الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امرأةً مِن نِسائِهِ أَمَرَها ‌فاتَّزَرَتْ ‌وهي ‌حَائِضٌ».


رواه البخاري برقم: (303) واللفظ له، ومسلم برقم: (294) ولفظه: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‌يُباشر ‌نساءه ‌فوق الإزار وهُنَّ حُيَّض»، من حديث ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«يُبَاشِرُ»:
أي: يُلْصِقُ بشرتها ببشرته. التيسير، للمناوي (2/ 237).
وقال الزَّبيدي -رحمه الله-:
يُقال: بَاشَر الرجل المرأة: إذا صارا في ثوب واحد، فبَاشَرت بَشَرَتُه بَشَرَتَها. تاج العروس(10/ 192).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
المُبَاشَرةُ المُلامَسة، وأصله من لَمْسِ بَشَرَة الرَّجُل بَشَرَة المرأة. النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 129).

«فاتَّزَرَت»:
أي: لبستْ الإزار -وهو الذي يُشدّ على الحقوين فما تحتهما-، وأصله بهمزتين، الأولى همزة وصل، والثانية تاء (افتعلت). غذاء الألباب، للسفاريني (2/ 183).
وقال الزَّبيدي -رحمه الله-:
الإِزَار بالكسر وهو المِلْحَفَةُ، وفسّره بعض أهل الغريب بما يَسْتُر أسفل البَدن، والرِّداءُ: ما يَسترُ به أعلاه. تاج العروس(10/ 43).


شرح الحديث


قولها: «إذا أَرَادَ أَن يُبَاشِرَ امرأةً مِن نِسائِه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
يعني: مُبَاشرةً فيما دون الفرج. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 237).
وقال المناوي -رحمه الله-:
المبُاشرة التقاء البَشَرَتين عمدًا، وليس المرادُ هنا الجماع. فيض القدير (5/ 94).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كان إذا أراد أن يُبَاشِر امرأة» ينال بَشرتها التي تحت ثوبها، «من نسائه» وليس المراد الجماع، «وهي حائض أمرها أن تتزر ثم يباشرها» أي: أمرها بعقد الإزار بين سُرَّتها وركبتها كالسراويل ونحوه؛ لئلا يمس موضع الأذى. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 320-321).
وقال الشيخ محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
وقوله: «وهي حائض» جملة حالية من مفعول «يباشر» على الظاهر، أو من مفعول «أمر»، أو من فاعل «اتَّزَرَت». كوثر المعاني الدراري (6/ 64).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه» التسع «وهي حائض» فيه جواز الاستمتاع بالحائض فيما عدا ما بين السرة والركبة وهو الصحيح، وقيل: يحرم الاستمتاع بما أصابه دم الحيض من بدنها؛ لوجود المعنى المقتضي لتحريم الوطء، وقيل: يحرم الاستمتاع بجميع بدنها لظاهر القرآن. شرح سنن أبي داود (9/ 531).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
يحتمل أن يكون أمره -صلى الله عليه وسلم- بمباشرة الحائض وهي مُتَّزرة على الاحتياط والقطع للذريعة؛ ولأنه لو أباح فخذيها كان ذلك ذريعة إلى موضع الدم المحرم بإجماع، فنهى عن ذلك احتياطًا، والمُحرَّم بعينه هو مَوضع الأذى. التمهيد(2/ 546).

قولها: «أَمَرَها ‌فاتَّزَرَت ‌وهي ‌حائض»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: تَسْتُر ما بين سُرَّتها وركبتها بالإزار؛ اتقاءً عن محلِّ الأذى. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 237).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «أمرها» أي: بالاتِّزَار، «وهي حائض» الظاهر: أنه حال من مفعول «يباشر»، ويحتمل أن يكون حالًا منها ومن مفعول «أَمَرَها» ومن فاعل «اتَّزَرَت» جميعًا. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (3/ 168).
وقال ابن بطَّال -رحمه الله-:
قال الأئمة مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي: له منها ما فوقَ الإزارُ، ولا يقربُ ما دون الإزار، وهو ما دون الرُّكبةِ إلى الفرج. شرح صحيح البخاري(1/ 417).
وقال حرب الكرماني -رحمه الله-:
سألتُ أحمد قلتُ: الرَّجُل ‌يباشر امرأته ‌وهي ‌حائض، وعليه إزار، وليس عليها؟ قال: أرجو ألا يكون به بأس، ولا يرى بأسًا بمباشرة الحائض على كل حال، ويرى أنه لا بأس أن يُصيب منها ما يريد إذا اتقى موضع الدممسائل حرب الكرماني كتاب الطهارة والصلاة(ص: 346).
وقال حرب الكرماني -رحمه الله- أيضًا:
سمعتُ إسحاق يقول: أما الرخصة للرجال في مباشرة الحائض ومَسِيْسِهِ إياها دون الفرج؛ فإجماع أهل العلم على ذلك، ولم يُرخِّص أحد من أهل العلم في وطئه إياها إذا طهرت من حيضها قبل اغتسالها؛ لأن الاغتسال عليها فرض في الكتاب، وبذلك مضت السنة. مسائل حرب الكرماني كتاب الطهارة والصلاة(ص: 346).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وهو -عليه الصلاة والسلام- أمْلَكُ الناس ‌لِإِرْبِهِ (حاجته)، ولا يُخاف عليه ما يُخاف عليهم مِن أنَّ مَن حام حول الحِمَى يوشكُ أن يَقَع فيه، لكنه فعل ذلك تشريعًا للأمَّة، فأفاد أن الاستمتاع بما بين سُرَّة الحائض وركبتها بلا حائل حرام، على الأصح عند الشافعية. فيض القدير (5/ 95).
وقال النووي -رحمه الله-:
اعلم أنَّ مباشرة الحائض أقسام:
أحدها: أن يباشرها بالجماع في الفرج، فهذا حرام بإجماع المسلمين بنص القرآن العزيز والسنة الصحيحة، قال أصحابنا (الشافعية): ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافرًا مرتدًا، ولو فعله إنسان غير معتقد حله فإن كان ناسيًا أو جاهلًا بوجود الحيض أو جاهلًا بتحريمه أو مكرهًا، فلا إثم عليه ولا كفارة، وإن وطئها عامدًا عالمًا بالحيض والتحريم مختارًا فقد ارتكب معصية كبيرة نص الشافعي على أنها كبيرة، وتجب عليه التوبة وفي وجوب الكفارة قولان للشافعي أصحهما وهو الجديد وقول مالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين وجماهير السلف أنه لا كفارة عليه...
القسم الثاني: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذَّكَر أو بالقبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك، وهو حلال باتفاق العلماء، وقد نقل الشيخ أبو حامد الإسفراييني وجماعة كثيرة الإجماع على هذا، وأما ما حكي عن عبيدة السلماني وغيره من أنه لا يباشر شيئًا منها بشيء منه، فشاذ منكر غير معروف ولا مقبول، ولو صح عنه لكان مردودًا بالأحاديث الصحيحة المشهورة المذكورة في الصحيحين وغيرهما في مباشرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فوق الإزار، وإذنه في ذلك بإجماع المسلمين قبل المخالف وبعده.
ثم إنه لا فرق بين أن يكون على الموضع الذى يستمتع به شيء من الدم أو لا يكون، هذا هو الصواب المشهور الذي قطع به جماهير أصحابنا وغيرهم من العلماء؛ للأحاديث المطلقة، وحكى المحاملي من أصحابنا وجهًا لبعض أصحابنا أنه يحرم مباشرة ما فوق السرة وتحت الركبة إذا كان عليه شيء من دم الحيض، وهذا الوجه باطل لا شك في بطلانه، والله أعلم.
القسم الثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القُبُل والدُّبر، وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا: أصحها عند جماهيرهم وأشهرها في المذهب: أنها حرام، والثاني: أنها ليست بحرام، ولكنها مكروهة كراهة تنزيه، وهذا الوجه أقوى من حيث الدليل، وهو المختار، والوجه الثالث: إن كان المباشِر يضبط نفسه عن الفرج، ويثق من نفسه باجتنابه، إما لضعف شهوته، وإما لشدة ورعه جاز، وإلا فلا، وهذا الوجه حسن، قاله أبو العباس البصري من أصحابنا، وممن ذهب إلى الوجه الأول وهو التحريم مطلقًا: مالك وأبو حنيفة، وهو قول أكثر العلماء، منهم سعيد بن المسيب، وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة، وممن ذهب إلى الجواز عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود، وقد قدمنا أن هذا المذهب أقوى دليلًا، واحتجوا بحديث أنس الآتي: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» قالوا: وأما اقتصار النبي -صلى الله عليه وسلم- في مباشرته على ما فوق الإزار فمحمول على الاستحباب، والله أعلم. شرح مسلم (3/204- 205).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
المراد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان أَمْلَكَ الناس لأمره، فلا يُخشى عليه ما يُخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى، ومع ذلك فكان يباشر فوق الإزار تشريعًا لغيره ممن ليس بمعصوم، وبهذا قال أكثر العلماء، وهو الجاري على قاعدة المالكية في باب سد الذرائع، وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية، ورجحه الطحاوي، وهو اختيار أصبغ من المالكية، وأحد القولين أو الوجهين للشافعية، واختاره ابن المنذر، وقال النووي: هو الأرجح دليلًا؛ لحديث أنس في مسلم: «اصنعوا كل شيء إلا الجماع»، وحملوا حديث الباب وشِبْهَهُ على الاستحباب جمعًا بين الأدلة. فتح الباري (1/ 404).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
وفصَّل بعض الشافعية فقال: إن كان يضبط نفسه عند المباشرة عن الفرج، ويثق منها باجتنابه جاز، وإلا فلا، واستحسنه النووي، ولا يبعد تخريج وجهٍ مُفَرِّق بين ابتداء الحيض وما بعده؛ لظاهر التقييد بقولها: «فور حيضتها»، ويؤيده ما رواه بن ماجه بإسناد حسن عن أم سلمة أيضًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتقي سَورة الدم ثلاثًا، ثم يباشر بعد ذلك، ويُجمع بينه وبين الأحاديث الدالة على المبادرة إلى المباشرة على اختلاف هاتين الحالتين. فتح الباري (1/ 404).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
وحلال للرَّجُل من امرأته الحائض كل شيء، حاش الإيلاج فقط... قد بيَّنا سقوط جميع الأقوال التي قدمنا إلا هذا القول، وقول مَن تعلق بالآية، فنظرنا في هذا القول فوجدنا ما روينا من طريق مسلم...، عن أنس بن مالك، فذكر حديثًا، وفيه: فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن المحِيضِ قُلْ هُوَ أَذَى فَاعْتَزِلُوا النِّساء فِي المحِيضِ} البقرة: 222، إلى آخر الآية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، فهذا خبر في غاية الصحة، وهو بيان للآية، بيَّن -عليه الصلاة والسلام- إثر نزولها مراد ربه تعالى فيها، وصح بهذا قول من قال من العلماء: إنَّ معنى قوله -عز وجل-: {فِي المَحِيضِ} البقرة: 222 إنما هو موضع الحيض، ولا شك في هذا؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- بيَّن مراد ربه تعالى في الآية، ولم ينسخها، قال الله -عز وجل-: {لِتُبيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم} النحل: 44، وبالله تعالى التوفيق. المحلى بالآثار (9/231-236).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
اختلف الفقهاء فيما تحت الإزار، وليس في هذا الحديث (حديث عائشة: «فَأَتَّزِرُ فيباشرني») تصريح بمنعٍ ولا جواز، وإنما فيه فِعْلُ النبي -صلى الله عليه وسلم-، والفعل بمجرده لا يدل على الوجوب على المختار. إحكام الأحكام (1/ 159).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
إن كان المباشِر يضبط نفسه عن الفَرْج ويثق من نفسه باجتنابه إما لضعف شهوته، وإما لشدة ورعه جاز، وإلا فلا. شرح صحيح مسلم (3/ 205).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قيل: الحديث مخصِّص لآية {‌فَاعْتَزِلُوا ‌النِّسَاءَ ‌فِي ‌الْمَحِيضِ} البقرة: 222، قلتُ: سياق الآية دال على أن النهي عن القربان وهو كناية عن الجماع لمطلق القرب فلا تخصيص. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 321).
وقال الزركشي -رحمه الله-:
قول الله تعالى: {‌فَاعْتَزِلُوا ‌النِّسَاءَ ‌فِي ‌الْمَحِيضِ} البقرة: 222. المَحِيض: اسم لمكان الحيض، كالمَبِيت والمَقِيل، ومصدر: حَاضت المرأة حَيضًا ومحيضًا، والمراد هنا -والله أعلم- الأول؛ بقرينة التعليل بكونه أذى؛ وذلك يختص بالفَرْج، وللإجماع على جواز القُربان في حال الحيض في الجملة. شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/ 433).
وقال الخطَّابي –رحمه الله-:
في هذا دليل على أن ما تحت الإزار من الحيض حِمًى لا يُقرب. معالم السنن (3/ 228).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وفي الباب أحاديث أُخَر متعددة، وقد دلت هذه الأحاديث على جواز نوم الرجل مع المرأة في حال حيضها، وجواز مباشرته لها، واستمتاعه بها مِن فوق الإزار، والإزار: هو ما بين السرة والركبة، وفي الرواية الأخيرة عن ميمونة الشك: هل كان الإزار يبلغ إلى الركبتين أو إلى أنصاف الفخذين؟ وقد روي أن الإزار كان يبلغ إلى أنصاف الفخذين جزمًا مِن غير شك. فتح الباري (2/ 30).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده:
1. منها: بيان جواز مباشرة الحائض...
2. ومنها: أمر الرجل زوجته الحائض أن تتَّزر، فإذا اتَّزَرت جاز له مباشرتها.
3. ومنها: الأخذ بالأحوط؛ خشية الوقوع في الحرام.
4. ومنها: بيان أن المباشرة تكون فوق الإزار، لا تحته، وفيه خلاف...
5. ومنها: بيان ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من ضبط النفس، وقوة الإرادة؛ حيث لا تغلبه شهوته.
6. ومنها: جواز النوم مع الحائض في ثيابها، والاضطجاع معها في لحاف واحد إذا ائتزرت.
7. ومنها: أنه أبدى في الفتح وجهًا مُفرِّقًا بين ابتداء الحيض وما بعده؛ لظاهر التقييد بقولها: «فور حيضتها»...
8. ومنها: أن عَرَق الحائض طاهر؛ لأن الاضطجاع معها في لحاف واحد لا يخلو غالبًا من إصابة العَرَق، والله تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط الثجاج (7/ 342-343).


ابلاغ عن خطا