الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«أيامُ التَّشريقِ أيامُ أَكْلٍ وشُرْبٍ» وزاد فيه: «وذَكْرٍ للهِ».


رواه مسلم برقم: (1141) من حديث نُبَيْشَة الهُذَلي -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أيام التشريق»:
هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، سُمِّيت بذلك لتشريق الناس لحوم الأضاحي فيها، وهو تقديدها ونشرها في الشمس. الديباج، للسيوطي (3/ 227).
وقال الفراهيدي -رحمه الله-:
اشتقاق ‌أيام ‌التشريق من تشريقهم اللحم في الشمس بمنى، ويقال: أُخِذَ من شروق الشمس؛ وذلك وقت صلاته. العين(5/ 38).


شرح الحديث


قوله: «أيام التشريق»:
قال ابن بطال -رحمه الله-:
«‌أيام ‌التشريق» هي أيام منى، وهي الأيام المعدودات، وهي الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة. شرح صحيح البخاري (4/ 137).
وقال ابن قتيبة -رحمه الله-:
«أيام التشريق» سميت بذلك لأن لحوم ‌الأضاحي ‌تُشَرَّق فيها، ويقال: سُميت بذلك لقولهم: أشْرِق ثَبِيرُ؛ كيمَا نُغِيرُ (أي: ندْفَع للنَّحْر)، وقال ابن الأعرابي: سُميت بذلك لأن الهَدْيَ لا يُنحر حتى تشرق الشمس. أدب الكاتب (ص:96).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
و«أيام التشريق» هي الثلاثة بعد يوم النحر، وهو قول الأكثر، وقيل: بل أيام النحر، سُميت بذلك لتشريق الضحايا فيها، وهو تقديدها ونشرها للشمس، وقيل: بل لصلاة العيد عند شروق الشمس في أول يوم منها، وهذا يعضد دخول يوم النحر فيها. إكمال المعلم (4/ 96).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«‌أيام ‌التشريق» أي: الأيام التي بعد يوم النحر، وقد اختلف في كونها يومين أو ثلاثة. فتح الباري (4/ 242).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«‌أيام ‌التشريق» وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهذا قول ابن عمر وأكثر العلماء.
وروي عن ابن عباس وعطاء أنها أربعة أيام، يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وسماها عطاء: ‌أيام ‌التشريق، والأول أظهر. إرشاد الساري (3/ 418).
وقال العيني -رحمه الله-:
واختلفوا في تعيين ‌«أيام ‌التشريق» والأصح: أنها ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وقال بعضهم: بل أيام النحر، وعند أبي حنيفة ومالك وأحمد: لا يدخل فيها اليوم الثالث بعد يوم النحر. عمدة القاري (11/ 113).
وقال عبد القادر الجيلاني -رحمه الله-:
واختُلف لم ‌سُمِّيت «‌أيام ‌التشريق»؟
فقال قوم: إن المشركين كانوا يقولون: أشرِقْ ثَبِيرُ؛ كيما نُغِيرُ، يعني: ادخل في الشرق يا ثَبِيرُ، وهو اسم جبل، كيما نُغِيْرُ، أي: كيما ندفع؛ لأنهم كانوا لا يدفعون ولا يفيضون من المزدلفة إلا بعد أن تشرق الشمس، فجاء الإسلام فأبطل ذلك.
وقيل: إنما ‌سُميت ‌أيام ‌التشريق لأنهم كانوا يشرِّقون فيها لحوم الأضاحي، وتشريق اللحم: أن يُشرَّح ويُشرَّق في الشمس، ويسمى القديد شرائق اللحم.
وقيل: بل سميت بالصلاة يوم النحر، والتشريق صلاة العيد، وإنما أُخِذَ من شروق الشمس؛ لأن ذلك يكون وقتها، وسمي المصلى المشرَّق؛ لأن الناس يبرزون فيه للشمس، فسمي يوم العيد يوم التشريق لهذا المعنى، ثم صارت أيام التشريق تبعًا للعيد. الغنية لطالبي طريق الحق (2/ 84).

