الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلَ المسجدَ قال: «بِسْمِ اللَّهِ، اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ»، وإذا خرجَ قال: «بِسْمِ اللَّهِ، اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ».


رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة برقم: (88)، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4716)، تخريج الكلم الطيب برقم: (64).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«صَلِّ»:
الصلاة ‌في ‌اللغة: ‌الدعاء. تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي (ص: 465).


شرح الحديث


قوله: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد»:
قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«كان إذا دخل المسجد» أي: أراد دخوله. فتح الإله في شرح المشكاة (3/243).
وقال الخفاجي -رحمه الله-:
«كان إذا دخل المسجد» أي: مسجده بالمدينة، وتقدم أنَّ هذا مستحب في دخول كل مسجد. نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض (3/580).

قوله: «قال: بسم الله»:
قال العيني -رحمه الله-:
ومعنى قوله: «باسم الله» أي: أدخل باسم الله؛ وكذا يُقَدَّر كل فاعل يبتدئ بشيء بما يُناسب تلك الحالة. شرح سنن أبي داود (2/ 376).
قال المناوي -رحمه الله-:
«قال» حال شروعه في دخوله. فيض القدير (5/ 128).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«بسم الله» أي: أَتَحَصَّن. دليل الفالحين (2/ 286).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فإذا استعان العبد ببسم الله هداه وأرشده وأعانه في الأمور الدينية والدنيوية. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 246).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
هو حُجة في ‌ندب ‌البسملة عند الدخول والخروج، والصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- عندهما أيضًا. فتح الإله في شرح المشكاة (3/244).

قوله: «اللهم»:
قال ابن القيم -رحمه الله-:
لا خلاف أن لفظة «اللهم» معناها: يا ألله؛ ولهذا لا تستعمل إلا في الطلب، فلا يقال: اللهم غفور رحيم بل يقال: اللهم اغفر لي وارحمني. جلاء الأفهام (ص: 143).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«اللهم» هذه كلمة كثر استعمالها في الدعاء، وهي بمعنى: يا ألله، والميم عوض عن حرف النداء، فلا يقال: اللهم غفور رحيم مثلًا، وإنما يقال: اللهم اغفر لي وارحمني، ولا يدخلها حرف النداء إلا في نادر؛ كقول الراجز:
إني إذا ما حادث أَلَمَّا *** أقول: يا اللهم يا اللهما
واخْتُص هذا الاسم بقطع الهمزة عند النداء، ووجوب تفخيم لامِهِ وبدخول حرف النداء عليه مع التعريف.
وذهب الفراء ومن تبعه من الكوفيين إلى أن أصله يا ألله، وحُذف حرف النداء تخفيفًا، والميم مأخوذة من جملة محذوفة مثل أُمَّنَا بخير.
وقيل: بل زائدة كما في زُرْقُم للشديد الزُّرْقَة، وزيدت في الاسم العظيم تفخيمًا.
وقيل: بل هو كالواو الدالة على الجمع، كأن الداعي قال: يا من اجتمعت له الأسماء الحسنى؛ ولذلك شددت الميم لتكون عوضًا عن علامة الجمع، وقد جاء عن الحسن البصري: اللهم مجتمع الدعاء، وعن النضر بن شُمَيل من قال: اللهم فقد سأل الله بجميع أسمائه. فتح الباري (11/ 156).

قوله: «صلِّ على محمدٍ»:
قال ابن بطال -رحمه الله-:
قال الضحاك: صلاة الله: رحمته، وصلاة الملائكة: الدعاء. شرح صحيح البخاري (10/ 115).
وقال الحليمي -رحمه الله-:
فإن قلتَ: «اللهم صلِّ على محمد» فإنما يراد به اللهم عظِّم محمدًا في الدنيا ‌بإعلاء ‌ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أُمَّته وإجزال أجره ومثوبته، وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود، وتقديمه على كافة النبيين في اليوم المشهود... فلهذا كانت الصلاة عليه مما يقصد به قضاء حقه، ويتقرب بأدائها إلى الله -عز وجل-، فيدل على أن قولنا: اللهم صلِّ على محمد صلاة منا عليه؛ إنا لا نملك إيصال ما يَعْظُم به أمره، ويعلو به قدره إليه، وإنما ذلك على الله تعالى، فيصح إن صلاتنا عليه الدعاء له بذلك، وابتغاؤه من الله -عز وجل-. المنهاج في شعب الإيمان (2/ 134).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «صلِّ» تقدم في أواخر تفسير الأحزاب عن أبي العالية: أن معنى صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه عند ملائكته...
وعند ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: صلاة الله مغفرته، وصلاة الملائكة الاستغفار.
وعن ابن عباس: أن معنى صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار، وقال الضحاك بن مزاحم: صلاة الله رحمته، وفي رواية عنه: مغفرته، وصلاة الملائكة: الدعاء، أخرجهما إسماعيل القاضي عنه، وكأنه يريد الدعاء بالمغفرة ونحوها.
وقال المبرد: الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة رقة تبعث على استدعاء الرحمة، وتُعُقِّب بأن الله غاير بين الصلاة والرحمة في قوله: {‌أُولَئِكَ ‌عَلَيْهِمْ ‌صَلَوَاتٌ ‌مِنْ ‌رَبِّهِمْ ‌وَرَحْمَةٌ} البقرة: 157، وكذلك فهم الصحابة المغايرة من قوله تعالى: {‌صَلُّوا ‌عَلَيْهِ ‌وَسَلِّمُوا} الأحزاب: 56، حتى سألوا عن كيفية الصلاة مع تقدم ذكر الرحمة في تعليم السلام حيث جاء بلفظ: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»، وأَقَرَّهُم النبي -صلى الله عليه وسلم- فلو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقال لهم: قد علمتم ذلك في السلام...
وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية: أن معنى صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم عليه: طلب ذلك له من الله تعالى، والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة، وقيل: صلاة الله على خلقه تكون خاصة وتكون عامة، فصلاته على أنبيائه هي ما تقدم من الثناء والتعظيم، وصلاته على غيرهم الرحمة، فهي التي وسعت كل شيء. فتح الباري (11/ 155- 156).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
صلاته الخاصة على أنبيائه ورسله خصوصًا على خاتمهم وخيرهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، فاختلف الناس في معنى الصلاة منه سبحانه على أقوال:
أحدها: أنها رحمته... عن الضحاك قال: صلاة الله رحمته... سنده ضعيف.
وقال المبرد: أصل الصلاة الرحمة فهي من الله رحمة... وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخرين.
والقول الثاني: أن صلاة الله مغفرته، عن الضحاك {هُوَ ‌الَّذِي ‌يُصَلِّي ‌عَلَيْكُمْ} الأحزاب: 43، قال: صلاة الله مغفرته... ضعيف جدًّا، وهذا القول من جنس الذي قبله وهما ضعيفان. جلاء الأفهام (ص: 158- 161).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «اللهم ‌صلِّ ‌على ‌محمد» معناه: عَظِّمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أُمَّته وتضعيف أجره ومثوبته. عمدة القاري (15/ 263).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وإنما شُرعت الصلاة عليه عند دخول المسجد لأنه محل الذِّكر. فيض القدير (5/ 129).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والصلاة من الله لرسوله تشريفه وزيادة تكرمته، فالقائل: «اللهم ‌صلِّ ‌على ‌محمد» طالب له زيادة التشريف والتكرمة. سبل السلام (1/ 12).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
«محمد» عَلَم لذاته الشريفة، ومعناه الوصفي: كثير المحامد، ولا مانع من ملاحظته مع العَلَميَّة كما تقرر في مواطنه. نيل الأوطار (1/ 19).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أبرز اسمه الميمون على سبيل التجريد عند ذكره التجاءً إلى منصب الرسالة ومنزلة النبوة، وتعظيمًا لشأنها كأنه غيره امتثالًا لأمر الله في قوله: {إِنَّ ‌اللَّهَ ‌وَمَلَائِكَتَهُ ‌يُصَلُّونَ ‌عَلَى ‌النَّبِيِّ} الأحزاب: 56. فيض القدير (5/ 129).

قوله: وإذا خرج قال: «بسم الله، اللهم صلِّ على محمد»:
قال السندي -رحمه الله-:
وإنما شُرع على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند دخول المصلي المسجد وعند خروجه لأنه السبب في دخوله المسجد ووصوله الخير العظيم، فينبغي أن يذكره بالخير. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 259).

قوله: «اللهم صلِّ على محمد وأزواج محمدٍ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
فيه ندب الصلاة على الأزواج عند دخول المسجد. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 248).
وقال النووي -رحمه الله- بعد ذكر رواية هذا الحديث:
وروينا الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- عند دخول المسجد والخروج منه من رواية ابن عمر أيضًا. الأذكار (ص: 31).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وحكمة ندب الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- عند الدخول والخروج: أنها وسيلة إلى قبول الدعاء بعدها، المستلزم قبوله الحفظ من قواطع الشيطان التي يعمل فيها...، ولما كان هذا الدعاء وسيلة لنيل هذه المطالب العلية، بُدئ بالصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-؛ ليفوز المصلي بجميع مطالبه. فتح الإله في شرح المشكاة (3/243-244).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «صلِّ على محمد» -صلى الله عليه وسلم- كأنَّ حكمته بعد التعليم للأُمَّة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يجب عليه الإيمان بنفسه كما يجب على غيره؛ فطُلب منه تعظيمًا بالصلاة منه عليها كما طُلب ذلك من غيره، وفي هذا أشرف منقبة له -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ الأصل في تعظيم النفس الامتناع، فهذا الممتنع في حق غيره لكونه يجر إلى محذور من كِبْرٍ أو نحوه ممدوح ومحبوب في حقه لا من ذلك المحذور، مع إظهار ما له من الشرف الأعلى لأُمَّته حتى يوفُّوه بعض حقه. الفتوحات الربانية (2/ 48).


ابلاغ عن خطا