الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«اثنتان يكرههما ابن آدم: الموت، والموت خير للمؤمن من الفِتنة، ويكره قلّة المال، وقلّة المال أَقلّ للحساب».


رواه أحمد برقم: (23625)، من حديث محمود بن لبيد -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (813)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (3210).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الفتنة»:
الْفِتْنَة: من الأفعال التي تكون من الله تعالى، ومن العبد، كالبليّة والمصيبة، والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة. المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني (ص: 624).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الفتنة: ‌الامتحان ‌والاختبار، وقد كثرت استعاذته (صلى الله عليه وسلم) من فتنة القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات، وغير ذلك. النهاية(3/ 410).


شرح الحديث


قوله: «اثنتان يكرههما ابن آدم»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«اثنتان» أي: خصلتان «يكرههما» أي: بالطبع. «ابن آدم» أي: وهما خير له. مرقاة المفاتيح(8/ 3286).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«اثنتان يكرههما ابن آدم» غالبًا. فيض القدير (1/ 151).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«اثنتان يكرهما ابن آدم» عامٌّ بكل آدمي، أي: ينفر عنهما. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 358).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«يكره الموت» بالطبع والجِبلة. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 358-359).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
كراهية الموت أمر جِبِلِّي معروف، لا يريد الموت لا نبي ولا غيره، موسى -عليه السلام- لما جاءه ملك الموت صكّه، فقَأَ عينه كما في الحديث الصحيح.شرح موطأ مالك(48/ 20).
وقال العجلوني-رحمه الله-:
وهذا محمول على حالة، وطلب بقائه على حالة أخرى، كما أشرت إلى ذلك بقولي:
طول الحياة حميدة إن … راقب الرحمن عبده
وبضدها فالموت خير … والسعيد أتاه رشده. كشف الخفاء (1/ 57).

قوله: «والموت خير للمؤمن من الفتنة»:
قال ابن بطال -رحمه الله-:
معنى الفتنة في كلام العرب: الاختبار والابتلاء، ومنه قوله تعالى: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} طه: 40، أي: اختبرناك.
وقد أخبر الله تعالى عن الأموال والأولاد أنها فتنة، وقال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} التكاثر: 1، وخرج لفظ الخطاب على العموم؛ لأن الله تعالى فَطَر العباد على حب المال والولد. شرح صحيح البخاري (10/ ١٦٠).
قال المناوي -رحمه الله-:
«‌الفتنة» أي: الكفر والضلال، أو الإثم أو الاختبار والامتحان ونحوهما؛ وذلك لأنه ما دام حيًا لا يأمن الوقوع في ذلك، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، ومن غير الغالب من أتحفه الله بلطف من عنده، فحبَّب إليه الموت، كما حببه لسحرة فرعون، حين قال: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ} الشعراء: 49، فكشف لهم عما أعد لهم، فقالوا: {لَا ضَيْرَ} الشعراء: 50.
وكما لوى على علي -رضي الله عنه- رعيته، حتى شاقوه وقاتلوه، مع كونه الإمام الحق، حتى أخذ بلحيته قائلًا: ما يحبس أشقاها أن يخضب هذه من هذه؟! وأشار بيده إلى رأسه. فيض القدير (1/ 151).
وقال الصنعاني –رحمه الله-:
«الفتنة» هي الامتحان والاختبار، وقد كثر استعمالها، فاستعملت في معنى الإثم، والكِبر، والقتال، والإحراق، والإزالة، والصرف عن الشيء، كما أفاده في النهاية.
ولا شك أن الحياة لا تخلو عن مسمى الفتنة، وأنه لا يزال الحي مفتونًا، فلذا خيَّر -صلى الله عليه وسلم- الموت على الفتنة اللازمة للحياة، وفي كلام النهج (نهج البلاغة): لا يقولن أحدكم: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة؛ لأنه ليس أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، ولكن من استعاذ فليستعذ من مُضِلَّات الفتن. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 358-359).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
الفتنة التي الموتُ خيرٌ منها هي: الوقوعُ في الشِّرك، أو في فتنة يتسخَّطها الإنسان، ويجري على لسانه ما لا يليق، وفي اعتقاده ما لا يجوز. شرح المصابيح (5/ 416).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وقد تكون الفتنة في الدين مثل الارتداد والمعاصي وإكراه الغير على المعاصي، وإليه أشار بقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أردتَ فتنة في قوم فتوفَّنِي غير مفتون». الكاشف عن حقائق السنن(10/ 3316).
وقال ابن كثير –رحمه الله-:
فعند حلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت؛ ولهذا قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في آخر إمارته لما رأى أن الأمور لا تجتمع له، ولا يزداد الأمر إلا شدة قال: "اللهم، خذني إليك؛ فقد سئمتهم وسئموني"، وقال البخاري رحمه الله لما وقعت له تلك المحن وجرى له ما جرى مع أمير خراسان: "اللهم توفني إليك"، وفي الحديث: «إِنّ الرجل ليمر بالقبر -أي في زمان الدجال- فيقول: يا ليتني مكانك»؛ لما يرى من الفتن والزلازل والبلابل والأمور الهائلة التي هي فتنة لكل مفتون. تفسير ابن كثير(4/ 416).
وقال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-:
وأما الفتن المضلَّة التي يُخشى منها فساد الدين فهي التي يُستعاذ منها، ويُسأل الموت قبلها، فمن مات قبل وقوعه في شيء من هذه الفتن فقد حفظه الله تعالى، وحماه، وفي المسند عن محمود بن لبيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت، والموت خير للمؤمن من الفتن، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب». اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى (ص: 124).
وقال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- أيضًا:
وقال ابن مسعود وغيره: ما من بَرٍّ ولا فاجر إلا والموت خير له؛ إن كان بَرًا فما عند الله خير للأبرار. وإن كان فاجرًا فإنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا. شرح حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنه - (ص158).
وقال الملا علي القاري –رحمه الله-:
وقد أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي عبد الله الصنابحي قال: الدنيا تدعو إلى فتنة والشيطان يدعو إلى خطيئة ولقاء الله خير من الإقامة معهما. مرقاة المفاتيح(8/ 3286).

قوله: «ويكره قلّة المال»:
قال المناوي -رحمه الله-:
سُمِّى المال مالًا؛ لأنه يميل القلوب عن الله تعالى، قال الراغب: والحساب: استعمال العدد. فيض القدير(1/ 151).

قوله: «وقلة المال أَقلّ للحساب»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: وأبعد من العذاب. مرقاة المفاتيح (8/ 3286).
وقال المناوي -رحمه الله-:
يعني: السؤال عنه كما في خبر: «لا تزول قَدَمَا عبد يوم القيامة حتى يُسْأَلَ عن أربع»، وفيه: «عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟» أي: ولو حلالًا. فيض القدير(1/ 151).
قال الصنعاني -رحمه الله-:
وإذا كان أقلّ فهو خير له من الكثرة، والحديث تزهيد في محبة الحياة ومحبة كثرة المال.التنوير شرح الجامع الصغير(1/ 359).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
قالوا: ولو لم يكن في التقلل إلا خفة الحساب لكفى به فضلًا على الغنى... ، قالوا: وقد شهد النبي لأصحابه أنهم يوم فقرهم وفاقتهم خير منهم يوم غِناهم وبسط الدُّنيا عليهم. عدة الصابرين (ص: 202).


ابلاغ عن خطا