الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«لِيَلِني منكم أولو الأحلامِ والنُّهَى، ثم الذين يَلُونَهُم ثلاثًا، وإياكم وَهَيْشَاتِ الأسواقِ».


رواه مسلم برقم: (432) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«لِيَلِني»:
أي: لِيَقْرُب مني، أي: ولْيَقُمْ خلفي بُقُرْبٍ مني، والرواية الصحيحة بحذف الياء بين اللام والنون؛ لأنه أمر، والأمر مجزوم. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، للنسفي (ص: 4).

«أُوْلُو الأحلام»:
أي: العُقلاء، وقيل: البالغون. شرح أبي داود، للعيني (3/ 225).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الأحلام: واحدها حِلْم بالكسر، وكأنه من الحُلم: الأناة والتَّثبت في الأمور؛ وذلك من شعار العقلاء. النهاية (1/ 434).

«والنُّهَى»:
بضم النون جمع نُهْيَةٍ، وهو العقل الناهي عن القبائح. شرح المصابيح، لابن الملك (2/ ١٠٤).
وقال ابن سيد الناس -رحمه الله-:
الأحلام والنُّهَى بمعنى واحد، وهي العقول، واحدها: نُهْيَة، والنُّهْية بالضم واحدة النُّهَى، وهي العقول؛ لأنها تنهى عن القُبح...
وقال بعضهم: المراد بأولي الأحلام: البالغون، وبأولي النُّهَى العقلاء، فعلى الأول يكون العطف فيه من باب: أقْوَى وأَقْفَرَ بعد أمِّ الهيثم، ونحو: فألفى قولها كذِبًا ومَينًا، وهو أنَّ تَغَايُر اللفظ قام مقام تَغَايُر المعنى، وهو كثير في الكلام، وعلى الثاني يكون لكل لفظ معنى مستقل. النفح الشذي شرح جامع الترمذي (4/ 217).

«هَيْشَات»:
بفتح الهاء، وسكون الياء آخر الحروف، وبالشين المعجمة، ورُويتْ: «هَوْشات»، وأصله: من الهَوْش وهو الاختلاط، والهَوْشة: الفتنة، وبينهم تَهَاوُش أي: اختلاط واختلاف. شرح أبي داود، للعيني (3/ 227-228).
وقال أبو عبيدة -رحمه الله-:
الهَوْشة: الفِتْنَة والهيج والاختلاط، يُقال مِنْهُ: قد هَوَّش القوم إِذا اختلطوا، وكذلك كل شيء خلَطْتَه فقد هَوَّشْتَه. غريب الحديث، للقاسم بن سلام (4/ 84-85).

«يَلُونَهُم»:
أي: يقربون منهم في هذا الوصف؛ إذ ربما يحتاج إلى الاستخلاف، وليتفطَّنوا تنبيه الإمام على السهو، ولينقلوا صفة الصلاة، وكذا يقدَّمون في كل مجلس كالقضاء والدرس. مجمع بحار الأنوار، للفَتَّنِي (5/ 115).


