«إذا تطهَّر الرجلُ، ثم مرَّ إلى المسجد فَيَرْعَى الصلاةَ كَتَبَ له كاتِبُه أو كاتِبَاهُ بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات، والقاعد يَرْعَى الصلاة كالقانِت، ويُكتب من المصلِّين من حين يخرج من بيته حتى يرجع».
رواه أحمد برقم:(17440)، وابن خزيمة برقم: (1492)، والحاكم في المستدرك برقم: (766)، من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (434)، صحيح الترغيب، والترهيب برقم: (298).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«يَرْعَى»:
المراعاة: الانتظار. شمس العلوم، لنشوان الحميري(4/ 2550).
وقال الأزهري -رحمه الله-:
والمراعاة: المحافظة، والإبقاء على الشيء...، والمراعاة: المناظرة والمراقبة. تهذيب اللغة (3/ 104).
«خُطوة»:
بضم الخاء وهي واحدة الخُطَا، وهي ما بين القدمين، والخَطوة بفتح الخاء فهي المصدر المرَّة من خطوت. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، للفيومي(3/ 79).
وقال العراقي -رحمه الله-:
المشهور في الخَطوة فتح الخاء، وقيَّده صاحب (المفهم) بضمها، وقال: إنَّه الرواية كذا قال، وهي واحدة الخُطى، وهي ما بين القدمين. طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 301).
«القَانِتُ»:
(القُنُوت) يَرِدُ بمعانٍ مُتعددة، كالطاعة، والخشوع، والصلاة، والدعاء، والعبادة، والقيام، وطول القيام، والسكوت، فيُصرف في كل واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه. النهاية لابن الأثير(4/ 111).
وقال الأزهري -رحمه الله-:
وقال الزجاج: القانِت: المطيع... والقانِت: الذاكر لله... وقيل: القانت: العابد... وحقيقة القانت أنَّه القائم بأمر الله، فالداعي إذا كان قائمًا خُصَّ بأن يقال له: قانت؛ لأنه ذاكر لله وهو قائم على رجليه... ويقال للمصلي: قانتٌ.
فحقيقة القنوت العبادة، والدعاء لله في حال القيام، ويجوز أن يقع في سائر الطاعة؛ لأنه إن لم يكن قيام بالرِّجْلَين فهو قيام بالشيء بالنية. تهذيب اللغة (9/ 65/ 66).
شرح الحديث
قوله: «إذا تطهَّر الرجلُ ثم مرَّ إلى المسجد»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
(«يتطهر») بوضوء أو غسل. مرقاة المفاتيح (3/ 842).
قال الفيومي -رحمه الله-:
المراد بقوله: «تطهَّر» الوضوء الشرعي. فتح القريب المجيب (3/ 87).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
ويدل على ذلك أيضًا ما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «مَن توضأ ثم خرج يريد الصلاة فهو في صلاة حتى يرجع إلى بيته». مرعاة المفاتيح (3/ 365).
قوله: «فيَرْعَى الصلاة»:
قال الفيومي -رحمه الله-:
قوله: «يَرْعَى الصلاة» أي: ينتظر الصلاة. فتح القريب المجيب (3/ 87).
وقال الدمياطي -رحمه الله-:
أي: القاعد ينتظر الصلاة. المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح (ص: 112).
قوله: «كَتَب له كَاتِبُه أو كاتباه بِكل خُطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات»:
قال السندي -رحمه الله-:
وقوله: «بكل خطوة» أي: ذهابًا وإيابًا أو ذهابًا فقط، أو بكل خطوة من خطوات ذلك اليوم، أو تمام العُمر على بُعْدٍ. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (1/ 236).
وقال العراقي -رحمه الله-:
ومما يُسأل عنه: هل المراد بهذه الخُطى ما كان في الذهاب إلى المسجد فقط، أو في الذهاب والرجوع؟
يحتمل كلًّا من الأمرين. طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 301).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وفيهما (المسند وصحيح ابن حبان) أيضًا: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن راح إلى مسجد جماعة فخُطْوَتَاه: خُطوة تمحو سيئة، وخُطوة تَكتب حسنة ذاهبًا وراجعًا». اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى (ص: 56/57/58).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
الإنسان يجمع في حضوره المسجد بين السعي إلى ذكر الله تعالى، وبين التعرُّض للقاء الإخوان، وبين التعلُّم ممن هو أعلم منه، والتعليم لمن هو دونه في التعلُّم، وبين عمارة المسجد بالجلوس فيه، وبين تكثير سواد المصلين، علمًا أن ثوابهم يكثر بحسب كثرة عددهم إلى غير ذلك. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 125).
وقال ابن عثيمين -رحمه الله-:
وهذا أيضًا من فضائل المشي إلى المساجد؛ أن الله تعالى يكتب للإنسان الخطوات كُلما ذهب وكلما رجع. شرح رياض الصالحين (5/ 62).
قوله: «والقاعد يَرعى الصلاة كالقانت»:
قال الدمياطي -رحمه الله-:
قوله: «والقاعد يَرْعَى الصلاة كالقانت» أي: القاعد ينتظر الصلاة كالقائم المصلي. المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح (ص: 112).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «والقاعد» أي: في المسجد بلا صلاة «يرعى» أي: يريد «كالقانت» كالقائم في الصلاة. حاشية السندي على مسند أحمد (4/ 206).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
فَإنَّ القاعدَ على الشَّيءِ مُلازمٌ له. مصباح التفاسير القرآنية (5/ 327).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
قوله: «القاعد على الصلاة كالقانت» أي: أجره كأجر المصلي قائمًا ما دام قاعدًا ينتظر الصلاة؛ لأن المراد بالقنوت هنا القيام في الصلاة. فتح القريب المجيب (3/ 447).
وقال الفيومي -رحمه الله- أيضًا:
واعلم أن القنوت هو الطاعة كما ذكرهُ الحافظ (المنذري)، هذا هو الأصل، ومنها قوله تعالى: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} الأحزاب: 35، وسمي القيام في الصلاة قنوتًا، وقوله في الحديث الآخر: «أفضل الصلاة طول القنوت» أخرجه مسلم، والمراد أفضل العبادة، وفيه إشكال من حيث إنّ طول القراءة في قيامها ليس واجبًا، بل الواجب الفاتحة وقدر القيام فيها، والفرض أفضل من غيره.
والجواب: أن القيام كله يوحي بالوجوب على القول المرجّح، وأيضًا فإن القيام ذِكْرُهُ قرآن وهو أفضل من غيره، ويحتمل أن يكون المراد أفضل أفعالها المسنونة، ولا إشكال حينئذٍ، قاله في شرح الإلمام. فتح القريب المجيب (3/ 87).
وقال السهارنفوري-رحمه الله-:
وحاصل هذا الكلام: أن انتظاركم الصلاة عبادة موجبة للأجر والثواب، وأيضًا فيه تعب ومشقة، فيكون سببًا لزيادة الأجر، فحصل لكم لهذا الانتظار أجرٌ عظيم. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/ 90).
وقال العيني -رحمه الله-:
وقد قيل: مَن أراد أن يحطَّ الله عنه ذنوبه فلْيُلازم بصلاة بعد الصلاة؛ ليستكثر من استغفار الملائكة له، وقد شبَّه -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- ذلك بالرباط. شرح أبي داود (2/ 383).
وقال البغوي -رحمه الله-:
قال معاذ بن جبل: مَن رأى أن مَن في المسجد ليس في صلاة إلا مَن كان قائمًا يصلي، فإنه لم يفقه. شرح السنة (2/ 359).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وقد روي عَن سَعيد بن المُسيب أنهُ عُوتبَ عَلى تخلُّفه عن صَلاة الجنَائز، فقال: قعُودي في المَسْجِد أنتظر الصَّلاة أحَب إليَّ؛ لأنَّ الملائكة تصَلي عَليَّ تقول: اللهمَّ اغفر لسعيد بن المسيب. شرح سنن أبي داود (3/ 306).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وأما الجالس قبل الصلاة في المسجد لانتظار تلك الصلاة خاصةً فهو في صلاة حتى يصلي، وفي (الصحيحين) عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لما أخّر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلى بهم قال لهم: «إنكم لم تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتم الصلاة».
وبالجملة: فالجلوس في المسجد للطاعات له فضل عظيم...فمَن حَبَسَ نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها، وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد.اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى (ص: 69-72.
قوله: «ويُكتب من المصلِّين من حين يخرج من بيته حتى يرجع»:
قال الشوكاني -رحمه الله-:
فيه: أنه يُكتب لقاصد الصلاة أَجر المُصلي مِن حين يخرج مِن بيته إلى أن يعود إليه. نيل الأوطار(2/ ٣٨٧).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)