«إذا أَمَّنَ الإمامُ فَأَمِّنُوا؛ فإنَّه مَن وَافَقَ تأمينُهُ تأمينَ الملائكةِ غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ» وقال ابنُ شِهَابٍ: «وكان رسولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقولُ: آمينَ».
رواه البخاري برقم: (780) واللفظ له، ومسلم برقم: (410)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وفي لفظ للبخاري برقم: (782) ومسلم برقم: (410) «إذا قال الإمام: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) فقولوا: آمين...».
وفي لفظ للبخاري برقم: (6402) «إذا أمن القارئ فأمنوا..»
وفي لفظ للبخاري برقم: (781)، ومسلم برقم: (410) «إذا قال أحدكم آمين»، وزاد مسلم: «في الصلاة».
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«تأمينُه»:
أي: قوله: آمين. المهيأ في كشف أسرار الموطأ، للكماخي (1/ 269).
قال ابن فارس-رحمه الله-:
فأما التأمين فأن يقول بعد قراءته لفاتحة الكتاب: آمين، وآمين فيما يقال: هو اسم من أسماء الله، ويقال: إن معناها: اللهم افعل بنا ذلك، كذا روي عن الحسن، وآمين: بالمد والقصر مع تخفيف الميم. حلية الفقهاء (ص: 77).
شرح الحديث
قوله: «إذا أمَّن الإمام، فأمِّنوا»:
قال الباجي -رحمه الله-:
قوله: «إذا أمّن الإمام فأمّنوا» ذهب بعض المفسرين إلى أن معناه: بلغ موضع التأمين من القراءة، وقال بعضهم: معناه إذا دعا، قالوا: وقد يُسمى الداعي مؤمِّنًا كما يُسمَّى المؤمِّن داعيًا، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَ} يونس: 89، وإنما كان أحدهما داعيًا والآخر مؤمِّنًا، والأظهر عندنا أن معنى تأمين الإمام: قول: آمين، كما أن معنى «أمِّنوا» قولوا: آمين، إلا أن يُعدَل عن هذا الظاهر بدليل إن وُجِد إليه وجهٌ سائغ في اللغة، وأما ما احتج به القائلُ أنه لما قيل للمؤمِّن: داعٍ وجب أن يقال للداعي: مؤمِّن فغير صحيح؛ لأن اللغة لا تؤخذ بالقياس، وإنما ثبتت بالسماع، مع أن تأويله في قوله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَ} يونس: 89، أن أحدهما كان داعيًا والثاني كان مؤمّنًا يحتاج إلى دليل، وإلا فالظاهر أنهما كانا داعيين، ولا يمتنع ذلك فيهما.
والأظهر في الجواب في هذا الحديث: أن إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن تأمين الإمام لا يدل على وجوبه ولا على الندب إليه؛ لأنه قد يخبر عن فعل المباح ولا ينكر على فاعله. المنتقى شرح الموطأ (1/ 161-162).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
السُّنة أنْ يقولها (آمين) الإمام؛ لقوله: «إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا»، أو لرواية ابن شهاب أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقولها، والمرسَل عندنا حُجة كالمسند لا سيما مرسل ابن شهاب، لا سيما رواية مالك؛ ولأنه أحد التابعين في أخراهم وأولاهم.
وقال علماؤنا: معنى قوله: «إذا أمَّن الإمام» إذا بلغ موضع التأمين، وهذا بعيد لغةً، بعيد شرعًا بما أُثبت من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله، ولا يجهر بها الإمام ولا المأموم، وقد حققنا ذلك في موضعه. عارضة الأحوذي (1/45).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«إذا أمَّن الإمام» أي: إذا أراد الإمام التأمين، أي: أن يقول: (آمين) بعد قراءة الفاتحة «فأمِّنوا» فقولوا: آمين مقارنين له، كما قاله الجمهور، وعلّله إمام الحرمين بأن التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه، فلذلك لا يتأخر عنه، وظاهر قوله: «إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا» أن المأموم إنما يؤمّن إذا أمّن الإمامُ لا إذا ترك، وبه قال بعض الشافعية، وهو مقتضى إطلاق الرافعي. إرشاد الساري (2/ 99).
وقال ابن حجر-رحمه الله-:
قوله: «إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا» ظاهرٌ في أنّ الإمام يؤمِّن، وقيل: معناه: إذا دعا، والمراد دعاء الفاتحة من قوله: {اهْدِنَا...} الفاتحة: 6 إلى آخره؛ بناء على أن التأمين دعاء، وقيل: معناه: إذا بلغ إلى موضع استدعى التأمين، وهو قوله: {وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7، ويَرد ذلك: التصريحُ بالمراد في حديث الباب، واستُدل به على مشروعية التأمين للإمام، قيل: وفيه نظر؛ لكونها قضية شرطية، وأجيب: بأن التعبير بـ(إذا) يُشعر بتحقيق الوقوع، وخالف مالك في إحدى الروايتين عنه، وهي رواية ابن القاسم، فقال: لا يؤمِّن الإمام في الجهرية، وفي رواية عنه لا يؤمِّن مطلقًا، وأجاب عن حديث ابن شهاب هذا بأنه لم يره في حديث غيره، وهي علة غير قادحة؛ فإن ابن شهاب إمام لا يضره التفرد، مع أن ذلك جاء في حديث غيره، ورجح بعضُ المالكية كون الإمام لا يؤمِّن من حيث المعنى بأنه داعٍ فناسب أن يختص المأمومُ بالتأمين، وهذا يجيء على قولهم: إنه لا قراءة على المأموم، وأما مَن أوجبها عليه فله أن يقول: كما اشتركا في القراءة فينبغي أن يشتركا في التأمين، ومنهم من أوَّل قوله: «إذا أمَّن الإمام» فقال: معناه: دعا، قال: وتسمية الداعي مؤمِّنًا سائغة؛ لأن المؤمِّن يُسمى داعيًا كما جاء في قوله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} يونس: 89، وكان موسى داعيًا وهارون مؤمِّنًا كما رواه ابن مردويه من حديث أنس، وتُعقب بعدم الملازمة، فلا يلزم مِن تسمية المؤمِّن داعيًا عكسُه، قاله ابن عبد البر، على أن الحديث في الأصل لم يصح، ولو صح فإطلاق كون هارون داعيًا إنما هو للتغليب، وقال بعضهم: معنى قوله: «إذا أمَّن» بلَغَ موضِع التأمين، كما يقال: (أَنْجَدَ) إذا بلغ نجدًا وإن لم يدخلها، قال ابن العربي: هذا بعيد لغة وشرعًا، وقال ابن دقيق العيد: وهذا مجاز، فإن وُجد دليل يرجحه عُمل به، وإلا فالأصل عدمُه.
قلتُ: استدلوا له برواية أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: «إذا قال الإمامُ: {وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7 فقولوا: آمين» قالوا: فالجمع بين الروايتين يقتضي حمل قوله: «إذا أمَّن» على المجاز، وأجاب الجمهور على تسليم المجاز المذكور: بأن المراد بقوله: «إذا أمَّن» أي: أراد التأمين؛ ليتوافق تأمينُ الإمام والمأموم معًا، ولا يلزم مِن ذلك أن لا يقولها الإمام، وقد ورد التصريح بأن الإمام يقولها؛ وذلك في رواية، ويدل على خلاف تأويلهم رواية معمر عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ: «إذا قال الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7، فقالوا: آمين؛ فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإمام يقول: آمين» الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والسراج، وهو صريح في كون الإمام يؤمِّن، وقيل في الجمع بينهما: المراد بقوله: «إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7، فقولوا: آمين» أي: ولو لم يقل الإمام: آمين، وقيل: يؤخذ مِن الخبرين تخيير المأموم في قولها مع الإمام أو بعده، قاله الطبري، وقيل: الأول لمن قرُب من الإمام، والثاني لمن تباعد عنه؛ لأن جهر الإمام بالتأمين أخفض من جهره بالقراءة، فقد يسمع قراءتَه مَن لا يسمع تأمينَه، فمن سمع تأمينَه أمَّن معه، وإلا يؤمِّن إذا سمعه يقول: {وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7؛ لأنه وقت تأمينه، قاله الخطابي، وهذه الوجوه كلها محتمِلة وليست بدون الوجه الذي ذكروه، وقد رده ابن شهاب بقوله: «وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: آمين»، كأنه استشعر التأويل المذكور فبين أن المراد بقوله: «إذا أمَّن» حقيقةُ التأمين، وهو وإن كان مرسلًا فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة راويه، وإذا ترجح أن الإمام يؤمِّن فيجهر به في الجهرية كما ترجم به المصنف، وهو قول الجمهور خلافًا للكوفيين ورواية عن مالك فقال: يُسِر به مطلقًا، ووجه الدلالة من الحديث: أنه لو لم يكن التأمين مسموعًا للمأموم لم يَعلم به، وقد علَّق تأمينَه بتأمينه، وأجابوا بأن موضعه معلوم فلا يستلزم الجهر به، وفيه نظر؛ لاحتمال أن يُخِل به، فلا يستلزم علم المأموم به، وقد روى روح بن عبادة عن مالك في هذا الحديث: قال ابن شهاب: «وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7، جهَر بآمين»، أخرجه السراج، ولابن حبان من رواية الزُّبَيدي في حديث الباب عن ابن شهاب: «كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال: آمين»، وللحميدي من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه بلفظ: «إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7»، ولأبي داود من طريق أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة مثله، وزاد: «حتى يُسمِع مَن يليه من الصف الأول»، ولأبي داود وصححه ابن حبان من حديث وائل بن حُجْر نحو رواية الزُّبَيدي، وفيه رد على مَن أومأ إلى النسخ فقال: إنما كان -صلى الله عليه وسلم- يجهر بالتأمين في ابتداء الإسلام ليعلِّمهم، فإن وائل بن حُجْر إنما أسلم في أواخر الأمر.
قوله: «فأمِّنوا» استدل به على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام؛ لأنه رتب عليه بالفاء، لكن تقدم في الجمع بين الروايتين أن المراد المقارنة، وبذلك قال الجمهور، وقال الشيخ أبو محمد الجويني: لا تستحب مقارنة الإمام في شيء من الصلاة غيره، قال إمام الحرمين (أبو المعالي): يمكن تعليله بأن التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه، فلذلك لا يتأخر عنه، وهو واضح، ثم إن هذا الأمر عند الجمهور للندب، وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم عملًا بظاهر الأمر، قال: وأوجبه الظاهرية على كل مُصَلٍّ، ثم في مطلق أمر المأموم بالتأمين أنه يؤمِّن ولو كان مشتغلًا بقراءة الفاتحة، وبه قال أكثر الشافعية، ثم اختلفوا: هل تنقطع بذلك الموالاة؟ على وجهين، أصحهما: لا تنقطع؛ لأنه مأمور بذلك لمصلحة الصلاة بخلاف الأمر الذي لا يتعلق بها كالحمد للعاطس، والله أعلم. فتح الباري (2/ 263-265).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فأما قوله: «إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا» فإنه لا يخالفه ولا يدل على أنهم يؤخرونه عن وقت تأمينه، وإنما هو كقول القائل: إذا رحل الأمير فارحلوا، يريد: إذا أخذ الأمير في الرحيل فتهيؤوا للارتحال؛ ليكون رحيلكم مع رحيله. معالم السنن 1/ 224.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وأما قوله: «إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا» فليس تعني: ألا تؤمِّنوا حتى يؤمِّن، ولكن معناها: إذا أمَّن أي: إذا بلغ محل التأمين، ومتى يبلغه؟ إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7، أو المعنى: إذا شرع في التأمين فأمِّنوا، وليس المعنى: إذا انتهى منه؛ لأنه إذا جاء المحتمل صريحًا في أحد الاحتمالين تعين حمله على هذا الصريح. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 75).
قوله: في لفظ: «إذا قال الإمام: (...وَلا الضَّالِّينَ) فقولوا: آمين...»
قال الخطابي -رحمه الله-:
معناه: قولوا مع الإمام حتَّى يقع تأمينكم وتَأمينه مَعًا.معالم السنن(1/٢٢٤).
