الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«‌لولا ما مسَّه من أنجاسِ الجاهليةِ ما مسَّه ذو عاهةٍ إلا شُفِيَ، وما على الأرضِ شيءٌ من الجنةِ غيرُه».


رواه البيهقي في الكبرى برقم: (9230)، وعبد الرزاق الصنعاني برقم: (8915)، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- مرفوعًا وموقوفًا.
ورواه الطبراني مرفوعًا في المعجم الكبير برقم: (11314)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (5334)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2619).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أنجاسِ الجاهليةِ»:
أي: أيامهم وذنوبهم. التنوير، للصنعاني (9/ 197).

«ذو عاهةٍ»:
أي: صاحب بلاء. السراج المنير، للعزيزي (3/ 104).


شرح الحديث


قوله: «‌لولا ما مسَّه من أنجاسِ الجاهليةِ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«لولا ما مس الحجر» الأسود، الذي هو عين الله في أرضه «‌من ‌أنجاس ‌الجاهلية» أيامهم وذنوبهم؛ لأنهم كانوا يقاربونه وهم متلبِّسُون بها. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 197).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«ولولا ما مسه من رجس الجاهلية» أي: خطاياهم وأوزارهم. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 413).
وقال محمد عمارة -رحمه الله-:
«‌من ‌أنجاس ‌الجاهلية» عقائدهم الفاسدة، وشركهم بالله. تحقيق الترغيب والترهيب (2/ 195).

قوله: «ما مسَّه ذو عاهةٍ إلا شُفِيَ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«ما مسّه ذو عاهة» كأجذم أو أعمى أو أبرص «إلا شُفي» من عاهته. فيض القدير (5/ 344).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«مسَّهُ ذو عاهة» العاهة الآفة، وأريد بها هنا الألم، بدليل قوله: «إلا شفي». التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 198).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«ما مَسّه ذو عاهة إلا برئ» إلا أنَّها حالت الخطايا بين العباد وبين نيل بركته في الدنيا، وبقي لهم نيل بركته في الآخرة؛ بتكفير الذنوب، والشهادة لكل من وافاه، أو استلمه. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 413).

قوله: «وما على الأرضِ شيءٌ من الجنةِ غيرُه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وما على الأرض شيء من الجنة غيره» يحتمل: أن يراد به ظاهره، وأنه يراد به المبالغة في تعظيمه، يعني: أن الحجر لِمَا له من التعظيم والكرامة والبركة يشارك جواهر الجنة فكأنه منها، وأن خطايا البشر تكاد تؤثِّر في الجماد. فيض القدير (5/ 344).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وما على» وجه «الأرض» موجود «شيء من الجنة» مما كان فيها «غيره»، يعارضه ما تقدم في حرف الراء: «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة» أخرجه الحاكم، وصححه من حديث أنس، ولعله يجاب بأن المراد أنهما يكونان في الآخرة من يواقيت الجنة، فهو إخبار عن منتهاهما، وهذا إخبار عن مبدأ الركن أنه من الجنة، إلا أنه يُشْكِلُ عليه ما تقدم في حرف الهمزة: «أن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، طمَسَ الله نورهما...» الحديث، وتقدم تصحيحه، فإنه ظاهر في أن المقام كالركن أُخرج من الجنة، فيُحتمل أنه يجاب بأنه -صلى الله عليه وسلم- أخبر بهذا -أعني أنه ليس غير الحجر الأسود على الأرض من الجنة- قبل إعلام الله له بأن الركن منها أيضًا، أو أن المراد بالجنة جنة مخصوصة، كالفردوس، أو نحوه. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 198).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«وما في الأرض من الجنة غيره» إن قيل: تقدم حديث ابن عمرو في أن: «الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة...» الحديث، فكيف قيل: «وما في الأرض من حجارة الجنة غيره؟».
قلتُ: يحتمل أن المراد ليس فيها غيره من الأحجار التي تعود إليها وتُرفع، بخلاف المقام فقد يفنيه الله تعالى مع فناء الأرض؛ وذلك لأن الحجر الأسود يُرفع ليشهد لكل من استلمه، ويحتمل أن المراد من كونهما من ياقوت الجنة أنهما يرفعان إليها، فأما الحجر الأسود فلأن أصله منها، وأما المقام فإكرام من الله له، وإلا فهو من أحجار الدنيا، فإن الإخبار بأنه من ياقوت الجنة لا ينافي كونه من أحجار الدنيا، ويكون المراد: ليس على الأرض حجر أُخرج من الجنة. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 412- 413).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
والحديث محمول على ظاهره؛ إذ لا مانع نقلًا ولا عقلًا، فالركن الأسود حجر من حجارة الجنة حقيقة، وليس فيه غرابة وبُعْد واستحالة. مرعاة المفاتيح (9/ 108).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
ظاهر قوله: «ما على الأرض شيء من الجنة غيره» مخالِفٌ لما ثبت في بعض الأحاديث أنه ذكر مع الحجر: غرس العجوة، وأواقٍ تنزل في الفُرات كل يوم من بركة الجنة...، فكيف التوفيق بينهما؟
فأقول: لعل المراد بقوله: «غيره» يعني: من الحجارة، وحينئذٍ فلا منافاة. السلسلة الصحيحة (7/ 1072- 1073).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
ومنها: الترغيب في مسح الحجر؛ لينالوا بركته، فتنتقل ذنوبهم من أبدانهم إليه. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1981).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
أما سؤال الكعبة، أو دعاؤها، أو طلب البركة منها، فهذا شرك أكبر، لا يجوز، وهو عبادة لغير الله، فالذي يَطلب من الكعبة أنْ تشفي مريضه، أو يتمسح بالمقام؛ يرجو الشفاء منه فهذا لا يجوز، بل هو شرك أكبر، نسأل الله السلامة . مجموع الفتاوى (17/ 222).
وقال عبد الرحيم السلمي -حفظه الله-:
أما اعتقاد أنه (الحجر الأسود) شفاء للأبدان فهذا اعتقاد فاسد يردُّه كلام عمر بن الخطاب عندما قبَّله وقال: «والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلك ما قَبَّلْتُك». شرح كتاب التوحيد (2/ 20).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقول عمر حين قبَّل الحجر: «لقد علمتُ أنَّك حجرٌ لا تضر ولا تنفع...» معنى «لا تضر ولا تنفع» أي: بذاتك وقدرتك، وإنْ كان امتثال ما شُرع فيه ينفع في الجزاء عليه والثواب. إكمال المعلم (4/ 345).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
فأما تقبيل الأحجار والقبور والجدران والستور، وأيدي الظلمة والفسقة، واستلام ذلك جميع فلا يجوز، ولو كانت أحجار الكعبة، أو القبر المشرَّف، أو جدار حُجرته، أو ستورهما، أو صخرة بيت المقدس؛ فإنَّ التقبيل والاستلام ونحوهما تعظيم، والتعظيم خاص بالله فلا يجوز إلَّا فيما أَذِنَ فيه، نعم في شرح المهذب لابن درباس (المسمى بالاستقصاء في شرح المهذب لعثمان بن عيسى بن درباس الكرخي) عن الشافعي -رضي الله عنه- أنه قال: وأي البيت قبَّل فحسن، غير أنا نُؤمَر بالاتباع. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (6/ 200).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله-:
والكعبة نفسها زادها الله تشريفًا لا يُتبرَّك بها؛ ولهذا لا يُقبَّل منها إلا الحجر الأسود فقط، ولا يمسح منها إلا هو والركن اليماني فقط، وهذا المسح والتقبيل المقصود منه طاعة رب العالمين، واتباع شرعه؛ ليس المراد أنْ تَنال اليد البركة في استلام هذين الركنين، وقد قال الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما قبَّل الحجر الأسود: «والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُقبِّلك ما قبَّلْتُك»، وقد ورد في الحديث: «الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه وقبَّله فكأنما صافح الله، وقبَّل يمينه».
والتزام الكعبة المعروف ليس في التمسح بحال؛ إنما هو إلصاق الخد والصدر واليدين؛ اشتياقًا تارة، وأسفًا على الفراق تارة، وذلًّا لله تعالى وخشية تارة أخرى. فتاوى ورسائل(5/ 12).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
(ومن الأحاديث): أحاديث مكذوبة مختلقة وضعها أشباه عُبَّاد الأصنام من المقابرية على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تُنَاقِضُ دينه، وما جاء به، كحديث: «إذا أَعْيَتْكُمُ الأمور فعليكم بأصحاب القبور»، وحديث: «لو أحسن أحدكم ظَنَّهُ بحجر نفعه»، وأمثال هذه الأحاديث التي هي مناقضة لدين الإسلام، وضعها المشركون وراجت على أشباههم من الجهال الضُّلَّال، والله بعث رسوله يقتل مَن حسن ظنه بالأحجار، وجنَّبَ أُمَّتَه الفتنة بالقبور بكل طريق. إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/ 215).


ابلاغ عن خطا