الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إذا صلَّى أحدُكُم فليلبسْ ثوبَيْهِ، فإنَّ اللهَ أحقُّ مَن تُزُيِّنَ له».


رواه البزار برقم: (5903) واللفظ له، والطبراني في الأوسط برقم: (9368)، والبيهقي في الكبرى برقم: (3397)، وعبد الرزاق برقم: (1391)، والطحاوي في شرح معاني الآثار برقم (2218)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (652)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1369).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أَحَقُّ»:
أحقُّ بكذا يستعمل بمعنيين:
أحدهما: اختصاصه بذلك من غير مشاركة، نحو: زيد أحقُّ بماله، أي: لا حقَّ لغيره فيه.
والثَّاني: أن يكون أفعل التَّفضيل، فيقتضي اشتراكه مع غيره، وترجيحه على غيره. المصباح المنير، للفيومي (1/ 144).

«تُزُيِّن»:
الزِّينةُ: الاسمُ من تَزَيَّنَ يتَزَيَّنُ. معجم ديوان الأدب، للفارابي (3/ 330).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
الزِّينة: اسم جامع لكل شيء يُتزيَّن به. والزِّينة: ما يُتزيَّن به، ويوم الزِّينة: العيد. لسان العرب (13/ 202).


شرح الحديث


قوله: «إذا صلَّى أحدكم فليلبس ثوبيه»:
قال الشيرازي -رحمه الله-:
يُستحبُّ للرَّجل أن يصلِّيَ في ثوبين: قميص ورداء، أو قميص وإزار، أو قميص وسراويل. المهذب في فقه الإمام الشافعي (1/ 125).
وقال الخطيب الشربيني -رحمه الله-:
ويسنُّ للرَّجل أن يلبس للصلاة أحسن ثيابه، وأن يصلِّيَ في ثوبين؛ لظاهر قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الأعراف: 31، والثَّوبان أهمُّ الزِّينة، ولخبر: «‌إذا ‌صلَّى ‌أحدكم ‌فليلبس ‌ثوبيه، فإنَّ الله تعالى أحقُّ أنْ يُتزيَّن له». الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 124).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
الصلاة في الثَّوب الواحد جائزة بغير خلاف بين العلماء، إلا شيء روي عن ابن مسعود، كما إنه لا خلاف أنَّ الصلاة في الثَّوبين وجمع الثِّياب أفضل، وهو معنى ما روي عن ابن عمر في ذلك وغيره، لا على أنه لا يجزئ. إكمال المعلم (2/ 430).
وقال العيني -رحمه الله-:
قلتُ: ذهب طاوس وإبراهيم النخعي وأحمد في رواية وعبد الله بن وهب من أصحاب مالك ومحمد بن جرير الطبري إلى أنَّ الصَّلاة في ثوب واحد مكروهة إذا كان قادرًا على ثوبين، وإن لم يكن قادرًا إلا على ثوب واحد يُكره أيضًا أن يصلِّيَ به ملتحفًا مشتملًا به، بل السُّنَّة أن يأتزر به. واحتجُّوا في ذلك -وذكر الحديث ثم قال:- وذهب جمهور أهل العلم من الصَّحابة والتَّابعين إلى أن الصَّلاة في ثوب واحد تجوز، والذين ذهبوا إلى ذلك جماعة من الصَّحابة وهم: ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وأنس بن مالك، وخالد بن الوليد، وجابر بن عبد الله، وعمار بن ياسر، وأُبي بن كعب، وعائشة، وأسماء، وأم هانئ -رضي الله تعالى عنهم-.
ومن التَّابعين: الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن الحنفية، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة، وأبو حنيفة -رضي الله تعالى عنهم-.
ومن الفقهاء: أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد في رواية، وإسحاق بن راهويه، وآخرون كثيرون، واحتجُّوا في ذلك بالأحاديث المذكورة في هذا الباب. عمدة القاري (4/ 61).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وممن أمر بالصَّلاة في ثوبين: عمر وابن مسعود. وقال ابن مسعود: «‌إذ وسَّع الله فهو أزكى». واستدلَّ من قال: إنَّ المأمور به من الزِّينة أكثر من ستر العورة التي يجب سترها عن الأبصار بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- «نهى أنْ يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء»، وبأنَّ مَن صلى عاريًا خاليًا لا تصِحُّ صلاته، وبأن المرأة الحرَّة لا تَصِحُّ صلاتها بدون خمار، مع أنه يباح لها وضع خمارها عند محارمها، فدلَّ على أنَّ الواجب في الصَّلاة أمر زائد على ستر العورة التي يجب سترها عن النَّظر.
وأمَّا الصَّلاة في ثوب واحد مُلتحفًا به، ففيه عِدَّة أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد خرَّج البخاري بعضها. فتح الباري (2/ 336).
وقال الروياني -رحمه الله-:
فمن لم يكن له ثوبان فليتَّزر إذا صلَّى، ولا يشتمل اشتمال اليهود، وإن كان معه ثوب واحد اتَّزر به إذا كان ضيِّقًا، ويجعل على عاتقه شيء، وإن كان واسعًا التحف به، وخالف بين طرفيه على عاتقه...
والأصل في ذلك ما روى جابر -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: «يا جابر، إذا كان الثَّوب واسعًا، فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيِّقًا فاشدده على حقوك». وإنما قال كذلك في الثَّوب الواسع ليكون بمنزلة الإزار والرِّداء.
وروى أبو داود في سننه عن عمر بن أبي سلمة أنه قال: «رأيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلِّي في ثوب واحد ملتحفًا به، مخالفًا بين طرفيه على منكبيه».
وقال أحمد: لا يجزئه حتى يكون على عاتقه شيء؛ لِمَا روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يصلِّي أحدكم في الثَّوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء»، وهذا غلط؛ لأن هذا الموضع ليس بعورة، فلا يجب ستره.
والخبر محمول على الاستحباب، أو على أنه أراد: لا يتَّزِر به في وسطه، ويشدُّ طرفيه على حقوه، ولكن يتَّزِر به، ويرفع طرفيه، فيخالف بينهما، ويشدُّه على عاتقه على ما بيّنا. بحر المذهب (2/ 100).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
وفرض على الرَّجل إنْ صلَّى في ثوب واسع أن يطرح منه على عاتقه أو عاتقيه، فإن لم يفعل بطلت صلاته، فإن كان ضيِّقًا اتَّزر به وأجزأه، كان معه ثياب غيره أو لم يكن. المحلى بالآثار (2/ 390).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وقد أجمع العلماء على استحباب ذلك (الصلاة في ثوبين) وأنه الأفضل، بل كرهوا للمصلِّي أن يجرد عاتقيه في الصَّلاة، قال النخعي: كان الرَّجل من أصحاب النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا لم يجد رداء يصلِّي فيه وضع على عاتقيه عقالًا ثم صلَّى، وقال النخعي أيضًا: كانوا يكرهون إعراء المناكب في الصَّلاة، خرجهما ابن أبي شيبة في كتابه، وقد سبق قول ابن عمر -وروي عنه مرفوعًا-: «إذا صلَّى أحدكم فليلبس ثوبه؛ فإن الله أحقُّ أن يُتزيَّن له»، وفي رواية عنه: «إذا صلَّى أحدكم فليتَّزِر وليرتد»، ولو صلَّى مكشوف المنكبين، فقال أكثر الفقهاء: لا إعادة عليه، وحكي رواية عن أحمد، وقال أبو جعفر محمد بن علي: عليه الإعادة لارتكابه النَّهيَ، والمشهور من مذهب أحمد: أنه إن صلَّى الفريضة كذلك أعاد، وفي إعادة النَّفل عنه روايتان.
وقد قيل: أن الشافعي نصَّ على وجوبه في الصَّلاة، وحكى بعض المالكية عن أبي الفرج من أصحابهم: أن ستر جميع الجسد في الصَّلاة لازم، وفي صحة هذا نظر.
ونصَّ أحمد على أنه لو ستر أحد منكبيه وأعرى الآخر صحَّتْ صلاته؛ لأنه لم يرتكب النَّهي، فإن النَّهي هو إعراء عاتقيه، ولم يوجد ذلك.
وقال القاضي أبو يعلي: يجب ستر جميع منكبيه كالعورة، وقال في موضع: يجزئ ستر بعضهما، ولا يجب سترهما بما لا يصف البشرة، كالعورة، ولأصحابنا (الحنابلة) وجه: أنه يجزئ أن يضع على عاتقيه ولو حبلًا أو خيطًا وإن لم يستره به، ولهم وجه آخر: أنه كان ذلك يُسمَّى لباسًا أجزأه، وإلا فلا. وقد سبق أن من الصحابة من كان يضع على عاتقيه عقالًا ثم يصلي، وقال النخعي: تقليد السَّيف في الصَّلاة بمنزلة الرِّداء، وكان سعيد بن جبير يفعله، وعن الحسن قال: السُّيوف أردية الغزاة. وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه صلَّى بالنَّاس في قوس ليس عليه رداء غيرهما. فتح الباري (2/ 362-363).
وقال ابن رجب -رحمه الله- أيضًا:
قد خرَّج البخاري فيما بعد هذا الباب من رواية ابن أبي الموالي أيضًا عن ابن المنكدر قال: دخلتُ على جابر وهو يصلِّي في ثوب ملتحفًا به، ورداؤه موضوع، فلما انصرف، قلنا: يا أبا عَبْد الله، تصلي ورداؤك موضوع؟ قال: نعم: أحببتُ أن يراني الجُهَّال مثلكم، رأيتُ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يصلِّي هكذا، وهذا يدلُّ على أنه رأى النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يصلِّي في إزار بغير رداء، ورواية واقد بن محمد عن ابن المنكدر التي خرَّجها البخاري في هذا الباب صريحة في أنَّ جابرًا عقد إزاره من قبل قفاه، فظهر من كلا الرِّوايتين أنَّ جابرًا صلَّى في إزار عقده من قفاه، وأنه أخبر أنه رأى النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يصلِّي كذلك. ويؤخذ هذا أيضًا من نهي النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنْ يصلِّي الرَّجل في ثوب واحد، ليس على عاتقه منه شيء. فتح الباري (2/ 351-352).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
واعلم أنَّ هذا الذي فعله جابر بيان للجواز، ألا ترى كيف اعترض عليه، فإنَّه كان ينكر جواز ذلك، فأراد إعلام النَّاس، وإلَّا فالأفضل للواجد أن يلبس في الصلاة ثيابًا متعدِّدة، ثياب زينة أحسن ما يقدر عليه؛ ليكون في عبادة ربِّه على أحسن وصف ظاهرًا وباطنًا، ويكون عاملًا بمقتضى قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الأعراف: 31، وقد روى ابن القطَّان: «‌إذا صلَّى أحدكم فليلبس ثوبيه، فالله أحقُّ أن يَزَّيَّن له، فمن لم يكن له ثوبان فليتَّزِر، ولا يشتمل اشتمال اليهود». الكوثر الجاري (2/ 37).
وقال العراقي عن حديث أبي هريرة قال رجل: يا رسول الله، أيصلِّي أحدنا في ثوبٍ؟ قال: «‌ألكلكم ثوبان؟»:
ظاهره يقتضي جواز الصَّلاة في الثَّوب الواحد، سواء أكان ساترًا لجميع البدن، أم لمقدار العورة فقط، سواء وضع بعضه على عاتقه أم لا؟ وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة، وأكثر العلماء من السَّلف والخلف.
وذهبت طائفة إلى أنه إذا لم يكن ساترًا لجميع البدن، وجب جعل بعضه على عاتقه؛ لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يصلِّي أحدكم في الثَّوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ للبخاري: «مَنْ صلَّى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه»، وبهذا قال أحمد حملًا للمطلق في الرِّواية الأُوْلَى على المقيَّد في هاتين الرِّوايتين، وجعل النَّهي هنا للتَّحريم، والأمر للوجوب. ثُمَّ المشهور عن أحمد أنه لو صلَّى مكشوف العاتق مع القدرة على السُّتْرة لم تصِحَّ صلاته، فجعله شرطًا، وقال في رواية أخرى: إنه تصِحُّ صلاته، ولكن يأثم به، وحكاه ابن المنذر عن أبي جعفر، وحكاه ابن حزم عن محمد ابن الحنفيَّة. طرح التثريب (2/ 237-238).

وقوله: «فإن الله أحقُّ مَن تُزُيِّنَ له»:
قال ابن رجب -رحمه الله-:
«فإن الله أحقُّ من تُزُيِّنَ له» وروي ذكر التَّزيُّن من قول ابن عمر، فروي عن أيوب عن نافع قال: «‌رآني ابن عمر أصلِّي في ثوب واحد، قال: ألم أَكْسِكَ ثوبين؟ قلتُ: نعم، قال: فلو أرسلتك في حاجة كنتَ تذهب هكذا؟ قلتُ: لا، قال: فالله أحقُّ أن تَزَّيَن له» أخرجه الحاكم وغيره، والمحفوظ في هذا الحديث رواية من رواه بالشَّكِّ في رفعه، قاله الدارقطني. فتح الباري (2/ 336).
وقال ابن رجب -رحمه الله- أيضًا:
يشرع أخذ الزِّينة بالثياب في سائر الصَّلوات، كما قال تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الأعراف: 31، وقال ابن عمر: «‌الله أحقُّ أن يُتزَّين له»، وروي عنه مرفوعًا، ولا يكمل التَّزيُّن الظَّاهر إلا بتَزيُّن الباطن بالتَّوبة والإنابة إلى الله تعالى. لطائف المعارف (ص: 189).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يُستحبُّ أن يصلِّي الرَّجل في ثياب الزِّينة، كما يشير إليه هذه الآية (أي: قوله: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الأعراف: 31) فإن الله سبحانه سَمَّى الثَّوب زينة، وأمر باتخاذه في الصَّلاة، فالواجب وإن كان أدنى منها، وهو ما يستر العورة، فما زاد عليه يستحبُّ، روى الطحاوي عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ‌«إذا ‌صلَّى ‌أحدكم ‌فليلبس ‌ثوبيه، فإن الله أحقُّ أن يُتزيَّن له». التفسير المظهري (3/ 346).


ابلاغ عن خطا