الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«مَنْ باعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فلا أُضْحِيَّةَ له».


رواه الحاكم برقم: (3468)، والبيهقي في الكبرى برقم: (19233)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6118)، صحيح الترهيب والترهيب برقم: (1088).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أُضْحِية»:
الأضحية والضحيَّة والجميع الضحايا والأضاحي، وهي: ‌الشاة ‌التي ‌يُضحَّى ‌بها، أي: تُذبح يوم الأضحى. المحيط، للصاحب ابن عباد (3/ 153).
وقال بطال الركبي -رحمه الله-:
واشتق اسمها من الضُّحى، وهو ارتفاع الشمس؛ لأنها تُذبح ذلك الوقت. النظم المستعذب(1/ 216).


شرح الحديث


قوله: «من باع جلد أضحيته فلا أضحية له»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«فلا أضحية له» أي: لا يحصل له الثواب الموعود للمضحِّي على أضحيته، فبيع جلدها حرام، وكذا اعطاؤه الجزار، وللمضحي الانتفاع به. التيسير (2/ 407).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فلا أضحية له» أي: لا فضل لها كفضل من لم يبعه، ففيه كراهة بيعه، وبالأَولى بيع شيء من لحمه؛ وذلك لما ثبت من أنها كلها في ميزان العبد. التنوير (10/ 159).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
وبيع ‌جلد ‌الأضحية حرام ولا يصح، سواء كانت منذورة أم لا، ويحرم جعله أجرة للجزار أيضًا، وله أن ينتفع بجلد الأضحية المندوبة دون الواجبة بنحو نذر. السراج المنير (4/ 279).
وقال اللخمي المالكي -رحمه الله-:
ولا يُباع شيء من ‌الأضحية بعد الذبح، لحم ولا ‌جلد، ولا صوف؛ لأنها صارت بالذبح قُربة لله سبحانه، ومن باع شيئًا من ذلك نقض بيعه. التبصرة (4/ 1570).
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي -رحمه الله-:
ولا يُباع شيء من ‌الأضحية من لحم أو ‌جلد أو صوف أو غيره، ولا يعوَّض عليه، ولا يُعطى أجرة لجَازِرٍ ولا دابغٍ، خلافًا لأبي حنيفة في إجازته بيع جلدها بما سوى الدراهم مما يُعار وينتفع به؛ لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن بيع أُهُبِ الضحايا، وقال علي -رضى الله عنه-: أمرني ألا أُعطي الجازر منها شيئًا، وقال: «نحن نعطيه من عندنا»؛ ولأنه جزء من الأضحية كاللحم؛ ولأنها قد وجبت للمساكين، وليس هو بوكيل لهم، ولا قيِّم عليه كالزكاة. المعونة (ص:667، 668).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ولا يحل للمضحي أن يبيع من أضحيته بعد أن يضحي بها شيئًا، لا جلدًا ولا صوفًا ولا شعرًا ولا وبرًا ولا ريشًا، ولا شحمًا ولا لحمًا ولا عظمًا ولا غضروفًا (هو ما لان من العظم في أي موضع كان) ولا رأسًا ولا طرفًا ولا حشوة، ولا أن يُصْدِقَهُ، ولا أن يؤاجر به، ولا أن يبتاع به شيئًا أصلًا، لا من متاع البيت، ولا غربالًا ولا منخلًا، ولا تابلًا (جمعه توابل، كالكمون ونحوه) ولا شيئًا أصلًا.
وله أن ينتفع بكل ذلك ويتوطَّأه، وينسج في الجلد ويلبسه، ويهبه ويهديه، فمن ملك شيئًا من ذلك بهبة أو صدقة أو ميراث فله بيعه حينئذٍ إن شاء.
ولا يحل له أن يعطي الجزار على ذبحها أو سلخها شيئًا منها، وله أن يعطيه من غيرها، وكل ما وقع من هذا فُسخ أبدًا. المحلى (6/ 51).
وقال القدوري -رحمه الله-:
قال أصحابنا (الحنفية) -رحمهم الله-: يجوز أن يتخذ ‌جلد ‌الأضحية آلة في البيت، كالنطع والغربال والسفرة والسقاية يَنتفع به من يُعار، ويجوز أن يبدل الجلد بذلك، وقال الشافعي -رحمه الله-: لا يجوز بيع جلودها. التجريد (12/ 6349).
وقال ابن جزي -رحمه الله-:
لا يباع من ‌الأضحية لحم ولا ‌جلد ولا شَعر، ولا غير ذلك، وقال أبو حنيفة: يجوز بيعها بالعروض لا بالدنانير ولا بالدراهم، وأجاز عطاء بيعها بكل شيء. القوانين الفقهية (ص:128).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
أجمع العلماء على أنه لا يجوز ‌بيع ‌لحوم الأضاحي أو الهدي، وذهب الجمهور: إلى أنه لا يجوز -أيضًا- بيع جلودها، وأصوافها وأوبارها وشَعرها.
وأجاز أبو حنيفة بيع الجلود والشَّعر ونحوه بعروض لا بنقود، ملاحظًا في ذلك أن المعاوضة بالنقود بيع صريح، وأما بالعروض ففيه شِبْهُ انتفاعِ كلٍّ من المتبادلين بمتاع الآخر. توضيح الأحكام (7/ 93).
وقال النووي -رحمه الله-:
واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه لا يجوز بيع شيء من الهدي والأضحية، نذرًا كان أو تطوعًا، سواء في ذلك اللحم والشحم والجلد والقرن والصوف وغيره، ولا يجوز جعل الجلد وغيره أجرة للجزار، بل يتصدق به المضحي والمهدي، أو يتخذ منه ما ينتفع بعينه، كسقاءٍ أو دلوٍ أو خُفٍّ وغير ذلك. المجموع (8/ 419)
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
لا يجوز بيع شيء من الأضحية، لا لحمها، ولا جلدها، واجبة كانت أو تطوعًا؛ لأنها تعيَّنت بالذبح، قال أحمد: لا يبيعها، ولا يبيع شيئًا منها، وقال: سبحان الله، كيف يبيعها وقد جعلها لله -تبارك وتعالى-؟!المغني (13/ 382).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله (الحجاوي): «ولا يبيع جلدها» بعد الذبح؛ لأنها تعيَّنت لله بجميع أجزائها، وما تعيَّن لله، فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه، ودليل ذلك: حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه حمل على فرس له في سبيل الله يعني أعطى شخصًا فرسًا يجاهد عليه، ولكن الرجل الذي أخذه أضاع الفرس، ولم يهتم به، فجاء عمر يستأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في شرائه حيث ظن أن صاحبه يبيعه برخص، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم»، والعلة في ذلك: أنه أخرجه لله، وما أخرجه الإنسان لله فلا يجوز أن يرجع فيه. الشرح الممتع (7/ 474-475).
وقال الماوردي الشافعي -رحمه الله-:
فأما الجلد فهو في حكم ‌الأضحية في تحريم بيعه على المضحي. الحاوي الكبير (15/ 120).
وقال الرافعي -رحمه الله-:
ولكن للمضحي أن يتصدق به، أو يتخذ منه ما يَنتفع بعينه من خُفٍّ أو نعلٍ أو دلوٍ أو فَرْوٍ، أو يعيره من غيره، ولا يؤجِّره. العزيز (12/ 113).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
سُئل الليث عن الرجل يغزل من صوف أضحيته جُبة فيلبسها، ثم يريد بيعها بعد ذلك، قال: لا أرى له بيعها، قلتُ: فجلود الضحايا؟ قال: لا تباع...
قال ابن وهب: وسمعته وقيل له: عن الرَّجل يهب جلد أضحيته لابن له صغير في حِجره أو عنده، فأراد بيعه، قال: لا يترك يبيعه؛ لأنه يملك ذلك عليهما، ولو كان ابنه كبيرًا يموِّل نفسه لم أر ببيعه إياه بأسًا. التوضيح (26/ 663-664).
وقال الخطيب الشربيني -رحمه الله-:
قصر المصنف (النووي) الانتفاع على المضحي نفسه، فيه إشارة إلى أنه يمتنع عليه إجارته؛ لأنها بيع المنافع، وبيعه لخبر الحاكم وصححه: «من باع جلد أضحيته فلا أضحية له»، وإعطاؤه أجرة للجزار، وهو كذلك، لكن يجوز له إعارته كما له إعارتها كما مر، والقَرْنُ مثل الجلد فيما ذُكِرَ. مغني المحتاج (6/ 136).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
الكبيرة الحادية والستون بعد المائة: بيع جلد الأضحية؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من باع جلد أضحيته فلا أضحية له».
تنبيه: عدُّ هذا كبيرة لم أره، لكن ظاهر هذا الحديث يقتضي ذلك، فإنَّ انتفاء الأضحية ببيعه يدل على أن فيه وعيدًا شديدًا لإبطاله ثواب تلك العبادة العظيمة من أصلها، كما اقتضاه ظاهر النفي الموضوع أصالة لانتفاء الذات من أصلها، ويؤيده أيضًا أنه بالأضحية خرج عن ملكه، وصار ملكًا للفقراء، فإذا استولى عليه وباعه كان كالغاصب لحق الغير، وسيأتي أنَّ الغصب كبيرة، وهذا منه كما علمت، فاتضح عَدِّي له كبيرة.
وينبغي أنْ يُلحق بالبيع إعطاؤه أجرة للجزار، فإنهم صرحوا بأنه حرام كبيعه، وكما أنَّ في البيع غصبًا له، كما تقرر، فكذا في إعطائه أجرة للجزار، فلم يبعد أنه مثله في أنه كبيرة أيضًا. الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 346).


ابلاغ عن خطا