«ثلاثٌ أخافُ عَلِى أُمَّتي: الاستِسْقَاءُ بِالأنْوَاءِ، وحَيْفُ السُّلْطَانِ، وتَكذِيبٌ بِالقَدَرِ».
رواه أحمد برقم: (20832)، والطبراني في الكبير برقم: (1853)، والأوسط برقم: (1852)، وأبو يعلى الموصلي برقم: (7462)، من حديث جابر بن سَمُرَة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3022)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1127).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الاستِسْقَاء»:
طَلَبُ السُّقْيَا، وهو اسْتِفْعَال مِن سَقَى. النظم المستعذب، للركبي (1/ 119).
وقال الجرجاني -رحمه الله-:
الاستسقاء: هو طلب المطر عند طول انقطاعه. التعريفات (ص: 17).
«الأَنْوَاء»:
النُّجوم، واحدها نَوء، وكان من مذهب العرب أن يضيفوا وقوع المطر إلى الأنواء، فخرج هذا على عادة كلامهم. غريب الحديث، للخطابي (1/ 642).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله-:
الأَنْوَاء: واحدها نَوء، وإنما سُمِّي نوءًا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناءَ الطالع بالمشرق للطلوع، فهو يَنُوءُ نوءًا؛ وذلك النهوض هو النَّوْءُ فسُمِّي النجم به. غريب الحديث (1/ 321).
«حَيْف»:
الحَيْفُ: الميل في الحكم، من حَافَ يَحِيْفُ حَيْفًا. العين، للخليل (3/ 307).
وقال الجوهري -رحمه الله-:
الحَيْفُ: الجَورُ والظُّلم، وقد حَافَ عليه يحَيِفُ، أي: جَار. الصحاح (ص: 1179) للجوهري.
«السُّلطَان»:
الوالي، وهو فُعْلان يُذكَّر ويُؤنَّث، والجمع السلاطين. الصحاح، للجوهري (ص:2407).
شرح الحديث
قوله: «ثلاثٌ أَخَافُ على أُمَّتي»:
قال المُلَّا علي القاري -رحمه الله-:
«ثلاثٌ» أي: من الخصال، وفي نسخة: «ثلاثة» أي: من الأفعال، «أخاف على أُمَّتي» أي: من وقوعهم فيها، أو من عدم احترازهم عنها. مرقاة المفاتيح (6/ 2415).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ثلاث أخاف على أُمَّتي» الوقوع فيها، والمراد: أُمَّة الإجابة. فيض القدير (3/ 297).
قوله: «الاستسقاء بالأنواء»:
قال السندي -رحمه الله-:
«بالأنواء» أي: النجوم، بأن يقول: مطرنا بِنَوْءِ كذا، وهذا حرام إنْ رأى تأثيرًا للنجم، وإنْ رأى أنَّه علامة فلا ينبغي أنْ يقول له أيضًا؛ لما فيه من التشبُّه بمن يرى التأثير. حاشية السندي على مسند أحمد (5/106).
وقال الفتني -رحمه الله-:
أي: توقُّع الأمطار من موقع النجوم في الأنواء، أي: اعتقاد نزوله بظهور نجم كذا، وهو حرام. مجمع بحار الأنوار (4/ 665).
وقال المُلَّا علي القاري -رحمه الله-:
«الاستسقاء»: أي: طلب المطر والماء «بالأنواء» أي: بظهور الكواكب، أو بمنازل القمر في السماء. مرقاة المفاتيح (6/ 2415).
وقال المُناوي -رحمه الله-:
هي ثمانية وعشرون نجمًا معروفة المطالع، فإذا وقع في أحدها مطر نسبوه لذلك النجم لا لله. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 466).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله-:
أما الأَنواء: فإنها ثمانية وعشرون نجمًا معروفة المطالع في أزمنة السَّنة كلها في الصيف والشتاء والربيع والخريف، يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته، وكلاهما معلوم مسمَّى وانقضاء هذه الثمانية وعشرين كلها مع انقضاء السنة، ثم يرجع الأمر إلى النجم الأول. غريب الحديث (1/ 320).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وإنما غلَّظ النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر الأنواء؛ لأن العرب كانت تنسب المطر إليها، فأما مَن جعل المطر مِن فِعْلِ الله، وأراد بقوله: مُطرنا بنوء كذا، أي: في وقت كذا وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز؛ لأن الله تعالى قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات، أقول: الظاهر من الحديث النبوي: هو المنع المطلق؛ سدًا للباب وقطعه للنظر عن الأسباب، مع أنه قد يتخَلَّف بتقدير رب الأرباب. مرقاة المفاتيح (6/ 2416).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
نِسبَة المطر إلى النجوم مع اعتقاد أن الفاعل هو الله، أما إن اعتقد أن النجوم هي التي تخلق المطر والسحاب، أو دعاها من دون الله لتنزل المطر فهذا شرك أكبر مخرج من الملة. مجموع الفتاوى (10/ 603).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
أما لو قال الإنسان: (مُطرنا في نوء كذا) فيجوز؛ لأنها للظرفية، وأما (بِنَوء) فلا يجوز؛ لأنها للسببية. تفسير العثيمين سورة الفرقان (ص: 215).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفي ذكر الاستسقاء بالأنْوَاء أبلغ زجْرٍ عن اعتبار السعادة والنحاسة بها؛ لأنه إذا خيف عليهم هذا الأمر الذي غايته نظر إلى وقت معين جُرِّب وقوع الإغاثة فيه فكيف يسبقه السعادة والنحاسة إليها؟! التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 156).
