«مَن صامَ رمضانَ ثم أتبعه ستًّا من شوالٍ، كان كصيامِ الدَّهرِ».
رواه مسلم برقم: (1164)، من حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أتبعه»:
بهمزة قطع؛ أي: جعل عقبه في الصيام. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه، للهرري (10/ 215).
وقال الفراهيدي -رحمه الله-:
والتَّابع: التَّالي، ومنه التتبع والمتابعة والإتباع، يتبعه: يتلوه، تبعه يتبعه تبعًا، والتتبع: فعلك شيئًا بعد شيء. العين(2/ 78).
«الدَّهر»:
هو الزَّمان، والجمع: الدُّهور، ويقال: الدَّهر: الأبد. عمدة القاري، للملا علي القاري (1/ 201).
وقال الأزهري -رحمه الله-:
الدَّهر عند العرب يقع على قدر الزَّمان من الأزمنة، ويقع على مدة الدُّنيا كُلِّها. تهذيب اللغة (13/ 159).
شرح الحديث
«مَن صام رمضان ثم أتبعه سِتًّا من شوال»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«مَن صام رمضان ثم أتبعه» بهمزة قطع، أي: جعل عَقِبَه في الصِّيام سِتَّة أيام من شوال، أي: أتبع رمضان وألحقه «ستًّا» أي: بستَّة أيام «من شوال». الكوكب الوهاج(13/ 193).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«مَن صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال» قيل: متوالية أوَّلُها ثاني شوال، وقيل: يجزئ ولو بعده ولو مفرًّقة؛ لأن لفظ الإتباع يَصدُقُ على ذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 276).
وقال البعلي -رحمه الله-:
«سِتًّا» أصله سدس، فأُبدل من إحدى السِّينين تاءً، وأدغم فيه الدَّال؛ لأنه تصغيرها سُديسة، وجمعها أسداس، وورد في الحديث الصحيح هكذا بغير تاء، والمراد الأيام؛ لأن العرب تُغلِّب في التَّاريخ الليالي على الأيام، ويحتمل أن يكون على حذف مضافين، أي: وأتبعه بصيامِ أيامٍ ست، أي: أيام ست ليال، نظيره قوله تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِن أَثَرِ الرَّسُولِ} طه: 76، أي: من أثر حافر فرس الرَّسول. المطلع على أبواب الفقه (ص: 94).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
قوله: «ثمَّ أتبعهُ سِتًّا من شوَّالٍ» هذا هو الصَّحيح، ورواه بعضهم: «فأتبعه شيئًا من شوَّالٍ» وهو وهم. مطالع الأنوار(5/ 455).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
حديث: «مَن صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوَّال» صحَّفه الصولي، فقال: شيئًا، بالمعجمة. المقنع في علوم الحديث (2/ 476).
وقال الخطيب البغدادي -رحمه الله-:
عن محمد بن العباس الخزاز قال: حضرتُ الصولي وقد روى حديث رسول الله -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم-: «مَن صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال» فقال: وأتبعه شيئًا من شوال! فقلتُ: أيُّها الشيخ اجعل النقطتين اللتين تحت الياء فوقها، فلم يعلم ما قصدتُ، فقلتُ: إنَّما هو ستًّا من شوَّال، فرواه على الصَّواب، أو كما قال. تاريخ بغداد (4/ 675).
وقال النووي -رحمه الله-:
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ستًّا من شوال» صحيح ولو قال: سِتَّة بالهاء جاز أيضًا، قال أهل اللغة: يقال: صمنا خمسًا وستًّا وخمسة وستَّة، وإنما يلتزمون الهاء في المذَّكر إذا ذكروه بلفظه صريحًا فيقولون: صمنا سِتَّة أيام، ولا يجوز سِتَّ أيام، فإذا حذفوا الأيام جاز الوجهان، ومما جاء حذف الهاء فيه من المذَّكر إذا لم يذكر بلفظه قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} البقرة:234، أي: عشرة أيام. شرح مسلم (8/ 56).
وقال المغربي -رحمه الله-:
في قوله: «ستًّا من شوَّال»: ورد بصيغة المؤنَّث مع أن مميّزه مُذَّكر وهو الأيام؛ لأن اسم العدد إذا لم يُصرَّحْ بمميّزه من الأيام يجوز فيه الوجهان، منه قوله تعالى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} البقرة:234، وإن صرَّح بالمميّز فالتَّذكير لا غير. البدر التمام شرح بلوغ المرام (5/ 104).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وخصَّ شوَّال؛ لأنه زمن يستدعي الرَّغبة فيه إلى الطَّعام؛ لوقوعه عقب الصُّوم، فالصُّوم حينئذٍ أشقُّ، فثوابه أكثر. فيض القدير (6/ 161).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقال بعض علمائنا: لو صام هذه السِتَّة في غير شوَّال لكانت إذا ضُمَّت إلى صوم رمضان صيام الدَّهر؛ لأن الحسنة بعَشْر أمثالها، كما ذكره في الحديث، وإنما خصَّ شوال بالذكر لسهولة الصُّوم فيه؛ إذ كانوا قد تعوَّدوه في رمضان.
وقوله: «ثم أتبعه ستًّا من شوَّال»؛ ليس فيه دليل على أنها تكون مُتَّصِلة بيوم الفطر، بل لو أوقعها في وسط شوَّال، أو آخره، لصلح تناول هذا اللفظ له؛ لأن «ثُمَّ» للتَّراخي، وكُلُّ صوم يقع في شوَّال فهو مُتْبِعٌ لرمضان، وإن كان هنالك مهلة. وقد دلَّ على صحة هذا قوله في حديث النسائي: «وسِتَّة بعد الفطر»، ولذلك نقول: إن الأجر المذكور حاصل لصائمها؛ مجموعة أوقعها أو مفترقة؛ لأن كُلَّ يوم بعشرة مطلقًا، والله تعالى أعلم. المفهم (3/ 238).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
واعلم أن أجر صومها يحصل لمن صامها متفرَّقة أو متوالية، ومن صامها عقيب العيد، أو في أثناء الشَّهر، وفي سنن الترمذي عن ابن المبارك: أنه اختار أن يكون سِتَّة أيام من أَوَّل شوَّال، وقد روي عن ابن المبارك أنه قال: مَن صام سِتَّة أيام من شوَّال متفرِّقًا فهو جائز.
قلتُ: ولا دليل على اختيار كونها من أَوَّل شوَّال؛ إذ مَن أتى بها في شوَّال في أيِّ أيامه صدق عليه أنه أَتْبَعَ رمضان ستًّا من شوَّال.سبل السلام(2/٥٨٢).
قوله: «كان كصيام الدهر»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«كان» صيامه «كصيام الدَّهر» أي: كصيام الأبد إذا اعتاد ذلك كُلَّ عام مدة عُمره؛ لأن الحسنة بعَشْر أمثالها، فرمضان كما في حديث النسائي بعشرة أشهر، والسِتَّة بشهرين، وعِدَّة الشُّهور عند الله تعالى اثنا عشر شهرًا، إلا أن المثلية لا تقتضي التَّساوي من كُلِّ وجه، فإن ثواب مَن صام السَّنَة بالفعل أكثر؛ لأن صوم كُلِّ يوم بعشرة، وإنما خصَّ صوم السِتِّ بشوَّال؛ لأنه زمان يشتدُّ الرَّغبة فيه في الطَّعام؛ لوقوعه عقب الصِّيام، فيكون الصُّوم فيه أشقَّ على النَّفس، والحكمة في مشروعيتها أنها بمنزلة السُّنن الرَّواتب في الصَّلاة. الكوكب الوهاج(13/ 193).
وقال المازري -رحمه الله-:
قال بعض أهل العلم: معنى ذلك أن الحسنة لَمَّا كانت بعشر أمثالها كان مَبْلَغُ ما له من الحسنات في صوم الشَّهر والسِتَّةِ أيام ثلاثمائَةٍ وستِّينَ حسنةً عدد أيَّام السَّنَة، فكأنه صام سنة كاملة؛ يكتب له في كُلِّ يوم منها حسنةٌ. المعلم بفوائد مسلم (2/ 65).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وهذه السِتَّة لو صامها متتابعة بعد يوم العيد لكان أَوْلَى، ولو صامها متفرِّقة في شوَّال جاز. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 41-42).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
فإن قيل: فيلزم على هذا مساواة الفرضِ النَّفلَ في تضعيف الثَّواب، وهو خلاف المعلوم من الشَّرع؛ إذ قد تقرَّر فيه: أن أفضل ما تقرَّب به المتقرِّبون إلى الله تعالى ما افترض عليهم.
وبيان ذلك: أنه قد تقدَّم: أن صيام ثلاثة أيام من كُلِّ شهر صيام الدَّهر؛ أي: السَّنة، وهذه الثَّلاثة تطوُّع بالاتِّفاق، فقد لزم مساواة الفرض للنَّفل في الثَّواب.
والجواب: على تسليم ما ذكر -من أن ثواب الفرض أكثر- أن نقول: إن صيام ثلاثة من كُلِّ شهر إنما صار بمنزلة صيام سَنة بالتَّضعيف؛ لأن المباشر من أيامها بالصُّوم ثلاثة أعشارها، ثم لَمَّا جعل كُلَّ يوم بمنزلة عشر كملت السَّنة بالتَّضعيف.
وأمَّا صوم رمضان مع السِتَّة: فيصِحُّ أن يقال فيه: إنه بمنزلة سَنة بوشرت بالصوم أيامها، ثم ضوعفت كُلُّ يوم من أيام السَّنة بعشرة، فيضاعف العدد، فصارت هذه السَّنة بمنزلة عشر سنوات بالتَّضعيف؛ وذلك أن السَّنة ثلاثمائة وسِتُّون يومًا، فإذا ضربت ثلاثمائة وسِتَّين في عشرة صارت ثلاثة آلاف وسِتَّمائة.
وإنَّما صرنا إلى هذا التَّأويل للحديث الصَّحيح المتقدِّم في تفضيل الفرض على غيره؛ ولِمَا علم من الشَّرع: أن أجر الثَّواب على العمل على القُرَب محدود بعشر، وأمَّا أكثره فليس بمحدود؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} البقرة:261، بعد ذكر مراتب التَّضعيف المذكورة في الآية؛ التي هي: عشر، وسبعون، وسبعمائة، والمضاعفة المطلقة، وكذا قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما-: «الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة» والله تعالى أعلم.
وقد أخذ بظاهر هذا الحديث -أعني: حديث أبي أيوب- جماعة من العلماء، فصاموا هذه السِّتة إثر يوم الفطر؛ منهم: الشافعي وأحمد بن حنبل، وكره مالك وغيره ذلك، وقال في موطئه: لم أرَ أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السَّلف، وأهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء.
قلتُ: ويظهر من كلام مالك هذا: أن الذي كرهه هو وأهل العلم، الذين أشار إليهم، إنما هو أن تُوصَلَ تلك الأيام السِّتة بيوم الفطر؛ لئلا يظنَّ أهل الجهالة والجفاء أنها بقية من صوم رمضان، وأمَّا إذا باعد بينها وبين يوم الفطر فيبعد ذلك التَّوهُّم، وينقطع ذلك التَّخيُّل.
ومما يدلُّ على اعتبار هذا المعنى: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد حمى حماية الزِّيادة في رمضان من أوَّلِه بقوله: «إذا دخل النِّصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم» وبقوله: «لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم ولا يومين».
وإذا كان هذا في أوَّلِه فينبغي أن تحمى الذَّريعة أيضًا من آخره، فإن توهُّم الزِّيادة فيه أيضًا متوقَّع، فأمَّا صومها متباعدة عن يوم الفطر، بحيث يؤمن ذلك المتوقَّع فلا يكرهه مالك ولا غيره.
وقد روى مطرِّف عن مالك: أنه كان يصومها في خاصة نفسه، قال مطرِّف: وإنما كره صيامها لئلا يلحق أهل الجهالة ذلك برمضان، فأمَّا مَن رغب في ذلك لِمَا جاء فيه فلم ينهه. المفهم (3/ 236 -238).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
إلا أنْ يُقال: إنَّ المضاعفة وإن ثبتت للكُلِّ من واجب ونافلة، إلا أنَّ نوع جزاء الواجب أعظم قدرًا من نوع جزاء النَّافلة، فذلك كالجواهر، وهذا كاللآلئ. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 270).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «كان كصيام الدَّهر» لأنّ الحسنة بعشر أمثالها، فأخرجه مخرج التَّشبيه للمبالغة، والحثِّ على صيام السِّت.
قد استحبَّ قوم صيام سِتَّة أيام من شوَّال، والاختيار أن يصوم من أوَّلِ الشَّهر متتابعة، وإن صامها متفرِّقة جاز. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1609).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كان كصوم الدَّهر» في أصل التَّضعيف لا في التَّضعيف الحاصل بالفعل؛ إذ المثلية لا تقتضي المساواة من كُلِّ وجه، نعم يصْدُقُ على فاعل ذلك أنه صام الدَّهر مجازًا، فأخرجه مخرج التَّشبيه للمبالغة والحثِّ. وهذا تقرير يشير إلى أن مراده بالدَّهر السَّنة، وبه صرَّح بعضهم، لكن استبعده بعض آخر قائلًا: المراد الأبد؛ لأن الدَّهر المعرَّف باللام للعُمُر. فيض القدير (6/ 161).
وقال يحيى بن يحيى الليثي -رحمه الله-:
وسمعتُ مالكًا يقول في صيام سِتَّة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم يرَ أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السَّلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء، لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم، ورأوهم يعملون ذلك. الموطأ رواية يحيى الليثي (1/ 310).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قال شيوخنا: ولعلَّ مالكًا إنما كره صومه على هذا، وأن يعتقد من يصومه أنه فرضٌ، وأمَّا من صامه على الوجه الذي أراد النبي -عليه السلام- فجائز، وقال بعضهم: لعلَّ الحديث لم يبلغه أم لم يثبت عنده، أو لَمَّا وجد العمل بخلافه.
قال القاضي: ويحتمل أن كراهة ما كره من ذلك، وأخبر أنه غير معمول به اتِّصال هذه الأيام برمضان، إلا فصل يوم الفطر، فأما لو كان صومها في شوَّال من غير تعيين ولا اتِّصال أو مبادرة ليوم الفطر فلا، وهو ظاهر كلامه بقوله في صيام سِتَّة أيام بعد الفطر. إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 139-140).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
لم يبلغ مالكًا حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني، والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه، والذي كرهه له مالك أمر قد بيَّنه وأوضحه؛ وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان، وأن يستبين ذلك إلى العامة، وكان -رحمه الله- متحفِّظًا كثير الاحتياط للدِّين. وأمَّا صيام السِّتَّة الأيام من شوَّال على طلب الفضل وعلى التَّأويل الذي جاء به ثوبان -رضي الله عنه- ( يعني حديث ثوبان: أنه سمع رسول الله يقول: «جعل الله الحسنة بعشر، فشهر رمضان بعشرة أشهر وستة أيام بعد الفطر تمام السنة») فإن مالكًا لا يكره ذلك إن شاء الله؛ لأن الصَّوم جُنَّة، وفضله معلوم لمن ردَّ طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى، وهو عمل بِرٍّ وخير، وقد قال الله -عز وجل-: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ} الحج: 77، ومالك لا يجهل شيئًا من هذا، ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك، وخشي أن يعدُّوه من فرائض الصيام مضافًا إلى رمضان، وما أظنُّ مالكًا جهل الحديث، والله أعلم. الاستذكار (3/ 380).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه السِّتَّة، وقال مالك وأبو حنيفة: يكره ذلك، قال مالك في الموطأ: ما رأيتُ أحدًا من أهل العلم يصومها، قالوا: فيكره؛ لئلا يظنَّ وجوبه، ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصَّحيح الصَّريح، وإذا ثبتت السُّنَّة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم، أو كُلِّهم لها، وقولهم: قد يظنُّ وجوبها ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصَّوم المندوب.
قال أصحابنا (الشافعية): والأفضل أن تُصام السِّتَّة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرَّقها أو أخَّرها عن أوائل شوَّال إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة؛ لأنه يصْدُقُ أنه أتبعه ستًّا من شوَّال، قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدَّهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والسِّتَّة بشهرين، وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي.
شرح صحيح مسلم (8/ 56).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه دليل على استحباب صوم سِتَّة أيام من شوَّال، وهو مذهب جماعة من الآل، وأحمد والشافعي. وقال مالك: يكره صومها، قال: لأنه ما رأى أحدًا من أهل العلم يصومها؛ ولئلا يظنَّ وجوبها.
والجواب: أنه بعد ثبوت النصِّ بذلك لا حكم لهذه التعليلات، وما أحسن ما قاله ابن عبد البر: إنه لم يبلغ مالكًا هذا الحديث، يعني: حديث مسلم.سبل السلام (1/ 581-582).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقوله فيما رواه مسلم: «مَن صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال فكأنما صام الدَّهر» قالوا: فدلَّ ذلك على أنَّ صوم الدَّهر أفضل مما شُبِّه به، وأنه أمر مطلوب، وتُعقِّب بأنَّ التَّشبيه في الأمر المقدَّر لا يقتضي جوازه فضلًا عن استحبابه، وإنما المراد حصول الثَّواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يومًا، ومن المعلوم أنَّ المكلَّف لا يجوز له صيام جميع السَّنة، فلا يدلُّ التَّشبيه على أفضلية المُشبَّه به من كُلِّ وجه. فتح الباري (4/ 223).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فإن قيل: أخرج مسلم في صحيحه عن أبي أيوب الأنصاريّ -رضي اللَّه عنه- أنه حدَّثه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: «مَن صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوَّال، كان كصيام الدَّهر» وهو يدلُّ على صوم رمضان مع سِتَّة أيام من شوَّال يكون كصيام الدَّهر، فكيف توفِّق بينه وبين حديث الباب (أي: حديث: «مَن صام ثلاثة أيام من الشهر فقد صام الدهر كله»)؟
قلتُ: يجاب بأنه لا تنافي بينهما؛ إذ لا مانع من أن يجمع اللَّه لمن صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوَّال، وصام أيضًا ثلاثة أيام من كُلِّ شهر، فعمل بالاثنين أن يجمع اللَّه تعالى له أجر الدَّهر مرتين؛ وذلك فضل اللَّه يؤتيه مَن يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم، واللَّه تعالى أعلم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (21/ 333).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وليس في الحديث دليل على مشروعية صيام الدّهر. سبل السلام (1/ 581-582).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)
وينظر حكم قضاء النفساء الست من شوال في ذي القعدة (هنا)
وينظر للفائدة الجمع بين قضاء رمضان والست من شوال (هنا)