شَهِدْتُ الأضحى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم يَعْدُ أن صلَّى وفَرغ من صلاتهِ سَلَّمَ، فإذا هو يرى لحمَ أَضاحيَّ، قد ذُبِحَتْ قبلَ أنْ يَفْرُغَ من صلاتهِ، فقال: «مَن كان ذَبح أُضْحِيَّتَهُ قبلَ أنْ يُصلِّي -أو نُصَلِّي- فليذبحْ مكانها أُخرى، ومَن كان لم يذبحْ فليذبحْ باسمِ اللهِ».
رواه البخاري برقم: (5500) ومسلم برقم: (1960) واللفظ له، من حديث جُنْدُب بن سفيان -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أَضاحيَّ»:
الأضحيَّة والضَّحيَّة، والجميع الضحايا والأضاحي، وهي: الشَّاة التي يُضحى بها، أي: تذبح يوم الأضحى. المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد (3/ 153).
وقال بطال الركبي -رحمه الله-:
اشتق اسمها من الضُّحى، وهو ارتفاع الشَّمس؛ لأنها تذبح ذلك الوقت. النظم المستعذب(1/ 216).
«فلم يَعْدُ»:
بسكون العين وضمِّ الدَّال، أي: من العَدْوِ، أي: لم يتجاوز. لمعات التنقيح (3/ 587).
شرح الحديث
قوله: «شَهِدْتُ الأضحى مع رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«شهدتُ» أي: حضرتُ «الأضحى» أي: عِيده. مرقاة المفاتيح، للقاري(3/ 1087).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«شهِدتُ» بكسر الهاء؛ أي: حضرتُ. البحر المحيط الثجاج (33/ 312- 313).
قوله: «فلم يَعْدُ أن صلَّى وفَرغ من صلاتِهِ سَلَّمَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
بتشديد الياء ويخفف، أي: لم يتجاوز عن الصَّلاة إلى الخطبة، ففاجأ لحم الأضاحي، وقيل: بضمِّ العين وسكون الدَّال، أي: لم يرجع بعد أن صلَّى إلى بيته حتى رأى لحم أضاحي «قد ذبحت» قبل أن يفرغ من صلاته. مرقاة المفاتيح (3/ 1087- 1088).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فلم يعد» أي: فلم يتجاوز، وهذا إنما يقال إذا فعل الرجل شيئًا عقبه فعل آخر فورًا، أي: فلم يتجاوز «أن صلَّى وفرغ من صلاته سلَم» يعني: أنه سلَّم على الناس بعد الفراغ من صلاته فورًا. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم(20/ 398).
قوله: «فإذا هو يرى لحم أضاحي قد ذُبِحَتْ...»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فإذا هو يرى لحم أضاحي» «إذا» هي الفجائية؛ أي: ففاجأه رؤية لحم الأضاحي، و«أضاحي» بتشديد الياء، تقدَّم أنها جمع إضحيَّة بضم الهمزة، وكسرها، وقوله: «قد ذبحت» بالبناء للمجهول، والجملة حال من «الأضاحي»؛ لكون المضاف جزءًا من المضاف إليه. البحر المحيط الثجاج (33/ 313).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
والمعنى: فلم يشرع عقب فراغه من صلاة العيد في شغل آخر إلا أن سلَّم على الناس، ففاجأه رؤية لحم أضاحي ذبحت قبل فراغه من صلاة العيد. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم(20/ 398).
قوله: «فقال: مَن كان ذبح أُضْحِيَّتَهُ قبل أن يُصَلِّيَ -أو نُصَلِّيَ- فليذبح مَكَانَهَا أُخرى»:
قال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «مَن ذبح قبل أن نصلِّي» في مسلم: «قبل أن يصلِّي أو نصلِّي» الأُولَى بالياء التحتية، الثَّانية بالنُّون، وهو شكٌّ من الرَّاوي. ورواية النُّون موافقة؛ لقوله في أَوَّل الحديث: «إنها ذُبحت قبل أن يصلِّي»؛ فإن المراد صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وموافقة أيضًا لقوله في آخر الحديث: «ومن لم يكن ذبح حتى صلينا». وهذا يدلُّ على أن وقت الأضحية بعد صلاة الإمام لا بعد صلاة غيره، فيكون المراد بقوله في حديث أنس: «من كان ذبح قبل الصَّلاة» الصَّلاة المعهودة، وهي صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصلاة الأئمة بعد انقضاء عصر النبوة، ويؤيِّد هذا ما أخرجه الطحاوي من حديث جابر وصحَّحه ابن حبان: «أن رجلًا ذبح قبل أن يصلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنهى أن يذبح أحد قبل الصَّلاة». نيل الأوطار (5/ 146-147).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله -عليه السلام-: «من ذبح أضحيته قبل أن يصلِّي -أو نصلِّي- فليذبح مكانها أخرى» يقال: أضحيَّة وإضحيَّة بالضمِّ والكسر مشدَّدة الياء، وجمعها أضاحي مشدَّد الآخر، وضحيَّة وجمعها ضحايا، وأضحاه، وجمعها أضحى وأضاح، ومنه قيل: يوم الأضحى، ومنه سُمِّيت بذلك، وقيل: سُمِّيت بذلك اليوم لأن وقتها وقت ضحى النَّهار، وهو ارتفاعه، وقيس تُذكِّر الأضحى، وتميم تؤنِّثه. إكمال المعلم (6/ 398).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أو نصلِّي» أي: نحن، شكٌّ من الرَّاوي، والمآل واحد؛ إذ لم يكن هناك مصلَّى متعدِّد «فليذبح مكانها» أي: بدل تلك الذَّبيحة «أخرى» أي: أضحيَّة أخرى، فإن الأَوْلَى غير محسوبة في الأخرى...، وهذا صريح في الوجوب. مرقاة المفاتيح (3/ 1088).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فليذبح مكانها أخرى» أي: ليذبح شاة غيرها. لمعات التنقيح (3/ 555).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«فليذبح مكانها» أضحيَّة أخرى؛ لوقوع الأُولَى قبل وقتها، فكان لَغْوًا. فتح الإله في شرح المشكاة(5/307).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «مَن كان ذبح أضحيته قبل أن يصلِّي فليذبح مكانها أخرى».
...وأما وقت ذبحها: فهو عند مالك بعد صلاة الإمام وذبحه، إلا أن يؤخِّر تأخيرًا يتعدَّى فيه فيسقط الاقتداء به معتمدًا في ذلك على حديث جابر المذكور في الأصل، وهو نصٌّ في ذلك.
وعند أبي حنيفة: الفراغ من الصَّلاة دون مراعاة ذبح الإمام، ويشهد له حديث البراء؛ فإنَّه قال فيه: «من ذبح بعد الصَّلاة فقد تمَّ نسكه»، فعلَّق الذَّبح على الصَّلاة، ولم يذكر الذَّبح للإمام.
وعند الشافعي: وقتها دخول وقت الصَّلاة، ومقدار ما توقع فيه، فاعتبر الوقت دون الصَّلاة، وهو خروج عن ظواهر هذه الأحاديث، غير أنه لَمَّا صحَّ عنده: أن الأضحيَّة مخاطب بها أهل البوادي، ومن لا إمام له، ومن لا يخاطب بصلاة عيد: ظهر له أن حكمها متعلِّق بمقدار وقت الصَّلاة لأهل المصر وغيرهم، والله تعالى أعلم.
وأما على مذهب مالك: فردَّ مطلق حديث البراء إلى مقيِّد حديث جابر؛ لأنَّه قد اتِّحد الموجِب والموجَب، وقد قلنا في أصول الفقه: إن هذا النَّوع مُتَّفَق عليه عند الأصوليين. المفهم (5/ 348- 353).
وقال النووي -رحمه الله-:
واختلفوا فيما بعد ذلك؛ فقال الشافعي وداود وابن المنذر وآخرون: يدخل وقتها إذا طلعت الشَّمس، ومضى قدر صلاة العيد وخطبتين، فإن ذبح بعد هذا الوقت أجزأه سواء صلَّى الإمام أم لا، وسواء صلَّى المضحِّي أم لا، وسواء كان من أهل الأمصار أو من أهل القرى والبوادي والمسافرين، وسواء ذبح الإمام أضحيَّته أم لا.
وقال عطاء وأبو حنيفة: يدخل وقتها في حقِّ أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر الثاني، ولا يدخل في حقِّ أهل الأمصار حتى يصلِّي الإمام ويخطب، فإن ذبح قبل ذلك لم يجزه.
وقال مالك: لا يجوز ذبحها إلا بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه.
وقال أحمد: لا يجوز قبل صلاة الإمام، ويجوز بعدها قبل ذبح الإمام، وسواء عنده أهل الأمصار والقرى، ونحوه عن الحسن والأوزاعي وإسحاق بن راهويه.
وقال الثوري: لا يجوز بعد صلاة الإمام قبل خطبته وفي أثنائها.
وقال ربيعة فيمن لا إمام له: إن ذبح قبل طلوع الشَّمس لا يجزئه، وبعد طلوعها يجزئه. شرح مسلم (13/ 110- 111).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
يقتضي أن ما ذُبح قبل الصَّلاة لا يقع مجزئًا عن الأضحيَّة، ولا شكَّ أن الظَّاهر من اللفظ: أن المراد قبل فعل الصَّلاة، فإن إطلاق لفظ الصلاة وإرادة وقتها خلاف الظَّاهر.
ومذهب الشافعي اعتبار وقت الصلاة ووقت الخطبتين، فإذا مضى ذلك دخل وقت الأضحيَّة.
ومذهب غيره اعتبار فعل الصلاة والخطبتين، وقد ذكرنا أنه الظَّاهر، ولعلَّ منشأ النَّظر في هذا أن الألف واللام هل يراد بها تعريف الحقيقة؟ فإذا أريد بها تعريف الحقيقة جاز ما قاله غير الشافعي، وإذا أريد بها تعريف العهد انصرف إلى صلاة الرَّسول، ولا يمكن اعتبار حقيقة ذلك الفعل في حقِّ مَنْ ذبح بعد تلك الصَّلاة في غير ذلك الوقت، فتعيَّن اعتبار مقدار وقتها.
والحديث نصٌّ على اعتبار الصَّلاة، ولم يتعرَّضْ لاعتبار الخطبتين، لكنه لَمَّا كانت الخطبتان مقصودتين في هذه العبادة اعتبرهما الشافعي. إحكام الأحكام (1/ 342- 343).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله- أيضًا:
إلا أنه إن جرينا على ظاهره: اقتضى أنه لا تجزئ الأضحيَّة في حقِّ من لم يصلِّ صلاة العيد أصلًا.
فإن ذهب إليه أحدٌّ فهو أسعد الناس بظاهر هذا الحديث، وإلا فالواجب الخروج عن الظَّاهر في هذه الصُّورة، ويبقى ما عداها بعد الخروج عن الظَّاهر في محلِّ البحث.إحكام الأحكام (1/ 344).
وقال ابن حجر -رحمه الله- بعد نقل كلام ابن دقيق العيد:
فعلى الأوَّل يكون حُجَّة لمن قال بالوجوب على من اشترى الأضحيَّة؛ كالمالكية فإن الأضحيَّة عندهم تجب بالتزام اللسان وبنِيَّة الشَّراء وبنِيَّة الذَّبح. وعلى الثاني يكون لا حُجَّة لمن أوجب الضَّحيَّة مطلقًا، لكن حصل الانفصال ممن لم يقل بالوجوب بالأدلة الدَّالة على عدم الوجوب فيكون الأمر للندب. فتح الباري (10/ 21).
