كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يمسحُ مناكِبَنَا في الصلاةِ، ويقولُ: «اسْتَوُوا، ولا تَخْتَلِفُوا، فتخْتَلِفَ قلوبُكُم، لِيَلِنِي منكم أُولُو الأحلامِ والنُّهَى ثم الذينَ يَلُونَهُم، ثم الذينَ يلونَهُم».
قال أبو مسعودٍ: «فأنتم اليومَ أشَدُّ اخْتِلَافًا».
رواه مسلم برقم: (432)، من حديث أبي مسعود -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«مناكبنا»:
المناكب: جمع مَنكب، وهو مجتمع رأس العضد في الكتف. كشف المشكل، لابن الجوزي (2/ 205).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
(المنكب) مجتمع عظم العضد والكتف، وحبل العاتق من الإنسان والطائر وكُلِّ شيء. لسان العرب (1/ 771).
«استووا»:
أي: اعتدلوا في الصَّلاة بأن تكونوا على سمت واحد. التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني (2/ 349).
وقال الرازي -رحمه الله-:
واستوى الشيء اعتدل، والاسم السَّواء، يقال: سواء عليَّ أقمت أم قعدت. مختار الصحاح، للرازي (ص: 158).
«ليلني»:
هو بتخفيف النُّون، وليس قبلها ياءٌ، ورُويَ بتشديد النُّون مع ياء قبلها. رياض الصالحين، للنووي (ص: ١٢٩)
وقال النووي -رحمه الله-:
«لِيَلِنِي» بكسر اللامين وتخفيف النُّون من غير ياء قبل النُّون، ويجوز إثبات الياء مع تشديد النُّون على التَّوكيد.شرح صحيح مسلم (4/ 154-155).
«أولو الأحلام»:
واحدها حِلْم بالكسر، وكأنه من الحِلْم: الأناة والتثبُّت في الأمور؛ وذلك من شعار العقلاء. النهاية، لابن الأثير (1/ 434).
«والنُّهَى»:
بضم النُّون جمع نُهية، وهو العقل النَّاهي عن القبائح. مرقاة المفاتيح (3/ 850).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
هي العقول والألباب، واحدتها نُهية، بالضم؛ سُمِّيت بذلك لأنها تنهى صاحبها عن القبيح. النهاية (5/ 139).
شرح الحديث
قوله: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح مَناكِبنا في الصَّلاة»:
قال المظهري -رحمه الله-:
أي: يضع يده على مناكبنا ليسوِّي مناكبنا في الصَّفِّ. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 224).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح مناكبنا» أي: يضع يده على أعطافنا حتى لا نتقدَّم ولا نتأخَّر «في الصَّلاة» أي: في حال إرادة الصَّلاة بالجماعة. مرقاة المفاتيح (3/ 849).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ومعنى «يمسح مناكبنا» أي: يعدِّلنا ويسوِّينا، كما قاله مُفسَّرًا في الحديث الآخر. إكمال المعلم (2/ 346).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وأمَّا تسوية الصُّفوف في الصلاة فالآثار فيها متواترة من طرق شتَّى صحاح كُلُّها، ثابتة في أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسوية الصُّفوف، وعمل الخلفاء الرَّاشدين بذلك بعده، وهذا ما لا خلاف فيما بين العلماء فيه. الاستذكار (2/ 288).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وهذه سُنَّة (يعني تسوية الصُّفوف)، وقد عمل بها الخلفاء بعده، ووكَّلوا من يُقيم الصُّفوف، وشدَّدوا في ذلك، حتى إذا استوت كبَّروا. إكمال المعلم (2/ 347).
قوله: «ويقول: «استووا، ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ويقول» أي: حال تسوية المناكب على ما هو الظَّاهر «استووا» أي: ظاهرًا وباطنًا «ولا تختلفوا» أي: بالأبدان «فتختلف» بالتَّأنيث، وقيل: بالتَّذكير «قلوبكم» أي: أَهْوِيَتُها وإرادتها. مرقاة المفاتيح (3/ 849).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«ويقول» حال التَّسوية كما هو ظاهر السِّياق: «استووا ولا تختلفوا» بأن يتقدَّم مَنكب بعضكم على مَنكب بعض. دليل الفالحين (3/ 206).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«استووا» هو أمر للذين يصلُّون خلفه، ولفظه: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح مناكبنا في الصَّلاة ويقول: استووا» أي: اعتدلوا في الصَّلاة بأن تكونوا على سَمْتٍ واحد. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 349-350).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وقوله: «ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» أي: أنكم إذا اختلفتم بالظَّواهر عوقبتم باختلاف القلوب، ويحتمل: لا تختلفن ظواهركم، فإن اختلافها دليل على اختلاف قلوبكم. كشف المشكل (2/ 205).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «لا تختلفوا» بالتَّقدُّم والتَّأخُّر «فتختلف» بالنَّصب على أنه جواب النَّهي، أي: اختلاف الصُّفوف سبب لاختلاف القلوب بجعل الله تعالى كذلك. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 309).
وقال العيني -رحمه الله-:
ومعنى المخالفة بَيْن القلوب: أن يَتغيرَ بعضُهم على بَعْضٍ، فإنَّ تَقَدُّم الإنسان على الشخص أو على الجماعة وتخْلِيْفَه إياهم من غير أن يكون مقامًا للإمامة، قد يُوغِر صدورهم؛ وذلك موجِب لاختلاف قلوبهم. شرح سنن أبي داود (3/211).
وقال السندي -رحمه الله-:
والمعنى: لا بد من أحد الأمرين، إما إقامة الصفوف منكم، أو إيقاع الخلاف من الله في قلوبكم، فتقِلُّ المودة ويكثر التباغض، وقد تَرَكوا الأولى فتحقق الثاني بالمشاهدة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. . فتح الودود في شرح سنن أبي داود (1/415)
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
فإن قلتَ: هذا ينافي خبر: «ألا وإن في الجسد مُضغة؛ إذا صلحت صلح الجسد كُلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كُلُّه ألا وهي القلب». قلتُ: لا ينافيه؛ لأن الأوَّلَ دالٌّ على أن اختلاف أهوية القلوب تنشأ من مخالفة الأعضاء لهذا أُمِرَتْ به بخصوصه، والثَّاني على مخالفة الأعضاء لِمَا أمرت به ناشئةً عن فساد القلوب خلوُّها عن نور الهدى واليقين.
فالحاصل: أنَّ فساد القلب ينشأ عنه فساد الأعضاء، وفسادها ينشأ عنه اختلاف أهوية القلوب، واختلافها ينشأ عنه اختلاف الكلمة المؤدِّي إلى ما لا يُتدارك خرقه من تتابع الفتن، وتوالي المحن، وضعف الدِّين، وظهور المفسدين. وأشار بعضهم إلى الجمع بأن الاختلاف غير المفاسد، فالقلب تابع للأعضاء في الاختلاف، وهي تابعة له في الفساد، وما قدَّمته بيِّنٌ وأحسن، فتدبَّره. فتح الإله في شرح المشكاة (4/368).
قوله: «لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهَى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«لِيَلِنِي» أي: لِيدْنُ مني، بحذف الياء وتخفيف النُّون، كذا في جميع النُّسخ هنا. دليل الفالحين (6/ 569).
وقال النسفي-رحمه الله-:
«لِيَلِنِي»:
أي: ليقرُبَ منِّي، أي: وليقم خلفي بقرب منِّي، والرِّواية الصَّحيحة بحذف الياء بين اللام والنُّون؛ لأنه أمر، والأمر مجزوم. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، للنسفي (ص: 4).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
يعني: في الصَّلاة وغيرها؛ ليفهموا عنه، ويؤدُّوا ما سمعوا كما سمعوا، من غير تبديل معنى، ولا تصحيف. التمهيد(1/٥٦١).
وقال التورِبِشتِي -رحمه الله-:
«لِيَلِيَنِّي أولو الأحلام منكم والنُّهى»:
وإنَّما أمرهم بالقُرب منه ليحفظوا صلاته، ويضبطوا الأحكام والسُّنن التي فيها، فيبلغوها فيأخذ عنهم مَنْ بعدهم، ثم لأنهم أحقُّ بذلك الموقف والمقام، وفي ذلك بعد الإفصاح بجلالة شأنهم ونباهة أقدارهم، حثَّهم على المسابقة إلى تلك الفضيلة والمبادرة إلى تلك المواقف والمصاف قبل أن يتمكَّن منها من هو دونهم في الرُّتبة. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 290-391).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وإنَّما أمرهم -صلى الله عليه وسلم- بأن يكون الأقرب منه المذكورين؛ لأن الصَّفَّ الأول صفَّ الملائكة، فينبغي أن لا يكون فيه إلا عقلاء أصحابه وفضلاؤهم، ويجوز أن يحدث الإِمام ما يوجب الاستخلاف، فيجد الصَّالح لذلك قريبًا منه «ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» كالمراهقين ثم الصَّبيان. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 350).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
وقوله: «أولو الأحلام والنُّهى» يعني: العقلاء الفضلاء الذين يحفظون عنه صلاته، ويَعُون ما يكون منه في صلاته.
وكذلك ينبغي أن يكون في الصَّفِّ الأول من يصلح أن يلقِّنه، ومن يصلح أيضًا للاستخلاف في الصَّلاة. المسالك في شرح موطأ مالك (3/ 144).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «أولو الأحلام والنُّهى» الأحلام والنُّهى بمعنى واحد وهي العقول، واحدها نُهية؛ لأنه ينهى صاحبه عن الرَّذائل، وإنما خصَّ -صلى الله عليه وسلم- هذا النوع بالتَّقديم؛ لأنه الذي يتأتَّى منهم التَّبليغ، وأن يستخلف منهم إن احتاج إليهم، وفي التَّنبيه على سهو إن طرأ؛ ولأنهم أحقُّ بالتَّقدُّم ممن سواهم لفضيلة العلم والعقل. المفهم (2/ 62).
قال النووي -رحمه الله-:
«ثم الذين يلونهم» معناه: الذين يقربون منهم في هذا الوصف. شرح صحيح مسلم(4/ 155).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «ثم الذين يلونهم» أي: يقربون منهم في هذا الوصف. قيل: هم المراهقون ثُمَّ الصِّبيان المميِّزون، ثُمَّ النِّساء والأنصار، أي: الكبار وأهل الفضل لا الأعراب وأمثالهم من الصِّغار. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 309).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
كالصِّبيان سواء المراهقون وغيرهم، فهم في درجة واحدة (ثم الذين يلونهم) وهم الخناثى. دليل الفالحين (3/٢٠٧).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «ثم الذين يلونهم ثلاثًا» فحينئذٍ يكون المراتب أربعة: الرِّجال، والصِّبيان، والخناثى، والنِّساء. لمعات التنقيح (3/ 221-222).
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ليس معنى الحديث: لا يلنِي إلا أُولو الأحلام والنُّهى، بحيث نطرد الصِّبيان عن الصَّفِّ الأوَّل، فإن هذا لا يجوز. فلا يجوز طرد الصِّبيان عن الصفِّ الأوَّل إلا أن يحدث منهم أذيَّة، فإن لم يحدث منهم أذيَّة؛ فإن من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد أحقُّ به.
وهناك فرق بين أن تكون العبارة النَّبويَّة: لا يَلِنِي إلا أولو الأحلام، وبين قوله: ليَلِنِي أولو الأحلام، فالثَّانية تحثُّ الكبار العقلاء على التَّقدُّم، والأُوْلَى لو قُدِّر أنها هي نصُّ الحديث لكان ينهى أن يلي الإمام من ليس بالغًا، أو ليس عاقلًا. شرح رياض الصالحين(3/٢٣6 ـ ٢٣٧).
قوله: قال أبو مسعودٍ: «فأنتم اليومَ أشَدُّ اخْتِلَافًا»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قول أبي مسعود: «أنتم اليوم أشدُّ اختلافًا» لعله أراد الفتن التي وقعت بين الصحابة، و«أشدُّ» يحتمل أن يجرى على المبالغة من وضع أفعل مقام اسم الفاعل، أي: أنتم اليوم في اختلاف لا مزيد عليه... وأمَّا قول أبي مسعود: «فأنتم اليوم أشدُّ اختلافًا» يخاطب القوم الذين هيَّجوا الفتن، فإنه أراد أن سبب هذا الاختلاف والفتن عدم تسوية صفوفكم. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1141).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
عندي معنى كلام أبي مسعود -رضي الله عنه- يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه يقول: إنكم اليوم أشدُّ اختلافًا في الصُّفوف من اليوم الذي قال لنا فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تختلفوا؛ فتختلف قلوبكم»، فإنه كان قليلًا، فقد كان أحيانًا يرى -صلى الله عليه وسلم- عدم تسوية الصَّفِّ من بعض الناس، فيحذِّرهم، فقد أخرج الجماعة إلا البخاري عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسوِّي صفوفنا، كأنَّما يسوِّي القِداح، حتى رأى أنَّا قد عقلنا عنه، ثُمَّ خرج يومًا، فقام حتى كاد أن يُكبِّر، فرأى رجلًا باديًا صدره من الصَّفِّ، فقال: «عباد الله لتُسوُّنَّ صفوفكم، أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم».
الثَّاني: أنه يقول: أنتم اليوم بسبب عدم تسويتكم الصُّفوف أشدُّ اختلافًا حيث وقعتم في الفتن، والله أعلم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (10/ 210).
قال السندي -رحمه الله-:
المراد بيان ترتيب القيام في الصُّفوف. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 309).
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
ينبغي أن يكون في الصَّفِّ الأوَّلِ من يصلح أنْ يُلقِّنه ما تعايا عليه، ووقف فيه من القرآن، ومن يصلح أيضًا للاستخلاف في الصَّلاة إن ناب الإمام فيها ما يحمله على الاستخلاف. الاستذكار(2/٣١٠).
وقال التورِبِشتِي -رحمه الله-:
وفيه إرشاد لمن قَصُرَ حاله عن المساهمة معهم في المنزلة أن يزاحمهم فيها، وقد كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- إذا صلَّى قام أبو بكر خلفه محاذيًا له، لا يقف ذلك الموقف غيره، والذي يُعوَّلُ عليه من هذا الوجوه ويقطع به: الأوَّلُ؛ لِمَا ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُعجبه أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 290-391).
وقال النووي -رحمه الله-:
في هذا الحديث تقديم الأفضل، فالأفضل إلى الإمام؛ لأنه أَوْلَى بالإكرام؛ ولأنه رُبَّما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أَوْلَى؛ ولأنه يتفطَّن لتنبيه الإمام على السَّهو لِمَا لا يُتفطَّن له غيره، وليضبطوا صفة الصَّلاة، ويحفظوها وينقلوها ويعلِّموها النَّاس، وليقتدي بأفعالهم من وراءهم، ولا يختصُّ هذا التَّقديم بالصَّلاة، بل السُّنَّة أن يُقدَّم أهل الفضل في كُلِّ مجمع إلى الإمام وكبير المجلس كمجالس العلم والقضاء، والذِّكر والمشاورة ومواقف القتال، وإمامة الصَّلاة والتَّدريس والإفتاء وإسماع الحديث، ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدِّين والعقل والشَّرف والسِّن والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصَّحيحة متعاضدة على ذلك، وفيه تسوية الصُّفوف واعتناء الإمام بها والحثُّ عليها. شرح صحيح مسلم(4/ 155-156).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه أن اختلاف الأبدان سبب لاختلاف القلوب؛ وذلك عقوبة من جنس المعصية، كما هي سُنَّة الله تعالى، واختلاف القلوب منشأ كُلِّ بلاء وفتنة، كما أن سلامتها سبب كُلِّ خير ونعمة؛ ولذا امتنَّ الله على عباده بتأليفه بين قلوبهم، وأخبر أن رسوله -صلى الله عليه وسلم- لو أنفق ما في الأرض جميعًا ما ألّف بين قلوبهم، وهذا الوعيد دليل وجوب تسوية الصُّفوف، وقد عضَّدته عِدَّة أحاديث. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 349-350).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
يؤخذ منه أن الإمام إذا سوَّى الصُّفوف باليد يسنُّ له أن يقول ما ذكر، وجمعه بين الفعل والقول كما هنا، واقتصاره على القول فقط كما في أحاديث أُخر مختلف باعتبار حال المخاطبين، فإذا عَلِمَ اكتفاءهم بالقول لفقههم وسرعة امتثالهم اقتصر عليه، وإلا لكثرتهم أو لاختلاطهم بحديثي الإسلام محتاجين لمزيد العلم جمع بينهما «فتختلف» بالنَّصب؛ لأنه جواب النهي «قلوبكم» أي: أَهْوِيَتُها وإرادتها. دليل الفالحين (3/ 206).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يستفاد منه أن الدُّنوَّ من الإمام له شأن مطلوب، ولهذا قال: «لِيَلِنِي» أي: يكون هو الذي يَلِينّي. شرح رياض الصالحين (3/237).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)