قوله: «أيام أكل وشرب»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أيام أكل وشرب» وفيه تغليب؛ لأن يوم النحر أيضًا يوم أكل وشرب، بل والأصل والبقية أتباعه. مرقاة المفاتيح (4/ 1418).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
«أيام ‌أكل ‌وشرب» قلتُ: وهذا أيضًا كالتعليل في وجوب الإفطار فيها، وأنها مستحقة لهذا المعنى، فلا يجوز صيامها ابتداءً تطوعًا، ولا نذرًا، ولا عن صوم التمتع إذا لم يكن المتمتع صام الثلاثة الأيام في العشر، وهو قول علي -رضي الله عنه- والحسن وعطاء وغالب مذهب الشافعي.
وقال مالك والأوزاعي وإسحاق: يصوم المتمتع أيام التشريق إذا فاتته الثلاث في العشر، وروي ذلك عن ابن عمر وعائشة وعروة بن الزبير -رضي الله عنهم-. معالم السنن (2/ 128).
وقال المازري -رحمه الله-:
وأما وصفه -صلى الله عليه وسلم- لها بأنها أيام «أكل وشرب» فيتعلق به أبو حنيفة في منع صيام أيام منى حتى للمتمتع الذي لا يجد الهدي، وبما روي: أنه نهى عن صيام أيام منى، وخالفه مالك وأجاز للمتمتع الذي لا يجد الهدي صيامها؛ لقوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} البقرة: 196 وهذه الآية نزلت يوم التروية، وهو الثامن من ذي الحجة، وشَرَطَ في القرآن أن تكون هذه الثلاثة الأيام في الحج، فإذا صام التاسع وأفطر العاشر للنهي عن صومه لم يبق لها محل في الحج إلا أيام منى؛ وذلك يقتضي صحة ما قال مالك. المعلم (2/ 59).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
قوله: «أيام أكل وشرب» أي: لا يجوز فيها الصوم؛ وذلك لأن القوم كالضيف، والضيف لا يصوم عند مضيِّفه، واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يتطوع بصومها، فأما من صامها عن فرض فيجوز عندنا (الحنابلة) في إحدى الروايتين، وفي الأخرى لا يجوز، وهو أحد قولي الشافعي، وقال مالك: لا يصح فيها إلا صوم المتمتع، وهو القول الثاني للشافعي. كشف المشكل (2/ 131).
وقال الجصاص الحنفي -رحمه الله-:
ولم يختلفوا أنه لا يصوم يوم النحر، فكذلك أيام ‌التشريق؛ لأن النهي قد ورد في الجميع، وكما لا يجوز ‌صوم هذه الأيام من قضاء شهر رمضان، ومن سائر الصيام الواجب، كذلك ‌صوم المتعة. شرح مختصر الطحاوي (2/ 546).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «أيام ‌التشريق أيام أكل وشرب» هذا المساق يدل على أن صومها ليس محرَّمًا كصوم يومي العيدين؛ إذ لم ينهَ عنها كما نهى عن صوم يوم العيدين؛ ولذلك قال بجواز صومها مطلقًا بعض السلف، ومنع أبو حنيفة صومها حتى للمتمتع الذي لا يجد الهدي، وروي عن الشافعي مثل ذلك، وأجاز مالك والشافعي -في أشهر قوليه- والأوزاعي صومها للمتمتع خاصة، وهو الصحيح؛ لما رواه البخاري عن عائشة وابن عمر أنهما قالا: لم يرخّص في ‌أيام ‌التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي. المفهم (3/ 199).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفيه دليل لمن قال: لا يصح صومها بحالٍ، وهو أظهر القولين في مذهب الشافعي، وبه قال أبو حنيفة وابن المنذر وغيرهما، وقال جماعة من العلماء: يجوز صيامها لكل أحد تطوعًا وغيره، حكاه ابن المنذر عن الزبير بن العوام وابن عمر وابن سيرين، وقال مالك والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه: يجوز صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي، ولا يجوز لغيره. شرح صحيح مسلم (8/ 17).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وفي النهي عن صيام هذه الأيام والأمر بالأكل والشرب سرٌّ حسن، وهو أن الله تعالى لما علم ما يلاقي الوافدون إلى بيته من مشاق السفر، وتعب الإحرام وجهاد النفوس على قضاء المناسك، شرع لهم الاستراحة عقب ذلك بالإقامة بمنى يوم النحر، وثلاثة أيام بعده، وأمرهم بالأكل فيها من لحوم الأضاحي، فهم في ضيافة الله تعالى فيها؛ لطفًا من الله تعالى بهم ورحمة، وشاركهم أيضًا أهل الأمصار في ذلك؛ لأن أهل الأمصار شاركوهم في النَّصَب لله تعالى والاجتهاد في عشر ذي الحجة بالصوم والذكر، والاجتهاد في العبادات، وفي التقرب إلى الله تعالى بإراقة دماء الأضاحي، وفي حصول المغفرة، فشاركوهم في أعيادهم، واشترك الجميع في الراحة بالأكل والشرب، فصار المسلمون كلهم في ضيافة الله تعالى في هذه الأيام، يأكلون من رزقه ويشكرونه على فضله؛ ولما كان الكريم لا يليق به أن يُجيع أضيافه نهوا عن صيامها. إرشاد الساري (3/ 419، 420).
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي -رحمه الله-:
ويجوز للمتمتع صوم أيام ‌التشريق خلافًا لأبي حنيفة والشافعي؛ لقوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} البقرة: 196، فعَمَّ، وروى ابن عمر أنه -صلى الله عليه وسلم-: «رخص للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم أيام العشر أن يصوم أيام ‌التشريق» وهذا كالنص؛ ولأن كل يوم لا يُصلى فيه صلاة العيد فإن صومه يصح؛ أصله سائر الأيام...، ويكره التطوع بصيامها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنها أيام أكل وشرب وبِعَال (أي: نكاح، وفي هذه الزيادة ضَعْف)» فأجراها مجرى يوم العيد، ولا يجوز اعتبار ذلك بالمتمتع؛ لأن الضرورة لا تعتبر بالاختيار. المعونة (ص:466).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
ولا يجوز ‌صيام أيام ‌التشريق تطوعًا، وفي صومها عن فرض روايتان (عن أحمد). المقنع (ص:106).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
والذي ذهب إليه الشافعي -رضي الله عنه-: أن صوم ‌أيام ‌التشريق حرام في الحج وغيره، وإن صامها لم يصح صومه، وإن نذر صومها لم ينعقد نذره.
وقال أبو حنيفة: صومها حرام، ولكن ينعقد النذر، ويلزمه أن يصوم غيرها.
وقال في القديم: يجوز للمتمتع صومها، وبه قال مالك.
وقال في الجديد: لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة. الشافي (3/ 579).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما أيام ‌التشريق فلا تقبل على الجديد، وقال في القديم: يجوز للمتمتع وللعادم للهدي صومها عن الثلاثة الواجبة في الحج، فعلى هذا هل يجوز لغير المتمتع صومها؟ وجهان: الصحيح وبه قال الأكثرون: لا يجوز.
قلتُ: وإذا جوَّزنا لغير المتمتع، فهو مختص بصوم له سبب من واجب أو نفل، فأما ما لا سبب له فلا يجوز عند الجمهور (من الشافعية) ممن ذكر هذا الوجه، وقال إمام الحرمين: هو كيوم الشك، وهذا القديم هو الراجح دليلًا، وإن كان مرجوحًا عند الأصحاب، والله أعلم. روضة الطالبين (2/ 366).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
أخذ العلماء من هذا (الحديث): أنه لا يجوز صومها لغير المتمتع الفاقد للهدي، وهذا باتفاق منهم، وأما المتمتع فمعتمد مذهبنا: أنه كذلك، فيحرم صومه ولا يصح، وللشافعي -رضي الله عنه- قول: إنه يصح واختاره غير واحد من أتباعه؛ لصحة الحديث فيه. فتح الإله (7/22).

قوله: «وزاد فيه: وذِكْرٍ للهِ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«وزاد» إسماعيل على هشيم «فيه» أي في ذلك المثل لفظة «وذكر لله» أي: وأيام ذكرٍ لله تعالى. الكوكب الوهاج (13/ 83).
وقال صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«وذِكرٍ للهِ» بالجر، عطف على «أكلٍ وشربٍ»، يعني: أنهاكم عن صومها، وآمركم بذكر الله فيها؛ صيانة عن التلهي والتشهي كالبهائم، فعقَّب الأكل والشرب بذكر الله؛ لئلا يستغرق العبدُ في حظوظ نفسه، وينسى في هذه الأيام حق الله تعالى. منة المنعم (2/ 181).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «وذكر لله» فيه حجة لندبية التكبير في أيام العيد. المفهم (3/ 200).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
ومعنى ذلك عند أهل العلم: ذكر الله مع رمي الجمار هناك، وفي سائر الأمصار تكبير أدبار الصلوات، والله أعلم. التمهيد (7/ 490).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
ثم أتبعهما بذكر الله؛ صيانة عن التلهي والتشهي كالبهائم، بل يكونان إعانة على ذكرِ الله وطاعته، والله أعلم بالصواب. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 2008).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
خَتَمَ بالذِّكْر لئلا يُتوهم من إضافتها للأولين (الأكل والشرب) وكون الناس فيها أضياف الله تعالى أنَّها أيام لهو ولعب، فعظمهم عن ذلك بمنعهم من استرسالهم في شهواتهم، وإيقاظهم إلى أنهم إنما خُلِقُوا لعبادة الله، ودوام ذكره. فتح الإله (7/22).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وذكر الله في هذه الأيام نوعان:
أحدهما: مقيد عقيب الصلوات.
والثاني: مطلق في سائر الأوقات. فتح الباري (9/ 21).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «وذكر الله» لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} البقرة: 203؛ وذلك بالتكبير أدبار الصلاة، وعند ذبح القرابين، ورمي الجمار، وغيرها في هذه الأيام. لمعات التنقيح (4/ 482).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال المهلب: العمل في أيام التشريق هو ‌التكبير ‌المسنون، وهو أفضل من صلاة النافلة؛ لأنه لو كان هذا الكلام حضًّا على الصلاة والصيام في هذه الأيام لَعَارَض قوله -عليه السلام-: «أيام أكل وشرب»، وقد نهى عن صيام هذه الأيام، وهذا يدل على تفريغ هذه الأيام للأكل والشرب واللذة، فلم يبق تعارض إذا عنى بالعمل التكبير. شرح صحيح البخاري (2/ 561).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
العمل في أيام التشريق ‌لا ‌ينحصر ‌في ‌التكبير، بل المتبادر منه إلى الذهن أنه هو المناسك، من الرمي وغيره الذي يجتمع بالأكل والشرب. الكواكب الدراري (6/ 75).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفي الحديث: استحباب الإكثار من الذكر في هذه الأيام من التكبير وغيره. شرح صحيح مسلم (8/ 17).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
الحديث دليل على أن أيام التشريق أيام أكل وشرب وإظهار للفرح والسرور، فهي أيام عيد لا أيام إمساك، قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: «يومُ عرفةَ ويومُ النَّحرِ وأيام التَّشْرِيقِ عيدنا أهل الإسلامِ»....
(وفي) الحديث دليل على أنَّ هذه الأيام أيام ذكر لله تعالى؛ وذلك بالتكبير عقب الصلوات، وفي كل الأوقات والأحوال الصالحة لذكر الله تعالى...
(وفي) الحديث دليل على أنه لا يجوز صيام أيام التشريق مطلقًا، لا للحاج ولا لغيره؛ لأن هذه الأيام ليست أيام صيام؛ لأنها أيام عيد، فلا يجوز صيامها ولو وافق ذلك عادة الإنسان؛ كيوم الاثنين أو الخميس، أو أول أيام البيض؛ فإنه لا يصوم، ويستثنى من ذلك المتمتع الذي لم يجد الهدي؛ فإنه يجوز له صيام أيام التشريق الثلاثة على الراجح من أقوال أهل العلم، ومنهم من أجاز صومها مطلقًا، ومنهم من منع صومها مطلقًا، وهي أقوال نسبت لبعض الصحابة والتابعين. منحة العلام شرح بلوغ المرام (ص: 76-77).


ابلاغ عن خطا