الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرجَ من الغائطِ قال: «غُفرانَكَ».


رواه أحمد برقم: (25220)، وأبو داود برقم: (30)، والترمذي برقم: (7)، والنسائي في الكبرى برقم: (9824)، وابن ماجه برقم: (300)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (4707)، صحيح أبي داود برقم: (23).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الغَائِط»:
المنخَفِضُ من الأرض، وبه سمّي الحدَث؛ لأنهم كانوا يقصدونه بذلك يستترون به. مشارق الأنوار، القاضي عياض (2/ 140).


شرح الحديث


قوله: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج من الغائط»:
قال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
قوله: «الغائط» أي: مِن موضع التغوط. فتح العلام (ص: 117).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «كان إذا خرج من ‌الغائط» في الأصل: الأرض المنخفضة، ثم سمّي به محلُ قضاء الحاجة، «قال» عقب خروجه بحيث يُنسب إليه عُرفًا فيما يظهر. فيض القدير (5/ 121).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
قوله: «كان إذا خرج من ‌الغائط» أي: من محل قضاء حاجته من بول أو غائط. السراج المنير (4/ 59).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأصل الغائط: المكان المطمئن، كانوا يأتونه للحاجة، فكنَّوا به عن نفس الحدث كراهة لاسمه، ومن عادة العرب التعفُّف في ألفاظها، واستعمال الكنايات في كلامها، وصَوْنِ الألسن مما تُصان الأبصار والأسماع عنه، وهذا الذي ذكره المصنف متَّفَق على استحبابه، ويشترك فيه البناء والصحراء، صرح به المحاملي. المجموع شرح المهذب (2/ 76).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ولفظةُ: «خرج» تُشعر بالخروج من المكان، لكن المراد أعم منه، ولو كان في الصحراء. سبل السلام (1/ 308).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إذا خرج من ‌الغائط» أي: من موضع قضاء الحاجة، «قال» جواب «إذا» الشرطية. مرشد ذوي الحجا (3/ 132).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «كان إذا خرج...» إلخ، أي كان من عادته -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- إذا فارق محل قضاء الحاجة قال: «غفرانك» و(كان) تفيد التكرار لغةً، وبه جزم القاضيان أبو بكر (الباقلاني) وأبو الطيب (الطبري)، وقيل: تفيده عُرفًا، وإليه ذهب ابن الحاجب وابن دقيق العيد، وقيل: لا تفيده مطلقًا، وإليه ذهب الإمام الرازي والأكثر، وهي هنا للتكرار؛ لتكرّر خروجه -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- من الخلاء.
ولفظ «خرج» يُشْعِرُ بأن هذا خاص بالخروج من المكان المعدّ لقضاء الحاجة، وليس مرادًا، بل المراد منه الانتقال عن محل قضاء الحاجة، فيشمل ما لو كان في الصحراء...
وفي سبب طلب المغفرة هنا احتمالات: ... أنه -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- كان يقول هذا القول تعليمًا لأُمَّته وهو الأنسب بمقامه -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم-؛ فإن قلبه -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- ما كان يغفل عن مراقبة الله تعالى، لا حال قضاء الحاجة ولا غيرها. المنهل العذب المورود (1/ 117-118).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
ولفظ إحدى روايتيه: «كان إذا قام من ‌الغائط» بدل: «إذا خرج» (زاد) ابن خزيمة: «‌غفرانك ربنا وإليك المصير». البدر المنير (2/ 394).

قوله: «قال: غُفرانَك»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
الغُفران: مصدر كالمغفرة، وإنما نصَبه بإضمار الطلب والمسألة، كأنه يقول: اللهم إني أسألك غفرانَك، كما تقول: اللهم عفوَك ورحمتَك، تريد هبْ لي عفوَك ورحمتَك، وقيل في تأويل ذلك وفي تعقيبه الخروج من الخلاء بهذا الدعاء قولان:
أحدهما: أنه قد استغفر مِن تركه ذكرَ الله تعالى مدَّةَ لبثه على الخلاء، وكان -صلى الله عليه وسلم- لا يهجر ذكر الله إلا عند الحاجة، فكأنه رأى هجران الذكر في تلك الحالة تقصيرًا، وعدَّه على نفسه ذنبًا؛ فتداركه بالاستغفار، وقيل: معناه: التوبة مِن تقصيره في شكر النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه؛ فأطعمه، ثم هضمه، ثم سهّل خروج الأذى منه؛ فرأى شكره قاصرًا عن بلوغ حق هذه النعم، ففزع إلى الاستغفار منه. معالم السنن (1/ 22).
وقال النووي -رحمه الله-:
«كان إذا خرج من الغائط قال: غفرانك» أي: أسألك غفرانك، أو اغفر غفرانك.
والغفران: مصدر بمعنى المغفرة، وأصله الستر، والمراد بغفران الذنب: إزالتُه وإسقاطُه. الإيجاز في شرح سنن أبي داود (ص: 167).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
و«غفرانك» منصوب بتقدير: أسألك غفرانك، أو اغفر غفرانك، والوجهان مقولان في قول الله تعالى: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} البقرة: 285، والأول أجود، واختاره الخطابي وغيره... المجموع شرح المهذب (2/ 76).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «‌غفرانك» أي: أسألك ‌غفرانَك، وغفرانُ الذنب إزالتُه وإسقاطُه؛ فيندب لمن فرغ مِن حاجته أن يقوله، سواء كان بصحراء أم بنيان. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 245).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «‌غفرانك» منصوب بإضمار أَطْلُبُ أي: أسألك أن تغفر لي، وأسألك ‌غفرانَك الذي يليق إضافتُه إليك؛ لما له من الكمال والجلال عما قصَّرتُ فيه مِن ترك الذكر حال القعود على الخلاء. فيض القدير (5/ 121).
وقال القرافي -رحمه الله-:
قيل: استغفاره لترك الذكر حالة الحاجة، وعادته الذكر دائمًا، وقيل: إظهارًا للعجز عن شكر النعم، وقيل: لأن عادته الاستغفار حتى كان يُحْفَظُ عنه في المجلس الواحد مائة مرة، فجرى على عادته، وورد على الأول: أنَّ ترك الذكر في تلك الحالة طاعة تأبى الاستغفار، وعلى الثاني أن النعم في كل وقت معجوز عن شكرها، فما وجه الاختصاص؟ والصحيح الثالث. الذخيرة (1/ 204).
وقال الدميري -رحمه الله-:
الغفران: الستر، وفي معنى تعقيب الخروج بالاستغفار قولان:
أحدهما: أنه يسأله المسامحة لترك الذِّكر في تلك الحالة.
والثاني: معناه: طلب استمرار نعمائه عليه، بتسهيل خروج الأذى، وألا يحبسه؛ لئلا يفضي إلى شهرته وانكشافه. النجم الوهاج في شرح المنهاج (1/ 297).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فإن كان في البر فعند مفارقته مكانَ جلوسِه. الشرح الممتع (1/ 106).
وقال الجلال السيوطي -رحمه الله-:
وقع في بعض نسخ ابن خزيمة زيادة: «ربنا وإليك المصير». مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود (1/ 57).
وقال البيهقي -رحمه الله-:
وهذه الزيادة في هذا الحديث لم أجدها إلا في رواية ابن خزيمة وهو إمام، وقد رأيته في نسخة قديمة لكتاب ابن خزيمة ليس فيه هذه الزيادة، ثم أُلحقت بخط آخر بحاشيته، فالأشبه أن تكون ملحقة بكتابه من غير علمه، والله أعلم. السنن الكبرى (1/ 157).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
وروي: «غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني» وهو ضعيف. فتح العلام (ص: 117).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومناسبة قوله: «‌غفرانك» هنا قيل: إن المناسبة أن الإنسان لما تخفَّف مِن أذية الجسم تذكر أذية الإثم؛ فدعا الله أن يخفِّف عنه أذية الإثم كما منَّ عليه بتخفيف أذية الجسم، وهذا معنى مناسب من باب تذكُّر الشيء بالشيء.
وقال بعض العلماء: إنه يسأل الله غفرانه؛ لأنه انحبس عن ذكره في مكان الخلاء؛ فيسأل الله المغفرة له ذلك الوقت الذي لم يذكر الله فيه.
وفي هذا نظر؛ لأنه انحبس عن ذكر الله بأمر الله، وإذا كان كذلك فلم يعرِّض نفسه للعقوبة، بل عرضها للمثوبة؛ ولهذا الحائض لا تصلي، ولا تصوم، ولا يُسن لها إذا طهرت أن تستغفر الله بتركها الصلاة والصوم أيام الحيض، ولم يقله أحد، ولم يأت فيه سنة، والصحيح هو الأول. الشرح الممتع (1/ 106).
وقال الصاوي -رحمه الله-:
وفي رواية: «الحمد لله الذي سوَّغَنِيه طيبًا، وأخرجه عني خبيثًا»، وفي رواية: «الحمد لله الذي رزقني لذّته، وأذهب عني مشقته، وأبقى في جسمي قوَّته». بلغة السالك لأقرب المسالك (1/ 90).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
ما يفيده الحديث:
1. أنه ينبغي طلب المغفرة بعد الخروج من الغائط.
2. وأن خروج الغائط من الإنسان نعمة من أعظم النعم التي ينبغي الشكر عليها. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (1/ 92).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
فقه الحديث: دلَّ الحديث على أنه يُطلب ممن قضى حاجته أن يقول: غفرانك، سواء أكان في الصحراء أم البنيان، وعلى أن الصحابة -رضي اللَّه تعالى عنهم-كانوا حريصين على حفظ آثاره -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم-حتى حين خروجه من الخلاء. المنهل العذب المورود (1/ 118).


ابلاغ عن خطا