أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ما يَلْبَسُ المحْرِمُ مِن الثِّيابِ؟ فقالَ رسولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لا تَلْبَسُوا القُمُصَ، ولا العمائِمَ، ولا السَّرَاوِيلَاتِ، ولا البَرَانِسَ، ولا الخِفَافَ، إلَّا أحدٌ لا يجدُ النَّعْلينِ فليلبسِ الخُفَّينِ، وليقطعهُمَا أسفلَ مِن الكعبينِ، ولا تَلْبَسُوا مِن الثِّيابِ شيئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، ولا الوَرْسُ».
رواه البخاري برقم: (1542)، ومسلم برقم: (1177)، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.
وفي رواية للبخاري برقم: (5804)، ومسلم برقم: (1178)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- ولفظه: «...ومن لم يجد نَعْلَيْنِ فلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ»، ولم يذكر القطع.
وفي رواية للبخاري برقم: (1838): «ولا تَنْتَقِبِ المرأةُ المحرِمَةُ، ولا تلبسِ القُفَّازَيْنِ».
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«المحْرِمُ»:
هو مَن أَحْرَمَ بحجٍ أو عُمرةٍ، أو قَرَنَ بينهما. فتح الباري، لابن حجر (3/ 401).
وقال الشلبي -رحمه الله-:
أَحَرَمَ الرجلُ إذا دخل في حُرْمة لا تُهتك؛ وهذا لأنَّ بالإحرام يحرُم عليه الرَّفَثُ والفسوق والجِدال وقَتْلُ الصيد، وغير ذلك. حاشيته على تبيين الحقائق (2/ 8).
«القُمُصَ»:
بضم القاف، وسكون الميم، وضمِّها: جمْع قميص، ويُجمع أيضًا على أَقْمِصَةٍ وقُمْصَان. عمدة القاري، للعيني (9/ 161).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
القُمُص: جمع قميص، وهو الثوب المخيط. شرح المصابيح (3/ 333).
«العَمَائِمَ»:
بفتح العين المهملة، جمع عِمامة بكسر العين، سُمِّيت بذلك لأنها تعُمُّ جميع الرأس. المهيأ، للكماخي (2/ 336).
قال الزبيدي -رحمه الله-:
العِمامة: بالكسر، هو ما يتعمم به على الرأس، من قطن أو صوف، أو نحو ذلك...، ويقال فيها أيضًا: العِمَّة، بالكسر. إتحاف السادة المتقين (3/ 250).
«السَّرَاوِيلَاتِ»:
جمْع سروال، فارسي مُعرَّب، والسراوين بالنون لغةً، والشروال بالشين المعجمة لغةً. إرشاد الساري، للقسطلاني (3/ 109).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
السراويل: أعجمية، عُرِّبت، وجاء على لفظ الجمع، وهي واحدة، تُذكَّر وتُؤنَّث، ولم يَعرِف الأصمعيُّ فيها إلا التأنيث، وتجمع على السراويلات، وقد يُقال: هو جمع، ومفرده سِروالة، قال الشاعر:
عليه من اللؤم سروالة *** فليس يرقُّ لمستَضْعَفِ.
وهو غير منصرف على الأكثر. الكواكب الدراري (2/ 166).
«البَرَانِسَ»:
كلُّ ثوبٍ رأسُه منه، مُلّتَزِق به، دُرَّاعةً (قميص واسع الكمين وعريض) كانَ أو مِمْطَرًا (بكسر الميم الأولى وفتح الطاء: ما يُلبس في المطر يُتوقَّى به) أو جُبَّةً. العين، للخليل (7/ 343).
وقال الجوهري -رحمه الله-:
البُرْنُسُ: قَلنسُوة طويلة، وكان النُسَّاكُ يلبسونها في صدر الإسلام، وقد تَبَرْنَسَ الرجل: إذا لبِسَه. الصحاح (3/ 908).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
وهذا الثوب في هذا الزمان شائع عند أهل المغرب يلبسونه ليس فيه كِمَام، سألتُ عنه بعض علماء أهل المغرب في المدينة المنورة، ورأيته عندهم. بذل المجهود (4/ 60).
«الخِفَافَ»:
بكسر الخاء المعجمة، جمْع خُفٍّ، وهو معروف (ما يُلبَس في القَدَم مِن جِلْدٍ ونحوه، ويُغطي ظهر القَدَم وخَلْف العَقِب) ويُجمع على أَخْفَاف. إرشاد الساري، للقسطلاني (8/ 426).
«النَّعْلينِ»:
(مُثنى نَعْل) والنَّعْل والنَّعَل هي التي تُلبَس فِي الرِّجْل، معروفة (وهي حذاء لا يُغطي ظهر القَدَم ولا خَلْف العَقِب، وإنما يُمسَك بظهر القَدَم بسِيُورٍ فوق الأصابع وبينها). فتح الباري، لابن حجر (1/ 196).
«الزَّعْفَرَانُ»:
بفتح الزاي والفاء، جمعه زَعَافِر، اسمٌ أعجميٌّ، وقد صَرَفَتْهُ العرب، فقالوا: ثوبٌ مُزَعْفَر، وقد زَعْفَرَ ثوبه يُزَعْفِرُه زَعْفَرةً، وقال أبو حنيفة (الدينوري): لا أعلمه يَنْبُتُ شيء منه من أرض العرب. الكواكب الدراري، للكرماني (2/ 166) وعمدة القاري، للعيني (9/ 162).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
الزَّعْفَرَانُ معروفٌ (نبات منه أصفر وأحمر يُصبغ به ويُستعمل في الأطعمة)، وزَعْفَرْتُ الثَّوْبَ صَبَغْتُهُ بالزَّعْفَرَانِ، فهو مُزَعْفَرٌ بالفتحِ اسمُ مفعولٍ. المصباح المنير (1/ 253).
«الوَرْسُ»:
بفتح الواو، وسكون الراء، وفي آخره سين مهملة، وهو نبت أصفر (طيب الريح) يكون باليَمَن، تُصْبَغُ به الثياب، ويُتخذ منه الغُمْرَةُ للوجه (طلاء من الورس، وقد غَمَرَت المرأة وجهها تغميرًا أي طَلَتْ به وجْهَهَا ليَصْفُو لونها). عمدة القاري، للعيني (2/ 222).
«ولا تَنْتَقِبِ»:
النِّقَاب: القِناع على مارن الأنف تستر به المرأة وجهَها. التعريفات الفقهية، للمجددي (ص: 231).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
فَأَما النقاب فهو ما كان على الْأنف يستر ما تَحْتَهُ. كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 479).
«القُفَّازَيْنِ»:
بالضم والتشديد (مُثنى قُفَّاز): شيءٌ يتخذه الصائد في يده من جِلْدٍ أو لِبْدٍ، وقيل: هو شيء تلبسه نساء العرب في أيديهن؛ لتغطية الأصابع والكف؛ توقِّيًا من البرد ونحوه، وقد يكون طويلًا إلى المرفق والساعد، وقد يكون قصيرًا. شرح المصابيح، لابن الملك (3/ 334).
قال ابن حجر -رحمه الله-:
القُفَّاز: بضم القاف، وتشديد الفاء، وبعد الألف زاي: ما تلبسه المرأة في يدها، فيُغطي أصابعها وكفَّيها عند معاناة الشيء، كغَزْلٍ ونحوه، وهو لليد كالخُف للرِّجْل. فتح الباري (4/ 53).
شرح الحديث
قوله: «أنَّ رجلًا سألَ رسول اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «أنَّ رجلًا...» لم أقف على اسمه في شيء من الطُّرق. فتح الباري(3/ 401).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «سَأَلَ» يتعدَّى بنفسه إلى المفعول الأول، وبـ(عن) إلى الثاني، وقد يجوز تعديته إلى الأول بـ(عن) وإلى الثاني بنفسه، فيكون تقديره: سَأَلَ رسولَ اللهِ عن هذه المسألة، أو عنه إياها. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 2023).
قوله: «ما يَلْبَسُ المحْرِمُ مِن الثِّيابِ؟»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
ومن طريق الليث عن نافع بلفظ: «ماذا تأمُرُنا أنْ نلبس من الثياب في الإحرام؟»، وعند النسائي من طريق عمر بن نافع عن أبيه: «ما نلبس من الثياب إذا أَحْرَمْنَا؟» وهو مُشعرٌ بأنَّ السؤال عن ذلك كان قبل الإحرام، وقد حكى الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري: أنَّ في رواية ابن جريج والليث عن نافع: أنَّ ذلك كان في المسجد، ولم أرَ ذلك في شيء من الطُّرق عنهما، نعم أخرج البيهقي من طريق حماد بن زيد عن أيوب، ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء عن عبد الله بن عون كلاهما عن نافع عن ابن عمر قال: «نادى رجلٌ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب بذلك المكان، وأشار نافع إلى مُقدَّم المسجد» فذكر الحديث، وظهر أنَّ ذلك كان بالمدينة، ووقع في حديث ابن عباس: أنَّه -صلى الله عليه وسلم- خطب بذلك في عرفات، فيُحمل على التعدُّد، ويؤيده أنَّ حديث ابن عمر أجاب به السائل، وحديث ابن عباس ابتدأ به في الخُطبة. فتح الباري(3/ 401).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«ما» استفهامية، وكونه مفعولًا على التأويل، ويجوز ألا تكون استفهامية، أي: سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الشيء الذي يَلبسه المحْرِم. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 2023).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «المحْرِم» أجمعوا على أنَّ المراد به هنا: الرَّجُل، ولا يلتحق به المرأة في ذلك...، وإنَّما تشترك مع الرَّجُل في منع الثوب الذي مسَّه الزعفران أو الورس، ويؤيده قوله في آخر حديث الليث الآتي في آخر الحج: «لا تنتقب المرأة». فتح الباري (3/ 402).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
أجمع أهل العلم على أنَّ للمرأة المحْرِمة لبس القميص والدِّرع والسراويلات والخُمُر والخِفَاف. الإشراف (3/ 221).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «من الثياب» يريد من أنواع الثياب، كما يُقال: ما يأكل الإنسان من الطعام؟ يريد من أصنافه وأنواعه. عارضة الأحوذي (4/43).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: هذا من بديع الكلام وجَزْلِه؛ فإنَّه -صلى الله عليه وسلم- سُئل عما يلبسه المحْرِمُ، فقال: لا يلبس كذا وكذا، فحصل في الجواب: أنَّه لا يلبس المذكورات، ويلبس ما سوى ذلك، وكان التصريح بما لا يلبس أَولى؛ لأنه منحصرٌ، وأما الملبوس الجائز للمُحْرِم فغير منحصرٌ، فضبط الجميع بقوله -صلى الله عليه وسلم-: لا يلبس كذا وكذا، يعني: ويلبس ما سواه. المنهاج (8/ 73).
وقال محمد الأُبي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: والجواب بذلك أخص، وهو يدلُّ باللزوم على ما يُلبس، وبه تَعْرِفُ أنَّ دلالة الالتزام قد تكون أرجح من المطابقة، وأنَّه لا يتعيَّن في الجواب المطابقة، بل حصول المقصود ولو بإشارة، وقيل: إنَّ الحديث من دلالة المطابقة؛ لأنه في قوة: البسوا غير هذه.
وقيل: إنَّما عدل عن الجواب بذلك لينَبِّه على ما هو الأصل؛ لأن حق السؤال أنْ يكون عمَّا لا يُلبس؛ لأن الحكم العارض المحتاج للبيان هو الحرمة، وأمَّا جواز ما يلبس فثابت بالأصل والاستصحاب. إكمال إكمال المعلم (3/292).
وقال المازري -رحمه الله-:
سُئل -عليه السلام- عمّا يَلبس المحْرِمُ فأَجاب بما يترك لباسه. وإنما عدل -عليه السلام- إلى ذلك لأن المتروك ينحصر، والملبوس لا ينحصر؛ (فحصر له ما يترك) ليبين أن ما سواه مباح لباسه. المعلم بفوائد مسلم(2/٦٧)
وقال الماوردي -رحمه الله-:
فإنْ قيل: فَلِمَ سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمّا يلبس المحرم، فأجاب بما لا يلبس؛ وذلك لا يكون جوابًا لسؤالهم؟
قيل: عنه جوابان:
أحدهما: أنَّ السائل أخطأ في سؤاله؛ لأن أصل اللباس على الإباحة، وإنَّما كان ينبغي أنْ يسأله عما لا يُلبَس؛ لأن الحظر طارئ، فأجابه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عما كان ينبغي أنْ يسأل عنه؛ ليعلِّمه أنَّه قد أخطأ في سؤاله، ويُخبره حكم ما جهله.
والجواب الثاني: أنَّ ما يجوز له لبسه أكثر مما حُظر عليه، وفي ذكر جميعه إطالة، فذكر ما حُظر عليه؛ ليستدل به على إباحة ما سواه. الحاوي الكبير (4/ 216-217).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
فيه: دليل على أنَّ المعتبر في الجواب: ما يحصُل منه المقصود كيف كان، ولو بتغيير أو زيادة، ولا تُشترط المطابقة. إحكام الأحكام (2/ 50-51).
قوله: فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَلْبَسُوا القُمُصَ»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«لا تَلْبَسُوا» (لا) ناهية؛ ولذا جُزم الفعل بها، كذا هو في رواية نافع بالخطاب، وواو الجماعة، وفي رواية سالم التالية: «لا يلْبَس المحرم القميص» وهو بالرفع على الخبر على الأشهر، وهو في معنى النهي، وروي بالجزم على أنَّه نهي. البحر المحيط الثجاج (22/ 57).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «لا تلبسوا» أي: أيها المحْرِمُون، أو مريدو الإحرام من الرجال «القُمُص» بضمتين، جمْع قميص. مرقاة المفاتيح (5/ 1846).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله -عليه السلام-: «لا تلبسوا القُمُصَ...» قال علماؤنا: هذا قولٌ قويٌّ، مُستوعِبٌ في المنع، في منع المُحْرِم المَخِيطَ الذي لا يحصل غالبًا إلَّا بالخياطة، وهي القميص، وما كان في معناه، يدخل المخيط كلُّه في هذا المنع. المسالك (4/ 288).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«القُمُص» جمْع قميص، وهو الثوب المخيط. شرح المصابيح (3/ 333).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«القُمُص»... نوع من الثياب معروف، وهو الدِّرع، وذكر ابن الهمام في أبواب النفقة من فتح القدير: أنَّهما سواء، إلا أنَّ القميص يكون مُجَيَّبًا (فيه جَيْبٌ) من قِبَل الكتف، والدرع من قِبَل الصدر، انتهى. مرعاة المفاتيح (9/ 331).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
والتنبيه بالقُمُص على تحريم المخيط بالبدن، وما يساويه من المنسوج. إحكام الأحكام (ص: 300).
وقال العيني -رحمه الله-:
يحْرُمُ على المحْرِمِ لبس القميص، ونبَّه به في الحديث على كل مخيط، من كل معمول على قدر البدن أو العضو؛ وذلك مثل الجُبَّة والقفازين. عمدة القاري (9/ 162).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
اللبس عند الفقهاء (هنا) محمولٌ على اللبس المعتاد في كل شيء مما ذُكِر، فلو ارتدى بالقميص لم يُمنع منه؛ لأن اللبس المعتاد في القميص غير الارتداء، واختلفوا في القِبَاءِ (ثوبٌ يُلبَسُ فوق الثياب أَو القميص ويُتمنْطَقُ عليه) إذا لُبِسَ من غير إدخال اليدين في الكُمَّين، ومَن أوجب الفدية جعل ذلك من المعتاد فيه أحيانًا، واكتفى في التحريم فيه بذلك. إحكام الأحكام (2/ 51).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: والحكمة في تحريم اللباس المذكور على المحْرِم (القميص وما في معناه) ولباسه الإزار والرداء: أنْ يبعد عن الترفُّه، ويتَّصف بصفة الخاشع الذليل؛ وليتذكر أنَّه مُحْرِمٌ في كل وقت، فيكون أقرب إلى كثرة أذكاره، وأبلغ في مراقبته وصيانته لعبادته، وامتناعه من ارتكاب المحظورات؛ وليتذكر به الموت، ولباس الأكفان، ويتذكر البعث يوم القيامة، والناس حُفاة عُراة، مهطعين إلى الداعي. المنهاج (8/ 74).
قوله: «ولا العمائِمَ»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«ولا العمائم» جمْع عِمَامة، سُمِّيت بذلك لأنَّها تعُمُّ جميع الرأس بالتغطية. إرشاد الساري (3/ 109).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «ولا العمائم» وذلك أصلٌ في كشف الرأس عن كل نوعٍ يستره. عارضة الأحوذي (4/44).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
ونبَّه به على كل ساترٍ للرأس مخيطًا أو غير مخيط، حتى العصابة فإنَّها حرام. مرعاة المفاتيح (9/ 333).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «لا تلبَسُوا العمائِمَ» فإنَّها ومما في معناها من القلانِس ممنوع؛ لأنَّ المُحرِم مأمورٌ بالشَّعَث، والعِمَّةُ تمنع منه؛ ولأنَّ إحرام الرَّجُل في رأسه، فيلزمُه كشفُه مُحْرِمًا، ولا يحلّ له ستره إلَّا مِنْ عُذْرٍ مع الفديةِ؛ لاختصاص الإحرام به. المسالك (4/ 288-289).
قوله: «ولا السَّرَاوِيلَاتِ»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«ولا السراويلات»...، هو ثوب خاص بالنصف الأسفل من البدن، ولفظه أعجمي لا عربي على الصحيح، يقال: هو فارسي معرَّب، (شلوار) في الهندية. مرعاة المفاتيح (9/ 333).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«ولا السراويلات» جمع سراويل، يقال: تَسَرْوَلَ، أي: لَبِسَ السراويل، وهو مفرد، يُذكَّر ويُؤنَّث، وهو لباس يُغطِّي ما بين السُّرة والركبتين غالبًا، ويُحيط بكل من الرِّجْلين على حدة. فتح المنعم (5/ 87).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -رحمه الله-:
قوله: «ولا السراويلات» لا يلبس سراويل، سواءً كانت سراويل طويلة، أو قصيرة؛ لأنه يشملها اسم السراويل، وهي أيضًا مخيطة على قَدْرِ جزء من البدن، وفي الصحيح عن عائشة: أنَّها رأت أنْ لا بأس بلبس السروال القصير، يسمونه التُّبَّان (سراويل صغير يستر العورة المُغَلَّظَة فقط)، لكنه قول مرجوح، العمل على خلافه عند عامة أهل العلم، لكن هذا اجتهادها. شرح عمدة الأحكام كتاب الحج (ص: 13).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم- (أي: في حديث ابن عباس): «السراويل لمن لم يجد الإزار» يعني: المحْرِم، هذا صريح في الدلالة للشافعي والجمهور في جواز لبس السراويل للمحْرِم إذا لم يجد إزارًا، ومنعه مالك؛ لكونه لم يُذكَر في حديث ابن عمر السابق.
والصواب: إباحته بحديث ابن عباس هذا، مع حديث جابر بعده، أما حديث ابن عمر فلا حُجة فيه؛ لأنه ذكر فيه حالة وجود الإزار، وذكر في حديث ابن عباس وجابر حالة العدم، فلا منافاة، والله أعلم. المنهاج (8/75- 76).
وقال العيني -رحمه الله-:
أجمعوا أنَّ المحْرِم إذا وجد إزارًا لم يجز له لبس السراويل، واختلفوا فيه إذا لم يجد الإزار هل يلبس السراويل؟ وإنْ لبسها على ذلك هل عليه فدية أم لا؟
فكان مالك وأبو حنيفة يريان على مَن لبس السراويل وهو محْرِم الفدية، وسواء عند مالك وجد الإزار أو لم يجد، وفي البدائع (بدائع الصنائع للكاساني): المحْرِم إذا لم يجد الإزار، وأمكنه فَتْقَ السراويل والتستر فيه فَتَقَهُ، فإنْ لبسه ولم يفْتِقه فعليه دم في قول أصحابنا (الأحناف)، وقال الشافعي: يلبسه ولا شيء عليه، وإنْ لم يجد رداء وله قميص فلا بأس أنْ يشق قميصه ويرتدي به؛ لأنه لما شقَّه صار بمنزلة الرداء، وكذا إذا لم يجد إزارًا فلا بأس أنْ يفتق سراويله خلاف موضع التَّكَّة، ويأتزر به؛ لأنه إذا فَتَقَهُ صار بمنزلة الإزار، والله أعلم. عمدة القاري (2/ 224).
قوله: «ولا البَرَانِسَ»:
قال البيضاوي -رحمه الله-:
«ولا البرانس» جمْع بُرْنُسٍ، وهو قلنسوة طويلة (لباس يُوضع على الرَّأس كالطاقيَّة)، وفي عطفها على العمامة دليلٌ على أنَّ المحْرِم ينبغي ألا يُغطي رأسه بمعتاد اللباس، وغيره. تحفة الأبرار (2/ 179).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
المراد مُطْلَق القَلنسوة، وكل ما يُغطي الرأس، إلا ما لا يُعدُّ من اللبس عُرْفًا، كوضع الإِجَّانة (إناء يغسل فيه الثياب) وحمل العِدْل (كيس يُحمل فيه المتاع) على الرأس. مرقاة المفاتيح (5/ 1846).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
فيحرم على الرَّجُل ستر رأسه أو بعضه، كالبياض الذي وراء الأذن مما يُعد ساترًا عُرْفًا ولو بعصابة ومَرْهَمٍ، وهو ما يُوضع على الجراحة، وطين ساتر، لا ستره بماء كأنه غطس فيه، وخيط شدّ به رأسه، وهودج استظل به وإنْ مسه، ولا بوضع كفه وكذا كف غيره، ومحمولٍ كقُفَّة على رأسه؛ لأنَّ ذلك لا يعدُّ ساترًا، وظاهر كلامهم عدم حرمة ذلك، سواء قصد الستر به أم لا، لكن جزم الفوراني وغيره بوجوب الفدية فيما إذا قصد بحمل القُفَّة ونحوها الستر، وظاهره حرمة ذلك حينئذٍ، ولا أثر لتوسُّده وسادة أو عمامة، فإنه حاسر الرأس عُرْفًا. إرشاد الساري (3/ 109).
قوله: «ولا الخِفَافَ»:
قال السفاريني -رحمه الله-:
«ولا» يلبس المحْرِمُ «الخِفاف» بكسر الخاء المعجمة، جمْع خُف. كشف اللثام (4/ 113).
وقال موسى شاهين -رحمه الله-:
«ولا الخِفَاف» جمع خُف، وهو ما يُلبَس في القَدَم من جِلْدٍ رقيق، يُغطي ظهر القَدَم، وخلف العَقِب، والنَّعْل: حذاء لا يُغطي ظهر القَدَم، ولا خلف العَقِب، يمسك بظهر القدم بسيور فوق الأصابع وبينها. فتح المنعم (5/ 87).
وقال المغربي -رحمه الله-:
قوله: «ولا الخِفَاف» وكذا يُلحق به الجورب، والخُفُّ: ما كان إلى نصف الساق، والجَوْرَب: ما كان إلى فوق الركبة. البدر التمام (5/ 239).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
مثلها الجوارب؛ لأنه لا فرق، والجوارب هي الشُّرَّاب. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 371).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
السِّرُ في ذلك وفي تحريم المخيط وغيره مما ذُكِرَ -والله أعلم-: مخالفة العادة، والخروج من المألوف لإشعار النفس بأمرين:
أحدهما: الخروج عن الدنيا، والتذكُّر للبس الأكفان عند نزع المخيط.
والثاني: تنبيه النفس على التلبُّس بهذه العبادة العظيمة بالخروج عن معتادها؛ وذلك موجب للإقبال عليها، والمحافظة على قوانينها وأركانها وشروطها وآدابها، والله أعلم. إحكام الأحكام (2/ 52).
قوله: «إلَّا أحدٌ لا يجدُ النَّعْلينِ، فليلبسِ الخُفَّينِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إلا أحدٌ» بالرفع على البدليَّة من واو الضمير. مرقاة المفاتيح (5/ 1846).
وقال الرملي الشافعي -رحمه الله-:
«لا يجدُ النَّعْلينِ» المراد بعدم وجدان الإزار أو النعلين المذكور في الحديث: أنْ لا يكون في ملكه، ولا يقدر على تحصيله بشراء، أو استئجار بعوض مثله، أو استعارة، بخلاف الهبة، فلا يلزم قبولها؛ لعظم المنَّة فيها. غاية البيان (ص: 177).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«لا يجد نعلين» أي: لا يجدهما يُباعان، أو يجدهما يُباعان، ولكن ليس معه ثمن فائض عن حوائجه الأصلية، كما في سائر الأبدال. سبل السلام (1/ 618).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
الأمر في قوله: «فليلبس الخُفين» للإباحة. الأزهار مخطوط لوح (257).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فليلبس» ظاهر الأمر للوجوب، لكنه لما شرع للتسهيل لم يُناسب التثقيل، وإنَّما هو للرخصة. فتح الباري (3/ 403).
قوله: «وليقطعهُمَا أسفلَ مِن الكعبينِ»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «وليقطعهما» أي: بشرط أنْ يقطعهما. إرشاد الساري (3/ 110).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
الأمر في قوله: «وليقطعهما» للوجوب، وهو شرط للإباحة، حتى (إنه) يعصي، ويجب الدم بترك القطع. الأزهار مخطوط لوح (257).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والمراد (مِن قطعهما) كشْف الكعبين في الإحرام. فتح الباري (3/ 403).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «وليقطعهما» حتى تنكشف رجليه؛ فإنَّ اللهَ يبعث الخَلْق حُفاة عُراة. عارضة الأحوذي (4/45).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «وليقطعهما أسفل من الكعبين» وذكر مسلم بعد هذا من رواية ابن عباس وجابر «مَن لم يجد نعلين فليلبس خفين» ولم يذكر قطعهما.
واختلف العلماء في هذين الحديثين، فقال أحمد: يجوز لبس الخفين بحالهما، ولا يجب قطعهما؛ لحديث ابن عباس وجابر، وكان أصحابه يزعمون نسخ حديث ابن عمر المصرِّح بقطعهما، وزعموا أنَّ قطعهما إضاعة مال.
وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: لا يجوز لبسهما إلا بعد قطعهما أسفل من الكعبين؛ لحديث ابن عمر، قالوا: وحديث ابن عباس وجابر مطلقان، فيجب حملهما على المقطوعين؛ لحديث ابن عمر، فإنَّ المطلق يُحمل على المقيد، والزيادة من الثقة مقبولة.
وقولهم: إنَّه إضاعة مال ليس بصحيح؛ لأنَّ الإضاعة إنما تكون فيما نُهي عنه، وأما ما ورد الشرع به فليس بإضاعة، بل حق يجب الإذعان له، والله أعلم. المنهاج (8/ 74-75).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فيه: أنه إذا لم يجد نعلين ووجد خفين قَطَعَهما، ولم يكن ذلك من جملة ما نهي عنه من تضييع المال، لكنه مُستثنى منه، وكل إتلاف من باب المصلحة فليس بتضييع، وليس في أمر الشريعة إلا الاتباع...
(و) أنا أتعجبُ من أحمد في هذا؛ فإنه لا يكاد يخالف سُنة تبلغه، وقَلَّت سُنة لم تبلغه، ويشبه أنْ يكون إنَّما ذهب إلى حديث ابن عباس وليست هذه الزيادة فيه، إنما رواها ابن عمر إلا أنَّ الزيادات مقبولة، وقول عطاء: إنَّ قطعهما فساد، يُشبه أنْ يكون لم يبلغه حديث ابن عمر، وإنما الفساد أن يفعل ما نَهَتْ عنه الشريعة، فأما ما أَذِنَ فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فليس بفساد، وهذا في الرِّجال دون النساء، فأما النساء فإنَّ حرمهن في الوجه والكفين. معالم السنن (2/ 176-177).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
فهذا كلام مُبتدأٌ من النبي -صلى الله عليه وسلم-، بَيَّن فيه في عَرَفات في أعظم جَمْع كان له أنَّ مَن لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخُفَّين، ولم يأمر بقطعٍ، ولا فَتْق، وأكثر الحاضرين بعرفات لم يسمعوا خطبته بالمدينة، ولا سمعوه يأمر بقطع الخُفّين، وتأخير البيان عن وقته ممتنع؛ فدلَّ هذا على أنَّ هذا الجواز لم يكن شُرِع بالمدينة، وأنَّ الذي شُرِع بالمدينة هو الخفّ المقطوع، ثم شرع بعرفات الخف من غير قطع.
فإن قيل: فحديث ابن عمر مُقيَّد، وحديث ابن عباس مطلق، والحكم والسبب واحد، وفي مثل هذا يتعيَّن حَمْل المطلق على المقيَّد، وقد أَمَر في حديث ابن عمر بالقطع.
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنَّ قوله في حديث ابن عمر: «وليقطعهما» قد قيل: إنه مُدْرَج من كلام نافع، قال صاحب المغني: كذلك رُوِيَ في أمالي أبي القاسم بن بشران، بإسناد صحيح: أنَّ نافعًا قال بعد روايته للحديث: وليقطع الخُفّين أسفلَ مِن الكعبين، والإدراجُ فيه محتمل؛ لأن الجملة الثانية يستقلّ الكلام الأول بدونها، فالإدراج فيه ممكن، فإذا جاء مصرَّحًا به أنَّ نافعًا قاله زال الإشكال.
ويدلُّ على صحة هذا: أنَّ ابن عمر كان يفتي بقطعهما للنساء، فأخبرَتْه صفيةُ بنت أبي عبيد عن عائشة: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخَّصَ للمحرم أنْ يلبس الخفين، ولا يقطعهما، قالت صفية: فلما أخبرته بهذا رجع.
الجواب الثاني: أنَّ الأمر بالقطع كان بالمدينة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب على المنبر، فناداه رجل فقال: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فأجابه بذلك، وفيه الأمر بالقَطْع، وحديثُ ابن عباس وجابر بعده، وعَمرو بن دينار روى الحديثين معًا، ثم قال: انظروا أيهما كان قبل، وهذا يدلُّ على أنهم علموا نسخَ الأمرِ بحديث ابن عباس. تهذيب سنن أبي داود (1/ 346-347).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فإنْ لم يجد نعلين لبس خفين، وليس عليه أنْ يقطعهما دون الكعبين؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالقطع أولًا، ثم رخص بعد ذلك في عرفات في لبس السراويل لمن لم يجد إزارًا، ورخص في لبس الخفين لمن لم يجد نعلين، وإنما رخص في المقطوع أولًا؛ لأنه يصير بالقطع كالنعلين؛ ولهذا كان الصحيح أنه يجوز أن يلبس ما دون الكعبين، مثل الخف المكعَّب والجُمْجُمِ (حذاء مصنوع من نسيج قطني ينتعله الدراويش) والمداس، ونحو ذلك، سواء كان واجدًا للنعلين، أو فاقدًا لهما، وإذا لم يجد نعلين ولا ما يقوم مقامهما مثل الجُمْجُمِ والمداس ونحو ذلك فله أنْ يلبس الخف، ولا يقطعه، وكذلك إذا لم يجد إزارًا فإنه يلبس السراويل ولا يفتقه، هذا أصح قولي العلماء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص في البدل في عرفات، كما رواه ابن عمر. مجموع الفتاوى (26/ 109-110).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
ولم يَذْكُرْ (أي حديث جابر وابن عباس) قطعًا، وبه قال عطاء وأحمد، فأما عطاء فوَهِم في الفتوى، وأما أحمد فعلى صراط مستقيم، وهذه القولة لا أراها صحيحة، فإنَّ حَمْلَ المطلق على المقيّد أصل أحمد، وهذا أبو حنيفة الذي لا يراه يقول ها هنا: لا بد من قطع الخفين، والدليل يقتضيه. عارضة الأحوذي (3/45).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال ابن حبيب: إنَّما أرخص في القطع لقلة النعال، فأما اليوم فلا رخصة في ذلك، ووافقه ابن الماجشون. التوضيح (11/ 125).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
إذا لبس الخفين لعدم النعلين لم يلزمه قطعهما في المشهور عن أحمد...، والأولى قطعهما؛ عملًا بالحديث الصحيح، وخروجًا من الخلاف، وأخذًا بالاحتياط. المغني (3/ 275).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
المصير إلى رواية ابن عمر أولى (التي تنص على القطع). التمهيد (15/ 114).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
ما ذهب إليه الجمهور (من القطع) هو الأرجح عندي؛ لوضوح حُجَّته، والحاصل: أنَّ الراجح حَمْلُ حديث ابن عباس على حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، وهو أنَّ مَن لَمْ يجد نعلين لبس الخفّين، ولكن يقطعهما حتى يكونا أسفل الكعبين، فبهذا يُجمَع بين الحديثين، وهو الطريق الذي يحصل به العمل بالحديثين، فيكون أولى من إبطال أحدهما بدعوى النسخ بلا بيّنة واضحة. البحر المحيط الثجاج (22/ 69).
وقال النووي -رحمه الله-:
ثم اختلف العلماء في لابس الخفين لعدم النعلين هل عليه فدية أم لا؟
فقال مالك والشافعي ومَن وافقهما: لا شيء عليه؛ لأنَّه لو وجبت فدية لبيَّنها -صلى الله عليه وسلم-، وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه الفدية، كما إذا احتاج إلى حلق الرأس يحلقه ويفدي، والله أعلم. المنهاج (8/ 75).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
روى ابن وهب عن مالك والليث: أنَّ مَن لبس خفين مقطوعين أو غير مقطوعين إذا كان واجدًا للنعلين فعليه الفدية، وقال أبو حنيفة: لا فدية عليه إذا لبسهما مقطوعين وهو واجد. التمهيد (15/ 114).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «أسفلَ من الكعبين» (أسفل) ظرف لـ(يقطع) وفي رواية سالم: «حتى يكونا أسفل من الكعبين» يعني: أنَّ فاقد النعلين إذا أراد أنْ يلبس الخُفَّين يقطعهما بحيث يصير الكعبان وما فوقهما من الساق مكشوفًا، لا قطع موضع الكعبين فقط. البحر المحيط الثجاج (22/ 61).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «أسفل من الكعبين» أي: اللَّذَين وسط القدمين، خلافًا للشافعي -رحمه الله-، حيث قال: المراد بالكعبين هنا المراد بهما في الوضوء. مرقاة المفاتيح (5/ 1846).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
(يقطعهما) حتى يكونا تحت الكعبين...، وهما: العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، ويؤيده ما روى ابن أبي شيبة عن جرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال: «إذا اضطر المحْرِم إلى الخُفين خَرق ظهورهما، وترك فيهما قدر ما يستمسك رجلاه»، وقال محمد بن الحسن ومَن تبعه من الحنفية: الكعب هنا هو العظم الذي في وسط القدم عند معقد الشِّراك، وقيل: إنَّ ذلك لا يُعرَف عند أهل اللغة، وقيل: إنه لا يثبت عن محمد، وأنَّ السبب في نقله عنه أنَّ هشام بن عبيد الله الرازي سمعه يقول في مسألة المحرم إذا لم يجد النعلين حيث يقطع خفيه، فأشار محمد بيده إلى موضع القطع، ونقله هشام إلى غسل الرِّجلين في الطهارة، وبهذا يتعقب على من نقل عن أبي حنيفة كابن بطال أنه قال: إن الكعب هو الشاخص في ظهر القدم، فإنه لا يلزم من نقل ذلك عن محمد بن الحسن على تقدير صحته عنه أنْ يكون قول أبي حنيفة، ونقل عن الأصمعي وهو قول الإمامية: أنَّ الكعب عظم مستدير تحت عظم الساق، حيث مفصل الساق والقدم، وجمهور أهل اللغة على أنَّ في كل قدم كعبين. فتح الباري (3/ 403).
قوله: «ولا تلبسوا مِن الثياب شيئًا مسَّهُ الزَّعْفَرَانُ»:
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قيل: عَدَلَ عن طريقة ما تقدَّم ذكره إشارة إلى اشتراك الرجال والنساء في ذلك، وفيه نظر، بل الظاهر أنَّ نكتة العدول أنَّ الذي يخالطه الزعفران والوَرْسُ لا يجوز لبسه، سواء كان مما يلبسه المحرم أو لا يلبسه. فتح الباري (3/ 404).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولا تلبسوا» نكتة الإعادة -والله تعالى أعلم-: اشتراك الرِّجال والنساء في هذا الحكم، إما على وجه التغليب أو على التبعية، «من الثياب» بيان قُدِّم على المبيَّن هو «شيئًا» صفته «مسه» أي: صَبَغَهُ زعفران؛ لما فيه من الطِّيب. مرقاة المفاتيح (5/ 1846).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
استُدل بقوله: «مسَّه» على تحريم ما صُبِغَ كلُّه، أو بعضه، ولو خفيت رائحته. فتح الباري (3/ 404).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
نَهَى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن لبس المعَصْفَرِ على الإطلاق؛ فإنْ لبسه في الإحرام لم تكن عليه فدية؛ لأنَّ العُصْفُرَ ليس طِيبًا، وقال أبو حنيفة وغيره: هو طِيب وعلى المحرم إنْ لبسه فدية، وأبو حنيفة في اعتقاده أنَّ العُصفر طِيب واهمٌ، كمَن اعتقد أنَّ الزعفران ليس بطيب فهو واهمٌ أيضًا، والخطأ في الزعفران أشد منه في العُصفر، وإنَّما كُرِهَ المعَصْفَر؛ لأنه ينفض، فإنَّه نوع من التلويث لما يكون معه من ثوب وللبدن، وإنَّما ينبغي للمرء أنْ يحمل ثوبًا يتلقى قوته، ويحمل دونه، لا يكسبه شيء من ذلك. عارضة الأحوذي (4/44-45).
قوله: «ولا الوَرْسُ»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «ولا الوَرْس» أشهر طيب في بلاد اليمن.
والحكمة في تحريم الطِّيب: البُعد عن التنعُّم، وملاذ الدنيا؛ ولأنَّه أحد دواعي الجماع، وهذا الحكم المذكور يعمُّ الرَّجُل والمرأة. إرشاد الساري (3/ 311).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وفي معناه: العُصفر. مرقاة المفاتيح (5/ 1846).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
نبَّه بالورس والزعفران على ما في معناهما مما يُقصد به الطِّيب، فهو حرام على القَبِيْلَيْن (الجنسين)، فيُكره للمُحرم لبس الثوب المصبوغ بغير طيب. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 2024).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسَّه الزعفران ولا الوَرْسُ» هذا مما أجمعت الأمَّة عليه؛ لأنَّ الزَّعْفَران والوَرْس من الطيب، واستعمالهما ينافي بذاذة الحاجِّ وشَعَثه المطلوب منه، وأيضًا فإنَّهما من مقدمات الوطء ومهيِّجاته، والمحْرِم ممنوع من الوطء ومقدماته، ويستوي في المنع منهما الرِّجال والنِّساء.
وعلى لابس ذلك الفدية عند مالك وأبي حنيفة، ولم يرها الثوري ولا الشافعي وإسحاق وأحمد إذا لبس ذلك ناسيًا، فأما المعصفر فرآه الثوري وأبو حنيفة طِيبًا كالمزَعْفَرِ، ولم يره مالك ولا الشافعي طِيبًا، وكَرِهَ مالكٌ المقدَّم منه، واختلف عنه: هل على لابسه فدية أم لا؟ وأجاز مالك سائر الثياب المصبَّغة بغير هذه المذكورات، وكرهها بعضهم لمن يُقتدى به. المفهم (10/ 30).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
أجمعت الأمَّة على أنَّ المحْرِم لا يلبس ثوبًا مسَّه وَرْسٌ أو زعفران، والوَرْسُ: نباتٌ باليمن صَبْغُهُ بين الحُمرة والصُّفرة، ورائحته طيبة، فإنْ غَسَل ذلك الثوب حتى يذهب منه ريح الورس أو الزعفران، فلا بأس به عند جميعهم، وكرهه مالك للمحْرِم إلا أنْ لا يجد غيره. شرح صحيح البخاري (4/ 214).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قال العلماء: إنَّما نصَّ رسولُ الله على الوَرْسِ والزعفران؛ لينبِّه على المسْك والكافور وأنواع الطيب؛ لأنه إذا امتنع من الأدون، فعن أعلاه أَولى. الأزهار مخطوط لوح (257).
وقال النووي -رحمه الله-:
ولا يحرم المعصفر عند مالك والشافعي، وحرَّمه الثوري وأبو حنيفة، وجعلاه طِيبًا، وأوجبا فيه الفدية.
ويُكره للمحرم لبس الثوب المصبوغ بغير طيب، ولا يحرم، والله أعلم. المنهاج (8/ 75).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يقول: «ولا تلبسوا شيئًا من الثياب مسَّه الزعفران ولا الوَرْسُ» للونه أو لريحه؟ لهما جميعًا؛ لأن الرسول نهى الرجال عن لبس المعصفر، والذي مسَّه الزعفران يكون أَصفر، لكن إذا كان لبَخَّة ما تشمل الثوب كله، فإنَّه يكون النهي عنه من أجل أنه طِيب؛ لأن المعصفر إنما يُكره إذا كان الثوب كله أصفر. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 372).
وقال النووي -رحمه الله-:
الرَّجُل منهي عن التزعفر في كل الأحوال، قال أصحابنا: ويستوي في النهي عن المزعفر الرَّجل الحلال والْمُحْرِمُ. المجموع (7/ 222).
وفي رواية البخاري: «ولا تَنْتَقِبِ المرأةُ المحرِمَةُ»:
قال ابن المنذر -رحمه الله-:
جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه نهى أنْ تنتقب المرأة المحْرِمة، أو تلبس القفازين، وقد اختلفوا في ثبوت ذلك، فجعل بعضهم ذلك من كلام ابن عمر. الإشراف (3/ 221).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
رفْعُه صحيحٌ عن ابن عمر. التمهيد (15/ 106).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «ولا تنتقبِ المرأة» بنون ساكنة، بعد تاء المضارعة، وكسر القاف، وجزم الفعل على النهي، فيكسر لالتقاء الساكنين، ويجوز رفعه على أنَّه خبر عن حُكم الله؛ لأنه جواب عن السؤال عن ذلك، وللكشميهني: «ولا تتنقب» بمثنَّاتين فوقيتين مفتوحتين، والقاف المشددة. إرشاد الساري (3/ 311).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«لا تنتقب»...، والانتقاب هو أنْ تُخمِّر المرأة وجهها، أي: تغطِّيه بالخمار، وتجعل لعينيها خُرقين، تنظر منهما. مرعاة المفاتيح (9/ 342).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولا تنتقب» نفي، أو نهي من باب التفعُّل أو الافتعال، أي: لا تستر وجهها بالبرقع والنقاب «المرأة المحْرِمة»، ولو سدلت على وجهها شيئًا مجافيًا جاز، وتغطية وجه الرَّجل حرام كالمرأة عندنا (الأحناف)، وبه قال مالك وأحمد -رحمهم الله- في رواية، خلافًا للشافعي -رحمه الله-. مرقاة المفاتيح (5/ 1846).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
قوله: «لا تنتقب»...، أي: لا تلبس النقاب، وهو الخمار الذي تشدُّه المرأة على الأنف، أو تحت المحاجر، وإنْ قَرُب من العين حتى لا يبدو أجفانها فهو الوصواص بفتح الواو، وسكون الصاد الأولى، فإنْ نزل إلى طرف الأنف فهو اللِّفام بكسر اللام وبالفاء، فإنْ نزل إلى الفم، ولم يكن على الأرنبة منه شيء، فهو اللثام بالمثلثة. شرحه على الموطأ (2/ 348).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
النقاب: الخِمار الذي يُشد على الأنف، أو تحت المحاجر، وظاهره اختصاص ذلك بالمرأة، ولكن الرَّجُل في القُفَّاز مثلها؛ لكونه في معنى الخُف، فإنَّ كلًّا منهما محيط بجزء من البدن، وأما النقاب فلا يحرم على الرَّجل من جهة الإحرام؛ لأنه لا يحرم عليه تغطية وجهه على الراجح. فتح الباري (4/ 53).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«ولا تنتقب المرأة»؛ وذلك لأنَّ سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئًا من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتُعرض عن الرجال، ويعرضون عنها. عارضة الأحوذي (4/45).
قوله: «ولا تلبسِ القُفَّازَيْنِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «ولا تلبسِ» بالوجهين (النفي والنهي) أي: المرأة المحْرِمة. مرقاة المفاتيح (5/ 1846).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
إذا لبست المرأة القفازين فقد اختلفوا في ذلك هل يجب عليها شيء أم لا؟ فذكر أكثر أهل العلم أنَّه لا شيء عليها، وعلَّلوا حديث ابن عمر بأنَّ ذِكْر القفازين إنَّما هو من قول ابن عمر، ليس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلَّق الشافعي القول في ذلك، وقد قال في المرأة إذا اختضبت: إنه لا شيء عليها، فإنْ لفَّت على يديها خرقة لزمتها الفدية. معالم السنن (2/ 177).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «ولا تلبسِ القُفَّازَيْنِ» إنباءٌ عن وجوب كشف وجهها ويديها، فذلك إحرامها؛ ولهذا المعنى نظر الفضل إلى وجه المرأة حين سألت النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- في المزدلفة، وهو ينظر إليها، وهي تنظر إليه، وكان رديف النبي -عليه السلام-؛ لأنها كانت مُحْرِمة سافرة الوجه. عارضة الأحوذي (4/45).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
أجمع المسلمون على أنَّ ما ذُكِرَ لا يلبسه المحْرِم، وأنَّه نبَّه بالقميص والسراويل على كل مخيط، وبالعمائم والبرانس على كل ما يُغطى به الرأس مخيطًا أو غيره، وبالخِفَاف على كل ما يَستر الرِّجْل، وأنَّ لباس هذا جائز للرجال في غير الإحرام؛ لأن خطاب النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- إنَّما كان لهم؛ ولأنَّ النساء مأمورات بستر رؤوسهن. إكمال المعلم (4/ 161).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
مسألة: هل يلحق ما كان في معنى هذه الخمسة التي حصرها الرسول صلى الله عليه وسلم بها؟
الجواب: نعم يلحق بها ما كان في معناها، فمثلاً: القميص يُشبهه الكُوْتَ الذي يُلبس على الصدر، فيلحق به، فلا يجوز أن يلبسه المحرم، وكذا القِباء ثوب واسع له أكمام مفتوح الوجه؛ لأنه يشبه القميص، لكن لو طرح القباء على كتفيه دون أن يُدخل كُمَّيه، فهل يعدُّ هذا لبسًا؟ الصحيح أنه ليس بلبس؛ لأن الناس لا يلبسونه على هذه العادة.
والبرانس: يلحق بها العباءة؛ فإن العباءة تشبه البُرْنُسَ من بعض الوجوه، فلا يجوز للإنسان أن يلبس العباءة بعد إحرامه على الوجه المعروف، أما لو لفَّها على صدره كأنها رداء، فإن ذلك لا بأس به.
والسراويل: يلحق بها التُّبَّان، والتبان عبارة عن سراويل قصيرة الأكمام، أي: لا تصل إلا إلى نصف الفخذ؛ لأنه في الواقع سراويل لكن كمَّه قصير، ولأنها تُلبس عادة كما يُلبس السراويل.
إذًا: نُلحق بهذه الخمسة ما يشبهها، وما عدا ذلك فإننا لا نُلحقه. الشرح الممتع (7/١٣١)
وقال البرماوي -رحمه الله-:
فيه: تحريم الطيب للمحْرِم في ثيابه كبدنه، وكذا في طعامه وكُحله. اللامع الصبيح (5/ 534).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فيه: بيانٌ أنَّ المُحْرِم مَنهيٌّ عنه التطيبُ في ثِيابهِ، كما هو منهي عنه في بدنهِ، وفي معناهما الطيبُ في طَعامِهِ؛ لأنَّ ذلكَ مما ينبغي كالطيبِ في اللباسِ، وكذلك الاكتِحالُ بالكُحلِ الذي فيه طيبٌ. أعلام الحديث (2/ 843).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
يُستفاد من ظاهر هذا الحديث: جواز لبس المزعفر لغير الرَّجُل المحْرِم؛ لأنه قال ذلك في جواب السؤال عما يَلبس المحرم، فدل على جوازه لغيره. تحفة الأحوذي (8/ 82).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
ما يُؤخَذ من الحديث:
1. أنَّ السؤال ينبغي أنْ يكون متوجهًا إلى المقصود علمه.
2. أنَّه ينبغي للمسؤول إذا رأى السؤال غير ملائم أنْ يعدَّله ويُقيِّمه إلى المعنى المطلوب، ويضرب صفحًا عن السؤال، كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} البقرة: 189.
3. أنَّ الأشياء التي يجتنبها المحْرِم من الملابس قليلة معدودة، وأما الأشياء المباحة فهي الكثيرة التي تعرف بالجد؛ لأنها على أصل الإباحة؛ ولهذا المعنى صرف النبي -صلى الله عليه وسلم- سؤال السائل عن ما يلبسه المحرم، إلى بيان ما لا يلبسه.
4. تحريم هذه الأشياء الملبوسة خاصة بالرَّجل، وأمَّا المرأة فيباح لها لبس المخيط وتغطية الرأس.
5. منها القميص: وَنَبَّه به على ما في معناه، من كل ما لُبس على قدر البدن، مخيطًا أو محِيطًا.
6. ومنها البرانس والعمائم، ونبَّه بهما على كل ما يُغَطَّى به الرأس أو بعضه، من مَخِيطٍ أو مُحِيطٍ، من معتاد ونادر، فيدخل القَلانِسَ والطّواقي ونحوهما.
7. ومنها الْخُفَّان وما في معناهما من كل ساتر للكعبين، من مخيط أو محيط، سواء كان من جلد أو صوف أو قطن أو غيرها.
8. إذا لم يجد نعلين ونحوهما مما لا يستر الكعبين، فَليَتَرَخَّصْ بلبس الخفين، ولكن لِيَقْطَعْهُمَا من أسفل الكعبين؛ ليكونا في معنى النعلين...
9. تحريم الوَرْسِ والزعفران وما في معناهما من أنواع الطيب، لكل محْرِم من ذكر وأنثى.
10. تحريم تغطية المرأة وجهها؛ لأن إحرامها فيه، وتحريم لبس القفازين على الذكر والأنثى.
11. هذه الفائدة والتي قبلها لم تكن في سؤال السائل، ولكن لما ظن النبي -صلى الله عليه وسلم- جهل السائل بها بقرينة السؤال زاده النبي -صلى الله عليه وسلم- لبيان العلم وقتَ الحاجة إليه، وعند مناسبته. تيسير العلام (ص: 367-368).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1. منها: بيان ما يلبسه المحْرِم من اللباس، وهو ما عدا هذه المذكورات.
2. ومنها: بيان تحريم لبس هذه الأمور المذكورة، وما في معناها على المحْرِم، وهو مجمَع عليه...
3. ومنها: بيان أنَّه لا يجوز للمُحْرم لبس الخفين المقطوعين إلَّا عند فَقْدِ النعلين، وهو الراجح من أقوال أهل العلم...
4. ومنها: بيان تحريم لبس الثياب المصبوغة بالوَرْسِ والزعفران للمحْرِم. البحر المحيط الثجاج (22/ 67-68).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يُستفاد من هذا الحديث عدة فوائد:
منها: حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على العلم والبحث؛ لقوله: «سُئل ما يلبس المحرم؟».
ومنها: حُسن تعليم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأنَّ تعليمه قد بلغ الغاية في الفصاحة...
ومنها: تحريم لبس السراويل القصيرة والطويلة؛ لعموم قوله: «ولا السراويلات».
ومنها: يُسر الشريعة الإسلامية وسهولتها؛ لقوله: «مَن لم يجد نعلين فليلبس الخفين». فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 373-374).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)