الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«مع الغلامِ عقيقةٌ، فأَهْرِيقُوا عنه دمًا، وأَمِيطُوا عنه الأذى».


رواه البخاري برقم: (5471)، من حديث سلمان بن عامر ‌الضَّبِّيِّ -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«عقيقة»:
العقيقة: أصلها الشَّعر الذي يكون على رأس الصَّبي حين يولد، وإنَّما سُمِّيت الشَّاة التي تذبح عنه في تلك الحال عقيقة؛ لأنه يُحلق عنه هذا الشَّعر عند الذبح. غريب الحديث، لأبي عبيد (2/ 154).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وقال بعضهم: العقيقة: الشَّاة نفسها، وسُمِّيت عقيقة؛ لأنها تُعقُّ مذابِحُها، أي: تُشقُّ وتقطع، يقال: عقَّ البرق في السَّحاب وانعقَّ: إذا تشقق، ومنه عقوق الولد. كشف المشكل (4/ 171).

«فأهريقوا»:
يقال: هَرَاق الماء يُهَرِقَهُ بفتح الهاء، هِراقة، أي: صبَّه. الصحاح، للجوهري (4/ 1569).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
بهمزة قطع، أي: صُبُّوا عنه. إرشاد الساري(8/ 253).

«أميطوا»:
أي: أزيلوا وزنًا ومعنىً. فتح الباري، لابن حجر (9/ 593).
وقال الحميدي -رحمه الله-:
الإماطة: الإزالة، يقال: أماط عنه الأذى إذا أزاله عنه. تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي (ص: 456).

«الأذى»:
يريد الشَّعر والنَّجاسة، وما يخرج على رأس الصَّبي حين يولد، يُحلق عنه يوم سابعه. النهاية، لابن الأثير (1/ 34).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
إنما كان ذلك الشَّعْر أذى؛ لأنه قد عَلق به دم الرَّحم، وقيل: كانوا يُلطِّخون رأس الصَّبي بدم العقيقة وهو أذى، فنُهوا عن ذلك. كشف المشكل(4/ 171).


شرح الحديث


قوله: «مع الغلام عقيقة»:
قال البيضاوي -رحمه الله-:
«مع الغلام عقيقة» أي: مع ولادته عقيقة مسنونة، وهي شاة تذبح عن المولود اليوم السَّابع من ولادته، سُمِّيت بذلك؛ لأنها تذبح حين تُحلق عقيقته، وهو الشَّعر الذي يكون على المولود حين يولد، من العقِّ وهو القطع؛ لأنه يُحلق ولا يُترك. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 97).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«مع الغلام عقيقة» أي: مع ولادته مسنونة أو مشروعة. والعقيقة -ها هنا- الشَّاة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، وهي في الأصل ‌صوف ‌الجَذَعِ وشعر كُلِّ مولود من الناس والبهائم الذي يولد عليه، ومنه سُمِّي ما يذبح عن المولود عقيقة؛ لأنها تذبح يوم حلق عقيقته؛ وقيل: بل لأن حلقومها شُقَّ، والعقُّ في الأصل: الشَّقُّ والقطع. الميسر في شرح مصابيح السنة (3/ 947).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «مع الغلام عقيقة» يعني: مع ولادة الغلام تذبح شاة، ويصنع بها ما يصنع بلحم الأضحية. والعقيقة: اسم تلك الشَّاة، ويستحبُّ أن تذبح العقيقة يوم السَّابع، ويُسمَّى المولود يوم السَّابع، ويُحلق رأسه يوم السَّابع، ويُتصدَّق بزنة شعره فِضَّة، فإن لم يتيسَّرْ ذبح العقيقة في السَّابع يذبح في الرَّابع عشر، فإن لم يتيسَّرْ فيه ففي الحادي والعشرين.
وقال الحسن البصري: يُطلى رأس الصَّبي بدم العقيقة، وكَرِهَهُ الأكثرون. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 491).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «مع الغلام عقيقة» تمسَّك بمفهومه الحسن وقتادة فقالا: يُعقُّ عن الصَّبي، ولا يُعقُّ عن الجارية، وخالفهم الجمهور، فقالوا: يُعقُّ عن الجارية أيضًا. وحُجَّتهم الأحاديث المصرِّحة بذكر الجارية، فلو ولد اثنان في بطن استُحِبَّ عن كُلِّ واحد عقيقة، ذكره ابن عبد البر عن الليث، وقال: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافه. فتح الباري (9/ 592).

قوله: «فأهريقوا عنه دمًا»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
«فأهريقوا عنه دمًا» أي: ذبحوها عنه. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (9/ 612).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «فأهريقوا» حكم مرتَّب عليه الوصف المناسب المشعر بالعلِّيَّة، أي: مقرون مع الغلام ما هو سبب لإهراق الدَّم، فالعقيقة هي ما تصحب المولود من الشَّعر.
والمراد بإهراق الدَّم العقيقة من الشَّاة، فيكون ذبح الشَّاة وإزالة الشَّعر مرتَّبان على ما يصحب الغلام. الكاشف عن حقائق السنن (9/ 2831-2832).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«فأهريقوا عنه» بهمزة قطع فصبُّوا عنه «دمًا» شاتين بصفة الأضحية عن الغلام وشاة عن الجارية، رواه الترمذي وأبو داود والنسائي؛ لأن الغرض استبقاء النَّفس فأشبهت الدِّية؛ لأن كلًّا منهما فداء للنَّفس، وتعيَّن بذكر الشَّاة الغنم للعقيقة، وبه جزم أبو الشيخ الأصبهاني، وقال البندنيجي من الشافعية: لا نصَّ للشافعي في ذلك، وعندي لا يجزئ غيرها، والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضًا؛ لحديث عند الطبراني عن أنس مرفوعًا: «يُعقُّ عنه من الإبل والبقر والغنم». إرشاد الساري (8/ 253).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
العقيقة فرض واجب، يُجبر الإنسان عليها إذا فضل له عن قوته مقدارها، وهو أن يذبح عن كُلِّ مولود يولد له حيًّا أو ميِّتًا بعد أن يكون يقع عليه اسم غلام أو اسم جارية، إن كان ذكرًا فشاتان، وإن كان أنثى فشاة واحدة، يذبح كُلُّ ذلك في اليوم السَّابع من الولادة، ولا تجزئ قبل اليوم السَّابع أصلًا، فإن لم يذبح في اليوم السَّابع ذبح بعد ذلك متى أمكن فرضًا، ويؤكل منها، ويهدى ويتصدَّق، هذا كُلُّه مباح لا فرض، ويُعدُّ في الأيام السَّبعة التي ذكرنا يومُ الولادة ولو لم يبق منه إلا يسير. المحلى بالآثار (6/ 234).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
واختلفوا في وجوب العقيقة، فأوجبها الحسن البصري وأهل الظَّاهر، وتأوَّلُوا قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مع الغلام عقيقته» على الوجوب.
وقال مالك والشَّافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق: العقيقة سُنَّة يجب العمل بها، ولا ينبغي تركها لمن قدر عليها.
وقال الكوفيون (الأحناف): ليست بسُنَّة، وقولهم خلاف ما عليه العلماء من التَّرغيب فيها والحضَّ عليها، ألا ترى قول مالك: إنها من الأمر الذي لم يزل عليه أمر الناس عندنا.
وقال محمد بن الحسن: العقيقة تطوُّع، ونسخَها ذبح الأضحى، ولا أصل لقوله؛ إذ لا سلف له، ولا أثر به، وروى أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: «أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عقَّ عن الحسن والحسين بكبشين، كبش عن كُلَّ واحد منهما».
وروى حماد بن سلمة، عن عبدالله بن خثيم، عن يوسف بن مَاهِك، عن حفصة بنت عبد الرحمن، عن عائشة قالت: «أمرنا رسول الله أن نَعِقَّ عن الغلام بشاتين، وعن الجارية بشاة». وبه قال مكحول، فإن قيل: فأيهم الصَّحيح من هذه الآثار؟
قال الطبري: كلاهما صحيح، والعمل بأي ذلك شاء العامل فعل؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا صحَّ عنه أنه عقَّ عن الحسن والحسين شاة شاة عن كُلِّ واحد منهما، ولم يأتنا خبر أن ذلك خاصٌّ لهما، عُلِمَ أن أمره بالعقِّ عن الغلام بشاتين إنما هو أمر ندب لا أمر إيجاب، وأنَّ لأُمَّته الخيار في أي ذلك شاؤوا.
وقد رأى قوم أن العقيقة سُنَّة في الذُّكور، غير سُنَّة في الإناث، روي ذلك عن أبي وائل والحسن، وإلا لَمَا عقَّ -عليه السلام- عن الحسن والحسين، فالسُّنَّة في كُلِّ مولود من الذُّكران مثل السُّنَّة فيهما.
وأمَّا الإناث فلم يصِحَّ عندنا عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بالعقيقة عنهُنَّ، ولا أنه فعل ذلك، إلا أن الذي مضى عليه السَّلف بالمدينة، وانتشر في بلدان المسلمين أن يُعقَّ عن الغلام والجارية، قال يحيى بن سعيد: أدركت الناس وما يَدَعُون العقيقة عن الغلام والجارية. قال الطبري: والدَّليل على أنها غير واجبة تركُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بيان مَنْ يجب ذلك عليه في المولود، هل هو الأب أو المولود أو إمام المسلمين؟ ولو كان ذلك فرضًا لبيَّن -صلى الله عليه وسلم- مَنْ يلزمه ذلك، فمن عقَّ عن المولود من والديه أو غيرهما كان بذلك محسنًا؛ ألا ترى أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- عقَّ عن الحسن والحسين دون أبيهما؟ ولو وجب ذلك على والد المولود لَمَا أجزأ عن علي عقُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ابنيه، كما أن عليًّا لو لزمه هدي من جزاء صيد أو نذر لم يُجْزِهِ إهداء مهد عنه إلا بأمره.
وفي عَقِّه -صلى الله عليه وسلم- عنهما من غير مسألة عليٍّ إياه ذلك الدليل الواضح على أنها لم تجب على عليٍّ، وإذا لم تجب عليه فهو أبعد من وجوبها على فاطمة، ولا نعلم أحدًا من الأئمة أوجبها إلا الحسن البصري، وقد أبطل وجوبها بقوله: إن الأضحى يجزئ عنها؛ لأن الأضحى نسك غيرُ العقيقة، ولو أجزأت منها صار الأضحى يجزئ من فدية حلق الرأس للمحرم، ومن هدي واجب عليه.
وفي إجماع الجميع أن الأضحى لا يجزئ عن ذلك الدليل الواضح أنها لا تجزئ من العقيقة، وهي سُنَّة. شرح صحيح البخاري (5/ 374-377).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فأهريقوا عنه دمًا» كذا أبهم ما يُهْرَاق في هذا الحديث، وكذا في حديث سمرة وفسَّر ذلك في عِدَّة أحاديث منها: حديث عائشة أخرجه الترمذي، وصحَّحه من رواية يوسف بن ماهك: أنهم دخلوا على حفصة بنت عبدالرحمن، أي: ابن أبي بكر الصِّدِّيق، فسألوها عن العقيقة فأخبرتهم «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة»، وأخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث أُمِّ كُرْز أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن العقيقة فقال: «عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة واحدة، ولا يضرُّكم ذكرانًا كُنَّ أو إناثًا». قال الترمذي: صحيح، وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه أثناء حديث قال: «مَنْ أحبَّ أن يَنْسُكَ عن ولده فليفعل؛ عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة». قال داود بن قيس راوية عن عمرو: سألت زيد بن أسلم عن قوله: «مكافئتان؟» فقال: «متشابهتان تذبحان جميعًا» أي: لا يؤخِّر ذبح إحداهما عن الأخرى.
وحكى أبو داود عن أحمد: المكافئتان المتقاربتان، قال الخطابي: أي: في السِّنِّ، وقال الزمخشري: معناه: متعادلتان لِمَا يجزئ في الزَّكاة وفي الأضحية، وأولى من ذلك كُلِّه ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أُمِّ كُرْز من وجه آخر عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ: «شاتان مِثْلان». ووقع عند الطبراني في حديث آخر قيل: «ما المكافئتان؟» قال: «المثلان». وما أشار إليه زيد بن أسلم من ذبح إحداهما عقب الأخرى حسن، ويحتمل الحمل على المعنيين معًا، وروى البزار وأبو الشيخ من حديث أبي هريرة رفعه: «أن اليهود تعقُّ عن الغلام كبشًا، ولا تعقُّ عن الجارية، فعقُّوا عن الغلام كبشين، وعن الجارية كبشًا». وعند أحمد من حديث أسماء بنت يزيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «العقيقة حقٌّ عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة».
وعن أبي سعيد نحو حديث عمرو بن شعيب أخرجه أبو الشيخ، وتقدَّم حديث ابن عباس أول الباب. وهذه الأحاديث حُجَّة للجمهور في التَّفرقة بين الغلام والجارية، وعن مالك هما سواء، فيُعقُّ عن كُلِّ واحد منهما شاة، واحتُجَّ له بما جاء «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عقَّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا» أخرجه أبو داود، ولا حُجَّة فيه، فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ: «كبشين كبشين»، وأخرج أيضًا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله، وعلى تقدير ثبوت رواية أبي داود فليس في الحديث ما يُردُّ به الأحاديث المتواردة في التَّنصيص على التَّثنية للغلام، بل غايته أن يدلَّ على جواز الاقتصار، وهو كذلك؛ فإن العدد ليس شرطًا بل مستحبٌّ. وذكر الحليمي أن الحكمة في كون الأنثى على النِّصف من الذَّكر أن المقصود استبقاء النَّفس، فأشبهت الدِّية، وقوَّاه ابن القيم بالحديث الوارد في أن «مَنْ أعتق ذكرًا أعتق كُلَّ عضو منه، ومَنْ أعتق جاريتين كذلك»، إلى غير ذلك مما ورد. ويحتمل أن يكون في ذلك الوقت ما تيسَّر العدد،. واستَدَلَّ بإطلاق الشَّاة والشاتين على أنه لا يشترط في العقيقة ما يُشترط في الأضحية، وفيه وجهان للشافعية، وأصحُّهما يشترط، وهو بالقياس لا بالخبر، ويُذْكر الشَّاة والكبش على أنه يتعيّن الغنم للعقيقة، وبه ترجم أبو الشيخ الأصبهاني، ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وقال البندنيجي من الشافعية: لا نصَّ للشافعي في ذلك، وعندي أنه لا يجزئ غيرها، والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضًا.
وفيه حديث عند الطبراني وأبي الشيخ عن أنس رفعه: «يُعقُّ عنه من الإبل، والبقر والغنم». ونصَّ أحمد على اشتراط كاملة، وذكر الرَّافعي بحثًا أنها تتأدَّى بالسَّبع كما في الأضحية، والله أعلم. فتح الباري (9/ 592-593).

قوله: «وأميطوا عنه الأذى»:
قال ابن بطال -رحمه الله-:
وإماطة الأذى عن الصَّبي هو حلق الشَّعر الذي على رأسه. شرح صحيح البخاري (5/ 374).
وقال ابن بطال -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «أميطوا» يعني: أزيلوا وأنقوا.
قال المهلب: ومعنى أمره -صلى الله عليه وسلم- بإماطة الأذى عنه، وإراقة الدَّم يوم سابعه نسيكة لله تعالى ليبارك فيه، تفاؤلًا بطهرة الله له بذلك، وليس ذلك على الحتم لِمَا تقدَّم من تسميته -صلى الله عليه وسلم- لابن أبي طلحة وابن الزبير، وتحنيكه لهما قبل الأسبوع.
وروى مالك في الموطأ أن فاطمة بنت رسول الله وزنت شعر حسن وحسين، فتصدَّقت بزنته فِضَّة. شرح صحيح البخاري (5/ 374).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
«وأَميطوا عنه الأذى» قيل: أراد حَلْقَ شعره، وقيل: الخِتان، وقيل: المرادُ: لا تُقَرِّبوه الدَّمَ، كما كانت الجاهلية تفعله. مصابيح الجامع (9/ 140-141).
وقال الطبري -رحمه الله-:
قوله: «أميطوا عنه الأذى» قال الحسن: إماطة الأذى حلق الرأس، والأكثر على خلافه، والأذى أعمُّ من ذلك. غاية الأحكام (5/390).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
وفيه: «وأميطوا عنه الأذى» قيل: أراد به حلق شعر المولود، وقيل: أراد به تطهيره عن الأوساخ والأوضار التي تلطَّخ بها حالة الولادة.
وذهب بعضهم فيه إلى الختان، وليس ذلك بشيء؛ لأن الأذى إنما يُستعمل فيما يؤذي أو يكره لقذره ورجسه، وليس الختان من أحد المعنيين في شيء. الميسر في شرح مصابيح السنة (3/ 947).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «وأميطوا» أي: أزيلوا وزنًا ومعنى، قوله: «الأذى» وقع عند أبي داود من طريق سعيد بن أبي عروبة وابن عون عن محمد بن سيرين قال: «إن لم يكن الأذى حلق الرأس فلا أدري ما هو؟».
وأخرج الطحاوي من طريق يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال: لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى. اهـ.
وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس، وأخرجه أبو داود بسند صحيح عن الحسن كذلك، ووقع في حديث عائشة عند الحاكم: «وأمر أن يُماط عن رؤوسهما الأذى»، ولكن لا يتعيّن ذلك في حلق الرأس فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني: «ويماط عنه الأذى، ويحلق رأسه» فعطفه عليه، فالأَوْلَى حمل الأذى على ما هو أعمُّ من حلق الرأس، ويؤيِّد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب: «ويماط عنه أقذاره» رواه أبو الشيخ. فتح الباري (9/ 593).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فإذا أمر بإماطة ما خفَّ من الأذى، وهو الشَّعر الذي على رأسه، فكيف يجوز أن يأمرهم بلطخه وتدميته مع غلظ الأذى في الدَّم، وتنجيس الرأس به، وهذا يدلُّك على أن من رواه «ويسمَّى» أصحُّ وأولى. معالم السنن (4/ 287).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله: «أميطوا عنه الأذى» ردٌّ لقول الحسن البصري، وقتادة أن الصَّبي يُطلى رأسه بدم العقيقة؛ لأن الدَّم من أكبر الأذى، فغير جائز أن يَنجُسَ رأس الصَّبي بدم. شرح صحيح البخاري (5/ 374).
وقال الشيخ حمزة بن محمد قاسم -رحمه الله-:
دلَّ هذا الحديث على مشروعية العقيقة، وهي الذَّبيحة التي تذبح عن المولود يوم السَّابع من ميلاده لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مع الغلام عقيقة»...
ثانيًا: دلَّ هذا الحديث على استحباب تنظيف المولود يوم سابعه بإزالة ما به من قذر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «وأميطوا عنه الأذى»، وليس المراد بذلك حلق الرأس فقط، بل هو أعمُّ فيشمل حلق رأسه، وتطهيره من الأوساخ التي علقت بجسمه وإلباسه ملابس نظيفة. ويستحبُّ أن يحلق شعره، ويتصدَّق بوزنه فِضَّة. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (5/ 160-161).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مع الغلام عقيقته» حُجَّة لقول مالك أنه لا يُعقُّ عن الكبير، وعلى هذا أئمة الفتوى بالأمصار. شرح صحيح البخاري (5/ 374-377).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا