الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

قلتُ: يا رسولَ اللَّه، إنَّ الله إذا أنزلَ سَطْوَتَهُ بأهلِ الأرضِ وفيهم الصالحون، فيهلكون بهلاكهم؟ فقال: «يا عائشةُ إنَّ الله إذا أنزلَ سَطْوَتَهُ بأهلِ نِقْمَتِهِ وفيهم الصالحونَ، فيُصابُونَ معهم، ثم يُبْعَثُونَ على نِيَّاتِهِم وأعمالِهِم».


رواه ابن حبان برقم: (7314)، والبيهقي في شعب الإيمان برقم: (7193)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1622)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (11).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«سطوته»:
أي: قهره، وشدة بطشه. فيض القدير، للمناوي (2/ 201).
وقال الفراهيدي:
السَّطو: البسط على الناس بقهرهم من فوق، يُقال: سطوت عليه وبه، قال الله -عز وجل-: {يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} الحج:72. والسَّطو: شِدَّة البطش، وإنما سُمِّي الفَرَس ساطيًا؛ لأنه يسطو على سائر الخيل، فيقوم على رجليه، ويسطو بيديه. العين، للفراهيدي (7/ 277).

«نقمته»:
النِّقمة: العقوبة. تهذيب اللغة(9/١٦٣)
قال السيوطي -رحمه الله-:
النِّقمة: ما كانت عاقبتها مذمومة، وقيل: ما يوجد منها العذاب.معجم مقاليد العلوم(ص: ٧٥).

«يبعثون»:
البعث في كلام العرب على وجهين:
أحدهما: الإرسال؛ كقول الله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى} الأعراف:103، معناه: أرسلنا، والبعث: إثارة بارك أو قاعد، تقول: بعثت البعير فانبعث، أي: أثرته فثار.
والبعث أيضًا: الإحياء من الله للموتى، ومنه قوله -جلَّ وعزَّ-: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} البقرة:56، أي: أحييناكم. تهذيب اللغة، للأزهري (2/ 201-202).

«نياتهم»:
النِّيَّة: ما ينوي الإنسان بقلبه من خير أو شرٍّ، والنَّوى والنِّيَّة: واحد، وهي: النِّية، مخففة، ومعناها: القصد، والنَّوى: الوجه الذي يقصده. العين، للفراهيدي (8/ 394).


شرح الحديث


قولها: يا رسول الله، إن الله إذا أنزل سَطوته بأهل الأرض وفيهم الصالحون فيهلكون بهلاكهم؟»:
قال العزيزي -رحمه الله-:
«أن الله إذا أنزل سطواته» أي: قهره وشِدَّة بطشه، يُقال: سطا عليه وسطا به يسطو سطوًا وسطوةً: قهره وأذلَّه، وهو البطش بشِدَّة. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 348).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«وفيهم الصَّالحون، فيهلكون بهلاكهم» المراد من كان فيهم ممن ليس هو على رأيهم. فتح الباري (13/ 60).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فأهلكوا بهلاكهم» مصاحبين له، لا أنهم هلكوا انتقامًا «ثم يبعثون على نِيَّاتهم وأعمالهم» فقد يهلك الصَّالحون مع الفُجَّار، ولكن ليس عليهم من هلاكهم معهم شيء. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 259).
قوله: فقال: «يا عائشة إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصَّالحون، فيصابون معهم»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«على أهل نقمته» أي: المستوجبين لها. التيسير بشرح الجامع الصغير(1/ 242).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«على أهل نقمته» مَنْ يريد الانتقام منهم. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 259).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
يكون إهلاك جميع الناس عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي، ودلَّ قوله: «ثم بعثوا على أعمالهم» أن ذلك الهلاك العام يكون طهرةً للمؤمنين، ونقمةً للفاسقين. شرح صحيح البخاري(10/ 53).

قوله: «ثم يبعثون على نِيَّاتهم وأعمالِهِم»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «ثم يبعثون على نِيَّاتهم» يعني: يهلك هناك أخيارهم وأشرارهم، والأخيار يهلكون بشؤم الأشرار، لكن يبعث كل واحد منهم على نِيَّته يوم القيامة، فإن كانت نِيَّته الإسلام والخير، فهو من أهل الجنَّة، وإن كانت نِيَّته الكُفر فهو من أهل النَّار. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 361-362).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ثم يبعثون على نِيَّاتهم وأعمالهم» أي: بعث كل واحد منهم على حسب عمله من خير وشرٍّ، فذلك العذاب طهرة للصَّالح، ونقمة على الكافر والفاسق، فلا يلزم من الاشتراك في الموت لاشتراك في الثَّواب والعقاب. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 242).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
أي: بعث كل واحد منهم على حسب عمله؛ إن كان صالحًا فعقباه صالحة، وإلَّا فسيِّئة، فيكون ذلك العذاب طهرةً للصَّالحين ونقمةً على الفاسقين. فتح الباري (13/ 60).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«على نِيَّاتهم» قال الدراوردي: معناه: أن الأمم تعذَّب، أي: في الدُّنيا، فيصاب معهم من ليس منهم، ثم يبعثون على نِيَّاتهم؛ الطَّائع يُجازى بعمله، والعاصي بعمله. التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 194).
قال ابن حجر -رحمه الله-:
وأمَّا بعثهم على أعمالهم فحكم عدل؛ لأن أعمالهم الصَّالحة إنما يجازون بها في الآخرة، وأمَّا في الدُّنيا فمهما أصابهم من بلاء كان تكفيرًا لِمَا قدَّموه من عمل سَيِّءٍ، فكان العذاب المرسل في الدُّنيا على الذين ظلموا يتناول من كان معهم ولم ينكر عليهم، فكان ذلك جزاءً لهم على مداهنتهم، ثم يوم القيامة يبعث كُلٌّ منهم فيجازى بعمله. فتح الباري (13/ 61).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وذهب ابن أبي جمرة إلى أن الذين يقع لهم ذلك بسبب سكوتهم عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، اهـ.
وذهب بعضهم إلى التَّعميم تمسُّكًا بآية: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} النساء: 140، وأُخذ منه مشروعية الهرب من الكُفَّار والظَّلمة؛ لأن الإقامة معهم من إلقاء النَّفس في التَّهلُكة. فيض القدير (2/ 202).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والحاصل أنه لا يلزم من الاشتراك في الموت الاشتراك في الثَّواب أو العقاب، بل يجازى كُلُّ أحد بعمله على حسب نِيَّته. وجنح ابن أبي جمرة إلى أن الذين يقع لهم ذلك إنما يقع بسبب سكوتهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأما من أمر ونهى فهم المؤمنون حقًّا، لا يرسل الله عليهم العذاب، بل يدفع بهم العذاب، ويؤيِّده قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} القصص:59، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الأنفال:33، ويدلُّ على تعميم العذاب لمن لم ينهَ عن المنكر وإن لم يتعاطاه قوله تعالى: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} النساء:140. فتح الباري (13/ 61).
قال النووي -رحمه الله-:
في الحديث من الفقه: التَّباعُد من أهل الظُّلْم، والتَّحذير من مجالستهم، ومجالسة البغاة، ونحوهم من المبطلين؛ لئلا ينالَه ما يعاقبون به، وفيه أن من كثَّر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدُّنيا. شرح النووي على مسلم (18/ 7).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
يستفاد من هذا مشروعية الهرب من الكُفَّار ومن الظَّلَمة؛ لأن الإقامة معهم من إلقاء النَّفس إلى التَّهلُكة، هذا إذا لم يعنهم ولم يرضَ بأفعالهم، فإن أعان أو رضي فهو منهم، ويؤيِّده أمره -صلى الله عليه وسلم- بالإسراع في الخروج من ديار ثمود. فتح الباري (13/ 61).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
في الحديث تحذير وتخويف عظيم لمن سكت عن النهي، فكيف بمن داهن؟! فكيف بمن رضي؟! فكيف بمن عاون؟! نسأل الله السَّلامة، قلتُ (أي: ابن حجر): ومقتضى كلامه أن أهل الطَّاعة لا يصيبهم العذاب في الدُّنيا بجريرة العُصاة. فتح الباري (13/ 61).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا