الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«مَنْ عادَ مريضًا لم يزلْ في خُرْفَةِ الجنةِ، قيل: يا رسولَ اللهِ، وما خُرْفَةُ الجنةِ؟ قال: جَنَاهَا».


رواه مسلم برقم: (2568)، من حديث ثوبان -رضي الله عنه-.
وفي لفظ له: «حتَّى يَرْجِعَ».


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«عَادَ»:
أي: زاره في مرضه. فيض القدير، للمناوي (3/ 457).
«خُرْفَة الجنة»:
بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَبعدهَا رَاء سَاكِنة هُوَ مَا ‌يخْتَرف ‌من ‌نخلها، أَي: يجتنى. .
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الخُرْفَة بالضم: اسم ما يُخْتَرَفُ من النخل حين يُدْرِكُ. النهاية(2/ 24).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
والاخْتِرَافُ: الاجتناء، وقد يتجوز بها للبستان؛ من حيث إنه محلها. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة(1/419).


شرح الحديث


 قوله: «مَن عاد مريضًا»:
قال ابن قرقول -رحمه الله-:
أي: زارَه وافتقده، سُميت عيادة؛ لأن الناس يتكرَّرون عليه، أي: يرجعون، ويقال: عدتُ المريض عَوْدًا وعيادة، الياء منقلبة عن (واو). مطالع الأنوار على صحاح الآثار (5/ 52-53).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
والعيادة: مصدر عاد يعود عَوْدًا وعيادة وعيادًا، غير أنه قد خُصَّت العيادة بالرجوع إلى المرضى والتكرار إليهم. المفهم (6/550).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ولفظة (العيادة) تقتضي التكرار والعَوْد، والرجوع إليه مرة بعد أخرى لِتَفَقُّدِ حاله. إكمال المعلم (8/ 37).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«مَن عاد مريضًا» ولو غير مسلم كما عاد -صلى الله عليه وسلم- اليهودي الذي كان يخدمه، وكثيرًا من الناس لا يعود جاره وقريبه؛ لتوهُّمه أنه عاصٍ بسبب ملابسته ما يظن كذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (10/306).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«مَن عاد مريضًا» عامٌّ لكل مريض إلا أنه أخرج الطبراني وابن عدي عن أبي هريرة مرفوعًا: «ثلاثٌ لا يُعَادُ صاحبهن: الرَّمِدُ (وجع العين)، وصاحب الضرس، وصاحب الدُّمل (خُراج صغير في الجسم)». التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 619).

قوله: «لم يزل في خُرْفَة الجنة»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«لم يزل في خُرْفَة الجنة» بضم الخاء المعجمة وفتحها وسكون الراء: ما يُخْتَرَفُ: يُجْتَنى من الثمر، شبَّه ما يحوزه من الثواب بحوز المخْتَرِف بستانًا بِجَنْيِهِ. التنوير شرح الجامع الصغير (10/306).
وقال المناوي -رحمه الله-:
ويخرج من ذلك التشبيه: التلويح بقُرْب المتناوَل. فيض القدير (6/ 177).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «لم يزل في خُرْفَة الجنة» فإن ممشاه إلى المريض لَمَّا كان له من الثواب على كل خطوة درجة، وكانت الخُطا سببًا إلى نيل الدرجة في النعيم المقيم عبَّر بها؛ لأنه سببها مجازًا له إذا مشى على الخُرْفَة، وهي بساتين الجنة، أن يخترف منها، أي: يقتطع، ويتنعم بالأكل. عارضة الأحوذي (4/ 189).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يعني: أنه يجني من ثمار الجنة مُدَّةَ دوامه جالسًا عند هذا المريض، وقد سبق أن الجلوس عند المريض يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. شرح رياض الصالحين (4/470).
وقال صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
أي: إن أجر العيادة الدخول في الجنة، واجتناء ثمارها. منة المنعم في شرح صحيح مسلم (4/ 178).

قوله: «قيل: يا رسول الله، وما خُرْفَة الجنة؟ قال: جناها»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«قيل» لم أرَ مَن سمَّى السائل. دليل الفالحين (6/373).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«ما» يسْأَل به عن كل شيء ما لم يعرف، فإذا عرف خص العاقل بـ(من). دليل الفالحين (6/373).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
والخُرفة وإنْ كانت معلومة عندهم (الصحابة) إلا أنها لَمَّا أُضيفت في الحديث إلى الجنة، جهلوا المراد منها، فسألوا بما ذكر. دليل الفالحين (6/ 374).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«الخُرْفَة» بضم الخاء: ما يُخْتَرَفُ، أي: يُجْتَنَى من الثمار حين يُدْرَك، شبَّه -عليه الصلاة والسلام- ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه المخْتَرِفُ من الثمار، والمراد: أنه بِسَعْيِهِ إليه يستوجب الجنة ومَخَارِفَها، بإطلاق اسم المسبب على السبب. شرح مصابيح السنة (2/302).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
وذلك أنَّ عيادةَ المريضِ، والمَشْيَ إليه سببٌ إلى الجنّة، فعبَّرَ عن المُسَبَّبِ بالسَّبَبِ على أحدِ قسْمَي المجازِ، ترغيبًا في العيادة؛ لمَا فيها من الأُلْفَةِ؛ ولِمَا يدخُلُ على المريضِ من الأُنْسِ بعائِدِهِ، والسكونِ إلى كلامِهِ. المسالك في شرح موطأ مالك (7/ 464).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«الخُرْفَة» هي الثمرة إذا نضجت، شَبَّهَ ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه الذي يجتني الثمر، وقيل: المراد بها هنا الطريق.
والمعنى: أن العائد يمشي في طريقٍ تؤدِّيه إلى الجنة، والتفسير الأول أَوْلَى، فقد أخرجه البخاري في الأدب المفرد من هذا الوجه وفيه: «قلتُ لأبي قلابة: ما خُرْفَة الجنة؟ قال: جَنَاهَا»، وهو عند مسلم من جملة المرفوع. فتح الباري (10/113).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قيل: المراد بالخُرْفَة هنا: الطريق.
قال ابن جرير: وهو صحيح؛ إذ معناه عليه: أن عابِرَهُ لا يزال سالكًا طريق الجنة، لا أنه من الأمور التي يتوصل بها إليها. انتهى.
قلتُ: قد فسره -صلى الله عليه وسلم- لما قيل له: «وما خُرْفَة الجنة يا رسول الله؟ قال: جَنَاهَا». التنوير شرح الجامع الصغير (10/306).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
قال ابن الأنباري: شَبَّهَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يُحْرِزُه عائدُ المريض من الثواب بما يُحْرِزُه الْمُخْتَرِفُ من الثمر.
قلتُ: فيه بُعْد عن لفظ الحديث لا يخفى. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 618).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
والمراد: أنَّ العائد فيما يحوز من الثواب كأنه على نخيل الجنة يَخْرفُ ثمارها، أو يكون جزاؤه في الجنة ذلك، والمعنى الأول أظهر من العبارة. لمعات التنقيح (4/ 12).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقد فسَّرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بما هو المعروف في اللغة فقال: «هو جَنَاهَا»، أي: ما يَجْتَنِى منها. المفهم (6/550).
وقال محمد اليفرني -رحمه الله-:
وكله راجع إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «جناها»، وهو أصح وأثبت. الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب (2/ 20).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
المعنى: إن العائد فيما يحوزه من الثواب كأنه في بستان من الجنة، يجتني ثمار الجنة؛ من حيث إن فِعْلَه يُوجِب ذلك، وروي: «كان له خريف في الجنة» أي: مَخْرُوفٌ، فعيل بمعنى مفعول. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/419).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ومعنى هذا الحديث: أن عائد المريض بما يناله من أجر العيادة وثوابها الموصل إلى الجنة كأنه يجتني ثمرات الجنة، أو كأنه في مَخْرِفِ الجنة، أي: في طريقها الموصِل إلى الاختراف.
وسمِّي الخريف بذلك لأنه فصل تُخْتَرَفُ فيه الثمار. المفهم (6/550).

قوله: «حتى يرجع»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«حتى يرجع» أي: الثواب حاصل للعائد من حين يذهب للعيادة حتى يرجع إلى محله، ويُعْلَم منه أن من كان طريقه أطول كان أكثر ثوابًا، وليس المراد المُكث الكثير عند المريض؛ لما عُلم أَنه يطلب التَّخفيف في المُكث عنده.مرعاة المفاتيح (5/ 216).
قال النووي -رحمه الله-:
واتفق العلماء على فضل عيادة المريض. شرح مسلم (16/124).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
في هذا الحديث: فضل عيادة المريض، وهذا على عمومه في الصالح وغيره، وفي المسلم وغيره، والله أعلم.
وقد عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كافرًا.
وقد كره بعض أهل العلم عيادة الكافر؛ لما في العيادة من الكرامة، وقد أُمِرْنَا ألا نَبْدَأهم بالسلام، فالعيادة أَوْلَى أن لا تكون. التمهيد (24/ 276).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وعيادة المريض من أعمال الطاعات الكثيرة الثواب، العظيمة الأجر، كما دلت عليه هذه الأحاديث وغيرها.
وهي من فروض الكفايات، إذا مُنِعَ المرض من التصرُّف؛ لأنَّ المريض لو لم يُعَدْ جملةً لضاع وهلك، ولا سيما إن كان غريبًا أو ضعيفًا، وأما مَن كان له أهل فيجب تمريضه على مَن تجب عليه نفقته، فأمَّا مَن لا يجب ذلك عليه فمَن قام به منهم سقط عن الباقين. المفهم (6/550).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
عيادة المريض من الطاعات المرغَّب فيها، العظيمة الأجر، وقد جاء فيها هذا الحديث وغيره، وقد يكون من فروض الكفاية لا سيما المرضى من الغرباء ومَن لا قائم عليهم ولا كافل لهم، فلو تُركَتْ عيادتهم لهلكوا وماتوا ضرًّا وعطشًا وجوعًا، فعيادتهم تُطْلِعُ على أحوالهم، ويُتَذَرَّعُ بها إلى معونتهم وإعانتهم، وهي كإغاثة الملهوف، وإنجاء الهالك، وتخليص الغريق مَن حَضَرَها لَزِمَتْهُ، فمتى لم يُعَادُوا لم يُعْلَم حالهم في ذلك. إكمال المعلم (8/37).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
وجزم بعضهم بالوجوب على ظاهر الأمر بالعيادة فيما رواه البخاري: «أطعموا الجائع، وعُودُوا المريض، وفُكُّوا العاني (الأسير)»، وفيما رواه البخاري ومسلم: «حقُّ المسلم على المسلم خمس»، فذكر منها: «عيادة المريض»، ووقع في بعض روايات مسلم: «خمس تجب للمسلم على المسلم». فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/33).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
مِن حقّ المسلم على أخيه أن يعوده إذا مرض؛ لقوله: «وإذا مرض ‌فَعُدْهُ»، وهل هذا واجب أو لا؟ أكثر العلماء على أنه سُنة، والصواب أنه واجب كفائي، وأنه يجب للواحد من المسلمين أن يعوده المسلمون، وألا يتركوه؛ لأن هذا انفصام عُرى بين المسلم وأخيه، أخوك له مدة منحبس في بيته من المرض لا يعوده أحد من الناس! فالصواب: أن عيادته فرض كفاية، إذا علمتَ أن أحدًا لم يأت من الناس وجبَ عليك أن تذهب أنت بنفسك وتعوده.فتح ذي الجلال والإكرام(6/ 242).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
فيه: فضل عيادة المريض، وثواب العائد؛ ولما كانت العيادة مُفْضِية إلى مَخَارِفِ الجنة سُمِّيت بها، والجنى: ما يُجْتَنَى من الثمر. تطريز رياض الصالحين (534).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وعلى هذا الحديث وعمومه لا بأس بالعِيَادَة في كل وقت، وقد كرهها طائفة من العلماء في أوقات، قال الأثرم: سمعتُ أبا عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل- وقال له شيخ كان يخدمه: تجيء إلى فلان -مريض سماه يعوده-؛ وذلك عند ارتفاع النهار في الصيف، فقال: ليس هذا وقت عيادة. التمهيد (24/277).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
من فوائده: أنه إذا مرض مرضًا لا يُقعده فإن عيادته ليست حقًّا علينا، وجه ذلك: أن العيادة إنما تكون لمنحبس، وأما مَن كان يمشي مع الناس ويذهب ويجيء، لكن في عينه مرض أو في وجهه جرحٌ أو غير ذلك فهذا لا يُعاد، وإنما يُعاد مَن حُبس، ولم يذكر في هذا الحديث ماذا عليه عند العيادة هل يخفف العيادة أو يتباطأ فيها؟ هل يتكلم فيها؟ هل يسكت؟
يقال: يُراعى في ذلك حال المريض، إذا كان المريض يأنس لك، وتعرف أنه منشرح صدره، ويحب أن تبقى وأن تحدِّثه، فالأفضل أن تجلس وتحدثه، وأما إذا عرفت أنه قَلِقٌ، وأنه يحب أن ينفرد بأهله دون غيرهم من الناس فالأفضل التخفيف، كذلك أيضًا إذا رأيت من المناسبة أن تتلو عليه آيات تحث على الصبر، ويتبين له ثواب الصابرين، والأحاديث كذلك فافعل، فإنْ رأيت أنه يحب الكلام عما سبق وأنك تقول له: أتذكر يوم كذا ويوم كذا؟ فاعمل ما يدخل السرور عليه.فتح ذي الجلال والإكرام(6/ 243).


ابلاغ عن خطا