«أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال في ليلةِ القَدْرِ: ليلةٌ سَمْحَةٌ طَلْقَةٌ، لا حارَّةٌ ولا باردةٌ، تُصبحُ شمسُهَا صبيحتَهَا ضعيفةً حمراءَ».
رواه أبو داود الطيالسي في مسنده برقم: (2802) واللفظ له، وابن خزيمة برقم: (2192)، والبيهقي في فضائل الأوقات برقم: (101)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (5475).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«سَمْحَةٌ طَلْقَةٌ»:
أي: سهلة طيبة، يقال: يوم طَلْقٌ، وليلة طَلْقٌ وطَلْقَةٌ، إذا لم يكن فيها حرٌّ ولا برد يؤذيان. النهاية(3/ 134).
شرح الحديث
قوله: «أنَّ رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال في ليلةِ القَدْرِ»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
سُمِّيَتْ ليلة القدر بما تُقَدَّر فيها من الأقَدار، وما يكون في تلك السَّنة من الأرزاق والآجال، بقوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} القدر: 4، ولقوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4. إكمال المعلم (4/ 141).
قوله: «ليلةٌ سَمْحَةٌ طَلْقَةٌ لا حارَّةٌ، ولا باردةٌ»:
قال ابن منظور -رحمه الله-:
أي: مشرق، لا برد فيه ولا حرّ، ولا مطر ولا قرّ...لسان العرب(10/ 229).
قوله: «لا حارَّةٌ، ولا باردةٌ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«لا حارة ولا باردة» أي: معتدلة. التيسير (2/ 333).
قوله: «تُصبحُ شمسُهَا صبيحتَهَا ضعيفةً حمراءَ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة» أي: ضعيفة الضوء «حمراء» أي: شديدة الحُمرة. التيسير (2/ 333).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«تصبح الشمس صبيحتها» مصغر، «ضعيفة» أي: ضعيفة الضوء، «حمراء» لا شعاع لها، وهذا يؤيد الاحتمال الأول في الليلة، قالوا: ولا يلزم أنْ يكون قائمها يدرك علاماتها؛ إذ قد يخفيها الله على مَن يشاء. التنوير (9/ 302).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
مُبيِّنًا طلوع الشمس ضعيفة لا شعاع لها صبيحة ليلة القدر:
قيل: لكثرة اختلاف الملائكة في ليلتها، ونزولها إلى الأرض، وصعودها بما تنزلَّت به من عند الله، وبكل أمرٍ حكيم، وبالثواب والأجور، سترت أجسامُها اللطيفة وأجنحتُها شعاعَها، وحجبت نورَها. إكمال المعلم (4/ 148).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
فائدة كون هذا علامة مع أنَّه إنَّما تُوجَد بعد انقضاء الليلة؛ لأنَّه يُسنُّ إحياء يومها، كما يُسنُّ إحياء ليلها. فتح الإله (7/54).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
في قوله: (يُسن إحياء يومها) نظر يحتاج إلى أثر.
والأظهر: أنَّ فائدة العلامة أنْ يشكر على حصول تلك النعمة إنْ قام بخدمة الليلة، وإلا فيتأسف على ما فاته من الكرامة، ويتدارك في السَّنة الآتية، وإنَّما لم يجعل علامة في أول ليلها، إبقاءً لها على إبهامها -والله سبحانه أعلم-. مرقاة المفاتيح (4/ 1440).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
وهو (أي: كلام القاري السابق) حَسَنٌ، ولا سيَّما تعقُّبه لابن حجر في قوله: يسنُّ إحياء يومها، فإنَّه كلام باطلٌ، فتنبَّه -واللَّه تعالى أعلم-. البحر المحيط الثجاج (15/ 695).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قد ورد لليلة القدر علامات أكثرها لا تظهر إلا بعد أنْ تمضي، منها: في صحيح مسلم عن أُبي بن كعب: «أنَّ الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها»، وفي رواية لأحمد من حديثه: «مثل الطست»، ونحوه لأحمد من طريق أبي عون عن ابن مسعود، وزاد: «صافية»، ومن حديث ابن عباس نحوه، ولابن خزيمة من حديثه مرفوعًا: «ليلة القدر طلقة لا حارة، ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة»، ولأحمد من حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا: «إنها صافية بَلْجَةٌ (أي: مشرقة)، كأن فيها قمرًا ساطعًا، ساكنة صاحية لا حر فيها، ولا برد، ولا يحل لكوكب يرمى به فيها، ومن أماراتها: أنَّ الشمس في صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع، مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذٍ»، ولابن أبي شيبة من حديث ابن مسعود أيضًا: «أن الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان، إلا صبيحة ليلة القدر»، وله من حديث جابر بن سمرة مرفوعًا: «ليلة القدر ليلة مطر وريح»، ولابن خزيمة من حديث جابر مرفوعًا: «في ليلة القدر، وهي ليلة طلقة بَلْجَةٌ لا حارَّة ولا باردة، تتضح كواكبها، ولا يخرج شيطانها، حتى يضيء فجرها»، ومن طريق قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة مرفوعًا: «وأن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى»، وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد: «لا يرسل فيها شيطان، ولا يحدث فيها داء»، ومن طريق الضحاك: «يقبل الله التوبة فيها من كل تائب، وتفتح فيها أبواب السماء، وهي من غروب الشمس إلى طلوعها». فتح الباري (4/ 260).
وقال ابن باديس -رحمه الله-:
هذه العلامات التي ذكرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- لليلة القدر ليس فيها أنَّ السماء تنشق، وأنَّه ظهر فيها ألوان من نور، كل نور له لون خاص، إلى غير ذلك من خرافات العوام، إن مما يؤسِفُ المؤمن أنَّ الأوقات المفضلة في ديننا قد غمرناها بالخرافات، وصرفنا أنفسنا عمّا يُراد فيها من الطاعات، فحُرِمنا من خير كثير، وقلَّما تجد وليًّا صالحًا، أو وقتًا فاضلًا، إلا وهو محاط بخرافات تعين إبليس على إبراز قسمه في الإغراء، وتقف حجر عَثرة أمام الداعي المرشد إلى الصراط المستقيم. مجالس التذكير(ص: 211).