قوله: «ومَن كان لم يذبح فليذبح باسم الله»:
قال النووي -رحمه الله-:
«فليذبح باسم الله» وفي رواية: «على اسم الله» ... هو بمعنى رواية «فليذبح باسم الله» أي: قائلًا باسم الله، هذا هو الصحَّيح في معناه. شرح مسلم (13/ 111).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ويحتمل معانٍ:
أحدها: فليذبح لله، والباء بمعنى اللام، والاسم هو المسمَّى.
الثاني: فليذبح بملة الله ومشيئته.
الثَّالث: فليذبح بتسمية الله على ذبيحته؛ إظهارًا لإسلامه ومخالفةً لمن ذبح لغيره، وقمعًا للشَّيطان.
الرَّابع: تبرُّكًا باسمه، ويُمْنًا بذكره، كما يقال: سِرْ على بركة الله، وسِرْ باسم الله. إكمال المعلم (6/ 402 403).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قلتُ: ويحتمل وجهًا خامسًا: أن يكون معنى قوله: «بسم الله» مطلق الإذن في الذبيحة حينئذٍ؛ لأن السِّياق يقتضي المنع قبل ذلك والإذن بعد ذلك؛ كما يقال للمستأذن: بسم الله أي: ادخل. فتح الباري (10/ 20- 21).
وقال العيني -رحمه الله-:
واعلم به أن وقت الأضحيَّة بعد الصَّلاة يذبحها مقرونة بالتَّسمية؛ لأن كلمة (على) هنا فيها معنى المصاحبة كما في قوله: اركب على اسم الله، أي: مصاحبًا باسم الله. عمدة القاري (21/ 114).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه دليل على أن وقت التَّضحية من بعد صلاة العيد فلا تجزئ قبله، والمراد صلاة المصلِّي نفسه، ويحتمل أن يراد صلاة الإمام، وأن اللام للعهد في قوله: الصَّلاة يراد بها المذَّكورة قبلها، وهي صلاته -صلى الله عليه وسلم-. سبل السلام (2/ 533).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
والصَّحيح -إن شاء الله تعالى- أن وقتها في الموضع الذي يصلي فيه بعد الصَّلاة؛ لظاهر الخبر، والعمل بظاهره أَوْلَى، فأمَّا غير أهل الأمصار والقرى، فأوَّلُ وقتها في حقِّهم قدر الصَّلاة والخطبة بعد حلِّ الصلاة؛ لأنه لا صلاة في حقِّهم تعتبر، فوجب الاعتبار بقدرها. المغني (13/ 385).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
(فيه) دليل على أنه لا بُدَّ أن يكون الذَّبح بعد صلاة العيد، فإذا كان في مكان ليس فيه صلاة عيد فليعتبر ذلك بمقدار صلاة العيد، ولا يعتبر ما حوله، أي: لو فرض أنه في بادية قريبة من عنيزة مثلًا فليس المعتبر صلاة عنيزة، بل المعتبر قدر الصَّلاة؛ فإذا كانت صلاة العيد تَحِلُّ بعد ارتفاع الشَّمس قيد رُمْح، وعيد الأضحى يُسنُّ فيه التَّبكير في الصَّلاة فيُقدَّر بعد ارتفاع الشمس قدر رُمْح، نحو ربع ساعة تَتِمُّ فيها الصَّلاة، وإذا كان ارتفاع الشَّمس قدر رُمْح مقداره ثلث ساعة، أو ربع ساعة فيكون ابتداء الذَّبح بعد طلوع الشَّمس بنحو نصف ساعة أو خمس وثلاثين دقيقة. الشرح الممتع (7/ 459).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فإنه دالٌّ على أن وقت الذَّبح يدخل بعد فعل الصَّلاة، ولا يشترط التَّأخير إلى نحر الإمام. ويؤيِّده من طريق النَّظر: أن الإمام لو لم ينحر، لم يكن ذلك مسقطًا عن الناس مشروعية النَّحر، ولو أن الإمام نحر قبل أن يصلِّي، لم يجزئه نحوه، فدلَّ على أنه هو والناس في وقت الأضحيَّة سواء. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (33/ 341).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
وفيه دليل أن المأمورات إذا وقعت على خلاف مقتضى الأمر لم يعذر فيها بالجهل، وقد فرَّقوا في ذلك بين المأمورات والمنهيات، فعذروا في المنهيات بالنِّسيان والجهل؛ كما جاء في حديث معاوية بن الحَكَم حين تكلَّم في الصَّلاة، وَفُرِّقَ بينهما بأن المقصود من المأمورات إقامة مصالحها؛ وذلك لا يحصل إلا بفعلها، والمنهيات مزجور عنها بسبب مفاسدها؛ امتحانًا للمُكَلَّف بالانكفاف عنها، وذلك إنما يكون بالتَّعمُّد لارتكابها، ومع النِّسيان والجهل لم يقصد المكلَّف ارتكاب المنهي فعُذِرَ بالجهل فيه. إحكام الأحكام (1/ 342- 343).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«ومن لم يذبح فليذبح باسم الله» استدلَّ به من قال: متروك التَّسمية عمدًا نجس؛ فإن الأمر للوجوب، ومن لم يقل به قال: الأمر للندب، أو باسم الله، احتراز عمَّا كان يفعله المشركون من الذَّبح بأسماء آلهتهم. الكوثر الجاري (3/ 92-93).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «ومن لم يذبح فليذبح باسم الله» فيه دليل على وجوب التَّسمية عند الذبح. المفهم (5/ 355).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال المهلب (المهلب بن أبي صفرة): قد تقدَّم أن التَّسمية من سُنن الذَّبح، وفيه العقوبة في المال؛ لمخالفة السُّنَّة، والتَّعزير عليها، كما عاقب الذين استعجلوا في ذي الحُليفة، وإنما اتَّجهت العقوبة بالمنع لهم كما استعجلوه قبل وقته، من أصل السُّنَّة أن مَنِ استعجل شيئًا قبل وجوبه أنه يحرمه، كمَنِ استعجل الميراث حرمه أيضًا، ومَنِ استعجل الوطء فنكح في العِدَّة حرم ذلك أبدًا، فكذلك هؤلاء الذين عجَّلُوا بالضحايا قبل وقتها حُرموها عقوبة لهم. شرح صحيح البخاري (5/ 410).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
في هذا الحديث: دليل على جواز نحر الأضاحي وذبحها في المصلَّى، يعني: حول المصلَّى، والحكمة في ذلك: هو أن أصحاب الشَّعيرة تكون صلاتهم مقارنة للنَّحر في الزَّمان والمكان، ولإظهار الشَّعيرة. وهذه السُّنَّة تركها الناس من أزمنة متطاولة، لكن هي سُنَّة لا شكَّ. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (6/ 77).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
واستدلَّ به أيضًا من أوجب الأضحيَّة؛ وقال بالوجوب أبو حنيفة؛ ومن لم يوجب استدلَّ بحديث رواه مسلم: «إذا رأيتم هلال ذي الحِجَّة وأراد أحدكم أن يضحِّي فليمسك عن شعره وأظفاره»، فإنَّ تفويضه على إرادته دليل على عدم الوجوب، وقد دلَّ الحديث على أن كلام الإمام وغيره جائز في أثناء الخطبة إذا كان لأمر ديني. الكوثر الجاري (3/ 92-93).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1. منها: بيان وقت الأضحيَّة، وهو بعد صلاة العيد.
2. منها: بيان مشروعيّة ذبح الناس بمصلَّى العيد.
3. ومنها: مشروعيّة صلاة العيد.
4. ومنها: أن السُّنَّة صلاة العيد بالمصلَّى المعدِّ لها خارج المسجد، ولا تُصلّى في المسجد، إلا للضرورة.
5. ومنها: عدم جواز ذبح الأضحيَّة قبل الصَّلاة، فلو ذبح لزمه استبدالها بغيرها...
6. ومنها: أنه لا يذبح قبل الإمام، وفيه اختلاف بين العلماء...
7. ومنها: وجوب التَّسمية عند الذبح، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (33/ 315-316).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)