الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«‌إذا ‌نَزل ‌أَحدُكم ‌مَنزلًا ‌فلْيَقُل: ‌أَعوذُ ‌بكلماتِ ‌اللهِ ‌التَّاماتِ ‌مِن ‌شرِّ ‌ما ‌خَلق؛ ‌فإنه ‌لا ‌يَضرهُ ‌شيءٌّ ‌حتى ‌يَرتحلَ ‌منه».


رواه مسلم برقم: (2708)، من حديث خولة بنت حكيم -رضي الله عنها-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أَعُوذُ»:
أي: أعتصمُ وألتجئُ. مرقاة المفاتيح، للقاري(2/ 627).
وقال الجوهري -رحمه الله-:
يُقال: عُذْتُ بفلانٍ واسْتَعَذْتُ به أي: لجأت إليه، وهو عِيَاذِي أي: مَلْجَئِي. الصحاح، للجوهري (2/ 566).


شرح الحديث


قوله: «إذا نزل أحدكم منزلًا»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إذا نزل أحدكم منزلًا» جديدًا سفرًا أو حضرًا، «فليقل» أول نزوله فيه.الكوكب الوهاج (25/ 92).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله- أيضًا:
«لو أن أحدكم إذا نزل» وأقام «منزلًا» أي: مكانًا من الصحراء في سفره. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (20/ 493).
وقال محمد الأُبي -رحمه الله-:
ليس ذلك خاصًّا بمنازل السفر، بل ‌عام ‌في ‌كل ‌موضع ‌جلس فيه، أو نام، وكذلك لو قالها عند خروجه للسفر، أو عند نزوله للقتال الجائز، فإن ذلك كله من الباب. إكمال إكمال المعلم (7/133).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وهو عام لكل منزل. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 223).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
وإذا قال هذا (أعوذ بكلمات الله التّامات مِن شرِّ ما خلق) في المنازل العارضة التي ينزل بها في البيت أو في الصحراء أو في السيارة؛ فلا يضره شيء حتى لو لدغته عقرب. توفيق الرب المنعم (7/ 535).

