الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«‌كَمْ ‌مِنْ ‌صائمٍ ‌ليس ‌له ‌مِن ‌صيامِهِ إلا الجُوعُ، وكم مِن قائمٍ ليس له مِن قِيَامِهِ إلَّا السَّهَرُ».


رواه أحمد برقم: (9685) واللفظ له، والنسائي في الكبرى برقم: (3236)، وابن ماجه برقم: (1690)، بلفظ: «رُبَّ صائمٍ ليس له ‌من ‌صيامه ‌إلا ‌الجوع...» من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3488)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1083).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌السَّهَر»:
عدمُ النَّومِ في اللَّيلِ كلِّهِ، أو في بعضِهِ، يُقالُ: سَهِرَ اللَّيلَ كلَّهُ أو بعضَهُ، إذا لم يَنَمْ، فهو ساهرٌ وسهْرَانُ وأَسْهَرْتُهُ بالألفِ. المصباح المنير، للفيومي(1/ 293).


شرح الحديث


قوله: «‌كَمْ ‌مِنْ ‌صائمٍ ‌ليس ‌له ‌مِن ‌صيامِهِ إلا الجُوعُ»:
قال الأردبيلي -رحمه الله-:
«كم» في الحديث خبرية، أي: كثير، والخبرية تَجُرُّ الاسم على الإضافة مفردًا وجموعًا، نحو: كم غلامٍ لك، وكم رجالٍ عندي، أي: كثير. الأزهار مخطوط لوح (218).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كم من صائم ليس له» أي: حاصلٌ أو حظٌّ «من صيامه» أي: من أجله. مرقاة المفاتيح (4/ 1398).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «إلا الجوع» أي: ليس لصومه قبول عند الله، فلا ثواب له، نعم سقوط التكليف عن الذمة حاصل عند العلماء. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 517).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع» محمول على من لم يخلص النيَّة، أو لا يَتجنب قول الزور والكذب والبهتان والغيبة ونحوها من المناهي، فيحصل له الجوع والعطش ولا يحصل له الثواب. التنوير (6/ 224).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
قوله: «كم من صائم...» قيل: هو الذي يفطر على الحرام، وقيل: هو الذي يمسك عن الطعام الحلال، ويفطر على لحوم الناس بالغيبة، وهو حرام، وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام. إحياء علوم الدين (1/ 235).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
(وفي لفظ): «..حظه من صيامه الجوع والعطش» جعلها حظه كالتَّهَكُّم، كأنهما أجره ومطلوبه، وفيه: زجره عن إتعاب بدنه وإجاعته وإعطاشه وعمل لا أجر له فيه. التنوير (6/ 225).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «كم من صائم...» إلى آخره، يعني: كل صوم لا يكون خالصًا لله تعالى، بل يكون رياء ونفاقًا يحصل له العطش والجوع، ولا يحصل له الثواب، وكذلك لو تكلم الصائم بالكذب والغيبة وشتم الناس وغير ذلك مما لا يكون له الثواب؛ لأن ثواب صومه يأخذه منه مَن شَتَمَهُ واغتابه يوم القيامة. المفاتيح (3/31-32).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قال بعض الشارحين: إنَّما قال: «ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش» لأن ثواب صيامه يأخذه المغتاب والمظلوم والمسْبُوب يوم القيامة، وهو ضعيف من وجهين:
أحدهما: أنَّهم صرحوا بأنَّ الأجر لا يبقى مع الغيبة والنميمة وأشباههما بل يبطل؛ لهذا الحديث وغيره، وإذا بطل الأجر، فمما يأخذ المغتاب؟!
والثاني: صرحوا بأنَّ الخصم لا يأخذ من الصوم، ولا يعطيه الله تعالى ذلك؛ لأنه له، هو يجزي به، قال الله: «وأنا أجزي به» فالوجه البطلان، وأخْذ المغتاب من سائر الطاعات؛ جمعًا بين الأحاديث. الأزهار مخطوط لوح (218).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
(وفي لفظ)«..إلا الظمأ» يعني: كل صوم لا يكون خالصًا لله لا يحصل له إلا الجوع والعطش بلا ثواب، وكذلك بفعل المناهي. شرح المصابيح (2/ 528).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
كثير من الصائمين، بل أكثرهم لا يحصل لهم ثواب على صومهم، وإنما الذي ينالهم منه محض التعب من الجوع والظمأ في الدنيا، والخسران المبين في الآخرة؛ وذلك لأنهم لا يتحفَّظون في صومهم عما يُبطل ثوابه من الرياء والغِيبة، ونحوهما. فتح الإله (6/496).

قوله: «وكم مِن قائمٍ ليس له مِن قيامه إلَّا السَّهَرُ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وكم من قائم» أي: في الليل. مرقاة المفاتيح (4/ 1398).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«قائم» أي: متهجد «ليس له من قيامه إلا السهر»؛ لسوء نيَّته، أو غصب منزل صلاته، أو نحو ذلك. التنوير (6/ 224-225).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«وكم من قائم» يصلِّي أو يتعبد بقراءة القرآن وغيرها في الليل «ليس له من قيامه إلا السهر» أي: كثير من القائمين والمتعبِّدين ليس لهم ثواب على قيامهم وتعبدهم؛ لأنهم لم يتحفَّظوا عما يُبطل ثوابه من الرياء والسمعة، والعُجْبِ بالعمل، والفخر به على الغير، وإنما لهم مجرد التعب في الدنيا، والحرمان في الآخرة. فتح الإله (6/496).
وقال المظهري -رحمه الله-:
كذلك القائم في الليل بالصلاة وتلاوة القرآن إذا كان رياء ليس له ثواب، ويحصل له مشقة السهر، وهو ترك النوم، وكذلك جميع العبادات إذا لم يكن خالصًا. المفاتيح (3/31-32).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ليس له من قيامه» أي: أثر «إلا السهر» أي: ونحوه مِن تعبِ الرِّجل، وصفار الوجه، وضعف البدن. مرقاة المفاتيح (4/ 1398).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر» يعني: كل قائم بالليل إذا كان قيامه رياء ليس له ثواب، وتحصل له مشقة السهر، وهو: ترك النوم، وكذلك جميع العبادات إذا لم تكن خالصة لله. شرح المصابيح (2/ 528).
وقال المناوي -رحمه الله-:
(وفي لفظ): «رُبّ قائم حظّه من قيامه السهر» بمعنى: أنه لا ثواب فيه؛ لفقد شرط حصوله وهو الإخلاص أو الخشوع، أو المراد لا يثاب إلا على ما عمل بقلبه، وفي خبر مرَّ «ليس للمرء من صلاته إلا ما عَقل»، وأما الفرض فيسقط والذمة تبرأ بعمل الجوارح، فلا يُعاقب عقاب ترك العبادة، بل يُعاتَب أشد عتاب؛ حيث لم يرغب فيما عند ربه من الثواب. فيض القدير (4/ 16).
وقال السمرقندي -رحمه الله-:
يعني: إذا لم يكن الصوم والصلاة لوجه الله تعالى فلا ثواب له، كما روي عن بعض الحكماء أنه قال: مَثَلُ مَن يعمل الطاعات للرياء والسمعة كمثل رَجل خرج إلى السوق وملأ كيسه حصاة، فيقول الناس: ما أملأ كيس هذا الرجل! ولا منفعة له سوى مقالة الناس، ولو أراد أن يشتري له شيئًا لا يُعطى به شيء، كذلك الذي عمل للرياء والسمعة؛ لا منفعة له مِن عمله سوى مقالة الناس، ولا ثواب له في الآخرة، كما قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} الفرقان: 23، يعني: الأعمال التي عملوها لغير وجه الله تعالى أبطَلْنَا ثوابها وجعلناها كالهباء المنثور، وهو الغبار الذي يُرى في شعاع الشمس. تنبيه الغافلين (ص: 25).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
وقال بعض شُرَّاح الحديث: ويحتمل أنه أراد به مَن صام وقام من غير احتساب وتصديق، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه». الأزهار مخطوط لوح (218).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
الظاهر أنه أريد به المبالغة، وأن النفي محمول على نفي الكمال، أو المراد به المرائي؛ فإنه ليس له ثواب أصلًا. مرقاة المفاتيح (4/ 1398).
وقال المناوي -رحمه الله-:
بمعنى: أنَّه لا ثواب فيه؛ لفقد شرط حصوله، وهو الإخلاص، أو الخشوع، أو المراد لا يثاب إلا على ما عمل بقلبه، وفي خبر مرَّ: «ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل»، وأمَّا الفرض فيسقط، والذمة تبرأ بعمل الجوارح، فلا يعاقب عقاب ترك العبادة، بل يُعاتب أشد عتاب؛ حيث لم يرغب فيما عند ربه من الثواب. فيض القدير (4/ 16).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
الظمأ والسهر كنايتان عن الحِرمان، وعدم الفائدة رأسًا، ويحتمل فائدة الظمأ الاحتماء، وفائدة السهر الحراسة، وحفظ النفس. الأزهار مخطوط لوح (218).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
أقول: ونحوها الصلاة في الدار المغصوبة، وأداؤها بغير جماعة من غير عذر؛ فإنها تُسقط القضاء، ولا يترتب عليها الثواب. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1596).


ابلاغ عن خطا