمه الله- أيضًا:
والحكمة في إكثاره -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- الصوم في ‌شعبان: ما جاء في حديث أسامة بن زيد قال: قلتُ: «يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من ‌شعبان، قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» أخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة. المنهل العذب المورود (10/ 188).


ابلاغ عن خطا