الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

كانَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ من ناحيتِهِ إلى ناحيتِهِ؛ يمسحُ مناكبَنَا وصدورَنَا، ويقولُ: «لا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكُم»، وكانَ يقولُ: «إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يُصلُّونَ على الصُّفوفِ المقدَّمَةِ».


رواه أبو داود برقم: (664)، والنسائي في السنن الكبرى برقم: (887) واللفظ له، وابن حبان برقم: (2161)، من حديث البراء بن عَازِب -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (1842)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (493، 502).


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخلَّل الصَّفَّ من ناحيته إلى ناحيته، يمسح مناكبنا وصدورنا»:
قال ابن رسلان-رحمه الله-:
«يتخلَّل ‌الصُّفوف» وهو مِنْ تخلَّلت القوم إذا دخلت بين خَلَلهم وخِلالهم «من ‌ناحية إلى ‌ناحية» من ‌الصَّفِّ، فـ«يمسح صدورنا» أي: يضع يده على صدورنا لتستوي صدورنا «ومناكبنا» في ‌الصَّفِّ، رواية ابن حبان: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتينا فيمسح عواتقنا وصدورنا». شرح سنن أبي داود (4/ 151).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «‌يتخلَّل ‌الصَّفَّ» أي: يدخل في أثنائه، ‌وأصل التَّخلُّل من إدخال الشَّيء في خلال الشَّيء، أي: وسطه، قوله: «يمسح» بدل من قوله: «‌يتخلَّل»، أو عطف بحذف حرف العطف، وحرف العطف قد يحذف. شرح سنن أبي داود (3/ 214).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
تخلَّل الصُّفوف هو: عبارة عن تسويتها. فتح القريب المجيب (3/ 595).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«كان رسول الله ‌يتخلَّل ‌الصَّفَّ» أي: يُذْهِبُ خَلَلَه نحو يتأثم ويتحنث، أي: يتحرَّج من الوقوع في الإثم والحنث «من ‌ناحية إلى ‌ناحية» أي: يستوعبه من سائر أطرافه «يمسح صدورنا ومناكبنا» بيده الكريمة؛ حتى لا يخرج بعضها عن بعض. دليل الفالحين (6/ 572).
وقال النووي -رحمه الله-:
«يمسح مناكبنا» أي: يُسوِّي مناكبنا في الصُّفوف، ويَعدِلُنا فيها. شرح مسلم (4/ 155).
وقال العيني -رحمه الله-:
وفي لفظ: «فيمسح عواتقنا وصدورنا» وعند السراج: «مناكبنا أو صدورنا»، وفي لفظ: «كان يأتي من ‌ناحية ‌الصَّفِّ إلى ‌ناحيته القصوى بين صدور القوم ومناكبهم»، وفي لفظ: «يمسح عواتقنا» أو قال: «مناكبنا» أو قال: «صدورنا». عمدة القاري (5/ 259).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخلَّل ‌الصَّفَّ» أي: يدخل خلال ‌الصُّفوف «من ‌ناحية إلى ‌ناحية» أي: فيمشي من ‌ناحية ‌الصَّفِّ إلى ‌ناحية أخرى «يمسح صدورنا ومناكبنا». بذل المجهود (3/ 611).
وقال الشيخ محمد الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «‌يتخلَّل ‌صفوفنا» أي: يمشي خلالها؛ ليأمر بأن لا تبقى فيها فرجة؛ وذلك سدُّ الخلل، والخلل ‌أصله النَّقص، والنَّقص في ‌الصَّفِّ عدم استوائه، أو بقاء الفُرَج وسطه، والتَّخلُّل أيضًا قد يكون: بسدِّ ‌وإصلاح الخلل، وفسَّره بعضهم بأنه يمشي بين ‌الصُّفوف، و(أل) في ‌الصُّفوف إمَّا أن تكون عهدية ذهنية، أو للجنس كما قال بعضهم في رواية: «‌‌يتخلَّل ‌الصَّفَّ». وقوله: «من ‌ناحية إلى ‌ناحية» أي: من جهة إلى جهة وجانب إلى جانب.. إلخ.
وفيه: استحباب مباشرة الإمام لتسوية ‌الصُّفوف بنفسه، وأن يؤخِّرَ الإحرام حتى ينتهي من تسويتها. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية بكشف أسرار السنن الصغرى النسائية (5/ 1672).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخلَّل الصُّفوف» أي: يدخل بينها، يقال: تخلَّلت القوم: إذا دخلت بين خَلَلهم، والخلل -بفتحتين-: الفرجة بين الشَّيئين، والجمع خلال، مثل جبل وجبال، قاله في (المصباح).