قال القنازعي -رحمه الله-:
من جعل الفعل في المطر للكواكب فهو كافر، ومن جعله دليلاً على المطر فقد أخطأ؛ لأنه يدعي علم الغيب، وكان أبو هريرة يقول عند المطر: «مطرنا بنوء الفتح»، ويتلو: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}فاطر: 2.تفسير الموطأ (1/ 225).
قوله: «وَحَيْفُ السُّلْطَان»:
قال المُلَّا علي القَاري -رحمه الله-:
«حَيْفُ السُّلطان» أي: جَوْرُه وظُلمُه. مرقاة المفاتيح (6/ 2416).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وحيف السلطان» أي: جَوْرُه وظُلمه وعَسْفُه. فيض القدير (3/ 297).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
أي جَورُ الإمام الأعظم ونُوَّابه. السراج المنير (1/ 62).
قوله: «وتَكْذِيْبٌ بِالقَدَر»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «بالقدر» أي: بأنَّ الله تعالى قدَّر الأشياء، والكل قد وقع. حاشية السندي على مسند أحمد (5/106).
وقال ابن حَجَر الهيتمي -رحمه الله-:
«تَكذِيب بالقَدَر»: أي: بأن الله يقدر على عبده الخير والشر. الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 166).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
التَّكذيبُ بالقَدَر: بأن يُسنِدوا أفعال العباد إلى قُدرَتهم ويُنكروا القَدَر فيها، والمعنى: أَخَافُ على أمَّتي من اتِّبَاع عَالمٍ فيما وقع منه على سبيل الزلل، والإصغاءِ إلى جِدال منافق، ونفيهم القَدَر. السراج المنير (1/ 62).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وقد قدَّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم: قدَّر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وكتب ذلك، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة، فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء، وقدرته على كل شيء، ومشيئته لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون، وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون، وغُلَاة القدرية ينكرون علمه المتقدم وكتابته السابقة، ويزعمون أنه أَمَرَ ونَهى وَهَو لا يعلم من يُطِيعه ممن يعصيه، بل الأمر أُنُف: أي مستأنف. مجموع الفتاوى (8/ 450).
وقال ابن أبي العز -رحمه الله-:
والقَدَر الذي لا ريب في دلالة الكتاب والسنة والإجماع عليه، وأن الذي جحدوه هم القَدَرِيَّة المحضة بلا نزاع: هو ما قدَّره الله من مقادير العباد، وعامة ما يوجد من كلام الصحابة والأئمة في ذم القَدَرية يعني به هؤلاء، كقول ابن عمر -رضي الله عنهما-، لما قيل له: يزعمون أن لا قَدَر، وأن الأمر أُنُفْ: أخبرهم أني منهم بريء، وأنهم مني براء. شرح العقيدة الطحاوية (2/ 358).
وقال الآجُرِّي -رحمه الله-:
أن ابن عباس كان يقول: بابُ شِرْكٍ فُتِحَ على أهل القبلة: التكذيب بالقدر، فلا تجادلوهم، فيجري شركهم على أيديكم. الشريعة (2/ 877).
وقال الطيبي: -رحمه الله-:
ولعله خاف من هذه الخصال الثلاث؛ لأن من اعتقد أن الأسباب مستقِلَّة، وترك النظر إلى المسبب، وقع في شرك الشرك، ومن كذَّب القدر وقال: الأمر أُنُف، وقع في حرف التعليل، ومن افتتن بالسلطان الجائر يأتيه الضلال. شرح المشكاة (8/ 2584).