«لا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أنْ يَعْسُرَ عليكم، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِن الضَّأْنِ».
رواه مسلم برقم: (1963)، من حديث جابر -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«مُسِنَّة»:
بضم الميم، وكسر السين، مأخوذ من الأسنان: وهو طلوع السِّن في هذه السَّنة، لا الكِبَر. رد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين (2/ 280).
وقال ابن عابدين -رحمه الله-:
سُميت بذلك؛ لأن عمرها يعرف بالسِّن بخلاف الآدمي. رد المحتار على الدر المختار (2/ 287).
«جَذَعَة»:
الجذع: من أَسنان الدواب، وهو ما كان منها شابًّا فتيًّا، فهو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية، وقيل: البقر في الثالثة، ومن الضأن ما تمت له سنة، وقيل: أقل منها، ومنهم من يخالف بعض هذا في التقدير. النهاية، لابن الأثير (1/ 250).
وقال الفيروز أبادي -رحمه الله-:
الجذع: قَبْلَ الثَّني، وهي بِهاءٍ، اسم له في زمن، وليس بِسِنٍّ تنبتُ أو تسقط. القاموس المحيط (ص: 708).
«الضأن»:
ذوات الأصواف من الغنم، ويقال للواحدة: ضائنة. تهذيب اللغة، للأزهري (12/ 49).
قال الزبيدي -رحمه الله-:
الضائن: خلاف الماعز من الغنم، والجمع: ضأن. تاج العروس (35/ 322).
شرح الحديث
قوله: «لا تذبحوا إلا مُسِنة»:
قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«لا تذبحوا إلا مُسنة» وهي من الإبل: ما استكمل خمس سنين، ومن البقر والغنم: ما استكمل سنتين. فتح الإله في شرح المشكاة (5/330).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«لا تذبحوا» عن ضحاياكم من البقر والغنم وغيرهما «إلا مُسنَّة»، وهي ما استكملت سنتين، ودخلت في الثالثة؛ لأنها بلغت سن التمييز. شرح سنن أبي داود (12/ 161).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شيء؛ من الإبل والبقر والغنم فما فوقها. شرح صحيح مسلم (13/ 117).
وقال المظهري -رحمه الله-:
المسنة: ما له سنتان؛ يعني: أقل ما تذبحون في الأضحية مُسِنَّة، والسن الذي يجوز في الأضحية إما الثني، وإما الجذع، والثني من الإبل: ما له خمس سنين، ومن البقر والمعز: ما له سنتان.
وقيل: الثني من المعز: ما له سنة، والجذع من الضأن: ما له سنة، وقيل: ما له ستة أشهر.
ولا يجوز من الإبل والبقر والمعز في الأضحية إلا ثني، ومن الضأن: لا يجزئ إلا جذع، وقال الزهري: لا يجوز من الضأن أيضًا إلا ثني، بظاهر هذا الحديث.
وقال الآخرون غير الزهري: إن النهي هنا ليس لنهي الجواز، بل لنهي الكمال. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 348).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
النهي في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تذبحوا إلا مسنة» للحرمة في الإجزاء والتنزيه في العدول إلى الأدنى، وهو المقصود في الحديث، بدليل الاستثناء «إلا أن يَعْسُرَ عليكم». الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (186).
وقال الأردبيلي -رحمه الله- أيضًا:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تذبحوا إلا مسنة» يدل على أنَّ الجذع من الإبل والبقر والمعز لا يجزئ عن الأضحية، وقال عطاء والأوزاعي: يجزئ، بدليل الاستثناء. الأزهار شرح مصابيح السنة، مخطوط لوح (186).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«لا تذبحوا إلا مُسنة» يعني: في الهدي وفي الأضحية؛ لأن الهدي والأضحية حكمهما واحد من ناحية الأسنان، فما يجزئ في هذا يجزئ في هذا، وما لا يجزئ في هذا لا يجزئ في هذا، والمعنى: أن الحد الأدنى هو المسنة. شرح سنن أبي داود (330/ 8).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«لا تذبحوا» هذا نهي، والمراد: لا تذبحوا في الأضاحي، وليس نهيًا مطلقًا؛ لأن ما هو صغير من المواشي يذبح في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا يضر. فتح ذي الجلال والإكرام(6/ 84).
قوله: «إلا أن يَعْسُرَ عليكم»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إلا أن يَعْسُرَ عليكم» والعُسر قد يكون لغلاء ثمنها، وقد يكون لفقدها وعزِّتها( ). مرقاة المفاتيح (3/ 1079).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«إلا أن يَعْسُرَ عليكم» أي: ذبحها، بألا تجدوها. شرح المصابيح (2/ 261).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- معلقًا على ابن الملك:
الظاهر أي: يَعْسُرَ عليكم أداء ثمنها. مرقاة المفاتيح (3/ 1079).
قال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
«إلا أن يَعْسُرَ عليكم» أي: إلا أن يشق عليكم أن تذبحوا الثني. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (9/ 300).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وهذا الخبر وما فيه من التقييد للعسرة؛ لبيان الأكمل، أي: يسن لكم أن تؤثروا المسنة، فإن عجزتم فجذعة ضأن، بدليل الخبر الآخر: «نعمت الأضحية الجذع من الضأن». فتح الإله في شرح المشكاة (5/330).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
والمعروف عند أكثر العلماء: أن هذا إنما هو للاستحباب وليس للإيجاب، ومعنى ذلك: أنه يمكن أن يذبح الجذع من الضأن مع وجود المسنة، فيحمل هذا الذي جاء في الحديث على الاستحباب لا على الوجوب؛ لأنه قد جاءت أحاديث دالة على جواز ذبح الجذع. شرح سنن أبي داود (330/ 8).
قوله: «فتذبحوا جذعة من الضأن»:
قال ابن الجوزي -رحمه الله-:
الجذعة من الضأن: ما كمل له ستة أشهر، ودخل في السابع، فأما من المعز فما له سنة وقد دخل في الثانية. كشف المشكل (3/ 100).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
والجذع من الضأن ما تم له ستة أشهر، قالوا: وله علامة، وهي أن الصغير من الضأن يكون شعر ظهره واقفًا، فإذا صار جذعًا، فإنه ينام الشعر على الظهر، وهذا ربما تكون علامة مقربة، لكن المدار على ما تم له ستة أشهر. فتح ذي الجلال والإكرام (6/ 84).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«فتذبحوا جذعة من الضأن» وهي ما تم له سنة، وقيل: ستة أشهر، نعم إن أجذع قبل سنة أجزأ، لا من البقر، وهو ما دخل في الخامسة، ولا من المعز، وهو ما دخل في الثانية، ومع إجزاء جذعهما اتفقوا عليه، وألحق به الزهري جذع الضأن، وخالفه الأكثرون. فتح الإله في شرح المشكاة (5/330).
وقال المازري -رحمه الله-:
«فتذبحوا جذعة من الضأن» قيل: يصحّ حمل هذا على الاستحباب للمُكثر أنْ يذبح فوق سنّ الجذعة لا على أنهّا لا تجزئ أصلًا، كيف وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «إلا أن تَعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن»؛ فلو كانت لا مدخل لها في الأضاحي لم يقُل هذا، كما لم يقل ما لا يجزئ من الحيوان. المعلم بفوائد مسلم (3/ 91).
وقال النووي -رحمه الله-:
هذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال، وهذا مجمع عليه على ما نقله القاضي عياض، ونقل العبدري وغيره من أصحابنا عن الأوزاعي أنه قال: يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن، وحكي هذا عن عطاء. شرح صحيح مسلم (13/ 117).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والحديث: دليل على أنه لا يجزئ الجذع من الضأن في حال من الأحوال إلا عند تعسر المسنة...(و)ذهب كثيرون إلى إجزاء الجذع من الضأن مطلقًا، وحملوا الحديث على الاستحباب بقرينة حديث أم بلال: أنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ضحوا بالجذع من الضأن» أخرجه أحمد وابن جرير والبيهقي، وأشار الترمذي إلى حديث: «نعمت الأضحية الجذع من الضأن»، وروى ابن وهب عن عقبة بن عامر بلفظ: «ضحينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجذع من الضأن».
قلتُ: ويحتمل أن ذلك كله عند تَعسر المُسنة. سبل السلام (2/ 535).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «فتذبحوا جذعة من الضأن» هذا خصوص أنه لا يجزئ من غير الضأن، وهو موضع بيان، ولا خلاف بين العلماء: أنه لا يجزئ الجذع إلا من الضأن وحدها. إكمال المعلم (6/ 408).
وقال ابن حجر -رحمه الله- متعقبًا:
وأغرب عياض فحكى الإجماع على عدم الإجزاء، قيل: والإجزاء مصادر للنص، ولكن يحتمل أن يكون قائله قيد ذلك بمن لم يجد غيره، ويكون معنى نفي الإجزاء عن غير من أذن له في ذلك محمولًا على مَن وجد. فتح الباري (10/ 15).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما الجذع من الضأن، فمذهبنا ومذهب العلماء كافة: يجزئ سواء وجد غيره أم لا، وحكوا عن ابن عمر والزهري أنهما قالا: لا يجزئ، وقد يحتج لهما بظاهر هذا الحديث. شرح صحيح مسلم (13/ 117).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
قال الجمهور: هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل، وتقديره: يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتم، فجذعة ضأن، وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن، وأنها لا تجزئ بحال.
وقد أجمعت الأمة أنه ليس على ظاهره؛ لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه، وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه، فتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب -والله أعلم-. شرح صحيح مسلم (13/ 117).
