الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

«إذا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فلا صلاةَ إلَّا المكتوبةُ».


رواه مسلم برقم: (710)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«المكتوبة»:
أي: المفروضة، والكتاب: الفرض والحُكم والقدر. النظم المستعذب، للركبي (1/ 99).


شرح الحديث


قوله: «إذا أُقيمت الصلاةُ»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«إذا أقيمت الصلاة» أي: نادى المؤذن بالإقامة، وفيه إقامة ‌الْمُسَبَّبِ مقام السبب. شرح المصابيح (2/ 95).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«إذا أقيمت الصلاة» أي: شرع في إقامتها، أو قرب وقتها. السراج المنير (1/ 96).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إذا أقيمت الصلاة» أي: شرع في إقامتها؛ بدليل رواية ابن حبان: «إذا أخذ المؤذن في الإقامة». فيض القدير (1/ 293).

قوله: «فلا صلاة إلا المكتوبة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«‌فلا صلاة» أي: كاملة «‌إلا المكتوبة» التي أقيم لها، أي: لا ينبغي أن يشتغل إلا بها؛ لئلا يفوته فضل تحرُّمه مع الإمام. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 77).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«فلا صلاة» كاملة، أو لا تصلُّوا حينئذٍ. إرشاد الساري (2/ 34).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«‌المكتوبة» أي: المفروضة التي كتبها الله تعالى على عباده. الكواكب الدراري (5/ 48).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «إذا أقيمت الصلاة ‌فلا ‌صلاة ‌إلا ‌المكتوبة» يعني: إذا أقام المؤذن لا يجوز أن يصلي الرجل سُنة الفجر ولا غيرها، بل يوافق الإمام في الفريضة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 218).
وقال خليل السهارنفوري -رحمه الله-:
«فلا ‌صلاة ‌إلا ‌المكتوبة» أي: الصلاة المكتوبة التي أقيمت لها كما في رواية أحمد(..لا صلاة ‌إلا ‌التي ‌أقيمت)، وليس المراد بنفي الصلاة نفيًا عامًّا يشمل جميع أمكنة البلد، بل المراد نفي الصلاة في المسجد أو مخالطًا للصف، فعلى الأول لو صلَّى خارج المسجد أو في مكان عند المسجد يجوز الصلاة، وعلى الثاني لو صلَّى غير مخالط للصف خلف سارية من سواري المسجد يجوز، والمراد بنفي الصلاة، إما النفي رأسًا أو نفي الكمال، ذهب إلى الأول أهل الظاهر. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (5/ 476).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وهذا لأنه قد صار الحُكم لها (أي المكتوبة)، ولا ينبغي أن يتشاغل بالأنقص مع حضور الأكمل. كشف المشكل (3/ 551).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «فلا ‌صلاة ‌إلا ‌المكتوبة» أخذ قوم بظاهر هذا الحديث، وهو قول أبي هريرة، وروي عن عمر أنه كان يضرب على صلاة الركعتين بعد الإقامة، وإليه ذهب بعض الظاهرية، رأوا أنه يقطع صلاته إذا أقيمت عليه الصلاة، وكلهم يقولون: لا يبتدئ نافلة بعد الإقامة؛ لنهيه -عليه السلام- المتقدم.
وذهب مالك إلى أنه إذا أقيمت عليه وهو في نافلة فإن كان ممن يخف عليه ويقيمها بقراءة أم القرآن وحدها قبل أن يركع الإمام أتمها، وإلا قطع، وذهب بعض أصحابنا إلى أنه يتمها. إكمال المعلم (3/ 43).
قال العيني -رحمه الله-:
فدل هذا على أن لا صلاة بعد الإقامة إلا الصلاة المكتوبة.
فإن قلتَ: حديث الترجمة (هذا الحديث) أعم؛ لأنه يشمل سائر الصلوات وحديث الباب («آلصبح أربعًا؟») في صلاة الصبح.
قلتُ: كلاهما في المعنى واحد؛ لأن الحكم في الإنكار فيه ‌أن ‌يتفرغ ‌المصلي ‌للفريضة من أولها؛ حتى لا تفوته فضيلة الإحرام مع الإمام، فهذا يعم الكل في الحقيقة. عمدة القاري (5/ 182).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فلا صلاة» كاملة سالمة من الكراهة «إلا المكتوبة» فلا ينبغي إنشاء صلاة حينئذٍ غيرها أي: المفروضة الحاضرة التي أقيم لها؛ بدليل رواية أحمد: «إلا التي أقيمت»، وجعل بعضهم النفي بمعنى النهي أي: فلا تصلُّوا حينئذٍ، واختاره المؤلف (السيوطي)؛ فإنه سُئل: هل المراد هنا الكمال أو عدم الصحة؟ فأجاب: بأنه ليس المراد هذا ولا هذا؛ لأن ذلك إنما يكون في النهي المراد به النفي على ظاهره، والنفي هنا المراد به النهي، أي: لا تصلوا إلا المكتوبة؛ وذلك لئلا يفوته فضل تحرُّمه مع الإمام الذي هو صفوة الصلاة، وما يناله من أجر النفل لا يفي بما يفوته من صفوة فرضه؛ ولأنه يُشبه المخالفة للجماعة، وأما زيادة «إلا ركعتي الفجر» في خبر «‌فلا ‌صلاة ‌إلا ‌المكتوبة إلا ركعتي الفجر» فلا أصل لها كما بينه البيهقي. فيض القدير(1/ 293).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فلا صلاة» نفي بمعنى النهي مثل قوله تعالى: {‌فَلَا ‌رَفَثَ ‌وَلَا ‌فُسُوقَ ‌وَلَا ‌جِدَالَ ‌فِي ‌الْحَجِّ} البقرة: 197، فلا ينبغي الاشتغال لمن حضر الإقامة إلا بالمكتوبة، ثم النهي متوجه إلى الشروع في غير تلك المكتوبة، وأما إتمام المشروعة قبل الإقامة فضروري لا اختياري فلا يشمله النهي، وكذا الشروع خلف الإمام في النافلة لمن أدى المكتوبة قبل ذلك، فلا ينافي الحديث ما ثبت من الإذن في الشروع في النافلة خلف الإمام لمن أدى الفرض. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 351- 352).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «‌إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» هل المراد الكمال أو عدم الصحة؟
الجواب: ليس المراد هذا ولا هذا؛ لأن ذلك إنما يكون في النفي المراد به النفي على ظاهره، وأما النفي هنا فالمراد به النهي، أي: لا تصلوا إلا المكتوبة، والله أعلم. الحاوي للفتاوي (1/ 332).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
مَن سمع إقامة صلاة الصبح، وعلم أنه إنْ اشتغل بركعتي الفجر فاته من صلاة الصبح ولو التكبير، فلا يحل له أن يشتغل بهما؛ فإن فعل فقد عصى الله تعالى.
وإن دخل في ركعتي الفجر فأقيمت صلاة الصبح فقد بطلت الركعتان، ولا فائدة له في أن يسلِّم منهما، ولو لم يبق عليه منهما إلا السلام، لكن يدخل بابتداء التكبير في صلاة الصبح كما هو. المحلى بالآثار (2/ 146).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «‌فلا صلاة» يحتمل أن يتوجه النفي إلى الصحة أو إلى الكمال، والظاهر توجهه إلى الصحة؛ لأنها أقرب المجازين إلى الحقيقة، فلا تنعقد صلاة التطوع بعد إقامة الصلاة المكتوبة، كما تقدم عن أبي هريرة، وأهل الظاهر. نيل الأوطار (3/ 103).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «‌فلا صلاة» أي: صحيحة أو كاملة، والتقدير الأوَّل أَوْلَى؛ لأنه أقرب إلى نفي الحقيقة، لكن لما لم يقطع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة المصلي (أي: في حديث: «‌ألصُّبح أربعًا؟») واقتصر على الإنكار دلَّ على أن المراد نفي الكمال، ويحتمل أن يكون النفي بمعنى النهي، أي: فلا تصلوا حينئذٍ. فتح الباري (2/ 149).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قوله: «‌لكن...‌» إلخ، فيه نظر لا يخفى، ومن أين له القطع بأنه لم يقطع عليه، وأنه أتم تلك الصلاة، بعد هذا الإنكار الشديد؟ ولا سيما وقد ورد بصيغة النهي، ومعلوم أن النهي للفساد، فتبصر، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (15/ 246).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وترك التنفل عند إقامة الصلاة وتداركها بعد قضاء الفرض أقرب إلى اتباع السنة، ويَتَأَيَّد ذلك من حيث المعنى بأن قوله في الإقامة: حي على الصلاة معناه: هلموا إلى الصلاة أي: التي يقام لها، فأسعد الناس بامتثال هذا الأمر من لم يتشاغل عنه بغيره، والله أعلم. فتح الباري (2/ 150- 151).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ظاهره أنه لا تنعقد صلاة التطوع في وقت إقامة الفريضة...، وعلى هذا الحديث فمن دخل لصلاة الصبح والإمام في الصلاة ولم يكن صلى الفجر لا يصلي ركعتي الفجر، وهو مذهب جمهور السلف من العلماء وغيرهم.
وقد اختلفوا: هل يخرج لها من المسجد ويصلي خارجه أم لا يخرج؟ قولان لأهل العلم، وإذا قلنا: لا يخرج، فهل يصليهما والإمام يصلي، أو لا يصليهما، ويدخل مع الإمام في صلاته؟ وبالأول: قالت طائفة من السلف؛ منهم ابن مسعود، وبالثاني قال الشافعي وأحمد والطبري وابن سيرين، وحكي عن مالك.
وإذا قلنا: إنه يخرج، فهل ذلك ما لم يخش فوات الركعة الأولى، فإن خشيه دخل، أو إنما يراعي خشية فوات الآخرة؟ قولان: الأول: لمالك والثوري، والثاني: أيضًا حكي عن مالك، وقيل: يصليهما وإن فاتته صلاة الإمام إذا كان الوقت واسعًا. المفهم (2/ 349- 350).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
إذا أقيمت الصلاة فلا يشتغل بتحية المسجد، ولا بسنة الفجر وقد اتفق العلماء على أَنه لا يشتغل عنها بتحية المسجد. ولكن تنازعوا في سُنة الفجر: والصواب أنه إذا سمع الإقامة فلا يُصلي السُّنة لا في بيته، ولا في غير بيته، بل يقضيها إن شاء بعد الفرض.مجموع الفتاوى(23/٢٦٤)
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه النهي الصريح عن افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة، سواء كانت راتبة كسنة الصبح والظهر والعصر أو غيرها، وهذا مذهب الشافعي والجمهور، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا لم يكن صلى ركعتي سنة الصبح صلاهما بعد الإقامة في المسجد، ما لم يخش فوت الركعة الثانية، وقال الثوري: ما لم يخش فوت الركعة الأولى، وقالت طائفة: يصليهما خارج المسجد، ولا يصليهما بعد الإقامة في المسجد. شرح صحيح مسلم (5/ 222-223).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
والحكمة في النهي عن الدخول في النافلة بعد الإقامة للمكتوبة: التفرغ للفريضة من أولها، والمحافظة على إكمالها مع الإمام وعلى أسباب الاتفاق، والبُعد مما يؤدي إلى الخلاف على الأئمة والطعن عليهم.
وفي الحديث دليل على أنه لا يجوز لمن حضر حال الإقامة أن يشرع في غير الصلاة المقام لها، لا فرق في ذلك بين سنة الصبح وغيرها. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (7/ 154).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ظاهره أنه يخرج مما هو فيه، فإنْ حُمل النفي على النافلة والفرض فهو دليل على سقوط الترتيب بين الفرائض إذا أقيمت إحداهما جماعة، فمن أراد أن يصلي الظهر مثلًا فُرادى فأقيمت العصر جماعة فلا يصلي إلا العصر، ويسقط الترتيب بينه وبين الظهر، هذا إن أريد بالمكتوبة الْمُقامة، ويحتمل أنه أريد بالمكتوبة غيرها، والمراد «فلا صلاة» نافلة لكن المكتوبة تصلى والاستثناء منقطع فلا سقوط للترتيب. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 586).



ابلاغ عن خطا