«مَنْ رَفَعَ حَجرًا من الطريق كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، ومَنْ كانت لَهُ حَسَنَةٌ دخَلَ الجنَّة».
رواه الطبراني في الكبير برقم: (198)، والبيهقي في شُعَبِ الإيمان برقم: (10660)، من حديث معاذ -رضي الله عنه-، وبنحوه رواه أحمد برقم: (27479).
صحيح الجامع برقم: (6265)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2306).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «مَن رَفَعَ حَجَرًا من الطَّرِيقِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«مَنْ رَفَعَ حجرًا عَن الطَّرِيق» احتسابًا لله. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 419).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
أي: أمَاطَ عن طريق الناس أذىً مِن حَجرٍ أو غيره كَشَوْكٍ؛ قاصدًا إزالة الضَّررِ عنهم احتسابًا. وَخُصَّ الحجرُ بالذِّكْر لغلَبَته، أو لكونه أعظم ضررًا، أو بطريق التمثيل. فيض القدير (6/ 138).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«مَن رفع حجرًا من الطَّرِيقِ» لئلا يؤذي المارِّينَ، أو غيرها من أيِّ مُؤذٍ. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 238).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
فمَن أخذ شيئًا من طريق المسلمين يُؤذيهم أدْخَلَه الله الجنَّة.
وفيه: أنَّ مَن وضع في طريقهم ما يُؤذيهم كَتَبَ الله عليه سيئة. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 61).
وقال المظهري -رحمه الله-:
ومنه: ألا يَفْعَل ولا يُلقي في الطريق ما يتأذَّى به المارُّ، كحَفْرِ حُفرةٍ في الطريق، أو إلقاء قِشْرِ بطِّيخ، أو التَّغَوُّط والبول في الطريق، وما أشبهَ ذلك، فإنَّه لو أمَرَتْهُ نفسُه بشيءٍ من هذه الأشياء، ثم لم يفعل ما أمَرَتْهُ نفسُه به لله، فيكون هذا من الإيمان أيضًا. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 64).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
ويَظْهَرُ أنَّ المراد بالطريق: الْمَسْلُوك، لا المهجور، وإنْ مرَّ فيه على نُدُوْرٍ، وخَرَجَ... طريق أهل الحرب وغيرهم، فلا يُندب عزل الأذى عنها. إتحاف السادة المتقين (6/ 254).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وسَمعتُ من بَعض المشايخ: أنهُ يَنبغي لمن أخرجَ قذَاةً مِنَ المَسْجِد، أو أذىً مِنْ طَريق المُسْلمين أن يقول عندَ أخْذِهَا لإزَالتها: لا إله إلا الله؛ لِيَجْمَع بينَ أدنَى شُعَبِ الإيمان وأعلاهَا، وهي كلمَة التوحيد، وبَيْنَ الأفعَال والأقوال، وإنْ اجتمع القَلبُ مَعَ اللسَان كانَ ذلك أكْمَل. شرح سنن أبي داود (3/ 289).
وقال الشوكاني -رحمه الله- مُعَقِّبًا على ابن رسلان:
إلا أنَّه لا يخفى أنَّ الأحكام الشرعية تحتاج إلى دليل، وقوله: ينبغي، حُكم شرعي. نيل الأوطار (2/ 159).
وقال السفيري -رحمه الله-:
وقد ورد في فضل مَن أزال مِن طريق المسلمين ما يَضُرُّهم من حَجَرٍ، أو شوك، أو عَظْمٍ، أو غير ذلك أحاديث، وورد أنَّ فِعْلَ ذلك مكتوبٌ لفاعله في ديوان الصدقة. شرح البخاري (1/ 363).
قوله: «كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«كُتِبَتْ لهُ حَسَنةٌ» وهذه أدنى شُعَب الإيمان، وهي إماطة الأذى عن الطريق. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 238).
قوله: «ومَن كانت له حَسَنةٌ دخل الجنَّة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«ومَن كَانَت لَهُ حَسَنَة» مقبولة «دخل الْجنَّة» بلا عذاب إن اجتنب الكبائر، أو لم يجتنب وعفا (الله) عنه، أو لم يعفُ عنه وعُذِّب، فإنَّه لا بد أنَّ يدخل الجنَّة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 419-420).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«دخل الَجنَّة» أي: بغير عذاب، أو مع السابقين؛ إذ القبول والدخول بفضل رحمته تعالى، فلا مانع من أن يحصل ذلك لمن ارتكب كبائر، فلا إشكال. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 276).
وقال العزيزي -رحمه الله- أيضًا:
«دخل الَجنَّة» يعني: إذا قَبِلَ اللهُ الحسنة عفا عنه وأدخله الجنَّة مع السابقين. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 297).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ومَن كانت له حَسَنةٌ دخل الجنَّة»؛ لأنَّه لا يَظْلِمُه الله شيئًا من الظُّلم، أو وفَّقَهُ للإتيان بصالحات الأعمال حتى يكون من أهل الجنَّة. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 238).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«دخل الجنة» أي: لا بد له من دخولها إمَّا بلا عذاب؛ بأنْ اجْتَنَب الكبائر، أو لم يجتنبها وعفا (الله) عنه، أو لم يَعْفُ عنه وعُذِّب فإنَّه لا بدَّ أن يخرج من النار.
والعموم المستفاد من كلمة: «مَنْ» مشروط بالإيمان. فيض القدير (6/ 138).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه (الحديث): حثٌّ على رفع الأذى عن طريق المسلمين.
وفيه: إثمُ مَن وضع الأذى في طريقهم كما يفعله الناس في الكناسات ورميها إلى الطريق، والتبرُّزِ فيها وغير ذلك، سِيَّما الأمصار الواسعة. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 238).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ذكَرَ مسلمٌ الأحاديث في الثواب على إماطة الأذى وإزالته عن الطريق؛ كمَن قَطَعَ شجرةً كانت تُؤْذِي، وإزالة غصن شوك، وقد جاء في الحديث الآخر: أنَّه مِن شُعَبِ الإيمان، فكلُّ مَن أدْخَلَ نفعًا على المسلمين، أو أزَالَ عنهم ضررًا فهو منه؛ لِكَوْنِهِ كله من النصيحة الواجبة على المسلمين بعضهم لبعض، التي بايع عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه مِن النُّصح لكل مسلم، بنُصْحِهِ في حضْرَتِه وغَيْبَتِه بكل قول وفعل يعود عليه بمنفعةٍ لدِينه ودنياه. إكمال المعلم (8/ 97).
وقال النووي -رحمه الله-:
هذه الأحاديث المذكورة في الباب ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق، سواء كان الأذى شجرةً تُؤْذِي، أو غُصْنَ شوكٍ، أو حَجَرًا يُعْثَرُ به، أو قَذَرًا أو جيفةً وغير ذلك، وإماطة الأذى عن الطريق مِن شُعَبِ الإيمان. شرح النووي على مسلم (16/ 171).
وقال إبراهيم بن حمزة -رحمه الله-:
سَبَبُهُ (أي: هذا الحديث): عن أبي شيبة قال: كان معاذٌ يمشي ورَجُلٌ معه، فرفَع حجرًا من الطَّرِيق، فقلتُ: ما هذا؟ قال: سَمِعتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَن رفع...» فَذكره. البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف (2/ 218).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
وإذا كانت إزالة الأذى عن طريق المسلمين فضيلة كبيرة كما ذكرنا، كان نقيضها -وهو وضع العَقَبَات والأذى في طريق المسلمين، وتَعْريضِهم للأخطار- رذيلة كبيرة، وإذا كانت إماطة الأذى عن طريق المسلمين تُدْخِلُ الجَنَّة، كان وَضْعُ القاذورات والحُفر في طريقهم يُدْخِلُ النار. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 111).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)