قوله: «‌فليقُل: ‌أَعوذ ‌بكلماتِ ‌الله ‌التَّامات ‌من ‌شرِّ ‌ما ‌خَلق»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«أعوذ» أي: أعتصم. مرعاة المفاتيح (8/ 171).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «أعوذ» وأتحصَّن وأتحفَّظ، «بكلمات الله التامات» أي: المنزَّهة من صفات النقص وسماته. مرشد ذوي الحجا والحاجة(20/ 393).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «‌أَعوذ ‌بكلمات ‌الله ‌التّامات» فإنَّ كَلِمَتَهُ القرآن، وَصَفَهُ بالتمام تنزيهًا له عن أن يلحقه نقص أو عيب كما يوجد ذلك في كلام الآدميين. غريب الحديث (1/ 252).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «أعوذ بكلمات الله التامات» قيل: معناه: الكاملة التي لا يدخلها نقصٌ ولا عيبٌ كما يدخل كلام البشر، وقيل: التامة: النافعة الشافية، وقيل: الكلمات هنا: القرآن. إكمال المعلم (8/ 206).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
المراد بالكلمات التامة: القرآن؛ لأنه غير مخلوق. الأزهار شرح مصابيح السنة، مخطوط، لوح (242).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقيل: الكلمات هنا هي: القرآن؛ فإنَّ الله تعالى قد أخبر عنه بأنه هدى وشفاء، وهذا الأمر على جهة الإرشاد إلى ما يُدفع به الأذى؛ ولما كان ذلك استعاذة بصفات الله تعالى، والتجاء إليه؛ كان ذلك من باب المندوب إليه، المرغَّب فيه، وعلى هذا فحقُّ المتعوِّذ بالله تعالى وبأسمائه وصفاته أن يَصدُق الله في التجائه إليه، ويتوكل في ذلك عليه، ويحضر ذلك في قلبه، فمتى فعل ذلك وصل إلى منتهى طلبه، ومغفرة ذنبه. المفهم (7/ 36).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«التامَّات» أي: التي لا يدخلها نقصٌ ولا عيبٌ كما يدخل كلامَ الناس، وقيل: هي النافعات الكافيات الشافيات من كل ما يُتَعَوَّذ به «‌من ‌شر ‌ما ‌خلق» من الأنام والهوام. السراج المنير (1/ 176).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«التامة» السالمة من النقص والعيب، والتامة في معانيها، وهو عام لكل كلماته تعالى، «‌من ‌شر ‌ما ‌خلق» عام للشرور والآفات. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 128).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
وصْفُ كلمات الله التامات بالتمام؛ لأنه لا يجوز أن يكون في شيء منها نقصٌ أو عيبٌ كما يكون في كلام الناس، وقيل: معنى التمام هنا: أنها تنفع المتعوِّذ بها، وتحفظه من الآفات وتكفيه. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 222).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«أعوذ بكلمات الله» وهي كُتُبه المنزَّلة على أنبيائه، وقيل: المراد بها صفات الله، وقد جاء الاستعاذة بها في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أعوذ بعزة الله وقدرته».
«التامات» وصَفَها بالتمام لعرائها عن النقص والانفصام. مبارق الأزهار (1/171).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
«كلمات الله» جميع ما أنزله على أنبيائه؛ لأن الجمع المضاف إلى المعارف يقتضي العموم، وتمامها: خلوُّها عن التناقض والاختلاف، وعدم تطرُّق الخلل إليها، وتعلق الريب بأذيالها. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 421).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
ووَصْفُها بالتمام: لخلوِّها عن العوارض والنواقص. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 372).
وقال أبو بكر البيهقي -رحمه الله-:
وفي هذا إثبات صفة الكلام لله -عزَّ وجلَّ-، وإنما قال: «بكلمات» على طريق التعظيم. الاعتقاد (ص: 86).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «من شرِّ ما خلق» هو المتعوِّذ منه، وهو عام لكل شيء مخلوق. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 222).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «من شر ما خلق» فيه إيماء إلى أنَّ المخلوق من حيث هو مخلوق لا يخلو من شر، ويمكن أن يجيء منه الشر. مرقاة المفاتيح (4/ 1682).

قوله: «فإنه لا يضره شيءٌّ حتى يَرتحل»:
قال الملطي -رحمه الله-:
«فإنه لا يضرُّه شيء حتى يرتحل منه» أي: يبقى محفوظًا بها حتى يرتحل. المعتصر من المختصر من مشكل الآثار (2/ 224).
وقال محمد الأُبي -رحمه الله-:
قوله: «لم يضره شيء» أي: من هوام، أو سارق، أو غير ذلك؛ لأنها نَكِرة في سياق النفي. إكمال إكمال المعلم (7/133).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «لم يضره في ذلك المنزل شيء» أي: وعمومه يشمل الفزع والأرق، ونحو ذلك. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (2/ 365).
وقال الباجي -رحمه الله-:
«فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل» يريد -والله أعلم- أنَّ تعوُّذه إنما يتناول مدة مقامه فيه، والله أعلم وأحكم. المنتقى شرح الموطأ (7/ 303).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«مِن مَنْزِلِه ذلك» ومعنى تخصيص الأمن بالمكان الذي نزل فيه وبامتداده إلى زمن الارتحال مما يُفوَّض إلى الشارع. مبارق الأزهار (1/171).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«حتى يرتَحِلَ منه» قال بعض الكاملين: تخصيصه بالزمن المعين لأن المراد بالضرر المنفي ما يكون جسمانيًّا، وأعظم ما فيه الموت، فلو لم يختص بالزمن دخل فيه الأمور الكلية التي لا دخل للدعاء فيها، فلا بد من التخصيص؛ ليبقى على جزئيته، فيفيد الدعاء. فيض القدير (5/ 306).
وقال المناوي -رحمه الله-:
ويحصل ذلك لِكلِّ داعٍ بقلبٍ حاضرٍ وتوجُّه تَامٍّ، ولا يختص بمجاب الدعوة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 304).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وهذه عُوْذَةٌ ينبغي ألا يتركها نازلٌ منزلًا في سفر أو إقامة. التنوير شرح الجامع الصغير(9/ 128).
وقال محمد الأُبي -رحمه الله-:
وشرط نفع ذلك: النية والحضور، فلو قاله أحد واتفق أنه ضرَّه شيء حُمل على أنه لم يَقلْه بِنِيَّةٍ، ومعنى النيَّة: أنْ يستحضر أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أرشده إلى التحصُّن به، وأنَّه الصادق المصدوق. إكمال إكمال المعلم (7/133-134).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
عليه أن يتدبر هذا الذكر ويتأمله، ويحسن ظنَّه بالله -عزّ وجلّ-، فإنه لا يضرهُ شيء حتى يرحل من منزله ذلك. توفيق الرب المنعم (7/ 535).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
هذا خبر صحيح، وقول صادق، علِمنا صدقَه دليلًا وتجربةً، فإني منذ سمعتُ هذا الخبر عملتُ عليه، فلم يضرني شيءٌ إلى أن تركتُه، فلدغتني عقربٌ بالمهديَّة ليلًا، فتفكَّرت في نفسي، فإذا بي قد نسيتُ أن أتعوَّذ بتلك الكلمات، فقلت لنفسي -ذامًّا لها وموبخًا- ما قاله -صلى الله عليه وسلم- للرجل الملدوغ: «أما إنكَ لو قلتَ حين أمسيتَ: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرَّك». المفهم (7/ 36).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وقد استدل أئمة السُّنة -كأحمد وغيره- على أن كلام الله غير مخلوق: بأنه استعاذ به فقال: «مَن نَزَل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامة من شرِّ ما خَلَق؛ لم يضرّه شيء حتى يرتحل منه». مجموع الفتاوى (6/ 230).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- أيضًا:
قال أحمد وغيره: ولا يجوز أن يقال: أعيذك بالسماء أو بالجبال أو بالأنبياء أو بالملائكة أو بالعرش أو بالأرض، أو بشيء مما خلق الله، ولا يتعوذ إلّا بالله أو بكلماته. التسعينية (2/ 463).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وفي الاستعاذة بكلماتِ الله أبينُ دليلٍ على أنَّ كلامَ الله منه تباركَ اسمُه، وصفةٌ من صفاتِه، ليس بمخلُوق؛ لأنه محُالٌ أن يُستعاذَ بمخلُوق، وعلى هذا جماعةُ أهل السُّنة، والحمدُ لله. التمهيد (16/ 84).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فيه (الحديث) رد على ما كان يفعله أهل الجاهلية من كونهم إذا نزلوا منزلًا قالوا: نعوذ بسيِّد هذا الوادي، ويَعْنُون به كبير الجن، ومنه قوله تعالى في سورة الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِن الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِن الجِنِّ فَزَادُوهُم رَهَقًا} الجن: 6.
وفيه إيماء إلى حقيقة التفريد، وحقيقة التوحيد؛ فإن غيره تعالى لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا يملك موتًا، ولا حياتًا، ولا نشورًا. مرقاة المفاتيح (4/ 1682).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: استحباب التعوذ بصفات الله تعالى إذا نزل منزلًا في سفر أو حضر، وأن من قال ذلك عُصم من كل شر. تطريز رياض الصالحين (ص: 574).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1. منها: استحباب هذا الدعاء عند نزول مكان مَخُوف.
2. ومنها: أنَّ نَفْع هذا الدعاء ونحوه من الأدعية النبوية لا بدّ أن يكون بنيّة صادقة، وعزم قويّ، وقد جرّبه الصادقون، فوجدوا أثره...
3. ومنها: مشروعيّة الاستعاذة بكلام الله -سبحانه وتعالى-. البحر المحيط الثجاج (42/274- 275).


ابلاغ عن خطا