وقال ابن عبد البر-رحمه الله-:
وإنَّما أراد بما جاء عنه في حديث سُمَيٍّ هذا أن يُعرِّفَهم بالموضع الذي يقولونَ فيه: آمين، وهو إذا قال الإمام: (ولا الضَّالِّينَ)، ليكون قولهما معًا، ولا يتقدَّموه بقول: آمين. والله أعلم. التمهيد(13/٥٤٥).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
المُراد إذا أراد التأمين ليقَع تأمين الامام والمأمون معًا فإنه يُستحب به المُقارنة قال الشيخ أبو محمد الجويني: لا يستحب مُقارنة الامام في شيءٍ من الصلاة غيرهِ. تنوير الحوالك(1/٨٥).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
وقول المأموم: (آمين) إذا قال الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7 فرض، وإن قاله الإمام فهو حسن وسُنة. المحلى بالآثار (2/ 286).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
الذي يظهر لي وجوبه على المأموم؛ لظاهر الأمر، وهو للوجوب عند الجمهور ما لم يَصرِفه صارف، ولم يذكر الجمهور هنا له صارفًا، وأما الإمام والمنفرد فيُستحبّ لهما التأمين؛ إذ لا دليل على الوجوب عليهما، فتبصّر. البحر المحيط الثجاج (10/ 17-21).
قوله: «فإنه مَن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة» معطوف على مضمر، وهو الخبر عن تأمين الملائكة، كأنه قال: إذا قال الإمام: آمين، فقولوا: آمين كما تقوله الملائكة؛ «فإن من وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه»، ولولا ذلك لم يصح تعقيبه بما عقبه به من حرف الفاء من قوله: «فإنه»، وقد روي تأمين الملائكة في هذا الحديث من رواية الأعرج عن أبي هريرة. أعلام الحديث (1/ 508).
وقال الباجي -رحمه الله-:
«فإنه من وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة» من الإخلاص والخشوع وحضور النية والسلامة من الغفلة، وقيل: معنى ذلك أن يكون دعاؤه للمؤمنين كدعاء الملائكة لهم، فمن كان دعاؤه على ذلك فقد وافق دعاءهم، وقيل: إن الملائكة الحفَظة المتعاقبين يشهدون الصلاة مع المؤمنين فيؤمّنون إذا أمّن الإمام، فمن فعل مثل فعلهم في حضورهم الصلاة وقولهم: آمين عند تأمين الإمام؛ غُفر له، وقال بعض الناس: معنى الموافقة: الإجابة، فمن استُجيب له كما يستجاب للملائكة غُفر له ذنبه، وهذه تأويلات فيها تعسُّف لا يُحتاج إليه، ولا يدل على شيء منها دليل، والأَولى حمل الحديث على ظاهره، ما لم يمنع من ذلك مانع، ومعناه: أن من قال: (آمين) عند قول الملائكة: (آمين) غُفر له، وإلى هذا ذهب الداودي، ولا يمتنع أن يكون الباري تعالى يفعل ذلك بمن وافق قوله: (آمين) قول الملائكة: (آمين). المنتقى شرح الموطأ (1/ 162).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
فقد اختلف العلماء في معنى الموافقة:
فالأظهر: أنها راجعة إلى الزمان، ويقوي ذلك قوله في رواية في صحيح مسلم: «إذا قال أحدكم: آمين، والملائكة في السماء: آمين؛ فوافقت إحداهما الأخرى، غُفر له ما تقدم من ذنبه». العدة في شرح العمدة (1/ 434).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة» وفي رواية لمسلم: «فإن الملائكة تؤمِّن» قبل قوله: «فمن وافق» وكذا رواية البخاري في الدعوات، وهو دال على أن المراد الموافقة في القول والزمان، خلافًا لمن قال: إن المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع ونحو ذلك من الصفات المحمودة، أو في إجابة الدعاء، أو في الدعاء بالطاعة خاصة، أو المراد بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين.
وقال ابن المنير: الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان: أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها؛ لأن الملائكة لا غفلة عندهم، فمن وافقهم كان متيقظًا، ثم ظاهره أن المراد بالملائكة جميعهم، واختاره ابن بزيزة، وقيل: الحفظة منهم. شرح سنن أبي داود (5/ 139).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «من وافق تأمينه تأمين الملائكة» زاد يونس عن ابن شهاب عند مسلم: «فإن الملائكة تؤمِّن» قبل قوله: «فمن وافق» كذا في رواية ابن عيينة: عن ابن شهاب عند البخاري في الدعوات، وقال ابن حبان في صحيحه: «فإن الملائكة تقول: آمين» ثم قال: يريد أنه إذا أمّن كتأمين الملائكة من غير إعجاب ولا سمعة ولا رياء خالصًا لله تعالى، فإنه حينئذٍ يُغفر له.
قلتُ: هذا التفسير يندفع بما في الصحيحين: عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء، ووافقت إحداهما الأخرى غُفر له ما تقدم من ذنبه» انتهى، وزاد فيه مسلم: «إذا قال أحدكم في الصلاة» ولم يقلها البخاري وغيره، وهي زيادة حسنة نبَّه عليها عبد الحق في الجمع بين الصحيحين، وفي هذا اللفظ فائدة أخرى، وهي: اندراج المنفرد فيه، وغير هذا اللفظ إنما هو في الإمام وفي المأموم أو فيهما، والله أعلم. عمدة القاري (6/ 49).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«من وافق تأمينه تأمين الملائكة» قولًا وزمنًا، وقيل: إخلاصًا وخشوعًا، واعتُرض، والمراد جميعهم؛ لأن (أل) الداخلة على الجمع تفيد الاستغراق، أو الحفظة، أو الذين يتعاقبون، أو من يشهد تلك الصلاة ممن في الأرض أو في السماء، ورجحه ابن حجر، ولا بُعْد في سماع تأمين من في الأرض لقوة الإدراك المودعة فيهم، والمراد بتأمينهم: قولهم عقب القراءة: (آمين)، ومعناه: استجب للمصلين ما سألوه من نحو طلب الهداية والاستعانة، وقد خفي هذا مع ظهوره على من أوَّل التأمين بالاستغفار. فيض القدير (1/ 303).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«تأمين الملائكة» قيل: المراد الحفظة، ورجحه ابن دقيق العيد والسبكي وغيرهما، وقيل: غيرهم؛ لخبر: «من وافق قوله قول أهل السماء» ونقل العسقلاني اختياره عن بعضهم، لكنه قال: ويظهر أن المراد بهم: من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء، وتأمينهم استغفارهم للمؤمنين.
قلتُ: الظاهر أنه اختلاف لفظي؛ فإن الملائكة هم أهل السماء، ولو كانوا في الأرض حفظة أو غيرهم، والظاهر أن تأمينهم على قول المصلي: {اهْدِنَا} الفاتحة: 6 إلخ، فيكون بمعنى: استجب، أو اللهم افعل. مرقاة المفاتيح (2/ 686).
قوله: «غُفر له ما تقدَّم مِن ذنبه»:
قال الباجي -رحمه الله-:
قوله: «غُفر له ما تقدم من ذنبه» يقتضي غفران جميع الذنوب المتقدمة. المنتقى شرح الموطأ (1/ 162).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
وقوله: «غُفر له ما تقدم من ذنبه» أي: من الصغائر، إن كانت، وإن لم تكن رُجي تخفيف الكبائر، وإن لم تكن كبائر رُفعت درجات. العدة في شرح العمدة (1/ 434).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
«غُفر له ما تقدم من ذنبه» ظاهره يشمل الصغائر والكبائر، فإن دل دليل على تخصيص أحدهما رُجع إليه، وإلا بقينا مع ظاهر الحديث، والله أعلم. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (2/ 138).
وقال الباجي -رحمه الله-:
قوله: «غفر له ما تقدم من ذنبه» يقتضي غفران جميع الذنوب المتقدمة. المنتقى شرح الموطأ(1/ 162).
وقال السبكي -رحمه الله-:
وهنا سؤال وهو: أنه قد ثبت أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتُنبت الكبائر؛ فإذا كانت الفرائض لا تكفِّر الكبائر فكيف تكفرها سُنةٌ وهي: موافقة التأمين إذا وافق التأمين؟
وقد أخذ شخصٌ مرّة يهوِّل أمرَ هذا السؤال ويقول: كبائرُ الفرائض تصغر عن هذا التكفير وكبائر الجرائم تكفرها نافلة؟!
والجواب: أن المكفِّر ليس التأمين الذي هو فعل المؤمِّن، بل وِفاق الملائكة وليس ذلك إلى صنعه، بل فضلٌ من الله، وعلامةٌ على سعادة من وافق. الأشباه والنظائر (1/ 192).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «ما تقدم» «ما» هو لفظ عام فيقتضي عموم مغفرة الذنوب، إلا ما يتعلق بحقوق الناس، فإنها لا تُغفر بقول: آمين؛ وذلك معلوم من الأدلة الخارجية المخصصة لعموم مثله، فان قلتَ: الكبائر ما حكمها؟ قلتُ: عموم اللفظ يقتضي المغفرة ويستدل بالعام ما لم يظهر المخصص. الكواكب الدراري (5/ 141).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «غُفر له ما تقدم من ذنبه» قال ابن بزيزة: أشار إلى الصغائر، وما لا يكاد ينفك عنه في الغالب من اللمم.
قَالَ الداودي: وقوله هذا قبل قوله في المؤمِن: «إنه يخرج من ذنوبه ويكون مشيه إلى الصلاة نافلة»، وقيل: إنه يمكن أن يكون أحدثَ شيئًا في مشيه أو في المسجد أو غير ذلك فيما بين الوضوء والصلاة، وهو فيما بين العباد وربهم. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (7/ 124-125).
وقال العراقي -رحمه الله-:
الضمير في قوله: «غُفر له» راجع إلى الإمام؛ لأنه ليس في هذه الرواية الأولى ذكر للمأموم أصلًا؛ فتعين حمله على الإمام...، ظاهر الحديث مغفرة ما تقدم من الذنوب -سواء فيه الصغائر والكبائر-، وقد خص العلماء هذا وأشباهه بتكفير الصغائر فقط، وقالوا: إنما يكفِّر الكبائر التوبةُ، وكأنهم لما رأوا التقييد في بعض ذلك بالصغائر حملوا ما أُطلق في غيرها عليها، كالحديث الصحيح: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتُنبت الكبائر» والله أعلم. طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 266).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«غُفر له ما تقدم من ذنبه» قيل: الصغائر، وقيل: ما عدا حقوق العباد، والظاهر العموم إن شاء الله، وأما حقوق العباد لا بد من أدائها، فالله تعالى يقضيها عنه من خزائن فضله. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/ 114).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
والحق أنه عامّ خُصّ منه ما يتعلق بحقوق الناس فلا تُغفر بالتأمين؛ للأدلة فيه، لكنه شامل للكبائر، إلا أن يُدّعى خروجها بدليل آخر. إرشاد الساري (2/ 99).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«غُفر» مجهول، وقيل: معلوم، وفي نسخة: (غفر الله)، «له ما تقدم من ذنبه» أي: من الصغائر، ويحتمل الكبائر. مرقاة المفاتيح (2/ 686).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقع في أمالي الجرجاني عن أبي العباس الأصم عن بحر بن نصر عن ابن وهب عن يونس في آخر هذا الحديث: «وما تأخَّر» وهي زيادة شاذة...فتح الباري (2/ 265).
قوله: «وقال ابن شهاب: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «آمين»:
قال ابن رجب -رحمه الله-:
قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «آمين» هو مما أرسله الزهري في آخر الحديث، وقد روي عن الزُّبَيدي، عن الزهري بهذا الإسناد، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته فقال: «آمين» خرجه الدارقطني، وقال: إسناده حسن، كذا قال، ووصْلُه وهْم، إنما هو مدرج من قول الزهري، كما رواه مالك. فتح الباري (7/ 94).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قال ابن شهاب الزهري: «وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: آمين» بيّن بهذا أن المراد بقوله في الحديث: «إذا أمّن» حقيقة التأمين، لا ما أُوِّل به، وهو وإن كان مرسلاً فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة رواية. إرشاد الساري (2/ 100).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«يقول: آمين» هو تفسير لتأمين النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبيان صفته، وفيه رد لمن زعم أن المراد إذا دعا الإمام بقوله: {اهْدِنَا...} الفاتحة: 6 إلى آخره. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (4/ 137).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «غفر له ما تقدم من ذنبه» فيه فائدة حسنة، وهي: أنه يغفر له وإن لم يسأل المغفرة؛ لأن الملائكة سألتها له؛ لقوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} الشورى: 5... القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 238).
وقال الرافعي -رحمه الله-:
وفيه: دليل على أن الإِمام يجهر بالتأمين حيث يجهر بالقراءة؛ لأنه إذا لم يجهر لم يعرف المأموم متى يؤمن. شرح مسند الشافعي (1/ 332).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقوله: «إذا قال الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7 فقولوا: آمين» دليل على تعيين قراءة الفاتحة للإمام، وعلى أن المأموم ليس عليه أن يقرأها فيما جهر به إمامه. المفهم (2/ 45).
قوله: «إذا قال أحدكم آمين»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
يُؤخذ منه مشروعية التأمين لِكلُ مَن قرأ الفاتحة، سواء كان داخل الصلاة أو خارجها، لقوله: «إذا قال أحُدكم»، لكن في رواية مُسلم من هذا الوجه: «إذا قال أحدكُم في صلاته»، فيُحمل المُطلق على المُقيد. نعم، في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد وساق مسلم إسنادها «إذا أَمَّنَ القارئُ فأمنوا»، فهذا يمكن حمله على الإطلاق، فيستحب التأمين إذا أمَّنَ القَارئ مطلقًا لِكل مَن سَمعه من مُصلٍّ أو غيره ويمكن أنْ يُقال المراد بالقارئُ الإمام إذا قرأ الفاتحة؛ فإن الحديث واحد اختلفت ألفاظه.فتح الباري(2/٢٦٦).
قوله: «إذا أمن القارئ فأمنوا..»
قال ابن حجر -رحمه الله-:
والمُراد بالقارئ هُنا الإمام إذا قرأ في الصلاة، ويُحتمل أنْ يكون المُراد بالقَارئ أعمُّ من ذلك.فتح الباري(11/٢٠٠).
وقال النووي -رحمه الله-:
في هذه الأحاديث: استحباب التأمين عقب الفاتحة للإمام والمأموم والمنفرد، وأنه ينبغي أن يكون تأمينُ المأموم مع تأمين الإمام، لا قبله ولا بعده؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «وإذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7 فقولوا: (آمين)» وأما رواية: «إذا أمَّن فأمِّنوا» فمعناها: إذا أراد التأمين. شرح مسلم (4/ 130).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
الحديث يدل على أن الإمام يؤمِّن -وهو اختيار الشافعي وغيره-، واختيار مالك: أن التأمين للمأمومين، ولعله يؤخذ منه: جهرُ الإمام بالتأمين؛ فإنه علّق تأمينَهم بتأمينه، فلا بد أن يكونوا عالمين به؛ وذلك بالسماع. إحكام الأحكام (1/ 227).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
دلّ هذا الحديث: على أن الإمام والمأمومين يؤمِّنون جميعًا، وهذا قول جمهور أهل العلم، روي عن أبي بكر وعمر وابن عمر وأبي هريرة، وقال عطاء: لقد كنتُ أسمع الأئمة يقولون على إثر أُمِّ القرآن: آمين، هم أنفسهم ومَن وراءهم، حتى إن للمسجد للجّة.
وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد، وهو رواية المدنيين عن مالك واختيارهم، وروى ابن القاسم عن مالك أن الإمام لا يؤمِّن، إنما يؤمِّن مَن خلفه، وهو اختيار المصريين من أصحابه، وحملوا قوله: «إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا» على أن المراد بتأمين الإمام دعاؤه بقراءةِ آخر الفاتحة، بدليل رواية أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7 فقولوا: آمين»... وليس فيه ما يدل على أن الإمام لا يؤمِّن، بل فيه دليل على اقتران تأمين المأمومين بتأمين الإمام. فتح الباري (7/ 95).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
في قوله: «إذا أمّن الإمام فأمِّنوا» دليل على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجهر بآمين، ولولا ذلك لم يكن يصح معنى التوقيت فيه؛ لأنه قد يختلف فيتقدم تأمينُ القوم ويتأخر، والمأموم مأمور بالاتباع. أعلام الحديث (1/ 507).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
فائدة: قال العلماء: آمين بعد الفاتحة دعاء مجمل يشتمل على جميع ما دعي به في الفاتحة مفصلًا، فكأنه دعا مرتين. التوشيح شرح الجامع الصحيح (2/ 760).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «إذا أمن الإمام» فيه: مشروعية التأمين للإمام، وقد تُعقب بأن القضية شرطية فلا تدل على المشروعية، ورُد بأن «إذا» تُشعر بتحقيق الوقوع، كما صرح بذلك أئمةُ المعاني، وقد ذهب مالك إلى أن الإمام لا يؤمّن في الجهرية، وفي رواية عنه مطلقًا، وكذا روي عن أبي حنيفة والكوفيين، وأحاديث الباب ترُدّه. نيل الأوطار (2/ 257).
وقال إسماعيل الأنصاري -رحمه الله-:
يستفاد منه:
1) جهر الإِمام بالتأمين، وقد روى أبو داود عن وائل بن حُجْر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-كان إذا قرأ {وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7 قال: «آمين» ورفع بها صوته.
2) الثواب العظيم في تأمين المأموم إذا أمّن الإمام.
3) تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام؛ لأنه رتب عليه بالفاء. الإلمام بشرح عمدة الأحكام (1/ 115).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده:
1) بيان الأمر بالتأمين، وهو للندب عند الجمهور، وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم؛ عملًا بظاهر الأمر.
2) أن فيه فضيلة الإمام؛ لأن تأمين الإمام يوافق تأمين الملائكة، ولهذا شُرِعت للمأموم موافقته...
3) أن اللَّه تعالى جعل للملائكة قوّة الإدراك بالسمع وهم في السماء لما يَنطِق به بنو آدم في الأرض، أو لبعض ذلك؛ لأنه جعل مكان تأمين الملائكة في السماء، ويَحتَمل أن يراد بالسماء العلو، والأَولى حمله على ما تقدّم.
4) أنه أَطْلَق في هذه الرواية التأمين، ولم يقيدها بالصلاة، فمن قال: يُعْمَل بالمطلق -كالحنفية والظاهرية- يقولون: إن هذا الثواب لا يتقيد بالصلاة، بل التأمين في غير الصلاة حكمه هكذا، ويقال لهم: إن الثواب مترتب على موافقة تأمين ابن آدم لتأمين الملائكة، وإنما نُقِل لنا تأمين الملائكة لتأمين المصلي، ففي رواية البخاريّ: «إذا أَمّن القارئ فأمّنوا؛ فإن الملائكة تؤمّن، فمن وافق تأمينه...» الحديث، وأما مَن حَمَل المطلق على المقيد فإنه يَخُصّه بالصلاة؛ لرواية مسلم الآتية: «إذا قال أحدكم في الصلاة: آمين...» الحديث.
قال الجامع -عفا اللَّه عنه-: تقييده بالصلاة هو الأظهر، فتأمّل، واللَّه تعالى أعلم.
5) ما قال الحافظ العراقيّ -رحمه الله- أيضًا: قد يُسْتَدَلّ به على أن تأمين المأموم يستحب أن يكون بعد تأمين الإمام؛ لأنه رتّبه عليه بالفاء، وقد جزم أصحاب الشافعيّ باستحباب مقارنة الإمام فيه...
6) أن الإمام يجهر بالتأمين فيما يَجْهَر به من القراءة، وإلا لَمَا عَلّق تأمينهم على تأمينه، وإنما يُطَّلَع عليه بالسماع، وهذا قول الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وذهب أبو حنيفة، ومالك في رواية عنه إلى أنه يُسِرّ به...
7) أن مطلق الأمر بتأمين المأموم لتأمين الإمام: أن المأموم يؤمِّن وإن كان يقرأ في أثناء فاتحة نفسه...
8) أن المستحب الاقتصار على التأمين عقب الفاتحة، من غير زيادة عليه؛ اتّباعًا للحديث، وأما ما رواه البيهقيّ من حديث وائل بن حُجْر -رضي اللَّه عنه- أنه سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} الفاتحة: 7 قال: «رب اغفر لي آمين» فإن في إسناده أبا بكر النَّهْشليّ، وهو ضعيف. البحر المحيط الثجاج (10/ 17-21).