وقال ابن حجر -رحمه الله- معلقًا على كلام النووي:
قلتُ: ويدل للجمهور الأحاديث الماضية قريبًا، وكذا حديث أم هلال بنت هلال عن أبيها رفعه: «يجوز الجذع من الضأن أضحية» أخرجه ابن ماجه، وحديث رجل من بني سليم، يقال له: مجاشع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الجذع يوفي ما يوفي منه الثني» أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وأخرجه النسائي من وجه آخر، لكن لم يسم الصحابي، بل وقع عنده أنه رجل من مُزَينة، وحديث معاذ بن عبد الله بن حبيب عن عقبة بن عامر: «ضحينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بجذع من الضأن» أخرجه النسائي بسند قوي، وحديث أبي هريرة رفعه: «نعمت الأضحية الجذعة من الضأن» أخرجه الترمذي، وفي سنده ضعف. فتح الباري (10/ 15).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
الحديث دليل على أنه لا يجوز التضحية بما عدا المسنة مما دونها، ونص في أنه لا يجزئ الجذع من الضأن إلا إذا عسر على المضحي المسنة؛ فذبح الجذعة مقيد بتعسر المسنة، فلا يجوز مع عدم التعسر، وفيه أيضًا: أنه لا يجزئ الجذع من غير الضأن، لكن ذهب الجمهور مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي وغيرهم إلى أنه يجوز الجذع من الضأن؛ سواء وجد غيره أم لا. مرعاة المفاتيح (5/ 80).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
أحدها: التفريق بين النوعين (يعني: الضأن والمعز)؛ فيجزئ الجذع من الضأن، ولا يجزئ الجذع من المعز، وهذا هو المشهور من مذاهب العلماء، وهو مذهب الأئمة الأربعة، ونقل القاضي عياض وغيره الإجماع عليه، وحكى الترمذي إجزاء الجذع من الضأن عن أهل العلم من الصحابة وغيرهم.
القول الثاني: منع الجذع مطلقًا ضأنًا كان أو معزًا، ذهب إليه ابن حزم الظاهري، وحكاه عن طائفة من السلف، وأطنب في الرد على من فرق في ذلك بين الضأن والمعز، وحكاه العبدري وغيره من أصحابنا (يعني: الشافعية) عن الزهري، وحكاه ابن المنذر في الإشراف، والعِمْراني في البيان عن ابن عمر.
القول الثالث: تجويز الجذع مطلقًا، ولو من المعز، حكاه العبدري عن الأوزاعي، وحكاه صاحب البيان (وهو العِمْراني) عن عطاء بن أبي رباح، وحكاه ابن حزم عن عقبة بن عامر وزيد بن خالد، وابن عمر وأم سلمة، وحكاه الرافعي وجهًا عند الشافعية. طرح التثريب (5/191).
وقال النووي -رحمه الله-:
وحكى الرافعي وجهًا: أنه يجزئ الجذع من المعز، وهو شاذ ضعيف، بل غلط، ففي الصحيحين عن البراء بن عازب: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بردة بن نِيَار -خال البراء بن عازب-: «تجزئك -يعني: الجذعة من المعز- ولا تجزئ أحدًا بعدك» -والله أعلم-. المجموع (8/ 393).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
(الحديث) دليل: على أنه لا يجوز في الأضحية الجذع من المعز، ولا من البقر، ولا من الإبل، وهو قول أهل العلم، وإنما اختلف في إجزاء الجذعة من الضأن. المفهم (5/ 357-358).
وقال النووي -رحمه الله-:
والجذع من الضأن: ما له سنة تامة، هذا هو الأصح عند أصحابنا، وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم.
وقيل: ماله ستة أشهر.
وقيل: سبعة.
وقيل: ثمانية.
وقيل: ابن عشرة؛ حكاه القاضي، وهو غريب.
وقيل: إن كان متولدًا من بين شابين فستة أشهر، وإن كان من هرمين فثمانية أشهر. شرح صحيح مسلم (13/ 118).
وقال النووي -رحمه الله-:
أجمع العلماء على استحباب سمينها وطيبها، واختلفوا في تسمينها، فمذهبنا ومذهب الجمهور استحبابه، وفي صحيح البخاري عن أبي أمامة كنا نسمن الأضحية، وكان المسلمون يسمنون. شرح صحيح مسلم (13/ 118).
وقال القاضي -رحمه الله-:
وحكى ابن نصر عن ابن القُرطي: أنه كان يكره ذلك؛ لئلا يتشبه باليهود. إكمال المعلم (6/ 408).
وقال النووي -رحمه الله- متعقبًا:
وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك كراهة ذلك؛ لئلا يتشبه باليهود، وهذا قول باطل. شرح صحيح مسلم (13/ 118).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
اعلم أن الأضحية لا تجوز إلا من الإبل والبقر والغنم، ولم يُرْوَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه -رضي الله عنهم- التضحية من غير هذه الأقسام الثلاثة من الذبائح، والغنم صنفان: المعز والضأن، والجاموس نوع من البقر، ويجوز من جميع هذه الأقسام الثني، وهو المراد بالْمُسنة، وهو من الإبل ما استكمل خمس سنين وطعن في السادسة، ومن البقر ما استكمل سنتين، ومن الغنم -ضأنًا كان أو معزًا- ما استكمل سنة، هكذا في الهداية وهو مذهب الحنفية، والشافعية فسروا الثني من الغنم أيضًا بما استكمل سنتين، وهو المذكور في القاموس. لمعات التنقيح (3/ 573).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)