شرح الحديث


قوله: «لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنُّهى»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنُّهى» الأحلام والنُّهى بمعنى وهي العقول، واحدها نُهية؛ لأنه ينهى صاحبه عن الرذائل، وكذلك العقول تعقله. إكمال المعلم (2/ 346).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «لِيَلِيَنِي» أي: لِيَدْنُ مني، رُوي بحذف الياء الثانية وتخفيف النون، وبإثباتها مفتوحة وتشديد النون.
وقوله: «الأحلام» جمع حِلم بالكسر بمعنى: الأناة والتثبت، وحقيقته: حفظ النفس عند هيجان الغضب، وقد يُفسَّر بالعقل. لمعات التنقيح (3/ 219).
وقال الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-:
«لِيَلِيَنِي» وإنِّي لم أرها في شيء من نُسخ الترمذي بحذف الياء، وأظن أنَّ حذفها فيه وفي غيره من تصرُّف الناسخين، وكذلك ضبط الكلمة على إثبات الياء: بفتحها وتشديد النون؛ ذهابًا منهم إلى الجادة في قواعد النحو، بجزم الفعل المعتل بحذف حرف العلة، وقد رأيتُ كثيرًا من الناسخين والعلماء يجيزون لأنفسهم تغيير ما خالف القواعد المعروفة؛ ظنًا منهم أنه خطأ. حاشيته على سنن الترمذي (1/440).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
كثير من المبتدئين فِي قراءة الحديث يقرؤون: «ليليني» ‌بإثبات ‌الياء، ‌وهو ‌غلط، ‌إنما ‌هو مجزوم بالأمر: «لِيَلِنِي»، والأحلام: العقول، والنُّهى: اسْم للعقل أيضًا؛ لأنه ينهى عن القبيح، وإنما أَمر بهذا لثلاثة معان:
أَحدها: تَفْضِيلهمْ بالتقدم.
الثاني: ليعقلوا عنه ما يُنقل مِن فعله.
والثالث: لأنه رُبَّما احتاج إليهم إِمَّا بتذكيره مَا أخل بِهِ، أَو فِي استنابتهم إِن نابه أَمر، وَفِي تقديمهم تَعْلِيم للناقصين التأدب بالتأخر. كشف المشكل (1/ 327).
وقال الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-:
«لِيَلِيَنِي» ليس هذا غلطًا كما زعم الطيبي -أي: نقلًا عن التوربشتي-، بل إثبات حرف العلة في مثل هذا ورد في الحديث كثيرًا، وله شواهد من الشِّعر، وقد بحث فيه العلامة ابن مالك في كتاب شواهد التوضيح بحثًا طويلًا. حاشيته على سنن الترمذي (1/441).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهى...» الأحلام والنُّهى بمعنى واحد وهي العقول، واحدها نُهية؛ لأنه ينهى صاحبه عن الرذائل؛ وإنما خَصَّ -صلى الله عليه وسلم- هذا النوع بالتقديم لأنه الذي يتأتى منهم التبليغ، وأن يستخلف منهم إن احتاج إليهم، وفي التنبيه على سهوٍ إن طرأ؛ ولأنهم أحقّ بالتقدم ممن سواهم لفضيلة العلم والعقل. المفهم (2/ 62).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
وقوله: «أولو الأحلام والنُّهى» يعني: العقلاء الفضلاء الذين يحفظون عنه صلاته، ويَعُونَ ما يكون منه في صلاته، وكذلك ينبغي أن يكون في الصف الأول من يَصلح أن يُلقِّنه، ومن يصلح أيضًا للاستخلاف في الصلاة. المسالك في شرح موطأ مالك (3/ 144).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «لِيَلِيَنِي» بكسر اللَّامَين وتشديد النون على التأكيد، والوَلْيُ: القُرْبُ، والمراد بيان ترتيب القيام في الصفوف، «أولو الأحلام» ذوو العقول الراجحة، واحدها حِلم بالكسر؛ لأن العقل الراجح يتسبب للحِلم والأناة والتثبت في الأمور.
قوله: «والنُّهَى» بضم نون وفتح هاء وألف جمع نُهْيَةٍ بالضم بمعنى العقل؛ لأنه ينهى صاحبه عن القبيح. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 309).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«والنُّهى» بضم النون جمع نُهْيَةٍ هي العقل؛ سميت بذلك لأنها تنهى صاحبه عن القبيح، فالعطف تفسيري؛ وإنما أمرهم -صلى الله عليه وسلم- بأن يكون الأقرب منه المذكورين لأن الصف الأول صف الملائكة، فينبغي ألا يكون فيه إلا عقلاء أصحابه وفضلاؤهم، ويجوز أن يُحْدِثَ الإِمام ما يوجِب الاستخلاف فيجد الصالح لذلك قريبًا منه. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 350).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ليس معنى الحديث: لا يلنِي إلا أُولو ‌الأحلام والنُّهى، بحيث نَطْرُد الصِّبيان عن الصَّفِّ الأوَّل، فإن هذا لا يجوز. فلا يجوز طرد الصِّبيان عن الصفِّ الأوَّل إلا أن يَحْدُثَ منهم أذيَّة، فإن لم يحدث منهم أذيَّة فإنَّ مَن سَبَقَ إلى ما لم يسبق إليه أحد أحقُّ به.
وهناك فرق بين أن تكون العبارة النَّبويَّة: لا يَلِنِي إلا أولو الأحلام، وبين قوله: ليَلِنِي أولو الأحلام، فالثَّانية تحثُّ الكبار العقلاء على التَّقدُّم، والأُوْلَى لو قُدِّر أنها هي نصُّ الحديث لكان ينهى أن يلي الإمامَ من ليس بالغًا، أو ليس عاقلًا.. شرح رياض الصالحين (3/ 236-237).

وقوله: «ثم الذين يلونهم ثلاثًا»:
قال النووي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ثم الذين يلونهم» معناه: الذين يَقْرُبون منهم في هذا الوصف. شرح صحيح مسلم (4/ 155).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وقوله: «ثم الذين يلونهم» أي: يكون المكلَّفون به على درجات، فيكون الأقرب إليه الأفضل فالأفضل. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 109).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وَقَوله: «ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ» أَي: فِي المنزلَة وَالْقدر. كشف المشكل (1/ 327).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «ثم الذين يلونهم» أي: يقربون منهم في هذا الوصف، قيل: هم المراهقون ثم الصبيان المميزون ثم النساء، والأنصار(كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يليه المهاجرون والأنصار) أي: الكبار وأهل الفضل، لا الأعراب وأمثالهم من الصغار. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 309).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «ثم الذين يلونهم ثلاثًا» فحينئذٍ يكون المراتب أربعة: الرجال، والصبيان، والخناثى، والنساء. لمعات التنقيح (3/ 221-222).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» كالمراهقين ثم الصبيان. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 350).
قال ابن علان -رحمه الله-:
«ثم الذين يلونهم ثلاثًا» أي: كرَّر ذلك ثلاث مرات، والتكرار باعتبار صفوف المأمومين: فالأولون البالغون، والثانون الصبيان، والثالثون الخناثى. دليل الفالحين (3/ 208).

قوله: «وإياكم وَهَيْشَاتِ الأسواق»:
قال التوربشتي -رحمه الله-:
وقد روي في غير هذا الحديث عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: «إياكم وهَوْشَاتِ الليل، وهَوْشَاتِ الأسواق». الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 291).
قال ابن علان -رحمه الله-:
«وإياكم» منصوب على التحذير...، أي: احذروا أنفسكم. دليل الفالحين (3/ 208).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
«وهَيْشَاتِ الأسواق» ما يكون فيها من الجَلَبَةِ وارتفاع الأصوات، وما يحدث فيها من الفتن، وأصله من الهَوْشِ وهو الاختلاط، يقال: تَهَاوَشَ القوم إذا اختلطوا ودخل بعضهم في بعض، وبينهم تَهَاوُشٌ أي: اختلاط واختلاف. معالم السنن (1/ 185).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وقوله: «وإياكم وهَيْشَاتِ الأسواق» يعني: اختلاطها وما يكون فيها من الفتن وارتفاع الأصوات، وأراد ألا يكونوا من أهلها؛ فإنه يخفى فيها الصواب، ولا يتضح فيها الحق، ويتقدم فيها كل مستحقٍّ للتأخير، ويتأخر كل مستحق للتقديم. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 109).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
و«إياكم» أي: احذروا وأَنْقُوا نفوسكم عن هَيْشَاتِ الأسواق عن أن يكون حالكم وصفتكم، و«هَيْشَات الأسواق» مختلطاتها وجماعاتها، من: الهَيْشِ، وهو الخَلْطُ والجمع، وروي بالواو، والمعنى واحد، أي: تكونوا مختلطين اختلاط أهل الأسواق، فلا يتميز الذكور عن الإناث، ولا الصبيان عن البالغين. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 336).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«وإياكم وهَيْشَاتِ الأسواق» (الهَيشاتُ) جمع: هَيْشَةٍ، ويجوز: هَوْشَة، وهي الموضع الذي فيه كثرةُ رفعِ الأصوات واختلاطُ الناس من كل صنف؛ يعني: احذروا من أن تقفوا مختلطًا العالِم والجاهِل من غير تمييز.
ويحتمل أن يكون معناه: احذروا من أن تُصَلُّوا في الأسواق وفي الموضع الذي لا يكون لكم فيه حضورٌ من كثرة الأصوات. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 225).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وإياكم وهَيْشَاتِ الأسواق» جمع هَيْشَةٍ، وهي رفع الأصوات؛ نهاهم عنها لأن الصلاة حضور بين يدي الحضرة الإلهية، فينبغي أن يكونوا فيها على السكوت وآداب العبودية.
وقيل: هي الاختلاط، والمعنى: لا تكونوا مختلطين اختلاط أهل الأسواق فلا يتميز أصحاب الأحلام والعقول من غيرهم، ولا يتميز الصبيان والإناث عن غيرهم في التقدم والتأخر، وهذا المعنى هو الأنسب بالمقام. مرقاة المفاتيح (3/ 850).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
المراد ها هنا: التحذير عن ارتفاع الأصوات في المساجد كما تُرفع في الأسواق، أو اختلاط البالغين بالصبيان، والذكور بالإناث كما يختلط أهل الأسواق، أو التشاغل بهَيْشَاتِ الأسواق وأمورها؛ فإنه مانع من أن يسبقوا ويَلُوْني.
وقيل: معناه: احذروا من أن تُصلُّوا في الأسواق، وفي المواضع التي لا يكون فيها حضور القلب من كثرة الأصوات. لمعات التنقيح (3/ 222).
وقال رشيد الكنكوهي -رحمه الله-:
وقوله: «وإياكم وهَيْشَاتِ الأسواق» دَفْعٌ لما عسى أن يُتَوهَّم أن أمر اهتمام تسوية الصفوف لا ينتظم إلا بعد الجَلَبَة الكثيرة والأصوات الشديدة العالية كما يُشاهَد في الأسواق، فنهى النبي -عليه السلام- عن ذلك، وأراد أن المسجد مما يُعَظَّم ويُوقَّر، وليس ينبغي فيه ارتفاع الأصوات وغير ذلك. الكوكب الدري على جامع الترمذي (1/ 245-246).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
المراد النهي عن أن يكون اجتماع الناس في الصلاة مثل اجتماعهم في الأسواق متدافعين متغايرين مختلفي القلوب والأفعال. نيل الأوطار (3/ 216-217).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
ويحتمل أن يكون المعنى: قُوْا أنفسكم من الانهماك في الاشتغال بأمور الدنيا؛ فإن ذلك يمنعكم عن أن تَلُوْنِي. المنهل العذب المورود (5/ 65).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
دلّ الحديث على التحذير من رفع الصوت والتشويش حال الصلاة، وعلى التحذير من الاختلاط في الصفوف، فينبغي أن يقف كلٌّ في مكان مناسبٍ له ولا يعدوه. المنهل العذب المورود (5/ 65).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وفيه: أنه يُندب تقديم الرجال؛ لفضلهم وشرفهم وليحفظوا صلاته إن نسيها فيجبرها، أو يُجعل أحدهم خليفة إن احتيج إليه، ثم الصبيان؛ لأنهم من جنسهم، ثم الخناثى؛ لاحتمال ذكورتهم، وهذا كله مستحب لا شرط، فلو خالفوا صحت صلاتهم مع الكراهة. فيض القدير (1/ 504).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا