«ما ترفعُ إِبِلُ الحاجِّ رِجْلًا، ولا تضعُ يدًا إلا كَتَبَ اللهُ له بها حسنةً، أو محا عنه سيئةً، أو رفعَهُ بها درجةً».
رواه البيهقي في شُّعب الإيمان برقم: (3821)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (5596)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1106).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «ما ترفعُ إِبِلُ الحاجِّ رِجْلًا، ولا تضعُ يدًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«ما ترفع إبلُ الحاجِّ رِجْلًا، ولا تضع يدًا» حال سيرها بالناس إلى الحج. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 346).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
(في حديث ابن عباس) «الحاج الراكب له بكل خُفٍّ يضعه بعيرُه حسنة» يعني: بكل خطوة تخطوها دابَّتُه التي يركبها، وإنَّما خصَّ البعير لأن الحاج غالبًا إنَّما يكون عليه، وهذا ترغيب عظيم في الحج، وبيان لجزيل النوال فيه. فيض القدير (3/ 402).
قوله: «إلا كتبَ اللهُ له بها حسنةً، أو محا عنه سيئةً، أو رفعَهُ بها درجةً»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إلا كتب الله تعالى» أي: أَمَرَ أو قدَّر «له بها حسنة، ومحا عنه سيئة، أو رفعه بها درجة» أي: إن لم يكن عليه سيئة، والإبل للغالب، فراكب نحو البغل كذلك. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 346).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إلا كتب الله تعالى له بها» بكل واحدة من الرفعة والوضعة «حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفعه بها درجة» من درجات الجنة. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 374).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ رجلًا من الأنصار سأله عن الحج، فقال: «لك بكل خطوة تخطوها راحلتُك حسنة، وتُحط عنك بها سيئة، وتُرفع لك بها درجة». مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن (ص: 70).
وقال الطبري -رحمه الله-:
وعن عمر بن الخطاب أنَّه مرَّ على رواحل مُناخَة بفناء الكعبة، فقال: «لو يعلم الرَّكْب ماذا يرجعون إليه بعد المغفرة؟ لقرَّت أعينهم، ما رفَعَتْ خُفًّا ولا وضعت إلا يُرفع له درجة، وتُحط عنه خطيئة» خرجه أبو ذر الهروي في منسكه.
وخرَّجه ابن الحاج المالكي في منسكه بزيادة، ولفظه: عن عمر أنه خرج فرأى رَكْبَنَا، فقال: «من الرَّكْبُ؟ فقالوا: حاجِّين، قال: أَنَهَزَكُم غيره؟ ثلاث مرات، قالوا: لا، قال: لو يعلم الرَّكْب بمن أناخُوا لقَرَّت أعينهم بالفضل بعد المغفرة، والذي نفس عمر بيده ما رَفَعَتْ ناقة خُفًّا ولا وضعَتْهُ إلا رفع الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، وكتب له حسنة» وقوله: «أنهزكم» أي: دفَعَكم. القرى لقاصد أم القرى (ص:37).
وقال الرحيباني الحنبلي -رحمه الله-:
هل الأفضل الحج راكبًا أو ماشيًا؟ اختار الأول جمهور أصحابنا، واستدلوا له بما يطول ذكره، واختار الثاني صاحب الانتصار، وأبو يعلى الصغير في مفرداته، وابن الجوزي في مثير العزم الساكن إلى زيارة أشرف الأماكن.
ويتجه: الحج من مكة ماشيًا أفضل، وللبعيد منها راكبًا أفضل؛ لحديث: «من حج من مكة ماشيًا حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم» وقد ذكرنا هذا الحديث وغيره في باب صفة الحج، وهذا اتجاه حسن، وجمع لطيف مستحسن. مطالب أولي النهى (2/ 451).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
أنْ يحج ماشيًا إنْ قدر عليه فذلك الأفضل، أوصى عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- بَنِيْهِ عند موته فقال: " يا بَنِيَّ حُجوا مُشَاة، فإن للحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة بمائة ألف"، والاستحباب في المشي في المناسك والتردد من مكة إلى الموقف وإلى منى آكد منه في الطريق...، وقال بعض العلماء: الركوب أفضل؛ لما فيه من الإنفاق والمؤنة؛ ولأنه أبعد عن ضجر النفس، وأقل لأذاه، وأقرب إلى سلامته، وتمام حجه، وهذا عند التحقيق ليس مخالفًا للأول، بل ينبغي أن يفصَّل، ويقال: من سَهُل عليه المشي فهو أفضل، فإن كان يضعف ويؤدي به ذلك إلى سوء الخلق، وقصور عن عمل، فالركوب له أفضل، كما أن الصوم للمسافر أفضل وللمريض ما لم يُفْضِ إلى ضعف وسوء خلق.
وسُئل بعض العلماء عن العمرة: أيمشي فيها أو يكتري حمارًا بدرهم؟ فقال: إنْ كان وزن الدرهم أشد عليه فالكراء أفضل من المشي، وإن كان المشي أشد عليه كالأغنياء فالمشي له أفضل، فكأنه ذهب فيه إلى طريق مجاهدة النفس، وله وجه.
ولكن الأفضل له أنْ يمشي ويصرف ذلك الدرهم إلى خير، فهو أولى من صرفه إلى المكاري عوضًا عن ابتذال الدابة، فإذا كانت لا تتسع نفسه للجمع بين مشقة النفس، ونقصان المال، فما ذكره غير بعيد فيه. إحياء علوم الدين (1/ 263).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وصحَّح جماعة أنَّ المشي أفضل، وبه قال إسحاق؛ لأنه أشق على النفس؛ ولذلك بدأ به في الآية، وفي حديث صححه الحاكم من حديث ابن عباس مرفوعًا: «من حج إلى مكة ماشيًا حتَّى يرجع كُتب له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم»، فقيل: وما حسنات الحرم؟ قال: «كل حسنة بمائة ألف حسنة»، ولأبي موسى المديني بإسناده: «الحاج الراكب له بكل خُفٍّ يضعه بعيره حسنة، والماشي له بكل خطوة يخطوها سبعون حسنة من حسنات الحرم» وفيه القدامي (أي: ضعيف). التوضيح (11/ 30).
وقال النووي -رحمه الله-:
الركوب في تلك المواطن (المناسك) أفضل من المشي، كما أنه في جملة الطريق أفضل من المشي، هذا هو الصحيح في الصورتين: أنَّ الركوب أفضل، وللشافعي قول آخر ضعيف: أنَّ المشي أفضل، وقال بعض أصحابنا: الأفضل في جملة الحج الركوب إلا في مواطن المناسك، وهي مكة ومنى ومزدلفة وعرفات والتردد بينهما. شرح صحيح مسلم (8/ 180).