«من ناحية إلى ناحية» متعلَّق بـ«يتخلَّل» أو بمحذوف، حال من الفاعل، أي: حال كونه مبتدأ من جانب، ومنتهيًا إلى جانب آخر.
«يمسح مناكبنا وصدورنا» جملة في محلِّ نصب على الحال من الفاعل أيضًا، أي: يمرُّ يده على مناكبنا وصدورنا مبالغة في التَّسوية، حتى لا يتقدَّم أحد، ولا يتأخَّر. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (10/ 239).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
فيه من الفقه: استحباب تسوية الصُّفوف، وفيه أن الإمام يتولَّى ذلك بنفسه، وقد كان عمر -رضي الله عنه- يُسوِّي الصُّفوف بنفسه فيقول: تقدَّمْ يا فلان وتأخَّرْ يا فلان، وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يوكل رجلًا بتسوية الصُّفوف، فإذا أخبروه بالتَّسوية أحرم. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (3/ 585).

قوله: ويقول: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ويقول» يحتمل أن تكون الجملة معطوفة على جملة «يتخلل»، فتكون خبرًا لـ«كان»، ويحتمل أن تكون معطوفة على جملة «يمسح» فتكون حالًا. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (10/ 239).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
قوله: «لا تختلفوا» يجوز أن يكون من الاختلاف في صفوف الصَّلاة فيكون حضًّا على تعديل الصُّفوف، ويجوز أن يكون من الاختلاف في كُلِّ شيء من قول أو فعل، فإن الاختلاف داعية إلى اختلاف القلوب. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 110).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وقوله: «ولا تختلفوا ‌فتختلف ‌قُلُوبكُمْ» أي: أَنكُمْ إِذا اختلفتم بالظَّواهر عُوقِبْتُمْ باخْتلَاف الْقُلُوب، وَيحْتَمل: لَا تختلفنَّ ظواهركم، فَإِن اختلافها دَلِيل على اخْتِلَاف قُلُوبكُمْ. كشف المشكل (2/ 205).
وقال المُظْهِري -رحمه الله-:
يعني: أدبُ الظَّاهرِ ‌علامةُ ‌أدبِ ‌الباطن، فإن لم تتَّفقوا في الظَّاهر ولم تطيعوا أمرَ الله وأمرَ رسوله يقع من شؤم المخالفة اختلافٌ وكُدُورةٌ في قلوبكم، بحيث يَسرِي اختلافُ قلوبكم وكُدُورتُها إلى ظاهركم، فيقع بينكم عداوةٌ بحيث يُعرض بعضُكم عن بعضٍ. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 223).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«لا تختلفوا ‌فتختلف ‌قلوبكم» وذُكِرَ عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: «استووا فتستوي قلوبكم»، والتَّأويل الأحسن والوجه الأسدُّ أن نقول: نهاهم عن التَّسامح في اختلاف الأبدان دون القيام في صفِّ الصَّلاة بين يدي الله تعالى؛ فإنهم إذا فعلوا ذلك عوقبوا باختلاف القلوب، ويفضي بهم اختلاف القلوب إلى اختلاف الوجوه بإعراض بعضهم عن بعض. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 290).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
«لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» أي: هواها وإرادتها، وهذا يشمل اختلاف القول والفعل في الصَّلاة وغيرها، والمعنى: إذا تقدَّم بعضهم بعضًا في الصُّفوف تأثَّرت قلوبهم، ونشأ بينهم الخُلْف والتَّباغض. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (3/ 572).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قلتُ: القلب مَلِكٌ مطاع، ورئيس مُتَّبع، والأعضاء كُلُّها تبع له، فإذا صلح المتبوع صلح التَّبع، وإذا استقام الملك استقامت الرَّعيَّة، ويبيِّن ذلك الحديث المشهور: «ألَا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد، ألَا وهي القلب»، فالتَّحقيق في هذا المقام أن بين القلب والأعضاء تعلُّقًا عجيبًا، وتأثيرًا غريبًا بحيث أنه يسري مخالفة كُلٍّ إلى الآخر، وإن كان القلب مدار الأمر إليه، ألَا ترى أن تبريد الظَّاهر يؤثِّر في الباطن، وكذا بالعكس، وهو أقوى. مرقاة المفاتيح (3/ 849).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«‌فتختلف ‌قلوبكم» أي: أهويتها وإرادتها، وحينئذٍ تثور الفتن، وتختلف الكلمة، وتنحلُّ شوكة الإسلام والمسلمين، فيتسلَّط العدوُّ، ويفشو المنكر، وتَقِلُّ العبادات، وفي ذلك من المفاسد ما لا يحصى. دليل الفالحين (6/ 571).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ففي هذا دليل على وجوب تسوية الصُّفوف، وأنه يجب على المأمومين أن يُسوُّوا صفوفهم، وأنهم إن لم يفعلوا ذلك، فقد عرّضوا أنفسهم لعقوبة الله والعياذ بالله.
وهذا القول -أعني وجوب تسوية الصَّفِّ- هو الصَّحيح، والواجب على الأئمة أن ينظروا في الصَّفِّ، فإذا وجدوا فيه اعوجاجًا أو تقدُّمًا أو تأخُّرًا، نبَّهُوا على ذلك، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحيانًا يمشي على الصُّفوف يُسوِّيها بيده الكريمة -عليه الصلاة والسلام- من أوَّل الصَّفِّ لآخره، ولَمَّا كثر الناس في زمن الخلفاء، أمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رجلًا يُسوِّي الصُّفوف إذا أقيمت الصَّلاة، فإذا جاء وقال: إنها قد سُوِّيت كبَّر للصَّلاة، وكذلك فعل عثمان -رضي الله عنه- وكَّل رجلًا يُسوِّي صفوف الناس، فإذا جاء وقال: قد استوت كبَّر.
وهذا يدلُّ على اعتناء النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الرَّاشدين بتسوية الصَّفِّ. شرح رياض الصالحين (2/ 289-290).

قوله: «وكان يقول: إن الله وملائكته يصلُّون على الصُّفوف المقدَّمة»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «يصلُّون»... الصَّلاة من الله: الرَّحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن المؤمنين: الدُّعاء، والحديث أخرجه النسائي، وعند أحمد: «إن الله وملائكته يصلُّون على الصَّفِّ الأوَّل». شرح سنن أبي داود (3/ 214).
وقال النووي -رحمه الله-:
واعلم أنَّ الصَّفَّ الأوَّل الممدوح الذي قد وردت الأحاديث بفضله والحثِّ عليه هو الصَّفُّ الذي يلي الإمام، سواء جاء صاحبه متقدِّمًا أو متأخِّرًا، وسواء تخلَّله مقصورة ونحوها أم لا، هذا هو الصَّحيح الذي يقتضيه ظواهر الأحاديث، وصرَّح به المحقِّقون.
وقال طائفة من العلماء: الصَّفُّ الأوَّل هو المتَّصل من طرف المسجد إلى طرفه، لا يتخلَّله مقصورة ونحوها، فإنْ تخلَّل الذي يلي الإمام شيء فليس بأوَّل، بل الأوَّل ما لا يتخلَّله شيء وإن تأخَّر.
وقيل: الصَّفُّ الأوَّل عبارة عن مجيء الإنسان إلى المسجد أوَّلًا، وإن صلى في صفٍّ متأخِّر، وهذان القولان غلط صريح، وإنما أذكره ومثله لأنبِّه على بطلانه؛ لئلا يُغترَّ به، والله أعلم. شرح مسلم (4/ 160).
وقال العيني -رحمه الله- مُعلِّقًا على النووي:
قلتُ: لفظ الأوَّل من الأمور النسْبيَّة، فيُطلقُ على كُلِّ صفٍّ في المَسْجد من عند الإمام إلى أن ينتهي إلى آخر الصُّفوف، فآخر الصُّفوف هو نقيض كُلِّ صفٍّ قبله إلى الإمام، فيُطلقُ على كُلِّ واحد من الصُّفوف غير الصَّفِّ الأخير أنه خير الصُّفوف. شرح أبي داود (3/ 231-232).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وكان يقول: إن الله وملائكته ‌يصلُّون» أي: يستغفرون «على ‌الصُّفوف الأُوَل» وفي رواية النسائي: «‌الصُّفوف المتقدِّمة» ولابن حبان: «على ‌الصَّفِّ الأوَّل»، وروى البزار عن أبي هريرة «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استغفر ‌للصَّفِّ الأوَّل ثلاثًا، وللثَّاني مرَّتين، وللثَّالث مرَّة». شرح سنن أبي داود (4/ 151).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وكان يقول» حثًّا على تكميل ‌الصُّفوف والمبادرة إلى الأقرب منها للإمام: «إن الله وملائكته ‌يصلُّون على الصُّفوف الأُوَل» بضمٍّ ففتح، أي: بأن يكونوا في غير الأخير، وتسمية ما بين الصَّفِّ الأوَّل وهو الذي يلي الإمام والأخير صفوفًا أُوَل مجاز؛ لأنها كذلك بالنَّظر للأخير، ففيه تأكيد إتمام ‌الصَّفِّ الأوَّل ثم الثَّاني وهكذا، ‌فالصُّفوف الأُوَل خير ‌الصُّفوف للرِّجال وعكسه للنساء. دليل الفالحين (6/ 572).
وقال السندي -رحمه الله-:
«على الصُّفوف المتقدِّمة» أي: على ‌الصَّفِّ ‌المتقدِّم ‌في ‌كُلِّ ‌مسجد، أو في كُلِّ جماعة، فالجمع باعتبار تعدُّد المساجد، أو تعدُّد الجماعة، أو المراد الصُّفوف المتقدِّمة على الصَّفِّ الأخير، فالصَّلاة من الله تعالى تشمل كُلَّ صفٍّ على حسب تقدُّمه، إلا الأخير، فلا حظَّ له منها؛ لفوات التَّقدُّم، والله أعلم. حاشية السندي على سنن النسائي (2/ 90).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
والمعنى هنا: أن الله تعالى يثني على أهل الصُّفوف المتقدِّمة عند ملائكته، أو ينزل رحمته عليهم، وتدعو لهم الملائكة، وتستغفر لهم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (10/ 241).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
فيه غاية التَّهديد والتَّوبيخ، أي: واللَّه لا بُدَّ من أحد الأمرين؛ إمَّا تسويتكم صفوفكم، أو أن اللَّه تعالى يخالف بين وجوهكم، فلا بُدَّ أن تُسوُّوها وإلَّا تقع المخالفة المذكورة. لمعات التنقيح (3/ 218).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «‌فتختلف» فيه أن القلب تابع للأعضاء، فإن اختلفت اختلف، فإذا اختلف فسد، ففسدت الأعضاء؛ لأنه رئيسها. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1141).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه أن اختلاف الأبدان سبب لاختلاف القلوب؛ وذلك عقوبة من جنس المعصية كما هي سُنَّة الله تعالى، واختلاف القلوب منشأ كُلِّ بلاء وفتنة، كما أن سلامتها سبب كُلِّ خير ونعمة؛ ولذا امتنَّ الله على عباده بتأليفه بين قلوبهم، وأخبر أن رسوله رسول -صلى الله عليه وسلم- لو أنفق ما في الأرض جميعًا ما ألّف بين قلوبهم، وهذا الوعيد دليل وجوب تسوية الصُّفوف، وقد عضَّدته عدَّة أحاديث. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 349-350).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي-رحمه الله-:
فإن قلتَ: هذا الحديث يدلُّ على أن القلب تابع للأعضاء، ففسادها سبب لفساده، وحديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- المتَّفق عليه: «ألَا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كُلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كُلَّه، ألَا وهي القلب» يدلُّ على أن الأعضاء تابعة للقلب، ففساده فساد لها، فكيف يجمع بينهما؟
قلتُ: يجاب بأن الاختلاف في الظاهر ناشئ عن فساد القلب؛ وذلك أن عدم إقامة الصُّفوف يدلُّ على عدم الاعتناء بالسُّنَّة، وعدم الاعتناء بها يدلُّ على غفلة القلب وفساده؛ لأن من كان قلبه حيًّا صالحًا مُنَوَّرًا بنور الإيمان يكون مُتَّبِعًا للسُّنَّة في جميع أفعاله، والعكس بالعكس، فثبت بهذا ترتُّب الاختلاف الظَّاهريِّ على الفساد الباطني، ثم ينشأ من هذا الاختلاف الظَّاهريِّ المتسبِب عن فساد القلب الاختلافُ الباطنيُّ بمعنى آخر، وهو وقوع العداوة والبغضاء والتَّحاسد فيما بينهم.
فظهر بهذا أن فساد القلب أوّلًا بالإعراض عن السُّنَّة هو الأصل؛ لاختلاف الظَّاهر بعدم إقامة الصُّفوف، الذي ينشأ عنه اختلاف الباطن بالعداوة والبغضاء والتَّحاسد، ونحوها، فاختلف جهة فساد القلب؛ فالفساد الأَوَّل: هو الغفلة عن الله، والإعراض عن اتِّباع السُّنَّة، والفساد الثَّاني: هو الفساد الذي يكون بينهم من الأشياء المذكورة، فالفساد الثَّاني نتيجة الفساد الأوَّل، وبهذا يحصل الجمع بين الحديثين. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (10/ 202- 203).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا